صور/ موكب تأبين المخرجة السينمائية مفيدة التلاتلي
انتظم اليوم الاثنين 08 فيفري 2021 موكب تأبين المخرجة السينمائية القديرة مفيدة التلاتلي التي وافتها المنيّة صباح يوم أمس الأحد 07 فيفري 2021، وكان ذلك بحضور عائلة الفقيدة وعدد من أصدقائها وثلة من السينمائيين والمنتجين والشخصيات الثقافية.
وفيما يلي نصّ كلمة التأبين :
بسم الله الرحمان الرحيم
الله أكبر … الله أكبر … الله أكبر
وإنا لله وإنا إليه راجعون
نقف اليوم بقلوب خاشعة ونفوس يغمُرُها الرضا بقضاء الله وقدره، لنودّع امرأة استثنائية خُلُقا وتعاملا وتواصلا وأثرا طيبا في نفوس كل من عرفها وعايشها وعمل معها واقترب منها ومن عالمها الرائع..
هي الإنسان بكل ما تحتمله الكلمة من معان راقية وما تختزله من مبادئ سامية.. فقيدة الساحة الثقافية والسينمائية المخرجة الكبيرة مفيدة التلاتلي.
هي امرأة تونسية أصيلة، مفعمة بحب هذا الوطن وشعبه.. معبّرةٌ بثقافتها وفنها عن همومه وقضاياه الاجتماعية، التي مثلت أحد أركان شخصيتها وهواجسها النبيلة ورسالاتها التي آمنت بها..
خلّدت اسمها بأحرف من ذهب في تاريخ السينما التونسية وطنيا ودوليا ورسمت بعزيمتها وإرادتها وتميّز شخصيتها، مسيرة حافلة ذات بصمة إبداعية مخصوصة في عالم السمعي البصري كتابة وإنتاجا وإخراجا، أينعت بذورها منذ تخرُّجها من أكاديمية باريس للفيلم عام 1965 لتعمل في التليفزيون الفرنسي كمحررة نصوص ومديرة إنتاج قبل أن تعود إلى تونس في عام 1972 لتبدأ مسيرة حافلة بالنجاحات، استهلتها بالعمل في المونتاج السينمائي في أعمال لكبار المخرجين، ذات صيت ومكانة فنية عربيا ودوليا، على غرار”ذاكرة خصبة” للفلسطيني ميشال خليفي و”الحلفاوين” لفريد بوغدير و”باب فوق السماء” للمغربية فريدة بليزيد و غير ذلك كثير..
وتألقت بعد ذلك كأبهى ما يكون عندما اتجهت إلى الكتابة والإخراج… فلاقى باكورة أفلامها “صمت القصور” نجاحا مُبْهِرا موضوعا ونصا وحياكة لينال التانيت الذهبي في مهرجان أيام قرطاج السينمائية سنة 1994 وحصل على تنويه خاص من مهرجان “كان” السينمائي الدولي، وجائزة الكاميرا الذهبية في السنة نفسها.
وقد أعلن هذا الشريط ميلاد مبدعة متميزة ذات حس مرهف ورؤية عميقة في التطرق لعديد القضايا الاجتماعية النابعة من صميم الواقع التونسي فضلا عن قدرة عالية في اكتشاف عديد الوجوه السينمائية الجديدة وصقل المواهب الفنية الناشئة وحسن توجيهها، ولنا في الممثلة المتفوقة هند صبري خير مثال على ذلك.
وحصدت عن فيلم صمت القصور الذي تناولت فيه بجرأة نادرة وفيض من التعبير معاناة النساء في الخمسينات، نحو عشرين تتويجا أبرزها جائزة أفضل إخراج وأفضل دور نسائي في مهرجان دمشق السينمائي عام 1995 إضافة إلى أكبر جائزة في مهرجان لندن.
وتواصل إشعاع هذا الفيلم ليتم تصنيفه ضمن أحسن 100 فيلم سينمائي للمخرجات النساء في العالم عبر التاريخ، في أكبر استطلاع دولي أجرته هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” سنة 2019 الذي شارك فيه خيرة خبراء السينما في العالم من مختلف المجالات.
ونالت كذلك التقدير والحظوة المستحقة عن شريط”موسم الرجال” سنة 2000 وشريط “نادية وسارة” سنة 2003.
الله أكبر … الله أكبر … الله أكبر
لقد حازت فقيدتنا بتميّز أعمالها وإتقانها ومثابرتها، حبّ من عرفها وتعامل معها ونالت الاحترام والإعجاب أينما حلّت، وكانت أهلا للتكريمات والأوسمة التي تقلّدتها في عديد المهرجانات الوطنية والعربية والدولية اعترافا بإبداعها وقيمة ما قدمته للسينما والثقافة التونسية والعربية..
وتمّ اختيارها سنة 2001 عن جدارة واقتدار ضمن هيئة تحكيم مهرجان “كان” ذي الصيت العالمي وفي ذلك اعترافٌ بالغ بمكانتها ومكانة المرأة التونسية من خلالها قيمة وقامة في عالم السينما وقد كرمها المهرجان نفسه سنة 2008.
كما تمّ اختيارها مطلع سنة 2011 لتقلّد منصب وزيرة للثقافة اعتبارا لسعة اطلاعها ومكانتها وقدرتها على تقديم الإضافة المرجوة في الشأن الثقافي.
تغمّد الله الفقيدة مفيدة التلاتلي بواسع رحمته وأسكنها فسيح جناته وألهمنا وأهلها وأحبابها والعائلة السينمائية والثقافية جميل الصبر والسلوان.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
تابعوا Tunisactus على Google News