فائدة التونسيين من رفع الفائدة! | رياض بوعزة
تشديد البنك المركزي التونسي للسياسة النقدية عبر زيادة أسعار الفائدة لم يكن أمرا مفاجئا، بل على العكس كان قرارا متأخرا جدا، على الرغم من أن تبعاته ستكون مكلفة في الفترة المقبلة حتى مع كون الهدف الأساسي منه هو جعل بوصلة الأسعار تعود إلى النزول مرة أخرى.
المؤكد وكما درجت عليها سياسة البنك منذ العام 2011 فإن القرار لن يقدم سوى علاجات مؤقتة للتشوهات التي يعاني منها الاقتصاد. ومن المستبعد أن تتم السيطرة على التضخم “التاريخي” أو حتى إمكانية ردم هوة العجز التجاري المتنامي الذي زاد منذ بداية العام بنسبة 60 في المئة على أساس سنوي ليبلغ أكثر من 5.2 مليار دولار.
إن خطوة كهذه، والتي باتت فيها الفائدة الآن عند 7.25 في المئة بدل سبعة في المئة، رغم أنها لم تصل إلى أعلى نسبة كان قد اتخذها البنك في فبراير 2019 تبدو أحد أهم الأدوات لإعادة التوازن إلى السوق بعدما بلغت أسعار الاستهلاك مستوى قياسيا عند 9.1 في المئة وهو ما لم تسجله البلاد منذ استقلالها.
هذا الرقم المسجل في التضخم بعيد جدا عن توقعات مسؤولي البنك المركزي الذين حددوه عند 7.3 في المئة بنهاية هذا العام على أن يبلغ قرابة 8.3 في المئة خلال العام المقبل، ما يعني أنه لا مفر بالنسبة إليهم من اتخاذ هذا القرار.
الكثيرون يعون أن أزمة التضخم عالمية، وأن تونس ليست بمنأى عن ارتدادات ذلك، بيد أنه من الواضح أن صناع القرار السياسي ليست لديهم أدوات كافية لتفادي الأسوأ خاصة مع بروز مخاوف من أن يسجل التضخم مع نهاية العام الحالي مؤشرا من رقمين
الأمر الأكثر إثارة الآن هو أن المركزي لوّح على لسان مديرة السياسة النقدية بالبنك ريم القلصي بإمكانية الإقدام على زيادة الفائدة لقناعته بأن أسعار الاستهلاك ستواصل الارتفاع أكثر في ما تبقّى من هذا العام والعام 2023، وأن المسؤولين الحكوميين لا يملكون خططا كافية لدرء هذه المخاطر أو التخفيف منها بالحد الأدنى.
إذن ما فائدة التونسيين من رفع الفائدة؟ هل عليهم الانتظار إلى وقت أطول حتى يروا تأثيرات ذلك في الأسواق التجارية، في ظل سياسات حكومية لم تؤت نفعا؟
صحيح أن الفائدة أداة رئيسية للبنوك المركزية لضبط السياسة النقدية لأنه يحدد سقفا لسعر الأموال المتداولة في السوق، كما أن المقاربات الاقتصادية تؤكد جدواها في كبح التضخم، لكن للعملية تداعيات سلبية قد تكون مدمرة أحيانا.
في كل مرة يرفع فيها المركزي أسعار الفائدة يصبح الاقتراض أكثر تكلفة، ويتسبب في ضغط أكبر على الأفراد والمستثمرين. وهذا يعني بالضرورة ارتفاع تكاليف الرهون العقارية وقروض السيارات وخطوط ائتمان وبطاقات الائتمان وحتى ديون طلاب الجامعات، بل حتى قروض الأعمال ستكون بأسعار أعلى للشركات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة.
زيادة الفائدة تُعتبر العدوّ رقم واحد لعمليات الاستثمار في أيّ بلد. في حالة تونس قد تتسبب مرة أخرى في ارتفاع نسبة البطالة التي تبلغ حاليا وفق الأرقام الرسمية 15.3 في المئة بعدما كانت عند 18 في المئة مع بداية هذا العام، في سوق عمل تبدو منكمشة كون أعراض الأزمة الصحية لا تزال بادية على ملامحها.
الأمر لا يقف عن ذلك الحد، بل قد تؤدي الزيادة إلى ركود الأسواق لأن التجار وأصحاب الشركات، وخاصة الصغيرة والمتوسطة، وأيضا أصحاب المطاعم والمقاهي وغيرهم سيضطرون إلى زيادة أسعار السلع والخدمات مما يجعل الناس في عزوف عن الاستهلاك بالشكل الذي يحفز الدورة الاقتصادية.
كان تحذير محافظ البنك مروان العباسي في مايو الماضي من خطر استمرار الأسعار في الارتفاع في ظل حرب أوكرانيا، التي لا أحد بمقدوره التكهن متى ستضع أوزارها، دليلا واضحا على أن ثمة ما يهدد التونسيين في قُوتهم. كان ذلك إنذارا للحكومة لحثها على التحرك بشكل أسرع.
لقد اعترف العباسي في ذلك الوقت بصعوبة مهمة معالجة المؤشرات التي تؤدي إلى تعافي الاقتصاد رغم أنه اعتبر التحسن التدريجي الذي تشهده أهم المؤشرات النقدية والمالية مع بداية العام 2022 يبقى هشا، ويحتاج إلى مجهود أكبر لتطويق أيّ تداعيات كارثية.
إلا أن ما حصل بعد ذلك كان بمثابة الصدمة للتونسيين إذ أن ما تفعله الحكومة من تدابير وإجراءات حتى الآن لا تعدو أن تكون مجرد مسكنات. فلا حلول جذرية تنهي المشاكل المزمنة التي بقيت جاثمة على صدور الناس لأكثر من عقد. وحتى مع زيادة الرواتب في القطاعين العام والخاص مؤخرا قد لا يجد الموظفون أنفسهم في موقف دفاعي أمام “غول” التضخم القاسي.
الكثيرون يعون أن أزمة التضخم عالمية، وأن تونس ليست بمنأى عن ارتدادات ذلك، بيد أنه من الواضح أن صناع القرار السياسي ليست لديهم أدوات كافية لتفادي الأسوأ خاصة مع بروز مخاوف من أن يسجل التضخم مع نهاية العام الحالي مؤشرا من رقمين.
في ضوء ذلك، وبالنظر إلى ارتباط الأسعار المرتفعة فوق الحدود المعقولة على الدوام بتراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي، فإن حكومة نجلاء بودن يقع على عاتقها بذل المزيد من الجهود وبطريقة ملموسة للحفاظ على معدلات التضخم منخفضة ومستقرة، باعتبار أن الأمر حيوي للحد من مستويات الفقر وعدم المساواة، وفي الوقت نفسه تجنب حدوث موجة احتجاجات على غلاء المعيشة.
قد تقوم الجهات المعنية، إن توفرت الإرادة الحقيقية، بتحركات عملية إذ حصلت تونس على تمويل من صندوق النقد الدولي. وإلى ذلك الحين يمكن معاينة عداد أرقام الأسعار يرتفع إلى مستويات فلكية قد لا يتمكن أيّ مسؤول من تطويق المشكلة مما سيعمق متاعب الناس والذي بات لسان حالهم يقول “إلى أين المفر؟”.
#فائدة #التونسيين #من #رفع #الفائدة #رياض #بوعزة
تابعوا Tunisactus على Google News