صراع جديد بين النقابات ووزارة التربية لتحسين وضعية المربّي التونسي | خالد هدوي
تونس – انطلق الصراع بين نقابات التعليم ووزارة التربية في وقت مبكر هذا الموسم، فبالموازاة مع بداية السنة الدراسية الحالية، تعالت أصوات النقابات الداعية إلى التزام الوزارة بتنفيذ جملة من المطالب تهم المربّين والقطاع، وسط دعوات إلى تنظيم احتجاجات في كامل أنحاء البلاد.
ودعت الجامعة العامة للتعليم الأساسي الخميس كافة الهياكل القطاعية إلى الدخول في تحركات احتجاجية تنطلق بتنظيم يوم غضب جهوي يوم السادس والعشرين سبتمبر الجاري يتوج باعتصامات جهوية إلى غاية يوم الثامن والعشرين من نفس الشهر، يليها يوم غضب وطني أمام وزارة التربية ثم بساحة القصبة.
ناجي جلول: نقابات التربية هي أحزاب سياسية لها أجندات وأساءت للتعليم
وأكدت الجامعة في بيان نشرته على صفحتها بفيسبوك أن ذلك يأتي لمواجهة ما اعتبرته “صلفا غير مسبوق لوزارة التربية وصمتها واستهتارها بمطالب القطاع”، حاثّة منظوريها على الإعداد الجيد ليوم الغضب الوطني وعلى عقد لقاء جهات بمقرها إثر التجمع بالقصبة للتباحث في السبل الكفيلة بحماية منظوريها والدفاع عن حقهم الشرعي في عمل لائق.
واستنكرت الجامعة إصدار وزارة التربية مذكرة قالت إنها “دُبرت بليل” وتقضي بإطلاق صفة هجينة على زملائهم المتعاقدين والوقتيين والمتربصين، معتبرة أن الوزارة “ضربت بالنصوص الترتيبية والتعاقدية عرض الحائط وأنها أبدت بذلك إصرارها على إذلالهم”.
كما طالبت الجامعة بتمكين خريجي الإجازة التطبيقية (دفعة 2021) من “تسمياتهم القانونية والتعجيل بتعيينهم”، مذكّرة بـ”مواقفها المبدئية غير القابلة للتشغيل الهشّ على اختلاف تمظهراته (التعاقدي والوقتي)” وتمسكها بالعمل القار.
وغذت الصراعات المستمرة بين النقابات الأساسية للتعليم ووزارة التربية الأزمة، ومع انطلاقة كل موسم دراسي سرعان ما تطفو على السطح مطالب الأساتذة والمعلّمين المطالبة بالترفيع في الرواتب أو النظر في وضعيات التشغيل، فضلا عن مطالب نقابية تتعلق بالقطاع.
ويقول مراقبون إن الصراع النقابي – التربوي سيظل قائما ما دامت الدولة لم تطوّر مستوى الوضع الاجتماعي والمهني للمربّين، وسط إقرار بوجود صبغة سياسية في نشاط النقابات.
ويرى هؤلاء أن نقابات التعليم لم تستوعب بعد آليات العمل النقابي في وجود الممارسة الديمقراطية، محمّلين الدولة مسؤولية تردي أوضاع التعليم الذي فاقم الصراع بين النقابات ووزارة التربية.
وقال وزير التربية السابق ناجي جلول إن “نقابات التربية هي أحزاب سياسية لها أجندات، وأساءت للتعليم، كما أن المشكلة في التربية هيكليّة، وأول من أساء للتعليم هي الدولة، وعندما نلاحظ أن 97 في المئة من ميزانية الوزارة تخصص للرواتب ندرك مدى حدّة مشاكل هذا القطاع”.
وأضاف لـ”العرب” أنه “من الضروري اليوم مضاعفة رواتب رجال التربية نظرا إلى الضغوطات الاجتماعية والمهنية، والمعلمون في الأرياف خصوصا يفتقرون إلى أبسط الأشياء، كما أن نقابات التربية طالبت بإقالة كل الوزراء”.
وتابع جلّول “ما دام الوضع الاجتماعي للمربي متردّيا، فلن يقف الصراع بين النقابات ووزارة التربية، والدولة تخصص 20 في المئة من الميزانية العمومية للتربية لكنها لا تملك تعليما جيدا، في حين هناك دول تخصص 10 في المئة من ميزانيتها لهذا القطاع وتملك أفضل تعليم من حيث الجودة”.
نقابات التعليم لم تستوعب بعد آليات العمل النقابي في وجود الممارسة الديمقراطية، والدولة تتحمل مسؤولية تردّي أوضاع التعليم
وأشار إلى أن “النقابات لم تفهم بعد نوعية العمل النقابي في عهد الديمقراطية، والمستفيد الأول من هذا الصراع هي المؤسسات التربوية الخاصة والمدارس الفرنسية والكندية وغيرها”، لافتا إلى أن “الولي تخلى عن دوره، ولم نر يوما إضرابا من أجل التربية، كما أننا نملك تعليما موازيا في تونس”، موضّحا أن “الدولة تتحمل مسؤولياتها بعدم توفير الإمكانيات اللازمة للتربية، وهناك قرابة 16 ألف مربّ نائب في وضعية اجتماعية صعبة”.
واستطرد جلول “وزير التربية لا يملك الكثير من الحلول لإنقاذ التعليم، ولا بدّ من اكتتاب وطني للتربية، كما أن أزمة نقابات التربية هي بالأساس أزمة اليسار التونسي”.
وثمة إجماع في تونس على تراجع مستوى الخدمات العمومية بعد ثورة يناير 2011، في مقدمتها الصحة والتعليم والنقل واللوجيستيك، وساهم تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في تآكل الطبقة الوسطى لتلتحق بطبقة الفقراء و”المسحوقين” اجتماعيا، كما أثر الصراع النقابي على الرأي العام ودفع جزءا كبيرا من العائلات للجوء إلى التعليم الخاص.
وقال المربي والناشط المجتمعي عامر الجريدي “من المعلوم أنّ الأوضاع المادية وحتى المعنوية للمدرّس بلغت مستوى لا يليق بالمدرسة ولا بالمنظومة التربوية التعليمية، إذ لا تعليم ناجزا دون مدرّس مُهاب ووضعية مادّية محترمة له”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “مطالب تحسين وضعية المدرّسين تبقى مشروعة، إذ أن المدرّس هو أب وأم كلّ من هبّ ودبّ وكبُر وتبوّأ مركز الإنتاج والقيادة في المجتمع، إلاّ أنّ ضرورة تحسين الوضعية المادية للمدرسين تقابلها دولة في أدنى قدراتها التسييرية والمالية”.
عامر الجريدي: الوضعية أشبه ما تكون بالسّرياليّة التي يتقابل فيها حقّ وشرعية
وتابع “الديمقراطية المغشوشة والانتهازية السياسية والانفلات المجتمعي غدرت بجهود تأسيس منوال تنمية مستديم وكريم، ولن ينشأ ويستقيم دون منظومة تعليمية جديدة ووضعية محترمة للمدرسين، وعليه فإنّ وضعية المالية العمومية المكبّلة بالديون الخارجية والداخلية والارتهان لصناديق النقد وتراجع الإنتاج تجعل من تحسين رواتب الموظفين شبه مستحيلة”.
وأردف الجريدي “الوضعية أشبه ما تكون بـ’السّرياليّة’ التي يتقابل فيها حقّ وشرعية المطالب بحقّ المتعلّمين (ومن ورائهم الأولياء) في تعليم متّصل وجيّد ليجد طرفا العملية التعليمية نفسيهما خارج غاية العملية التربويّة التي تصبح رهينة تضارب الحقوق والمطالب بينهما، وهذه الوضعية المأساوية لا فائز فيها: فلا المدرس سيظفر بزيادة في الراتب (وإن حصلت، فهي لن تحسّن من وضعيته المادية ولا المعنوية التي يقابلها الارتفاع الجنوني في الأسعار بفعل التضخم المالي)، ولا التلميذ (في التعليم العمومي) سيهرب من تبعات انقطاع الدروس، وستزيد الوضعية في تأزيم الأوضاع وفي جنوح من به يسرُ حال من الأولياء إلى ‘الهروب’ بأبنائهم إلى مؤسسات التعليم الخاص، ما يؤكّد تدنّي صورة المدرسة العمومية”.
وسبق أن قال نبيل الحمروني الكاتب العام المساعد للجامعة العامة للتعليم الثانوي في تصريح لإذاعة محلية إن “العودة المدرسية لن تكون سلسة وعادية بل ستكون مضطربة وصعبة جدا”.
وراهنت الدولة التونسية منذ الاستقلال في مارس 1956 على مجانية التعليم وإجباريته على الجميع إناثا وذكورا للقضاء على الأمية التي كانت متفشّية في البلاد في خمسينات القرن الماضي.
#صراع #جديد #بين #النقابات #ووزارة #التربية #لتحسين #وضعية #المربي #التونسي #خالد #هدوي
تابعوا Tunisactus على Google News