عاشوراء في السعودية.. آفاق النقاشات المشرعة!
وسط إجراءات أمنية وتنظيمية، وتعاون بين الأهالي والجهات الرسمية المختصة، أقام السعوديون الشيعة مراسم عاشوراء في مدن وقرى مختلفة من المملكة، وهي العادة السنوية للمسلمين الشيعة، إحياء لذكرى مقتل الإمام الحسين بن علي (61 هـ).
في السعودية، لا يقتصر الأمر بين المواطنين في المنطقة الشرقية تحديداً، خصوصاً في القطيف والأحساء والدمام، على المجالس الحسينية ومراثي العزاء، بل هنالك حراك ثقافي واجتماعي مهم جداً، يعكس تنوعاً فكرياً، ووجهات نظر متعددة، تنقضُ المقولة النمطية التي تصور السعوديين الشيعة وكأنهم مجتمع ذو صوت واحد، يمشي خلف توجيهات رجال الدين دون مناقشة أو مساءلة فيما الحيوية التي تشهدها السجالات البينية العاشورائية، تقولُ غير ذلك!
سعوديون يحيون مراسم عاشوراء في محافظة القطيف (تصوير: مالك سهوي)
الفيديو الحدث!
انتشر مقطع مصور لشابة من أهالي محافظة القطيف، تدعى عقيلة الخنيزي، انتقدت فيه بعض الممارسات “الخرافية” لعدد من خطباء المنبر الحسيني، ممن يستخدمون “الأحلام” للتأثير على المستمعين، واستمالة عواطفهم، معتبرة أن ذلك الأمر إساءة للمنبر ورسالة الإمام الحسين بن علي.
الخنيزي التي تقول إن الفيديو الذي انتشر تم اقتطاع أجزاء منه، واختزاله، وترويجه وكأنه مقطع واحد، كتبت في حسابها بمنصة “تويتر” في 5 أغسطس الجاري، ما نصه “ردا على المقطع المتداول فهو في حقيقة الأمر مقتطع وليس كاملا وفيه تم إيضاح انتقادي لفئة (الملالي) وليست الشيوخ ممن يمارس ممارسات لا تليق بالمنبر ومنها طلبت الرقابة من المرجعية وغيرها لذلك وأشدت بالبعض ممن يرتقي بفكر المتلقي والمستمع مثل سيد منير والشيخ البناي حفظهم الله والوائلي”، مضيفة “لم يتم التعميم إطلاقا وأعتذر إن كان الإيضاح جاء بنهاية المقطع وليس بدايته.. أرجو عدم نشر المقطع وحذفه لما فيه من إثارة للفتن والطائفية وتحقيق لغرض المفسدين في البلد وجزاكم الله خيرا”. كما عادت وتحدثت لصحيفة “صبرة” الإلكترونية، عن تفاصيل أكثر حول الفيديو الذي انتشر لها، وأثار ردود فعل متضادة، بين مؤيد ومعارض.
كثيرون لا يعتبرون المشكلة فيما تحدثت به الخنيزي في الفيديو المتداول، وإنما في الاستخدام المؤدلج والمذهبي، سواء من بعض المؤيدين أو رهطٍ من المنتقدين.
فريق من المؤيدين استخدم الفيديو في حملة نقدانية عبر منصات التواصل الاجتماعي، وهي الحملة التي انزاحت لتأخذ أبعاداً طائفية، عوضَ أن تكون ذات نزعة تصحيحية أو تطويرية لبعض الخطابات الخرافية في المنبر، وهو الأمر الذي أثار حمية الجمهور المضاد، الذي خرجت منه ردات فعل بعضها عنيف، وكان مردُ ذلك الغضب المبالغ فيه، الشعور بوجود سياق مذهبي موجه لأغراض غير علمية أو منهجية.
سعوديون يحيون مراسم عاشوراء في محافظة القطيف (تصوير: مالك سهوي)
في المقابل، هنالك من دافع عن حديث عقيلة الخنيزي، واعتبره رغم اجتزائه لا يحمل أي إساءة لموسم عاشوراء، وأن النقد حق مكفول للجميع.
“ابنتي عقيلة الخنيزي.. لستِ وحدك”، كان عنوان مقال يدافع عن الخنيزي في صحيفة “صبرة” كتبه محمد حسن آل هويدي.
مقالاتُ صبرة!
لم يكن مقال آل هويدي هو الوحيد الذي نشرته صحيفة “صبرة”، بل شكلت في فترة “عاشوراء” ما يشبه مساحة للنقاشات المتعددة، دافعة بالمناقدة المجتمعية نحو الأمام، وإن بقت في أوساط المهتمين بـ”تطوير الخطاب المنبري” أو مساجلته من أجل الإصلاح والتطوير، أو كشفِ عوار سردية ما يكررها تيارٌ من الخطباء الحسينيين.
رئيس تحرير “صبرة” حبيب محمود، نشر في 4 أغسطس الجاري، مقالاً بعنوان “رفقاً بالعصاة أيها الحسينيون”، سبقه في 24 يوليو مقال لزكريا أبو سرير “الشعائر الدينية ليست عنواناً للتطرف الفكري الديني”، وإن اختلفت زوايا وطرق معالجة كل مقال، إلا أنها جميعها وتضاف لها مجموعة بعدها، أتت ضمن حالة المثاقفة ضمن موسم عاشوراء.
سعوديون يحيون مراسم عاشوراء في محافظة القطيف (تصوير: مالك سهوي)
من المواد المهمة التي نشرتها “صبرة”، مقالة الناقد محمد العباس، بعنوان “المثقفون الشيعة وعاشوراء”، وهي التي حين أعاد نشرها العباس عبر صفحته في منصة “فيسبوك” أثارت العديد من الردود المتحفظة أو المعارضة وأيضاً المعاضدة.
سيلُ المقالاتِ لم يتوقف، ففي 11 أغسطس، علي الشيخ أحمد، دونَ مقالاً بعنوان “جدليات عاشوراء.. صراع السائد والمستجد في القطيف”، سعى فيها لمحاول تفسير أسباب التباينات الجارية في الأفكار داخل المجتمع الواحد.
المخاضُ العسير!
ليس ذلك إلا جزءاً يسيراً من مشهد أكبر، أكثر تشابكاً وتعقيداً، فالنقاشات العنيفة لفظياً أو الأخرى المنهجية والعلمية، يجري كثير منها في المجالس والديوانيات وحتى الحسينيات والمساجد بمحافظتي القطيف والأحساء، ومدنٍ كالدمام والخبر وسواها؛ فضلاً عما يتم تداوله من خلال تطبيق “واتساب” والسجالات السريعة في المجموعات الخاصة عبره؛ أي أن هنالك أكثر من مستوى لهذه المناقدة بين مشاربَ تسعى لأن تثبت صوابية رأيها قبالة أفكار الآخر.
سعوديون يحيون مراسم عاشوراء في محافظة القطيف (تصوير: مالك سهوي)
لا نغفل أيضا منصة “فيسبوك” التي كانت مسرحاً للعديد من الآراء التي شارك فيها كتاب محليون، مثل أثير السادة وكمال الدوخي.
في ذات الوقت، هنالك شريحة واسعة من السعوديين الشيعة غير معنية بكل هذا السجال، ولا تشارك فيه، وتقف منه إما على الحياد، أو غير مبالية، وبعضها قد يرمقه بنظرة ساخرة، معتبراً أن التاريخ وسيرورة المجتمعات يجب أن تتجاوز مثل هذه المماحكات التياراتية والدينية.
الأكيد، أن النقاش العلمي، المنهجي، المتجاوز للسائد والنمطي، القائم على تحليل الخطاب ومعرفة مضمراتها ومآلاته وما يسعى له، هو أمرٌ سيصب في صالح بناء أفكار جديدة، غير متمذهبة، متعالية على الطائفية، غير معنية بالعيش في معارك الأقدمين، وإنما هدفها الأكبر الانخراط في المستقبل والتحديث والبناء والتنمية، دون أن يعني ذلك تخليها عن هويتها الدينية أو شعائرها، وإنما ألا تكون تلك الهوية مصمتة أو جامدة أو على التضاد مع التنوير والعقلانية، وألا يستحيل الخطاب البشري إلى مقدس لا يمكن مساءلته!
#عاشوراء #في #السعودية #آفاق #النقاشات #المشرعة
تابعوا Tunisactus على Google News