“فضل ونعمة” الكوميديا العائلية في أكثر صورها سذاجة
يعتمد فيلم “فضل ونعمة” على كوميديا الموقف، فهو يضع أبطاله في أزمات تصلح لصنع المفارقات، ومن هنا تتولد المواقف المضحكة، نتعرف في البداية على الزوجين فضل ونعمة -وهما في منتصف العمر- في مطبخ منزلهما وقد اشتعلت النيران في “غطاء رأس” نعمة، فيضطر فضل إلى إخمادها باستخدام “حساء الكوارع”
تعرض دور السينما المصرية حاليا فيلم “فضل ونعمة” من بطولة ماجد الكدواني وهند صبري، وتأليف أيمن وتار، وإخراج رامي إمام في التعاون الثاني بينه وبين هند صبري بعد مسلسل “عايزة أتجوز” (2010).
يمثل الفيلم عودة للمخرج إلى السينما بعد توقف استمر 12 عاما تفرغ خلالها لإخراج المسلسلات التلفزيونية لوالده عادل إمام.
مع بداية عرض الفيلم انتشرت أخبار تفيد بأنه يحتل قمة شباك التذاكر المصري، في إشارة ضمنية إلى رواج الفيلم دون الأخذ في الاعتبار عدم وجود أفلام محلية جديدة منافسة، فضلا عن عرضه خارج كل المواسم المعتادة وكونه وحيدا لمدة أسبوعين قبل بداية عرض فيلم “حظك اليوم” مؤخرا.
كوميديا عائلية غير مضحكة
يعتمد فيلم “فضل ونعمة” على كوميديا الموقف، فهو يضع أبطاله في أزمات تصلح لصنع المفارقات، ومن هنا تتولد المواقف المضحكة، نتعرف في البداية على الزوجين فضل ونعمة -وهما في منتصف العمر- في مطبخ منزلهما وقد اشتعلت النيران في “غطاء رأس” نعمة، فيضطر فضل إلى إخمادها باستخدام “حساء الكوارع”.
يظهر بعد ذلك الابن والابنة والخادمة، وهكذا نعرف بناء هذه العائلة وعملها في طهو الوجبات المنزلية وبيعها.
في المشاهد التالية نربط بين فضل ونعمة وعصابة تهريب المخدرات قامت بإخفاء بضاعتها في مخزن الزوجين، ويضطر الزوجان إلى العمل مع العصابة، فيما يظنان أنهما عميلان سريان للشرطة، مما يضعهما في الكثير من المواقف التي يفترض أنها كوميدية.
وأول ما يلاحظ في فيلم “فضل ونعمة” هو لجوء صانعيه إلى التنميط، ووضع شخصياته في قوالب يسهل على المشاهد ملاحظتها وفهمها.
الزوجة -التي تنتمي إلى الطبقة الوسطى- يهمها رأي صديقاتها أكثر من أي شيء آخر، فيما الزوج مغلوب على أمره بعدما فقد وظيفته، الابنة المراهقة متمردة تحتقر الأبوين لفشلهما في حياتهما العملية، في حين يظهر الابن في شخصية مخترع صغير.
وقد رُسمت شخصيات الأبطال بشكل متواضع، لكنه معقول بالنسبة إلى سائر شخصيات الفيلم التي تنحدر إلى شكل كاريكاتيري يدل على “ضعف البناء” لدى كاتب السيناريو.
والمثال الأبرز لذلك شخصية فاروق (بيومي فؤاد) الذي يجسد شخصية رجل عصابات يحاول إخفاء جرائمه، وشخصية إكرام أو الممثلة سماء إبراهيم التي تقدم دور امرأة عصابات قوية الشكيمة.
يبدو الأمر كما لو أن السيناريست يصنع عرائس ثلاثية الأبعاد ثم يضعها في مواقف تبدو مضحكة بما فيه الكفاية.
وتغيب عن هذه الشخصيات جوانب الطيبة والشر، والأهم بالنسبة إليها أنها تخوض رحلة وتتطور على مدار الأحداث.
ويعد هذا الأسلوب استخفافا بكتابة الأفلام الكوميدية التي تختلف عن طريقة كتابة “الاسكتشات” المضحكة التي بدأ بها المؤلف أيمن وتار مسيرته في برنامج “البرنامج” الساخر الذي كان يقدمه باسم يوسف على شاشة أكثر من قناة تلفزيونية مصرية خاصة.
وكعادته في أفلامه السابقة كتب وتار فيلم “فضل ونعمة” كمجموعة من المشاهد التي يمكن تحويلها إلى “اسكتشات” منفصلة، وهي مغامرات الزوجين لتوصيل المخدرات وفق تعليمات العصابة التي يمكن أن تستمر للأبد ثم يتم بترها قرب ختام الفيلم، مع عظة أخلاقية مناسبة.
ففي فيلميه السابقين “نادي الرجال السري” (2019) و”البعض لا يذهب للمأذون مرتين” (2021) كانت الحكمة الأخلاقية حول العلاقات الأسرية والزوجية، فيما هي في “فضل ونعمة” حول تعب الآباء والأمهات من أجل الأبناء.
هند صبري والكوميديا
كوميديا الموقف تعتمد على عاملين أساسيين: الأول هو المواقف التي تقع فيها الشخصيات، إذ يجب أن تجمع بين جانبين متناقضين لصنع المفارقة، وأن تكون طبيعية يمكن حصولها، وفي الوقت ذاته غير معقولة، فتحتاج إلى ردود غير معقولة تتلاءم معها.
على سبيل المثال، في الفيلم الكوميدي المصري “الحرب العالمية الثالثة” (2014) يقفز البطل إلى قصر مهجور لجلب كرة القدم الخاصة به، الكاتب قد أسس في المشاهد السابقة أن هذه الشخصية لشاب فاشل في الدراسة لا يهتم إلا بلعب كرة القدم مع انعدام موهبته فيها، وبالتالي من الطبيعي أن يذهب وراء كرته إلى أي مكان، لكن من غير المعقول أن تتحول تماثيل هذا القصر المسحور إلى أشخاص طبيعيين بعد غياب الشمس، ومن هنا تبدأ المفارقة التي صنعت أحداث الفيلم.
أما العامل الثاني فهو القدرات التمثيلية لأبطال الفيلم، إذ يجب ألا يكونوا ممثلي كوميديا محترفين، لكنهم يمتلكون خفة الروح المطلوبة للاستفادة من هذه المفارقات الذكية.
ومن أشهر الأمثلة على ذلك الممثل المصري الراحل يوسف وهبي (1898-1982) في فيلم “إشاعة حب” (1961) وأفلامه الكوميدية التالية، إذ لا يمكن تصنيف وهبي -وهو أشهر من مثل التراجيديا على المسرح المصري- ممثلا كوميديا، لكنه امتلك خفة الروح التي تجعله يسخر من نفسه ويندمج مع المفارقات التي صنعها المخرج فطين عبد الوهاب، ليصبح الفيلم -الذي يعد لا يصنف أبطاله ممثلين كوميديين- في صدارة قائمة أفضل 100 فيلم كوميدي مصري.
تعد الأعمال الكوميدية لهند صبري على أصابع اليد الواحدة، لعل أشهرها مسلسل “عايزة أتجوز” مع رامي إمام، والجزء الثاني بعنوان “البحث عن علا”.
وأثبتت التجربتان أن الكوميديا ليست المجال الذي تتميز به صبري، فهي تستخدم أسلوب الكوميديا الحركية بتعبيرات الوجه المبالغة وحركة الجسم والرأس، في شكل أقرب ما يكون إلى أداء ممثلي مسرح “المهزلة” (Farce)، بحيث تضغط على المشاهد لاستلاب ضحكاته، وهذه الطريقة تستلزم ممثلا كوميديا محترفا قادرا على حساب حركاته، متى تكون مضحكة فعلا ومتى تتحول إلى المبالغة، وفي حالة هند صبري فإنها لا تجنح سوى إلى المبالغة.
فيلم “فضل ونعمة” تجربة متواضعة من حيث الصناعة، إذ لم يفلح في تحسين القدرات الكوميدية لهند صبري، كما لم يكن ماجد الكدواني في أفضل أحواله فيه.
والفيلم لا يمثل عودة جيدة لرامي إمام الذي أخرج فيلما يصلح للعرض بضعة أسابيع فقط، قبل تحوله إلى إحدى المنصات الإلكترونية.
#فضل #ونعمة #الكوميديا #العائلية #في #أكثر #صورها #سذاجة