عبد اللطيف الفراتي – في غياب الأخلاق والوفاء: نحو أزمة سياسية خانقة
لعل السياسة هي المجال الأوحد الذي لا يتقيد بالأخلاق ، إلا في الدول المتقدمة جدا على غرار الدول الاسكاندينافية ، ولكنها تبقى قيمة كبرى ، بدونها تختلط المفاهيم والسبل ، وتغيب أسس العمل المستند إلى ركائز ثابتة ، وباعتباري بالأساس صحفي فإني أضع الوفاء في مقدمة مقدمات الأسس التي ينبغي أن يقوم عليها الفعل السياسي. بالأمس أي قبل أكثر من 20 سنة ، غدر رئيس الحكومة الفرنسية ” بللادور” بمن وضعه في ذلك منصب كرئيس للحكومة ، أي “شيراك”، وظهر له أن يترشح منافسا له لرئاسة الجمهورية الفرنسية ، فانبطح انبطاحة مؤلمة ، وخسر رهانه ، وخسر موقعه السياسي ، واستطاع شيراك أن يفوز بالمنصب الرئاسي ،،، ، في تونس جاء الرئيس الباجي قائد السبسي بيوسف الشاهد ، وهو نكرة خصلته الوحيدة ، أنه سيكون عريكة لينة مع ابنه حافظ قائد السبسي ، ويقبل به وبنزواته ، فزادت تلك النزوات عن اللزوم ، ما ظهر معه أن الشاهد ليس تلك العريكة اللينة ، فارتمى الشاهد في أحضان راشد الغنوشي بعد أن رغب الباجي في إقالته ، فخسر كل شيء هو والباجي قائد السبسي ، واشتركا مع في تكسير اللعبة ‘ نداء تونس ) كطفلين صغيرين ، أحدهما مستجيبا لرغبات ابنه المدلل ، والثاني راميا عرض الخائط بكل معاني الوفاء ، فانتهيا هما والإبن المدلل في أسوإ حال ، وإذ استمرت اللعبة ، واستمرأها المناور الأكبر راشد الغنوشي ، فقد حاول هشام المشيشي أن يعيد الكرة ، فيأتي به رئيس الجمهورية إلى منصب رئيس حكومة وهو منصب ، لم يكن يحلم به لا في اليقظة وفي المنام ـ وأراد أن يخرج من عباءة صاحب الفضل عليه ، متنكرا لكل أصول الوفاء ، مرتميا في أحضان راشد الغنوشي ، غير مقدر أن الظروف مختلفة ، وأن زعيم النهضة ، لم يعد بتلك القوة التي كان عليها قبل 3 أو 4 سنوات ، بعد أن أصبح يدون إجماع حتى في عقر داره ” نهضته ” التي اعتقد أنه يمتلكها بعقد على مدى الحياة. وجد هشام المشيشي نفسه معلقا في الفضاء ، فهو لا يستطيع الذهاب إلى الأقصى ، في مسعاه لتحوير الحكومة كما يريد ، وإذ للواقع يحق له ذلك دستوريا ، فهو عاجز على فرضه واقعيا ، فتسمية الوزراء الجدد لا بد لها من توقيع رئيس الجمهورية ، وتأدية اليمين الدستورية لا تحصل إلا أمام رئيس الجمهورية ، ثم إن التأكد من السلامة في الذمة للوزراء الجدد لا يمكن لهيئة بوخريص، أن تتولاها إلا بعد صدور الأسماء في الرائد الرسمي ، زقاق ضيق غير مؤدي دخله المشيشي ووراءه ” الشيخ ” دون انتباه إلى أنه بمثابة الفخ . الوزراء المقالين لم تعد لهم صفة ، فهم لا ينتمون لحكومة تصريف أعمال ، والوزراء المعينون لم يستلموا الصفة الوزارية وبالتالي ، لم تتحقق لهم الصلاحيات ، ولا حتى بالخصوص صلاحية الآمرين بالصرف ، مأزق معه دواليب الدولة معطلة ، ومأزق فوق ما كان منتظرا ، وسقط المشيشي وشيخه في أيديهم ، وناور قيس سعيد ، وما كان أحد يعتقد أن يكون مناورا بهذا الشكل ، والدولة ولعلها الحكومة على الأصح قد سقطت في وضع غريب ، يحتاج الأمر منها إلى مغامرة عير مأمونة العواقب في مواجهة ، بين سلطة رئيس الدولة وسلطة رئيس البرلمان زائد رئيس حكومة في الأرجوحة ، لعله اليوم يلعن اليوم الذي قبل فيه المنصب وهو غير متعود عليه وعلى تبعاته . لعل يوسف الشاهد كان متمرسا أكثر بالسياسة ، ولعل ، الباجي قائد السبسي ، لم يكن وهو في سن عالية ، لم يرغب في دخول معارك ، ولعل رئيس البرلمان لم يكن راشد الغنوشي بكل حنق طبقة سياسية في غالبها ليست معه ،خاصة وأن قلب تونس على أبواب انفجار ، وهو يعرف أنه سيكون الحزب الخاسر الأكبر ، لو ساير الشيخ إلى آخر الطريق. الغنوشي وحليفه الجديد المشيشي في دوامة سريعة الدوران ، وقيس سعيد يعرف أنه لن يخسر شيئا ، ولا أحد يستطيع أن ينال من مقعده الوثير أو يقيله ، بينما يعتقد أنه هو وحده المناط بعهدته تأويل الدستور ، في غياب محكمة دستورية ، وفوق كل هذا وضع متفجر في الشارع ، ووضع أكثر تفجرا في البرلمان ، الذي لا يبدو أن الغنوشي أحسن قيادته ، إن كان بإمكانه أو غيره تلك القيادة في الوقت الحاضر. ولعل ما يزيد الطين بلة تصريحات من هنا وهناك صحيحة أو خاطئة حول رفع الدعم أو بيع أسهم من القطاع البنكي أو احتمال تخفيض الأجور ، بما يزيد الوضع الاجتماعي احتقانا ، ويدفع المركزية النقابية في الحجر ” الدافئ ” لرئيس الجمهورية ، ما يزيد من تحدي الثنائي الغنوشي / المشيشي خاصة بعد تصريحات في اتجاه ما اعتبر عن حق أو باطل ، أن النهضة تسعى لتنظيم مييشيات ” لمعاضدة ” قوات الأمن “. رغم أميته السياسية ، فإن قيس سعيد ، أخذ يناور بحذق ، ما يدفع النهضة وحرفائها لمزيد الأخطاء ، مثل الخطإ الذي ارتكبه رئيس كتلتها ، بوصف حزب ممثل في البرلمان بأنه حزب فاشي ، والمقصود به حزب عبير موسي ، الذي يبدو أنه بات حاصلا في استطلاعات الرأي على أكثر من 40 في المائة ، لو جرت الانتخابات اليوم. بدا التشقق واضحا في البيت النهضاوي ، وحزب جديد في الأفق من البديل وأفاق والمشروع وحزب سلمى اللومي وربما أفراد هاربين من قلب تونس ، في رغبة لاستقطاب البعض من الدستوري الحر ، وكل هذا ليس في صالح لا النهضة ولا لمن سيبقى متشبثا بذيولها ، ومنهم من الإسلاميين الذين يبدو أنهم يسعون لإعادة تشكيل حركة الديمقراطيين الاشتراكيين ليكونوا رافدا للنهضة ، تمويها . . ما هي الاحتمالات الممكنة بعد هذا التوصيف ؟ أولا أن يضر رئيس الدولة على موقفه فيكون المأزق بلا حل وهو ما يبدو واردا. ثانيا أن يسعى رئيس الحكومة ومن ورائه أو على الأصح أمامه رئيس البرلمان إلى إيجاد مخرج متمثلا في تنحية الوزراء الدين يقول الرئيس إن شبهة تحوم خولهم ، وليس واضحا إن كان رئيس الدولة سيكتفي بالأربعة أو أنه سيحاول فرض سحب كل الوزراء الجدد في الحكومة ، ما يعني إلغاء كل مفعول لتصويت 26 جانفي في البرلمان لتزكيتهم ، ونيل ثقة مجلس النواب. ثالثا أن يتطور رئيس الجمهورية في مطالباته فيسعى لفرض استقالة المشيشي “الذي خانه الوفاء ” لتتوفر له الفرصة لتعيين رئيس حكومة جديد مخلص له ، ولكن ما أدراك ما سيكون عليه أمر هذا المكلف الجديد ؟ وفي هذه الحالة : آلا يمكن أن تنقلب الطاولة على رأس الجميع ، فيرفض مجلس النواب منح الثقة لحكومة الرئيس الفعلية ، فيعطيه الفرصة لحل البرلمان ، والدعوة لانتخابات تشريعية جديدة ؟؟ ولكن كم من الوقت الضائع لبلد يغرق……يغرق؟ عبد اللطيف الفراتي
تابعوا Tunisactus على Google News