فضيحة صحفية لم يحاسب عليها أحد
بعد تردد طويل في مواجهة صديقي الصحفي “المخضرم” الذي يؤسفني أنه يحب خداع نفسه، أو فلنقل إنه ربما كان يحب أن “يراضيها” بتصوير أن ما جرى للصحافة المصرية اليوم من تدهور وانحطاط هو أمر مفاجئ وطارئ ومرتبط بالتغيرات السياسية الأخيرة التي جعلت ضباط الأجهزة الأمنية يسيطرون على مفاصل العمل الصحفي والإعلامي، قررت أن أتبع مبدأ “صديقك من صَدَقَك لا من صدّقك”، فأذكره بأن ما جرى من تدهور وانحطاط ليس وليد اللحظة، بل ظهرت بوادره مبكراً، وأن ما نعيشه الآن ليس سوى نتيجة لسنوات طويلة من التصالح مع الفساد الذي أوصل عديمي الموهبة والمرتبطين بالأجهزة الأمنية إلى مواقع القرار في المؤسسات الصحفية والإعلامية، ولكيلا يكون حديثي نظرياً أرسلت له هذا المقال الذي كتبته بتاريخ 19 سبتمبر 2010، ونشرته في صحيفة (المصري اليوم) متحدثاً عن جريمة تزوير تورطت فيها أكبر وأعرق صحيفة يومية في مصر، وبرغم فضحي لها إلا أن من تورطوا فيها لم تتم محاسبتهم، بل ظلوا في مواقعهم وترقى بعضهم إلى مواقع أكبر، ولعلك حين تقرأ التفاصيل التي أبعد من أن تكون مرتبطة بشخصي، ستدرك حجم المهزلة التي وصلت إليها الصحافة المصرية، ولذلك لم يكن غريباً أن يصل حالها إلى ما هو عليه الآن، كتبت يومها أقول:
“هل يمكن لمن يمارس الفبركة والتزوير أن يدعي أنه خائف على المجتمع ويطالب بحمايته من الأعمال الدرامية التي تكشف الفساد؟
لكن هذا ليس السؤال الذي تبدأ به الفضيحة التي قام بعض الصغار بتوريط صحيفة (الأهرام) فيها. السؤال الذي يجب أن يسبقه هو “هل يمكن لأي عمل فني مهما بلغت قوة تأثيره ودرجة انتشاره أن يهدم مجتمعا بأكمله؟”. لا يمكن أن أدعي أن هناك إجابة نموذجية على سؤال كهذا، لكن ما يمكن أن أدعيه أنه في أي مكان محترم في العالم المتقدم لم يعد هناك محل لهذا السؤال بعد أن حُسمت إجابته منذ سنين بعيدة، لكن في بلادنا التي رضيت بالتأخر ورضي التأخر عنها، يمكن أن تطرح صحيفة هذا الافتراض العقيم على الملأ دون خجل، لا أتحدث هنا عن صحيفة صفراء أو صحيفة صغيرة، بل أتحدث عن صحيفة (الأهرام) التي يفترض بها بحكم تاريخها وموقعها وإمكانياتها أن تقود قاطرة العقل والتنوير في بلادنا.
خصصت (الأهرام) الغرّاء يوم الأربعاء الماضي صفحة كاملة (بل وأكثر من الصفحة بقليل) للهجوم على مسلسلي (أهل كايرو) الذي وصفته بأنه “ينتمي للأعمال الدرامية التي تشكل خطراً على بنيان المجتمع”، ثم وصفتني بأنني منذ عملي التلفزيوني الأول (هيمه: أيام الضحك والدموع) أرتدي نضارة سوداء أصر على ارتدائها ليل نهار في رحلة بحث مضنية عن واقع يضج بالفساد، أما في عملي الثاني فقد وصفتني بأنني “أقدم دعوة صريحة لنشر الإحباط بين الناس واعتناق مفاهيم خاطئة”، و”أغلق نوافذ الأمل أمام الأجيال”، وأن “أحداث المسلسل حولت المجتمع إلى بحيرة آسنة وعممت الفساد وتجاهلت النماذج المشرفة”، وأن “المسلسل تقليد أعمى للأعمال التجارية التي تسعى للربح المادي على حساب القيم”.
كل هذه كانت التهم التي وردت في العناوين، أما الصفحة الكاملة التي نشرتها الأهرام في تحقيقها واستضافت فيها عددا من النقاد ليؤكدوا على هذه الاتهامات ويضيفوا إليها اتهامات أفدح وأشنع تم ختامها بالقول إن ما كتبته “يشكل خطرا حقيقيا على المجتمع، وأعتقد أن ما كتبه مؤلف أهل كايرو من شأنه خلق مجتمع مفكك وغير قادر على التصدي لعيوبه وعلاجها”. وبعد كل هذه الاتهامات التي اخترت نشر شذرات منها، ينبغي أن أحمد الله وأشكر فضله أنني حتى الآن لا زلت حياً وحراً طليقاً بعد مرور أيام على ما نشرته الأهرام، فقد كان يمكن لأي من قرائها سواء من مسئولي الدولة أو عامة الشعب أن يعتقد أن الحل السحري لكل مشاكل المجتمع المصري يكمن في التخلص مني شخصيا، لكي يتمكن المجتمع المصري من التصدي لعيوبه وعلاجها طبقا لكلام (الأهرام).
على أي حال كان يمكن أن أكتفي بتفويض أمري إلى الله في تحامل الأهرام عليّ وافتئاتها على مسلسلي، لكن إرادة الله شاءت أن تجعلني أصارح الناقد الكبير الدكتور حسن عطية بشعوري بالحزن على الرأي الذي نشرته له (الأهرام)
على أي حال، مشكلة ما نشرته الأهرام عني لا تكمن في كل الآراء التي قيلت، فأنا بالذات لا يمكن أن أصادر على أي صحيفة في الدنيا أن تنشر رأيا يهاجم عملا فنيا أيا كانت قسوة هذا الرأي أو حدته، لكن المشكلة أن تلك الآراء لم تنشر في صفحة الرأي ضمن مقالات يتحمل أصحابها مسئولية كتابتها، بل نشرت ضمن تحقيق صحفي أبرزته الصحيفة، والتحقيق كما هو معروف عمل صحفي تتحمل إدارة تحرير الصحيفة مسئوليته، خاصة إذا لم تلتزم بأبسط القواعد الصحفية التي تقضي بأن يتم أخذ رأي من يتم توجيه الاتهامات إليه لكي يدافع عن نفسه أو يفشل في الدفاع عنها أو يتجنب الرد على تلك الاتهامات، وهو ما لم تفعله (الأهرام) معي، مع أن الوصول إليّ أمر سهل للغاية، أعتقد أن رئيس تحرير الأهرام الأستاذ أسامة سرايا لديه أرقام تليفوناتي التي كان يتصل بي عليها، عندما كان يدعوني للكتابة في الأهرام مقابل أن أتوقف عن الكتابة في صحيفة (الدستور)، وكان يمكن أن يعطيها للصحفي عبد الرؤوف خليفة كاتب التحقيق، لكن ذلك لم يحدث للأسف الشديد.
وإذا كنت ثقيل الظل على قلب (الأهرام)، فلماذا لم تسأل الأهرام مخرج المسلسل الفنان محمد علي أو بطله الفنان خالد الصاوي عن رأيهما في الاتهامات الموجهة للعمل، بل على العكس تعاملت (الأهرام) بمنطق إخراجهما من الموضوع بل والإشادة بهما في مقدمته للتأكيد على أن مشكلة المسلسل الوحيدة تكمن فيّ أنا دون غيري، دون أن تدري أنها توجه بذلك إهانة بالغة لمخرج متميز وفنان صاحب موقف، فهي افترضت أنهما من أهل السبوبة الذين يمكن أن يقوموا بأداء أعمال غير مقتنعين بها ولا تعبر عن وجهة نظرهم في الحياة، وأعتقد أن كل من شاهد وقرأ حوارات محمد علي وخالد الصاوي يدرك اقتناعهما بالمسلسل وفكرته ورسالته وتفاصيله، فضلا عن أن الفنان خالد الصاوي قام بعد نشر (الأهرام) لتحقيقها بالكتابة على أحد المجموعات التي تم إنشاؤها للمسلسل على موقع فيسبوك، ونبّه الناس إلى ما نشرته (الأهرام) وقال لهم “إحنا بقى مش هنرد.. عايزينكو إنتو كجمهور تردوا”، وأتمنى أن يسعى مسئولو تحرير (الأهرام) الخائفون على سمعتها لقراءة الردود التي كتبها الجمهور الذي ادعى تحقيق (الأهرام) أنه يحميه ويعبر عنه لكي يعرفوا كم أساء هذا التحقيق إلى صورة الأهرام وسمعته.
طيب إذا كانت (الأهرام) لا تريد أن تأخذ في تحقيقها رأي أحد من صناع المسلسل، ألم تصادف ولو حتى شخصا في مصر من المتخصصين في النقد السينمائي والدراما أعجبه سيناريو المسلسل، لكي يقول رأيا مختلفا عما سعت الأهرام لتكريسه في تحقيقها، إذا قلت لي الآن “وهم يعني هيخلقوا حد معجب بالعافية؟”، فأنت إذن لم تقرأ المقالات والتصريحات التي نشرت في الصحف والمجلات طيلة الأيام الماضية لعدد كبير من النقاد والكتاب والصحفيين الكبار والشباب الذين أشادوا بسيناريو المسلسل ومضمونه ومعالجته وتنفيذه، أتحدث هنا عن الأساتذة المخرج الكبير محمد خان ود. رفيق الصبان ود. عمرو عبد السميع وكمال رمزي وطارق الشناوي وماجدة خير الله وآمال عثمان ومجدي الطيب وماجدة موريس وخيرية البشلاوي ويوسف شريف رزق الله ود. خالد منتصر ود. عزة أحمد هيكل وسمير الجمل ونوارة نجم ودعاء سلطان وعلا الشافعي وأحمد فايق وسعيد الشحات وأكرم القصاص وعلي بريشة وعمر طاهر وأحمد خير الدين ومحمود مصطفى كمال، فضلا عن كبار نجوم مصر في التمثيل والكتابة والإخراج من مختلف الأجيال. (أرجو ألا أكون قد نسيت أحداً من الذين كتبوا عن المسلسل، فأنا أتحدث عما وقع تحت يدي بالفعل من مقالات أو تصريحات، كما أشير إلى أنه حتى الآراء التي انتقدت المسلسل والتي كتبها مثلاً الناقد رامي عبد الرازق والناقدة اللبنانية ليليان أندراوس كانت آراء انتقدته من الناحية الفنية دون أن تفتش في ضمير كاتبه وتتهمه بالتهم الأمنية التحريضية التي وجهتها الأهرام).
على أي حال كان يمكن أن أكتفي بتفويض أمري إلى الله في تحامل الأهرام عليّ وافتئاتها على مسلسلي، لكن إرادة الله شاءت أن تجعلني أصارح الناقد الكبير الدكتور حسن عطية بشعوري بالحزن على الرأي الذي نشرته له (الأهرام) والذي قال فيه كلاما استغربته منه، فهو رجل من خيرة نقاد مصر ولا يمكن أن يتورط في محكمة التفتيش التي نصبتها (الأهرام)، ولذلك أرسلت إليه رسالة عتاب، فوجئت بعدها مباشرة باتصال منه يسألني قائلاً: “تحقيق إيه اللي انت بتتكلم عنه في رسالتك؟”، فغالبت دهشتي وحكيت له عن التحقيق الذي نشرته (الأهرام)، وكانت المفاجأة أن وجدت الدكتور حسن عطية يقول لي أن محرر (الأهرام) اتصل به وطلب منه الحديث عن المسلسل، فقال له الدكتور حسن إنه لم يشاهد المسلسل أصلا، وعندما طلب منه المحرر أن يقول انطباعه بشكل عام، لامه الدكتور على ذلك وقال له “إزاي أتكلم عن مسلسل ما شفتوش”، وطلب منه أن يتصل به بعد أن يكون قد شاهد العمل الذي يعاد عرضه الآن على أكثر من قناة، لكن السيد محرر (الأهرام) الخائف على المجتمع وعلى سمعة مصر قرر أن يفبرك رأي الدكتور حسن وينسب إليه شتائم واتهامات موجهة لشخصي، متخيلا أن الدكتور حسن لن يكذِّب ذلك الكلام.
أعترف أنني صعقت من هول ما قاله الدكتور حسن، ولم أدر كيف أتصرف، للأسف لم تكن لدي وسيلة اتصال بناقدين محترمين آخرين من الذين تضمن التحقيق آراءهما، وهما الدكتور أحمد سخسوخ والأستاذ عبد الغني داود، فلجأت إلى زملائنا في (المصري اليوم) لكي أتمكن من الوصول إليهما، وهنا كانت المفاجأة الأكبر، وهي أن زميلنا المحرر المتميز محسن محمود كان أثناء عمله لاستطلاع صحفي لآراء النقاد حول مسلسلات رمضان قد قام بتسجيل حوارات مع الدكتور أحمد سخسوخ والأستاذ عبد الغني داود والدكتور حسن عطية، وقد حكى له الثلاثة أن التصريحات التي نشرتها لهم الأهرام تصريحات محرفة، بل إن الدكتور أحمد سخسوخ قال له كلاماً رائعاً عن المسلسل ونفى أن يكون قد اشترك في محاكمة كاتب بالشكل الذي جاء في التصريحات المنسوبة إليه، أما الدكتور حسن عطية فقد قال لزميلنا محسن إنه بعد أن اتصلت به (الأهرام) ورفض الحديث إليها لأنه لم يشاهد المسلسل، بدأ في متابعة المسلسل وشاهد 4 حلقات منه ولديه انطباع إيجابي للغاية عنه، لكنه يظل انطباعا مبدئيا حتى اكتمال المشاهدة، أما الأستاذ عبد الغني فقد قال ملاحظات إيجابية عن المسلسل وملاحظات أخرى سلبية، لكن كل ما قاله لا علاقة له بالكلام التحريضي المنشور على لسانه في الأهرام.
سمعت ما قاله النقاد الثلاثة فأدركت أن أي محاولة لمناقشة ما قالته (الأهرام) في تحقيقها هي مناقشة في غير محلها، كنت مثلا أريد أن أرد على اتهام (الأهرام) لي بأنني بدأت المسلسل بمشهد التحرش الجنسي لكي أشوه صورة المجتمع، لأذكر مسئوليها أنهم نشروا يوم الثلاثاء 14 سبتمبر تحقيقاً متميزاً بعنوان “وقائعه تكررت في الحدائق العامة والأسواق.. تحرش في الطريق العام”، كنت أريد أن أرد على اتهام (الأهرام) لي بأنني أنشر الإحباط واليأس بسبب ما صورته من فساد، بأن أذكرها أنها نشرت يوم أمس تصريحات لرئيس هيئة النيابة الإدارية يقول فيها بالنص “الفساد الإداري استشرى كالسرطان من جسد المجتمع”، لكنني بعد ما سمعته أدركت أنه لا مجال أبدا لردود مثل هذه، فنحن الآن أمام واقعة تزوير وجريمة فبركة لا مجال للشك فيهما.
ومع أننا بصدد واقعة تزوير كاملة المعالم، إلا أنني لن أذهب بها إلى النيابة العامة، لأنني ضد مبدأ حبس الصحفيين، وحتى إذا كان بعضهم من مدعي الليبرالية قد لجأوا إلى محاولة حبسي بسبب ما كتبته عنهم من قبل، فلن أفعل ذلك أبداً، وطبقا لنصيحة المحامي القدير عصام سلطان الذي أتشرف بكونه ممثلي القانوني منذ سنين طويلة، سألجأ لرفع دعوى مدنية أطلب فيها تعويضاً من (الأهرام) عما نُشر بحقي وفُبرك منسوبا إلى شخصيات عامة، ولن تكون الدعوى موجهة ضد مؤسسة الأهرام التي أعتز بها وأفتخر بها كرمز من رموز هذا الوطن، لأن أي تعويض يحكم لي به القضاء سيكون من مال المؤسسة الذي هو مال الشعب، بل سأوجه الدعوى ضد رئيس تحرير الأهرام أسامة سرايا بشخصه، وضد المشرف على الملحق الذي نشر التحقيق واسمه محمد حبوشة، وسأكشف للقضاء أنه استغل اسم الأهرام من أجل تصفية حسابات شخصية معي، لكي يرد على مقال كنت قد كتبته عنه في صحيفة (الدستور) منذ سنين، وهو بالمناسبة لم يكن مقالاً شخصياً، بل كان مقالا يسخر من مقال كتبه في مديح جمال مبارك، وأخيرا سأقاضي الصحفي عبد الرؤوف خليفة الذي تورط في هذه الفبركة وظن أنه يقدم خدمة لرؤسائه، متخيلا أنه لن يكون هناك من يحاسبه ويفتش خلفه مهما تجاوز في فبركته. وأنا واثق أن القضاء العادل سينصفني وسيعاقب كل من أساؤوا إلى قدسية مهنة الصحافة.
ويا حسرةً على الأهرام”.
…
سأترك لك التعليق.
#فضيحة #صحفية #لم #يحاسب #عليها #أحد
تابعوا Tunisactus على Google News