صندوق النقد الدولي : المفاوضات الحاسمة
تونس – صندوق النقد الدولي : المفاوضات الحاسمة
تستعد الحكومة التونسية لانطلاق جولة من المفاوضات مع صندوق النقد الدولي نهاية هذا الأسبوع في واشنطن ، مفاوضات ستعمل على حشد الدعم لمساندة برنامج تونس للإصلاح الاقتصادي من خلال التحدث مع شركاء تونس الاقتصاديين والشركاء الاستراتيجيين حسب ما أكده رئيس الحكومة هشام المشيشي .
هي مفاوضات حاسمة لتونس في ظل تراجع نسبة النمو الى 8.8 بالمائة خلال سنة 2020 و تسجيلها لعجز في الميزانية يقدر ب 40.11 بالمائة ، و في ظل هذه الصعوبات الاقتصادية قدم صندوق النقد الدولي في تقريره حول اختتام المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي مشاورات المادة الرابعة 1 مع تونس الصادر في فيفري 2021 جملة من التوصيات لتونس على غرار : خفض العجز المالي، خفض فاتورة الأجور ، الحد من دعم الطاقة مع إعطاء أولوية للإنفاق على الصحة العامة والاستثمار وحماية الإنفاق الاجتماعي الموجه للمستحقين ، تعزيز عدالة النظام الضريبي ، تشجيع القطاع الخاص و تنفيذ إصلاحات واسعة النطاق للمؤسسات العمومية.
في هذا الاطار و في تصريح لبيزنس نيوز اليوم الثلاثاء 27 افريل 2021 أشار وزير المالية الأسبق نزار يعيش الى صعوبة المرحلة الحالية بسبب تراكمات الازمات الاقتصادية السابقة و أيضا بسبب الازمة الصحية التي تعيشها تونس منذ سنة 2020 :” ما تعيشه تونس اليوم لا يعود فقط الى الازمة الصحية بل الى تراكمات سبقت ظهور فيروس كورونا فمع بداية سنة 2020 وقبل ظهور الفيروس في تونس سجلنا نسبة نمو ب 2.2- بالمائة و خلال سنة 2019 بلغت نسبة النمو حوالي 0.1 بالمائة و هي مؤشرات ضعيفة تدل على ازمة اقتصادية ” و في نفس الوقت ابدى نزار يعيش تفاؤله و ثقته في وجود الحلول المناسبة لإنقاذ الاقتصاد الوطني.
و تجدر الإشارة انه و بالنظر الى ميزانية 2021 على الحكومة التونسية توفير موارد مالية بقيمة 18.7 مليار دينار عن طريق القروض الداخلية و الخارجية : القروض الداخلية 5.6 مليار دينار و القروض الخارجية 13.1 مليار دينار ، الا انه و بحسب وزير المالية الأسبق قد تلجأ تونس الى الاقتراض اكثر :” بزيادة بحوالي 3 او 4 مليار دينار ” و يبقى حصول تونس على القروض رهين التزامها بتعهداتها حسب تعبيره.
وحول المفاوضات مع صندوق النقد الدولي شدد محدثنا على ضرورة ان يكون البرنامج الذي ستقدمه تونس للشريك المالي استراتيجيا و ذو رؤية واضحة :”برنامج عملي تطبيقي ، طموح ومفصل ” مع التركيز على الجانب الاقتصادي و الاجتماعي و أوضح نزار يعيش الذي اكد معارضته لسياسة التداين و دعمه لهذه المفاوضات ان المرحلة الحالية تقتضي اللجوء الى صندوق النقد الدولي وهو :” مرور ضروري ” وفق تعبيره.
و خلافا لما تم تداوله خلال الأسابيع القليلة الماضية حول قيامه بإيقاف البرنامج مع صندوق النقد الدولي اثناء توليه لحقيبة وزارة المالية نفى نزار يعيش إيقافه لاي برنامج مع الصندوق :” انما انتهت مدة البرنامج في ذلك الحين في شهر مارس 2020 ” مشيرا في ذات السياق الى المجهودات التي بذلتها وزارة المالية في ظل حكومة الياس فخفاخ مع البنك المركزي في اطار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي و التي تحصلت تونس من خلالها على قرض بقيمة 745 مليون دولار بنسبة تفاضلية الامر الذي مكن من مدخرات بقيمة 236 مليون دينار ، و يذكر ان صندوق النقد الدولي كان قد توجه برسالة شكر وتهنئة لوزير المالية الأسبق بعد نهاية عهدته في سبتمبر 2020.
اما بالنسبة للحلول الممكنة في ظل هذه الازمة الاقتصادية يرى نزار يعيش ان الحلول تكمن بالأساس في التركيز على الجوانب الاقتصادية بمختلف قطاعاتها و جوانبها فالمرحلة الحالية لا تحتاج فقط الى برنامج انقاذ وطني :” بل الى ميثاق وطني للإنقاذ ” ، و مع هذا الميثاق من الضروري العمل على بناء نظرة جديدة تقوم على توافق جميع الأطراف من حكومة و أحزاب و منظمات وطنية و جمعيات من اجل تقديم مقترحات تطبيقية :” كفانا من التنظير نحن اليوم بحاجة الى حلول فعلية تطبيقية و الحلول موجودة ” .
و يعتبر نزار يعيش ان السوق الافريقية مهمة للغاية بالنسبة لتونس بالنظر الى حاجيات السوق الافريقية و قدرة بلادنا للاستجابة لهذه الحاجيات و المتطلبات :” تونس لديها القدرة لكي تصبح مركزا للتنمية و التربية في افريقيا لدينا جميع المؤهلات ” و أضاف يعيش في نفس السياق :” تونس لديها القدرة على ان تصبح باب أوروبا لإفريقيا ” .
و تجدر الإشارة في هذا الاطار الى ان المبادلات التجارية مع افريقيا تبقى متواضعة مقارنة بالاتحاد الأوروبي حيث يبلغ حجم التجارة التونسية مع الدول الافريقية 5 بالمائة من حجم المبادلات التجارية ، في المقابل تصل نسبة التبادل التجاري مع الاتحاد الأوروبي الى حدود ل 50 بالمائة ، وجب التذكير أيضا ان تونس كانت قد صادقت يوم 22 جويليا 2020 على اتفاقية منطقة التبادل التجاري الحر الافريقية و انطلقت المبادلات التجارية في اطار هذه الاتفاقية يوم 1 جانفي 2021 و ستمكن هذه الاتفاقية من تطوير العلاقات التجارية بين تونس و الدول الافريقية خاصة بالنظر الى عدد الدول الموقعة على هذه الاتفاقية و هي 54 دولة أي حوالي 1.2 مليار شخص بحجم مبادلات تفوق 2500 مليار دولار .
و من بين الحلول الأخرى التي اقترحها نزار يعيش لإنقاذ الاقتصاد التونسي ، أوضح محدثنا انه من المهم التوجه الى سياسة دمج الاقتصاد غير الرسمي ، تكريس الاليات اللازمة لمكافحة التهرب الضريبي ، تبسيط الإجراءات الإدارية ، تحسين مناخ الاستثمار و الاعمال مع التأكيد على أهمية الشراكة بين القطاع العام و الخاص و على الانتقال الطاقي لما له من مزايا و قدرة على لما له من قدرة على خلق مواطن شغل و دعم الاقتصاد الوطني قائلا :” النمو الاقتصادي يجب ان يكون عادلا و متكافئا و مدمجا ” أيضا شدد نزار يعيش على أهمية استعادة العلاقات التجارية مع ليبيا :” ليبيا جزء كبير من الحل ” مؤكدا على ضرورة تطوير قطاع التصدير في هذه المرحلة .
و تعد هذه المقترحات ابرز محاور الحوار الاقتصادي الذي اقترحه يعيش على رئيس الجمهورية يوم 24 مارس 2021 حيث تقدم وزير المالية الأسبق مقترح إرساء منظومة إعلامية تونسية جديدة متطوّرة تُمكّن من طرح هذه التصوّرات وغيرها في إطار حوار وطني ، ولقي المقترح ترحيبا من رئيس الجمهورية قيس سعيد و الذي ابدى استعداده للإشراف على الحوار :”بما يُمكّن من بلورة مقترحات ومطالب تنطلق من المستوى المحلّي ثمّ تتمّ صياغتها لاحقا من قبل مختصين في كافة المجالات على المستويين الجهوي والوطني للتوصّل إلى مخرجات متناغمة ومتناسقة ” حسب ما أكده بلاغ لرئاسة الجمهورية.
و اكد صندوق النقد الدولي ثقته في تونس وهو ما جاء على لسان مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، في مراسلة وجهتها الى رئيس الحكومة هشام المشيشي يوم الجمعة 23 أفريل 2021، و التي قالت فيها ان صندوق النقد الدولي سيظل شريكا موثوقا به لتونس ، لكن تبقى هذه الثقة رهينة التزام تونس بالإصلاحات الاقتصادية و تنفيذها لتوصيات صندوق النقد الدولي خاصة فيما يتعلق بإصلاح المؤسسات و تحسين مناخ الاستثمار و دعم الشراكة بين القطاع الخاص و العام .
رباب علوي
تابعوا Tunisactus على Google News