فوسفات بلجيكي!!
ناديا هاشم العالول
خرجت أتفقد الحديقة بعد العاصفة الثلجية التي نالت منها، ملحقة أضراراً في البلاد، وبلبلة بين العباد.. فمن شجَر متقصّف إلى كوابل ملقاة إلى أكوام أغصان متراكمة على بعضها فكأنها بقايا حرب شنّتها الطبيعة علينا..
ومع ذلك نشكر رب العالمين على العطايا التي بارك فيها الأرض العطشى، فلطالما ابتهلت للعلي القدير بأن ينزل الغيْث عليها..
كان بإمكاننا تجنّب الأضرار لو أجريْنا تقليماً دورياً ومتابعة للأشجار، منا كمواطنين من جهة، ووزارة الزراعة من جهة أخرى، علاوة على تنفيذ استراتيجية شركة الكهرباء التي رسمتها بعام 2013 لصيانة وتجديد كوابل الكهرباء وما يتبع دون أن تنفذ على أرض الواقع.. لتبقى حبرا على ورق..
فمشكلتنا بالعالم الثالث أننا نعيش تنظيراً أبدياً لا علاقة له بالتطبيق على الصعد كافة..
إخواني.. أخواتي.. أؤكد لكم بأننا لا نجلد الذات بهذا المساق، أكانت ذواتنا أو ذوات الآخرين، على الإطلاق لا.. ولكن «بعد كل اللي صار» ألا يجدر بنا الاتعاظ؟ فالعبرة لمن اعتبر!
وكما يقولون: بلا طولة كلام!..
المهم.. طلب مني المزارع تزويده «بسماد بلجيكي» وهو «حُبِيْبات» لتحسين وحماية نباتات الحديقة التي تعرضت لطقس بارد فوق العادة بهذه المرْبعانية.. وهذا سبب كتابتي المقالة..!
استغربتْ لماذا بلجيكي بالذات؟ وعندنا فوسفات كاف بالأردن يفي باحتياجات الزراعة والصناعة حيث يقوم اقتصاد كثير من الدول على هذه الثروة المعدنية المهمة, لماذا نستورد سماداً بلجيكياً؟
نحن لسنا ضد السماد البلجيكي أو الصيني أو غيرهما، فالقصد ليس جلد مستورداتنا الأجنبية، وإنما النصح والإرشاد، فالساكت عن الحق شيطان أخرس. ولهذا لا بد من التفكير الناقد الإيجابي وتجييره لإصلاح ما يمكن إصلاحه عبر إنجاز متقن يقود للتنمية والتقدم..
مشكلتنا تكمن بأننا لا نريد أن نستثمر داخلياً، ولا نرحب بالاستثمار الخارجي ولا نسهّل له.. بل نعقّد له العملية واضعين عراقيل روتينية لا أول لها ولا آخر، ولهذا يُلَمْلم المستثمر حقيبته ويهرب بـ”ليْلة ما فيها ضوء قمر» بعد أن أعيته بيروقراطية معاملاتنا، وأنهكه ترهل إداري متمكن حتى النخاع!
فمثلاً، تونس بعد أن كانت رابع أكبر منتِج للفوسفات في العالم، تعرّض قطاع الإنتاج إلى أزمات تسببت في وقف الإنتاج، ما اضطرها لاستيراد شحنات من الجزائر..
فالفوسفات، هذا المركب غير العضوي وأحد أملاح حمض الفسفوريك يعتبر من الثروات الموجودة في باطن الأرض حيث يستخرج منها لغايات استخدامه في الزراعة والصناعة، وتنتشر مناجم الفوسفات في الأردن والمغرب وفلسطين وتونس والعراق وشمال المملكة العربية السعودية والصين، ويقوم اقتصاد الكثير من الدول على هذه الثروة المعدنية المهمة..
بالمناسبة، يُصنّف المغرب في المرتبة الأولى باحتياطي ما نسبته 70% يليه العراق بنسبة 9% وتأتي الصين بنسبة 5% ثم سوريا والجزائر بنسبة 3% لكل منهم.. وتليها كل من روسيا وجنوب افريقيا والولايات المتحدة ومصر والأردن بنسبة 2% لكل دولة، وتتذيّل دولة البيرو قائمة احتياطي الفوسفات بنسة 1%..
ولكن، لماذا نحن في الأردن لا نبادر ونبتكر ونبدع بإنتاجنا لنوعيات متعددة من مناجمنا المحلية مستفيدين من النماذج التي يتم تصديرها من كل مكان، ونحن نقوم باستيرادها مرحبين مؤهلين مسهّلين بها متناسين فوسفاتنا القابع بمناجمنا..
وفوق هذا كله ندفع أضعافاً مضاعفة لمنتجات الفوسفات المستورَد بينما لو صنّعناه في بلدنا لكانت التكلفة أرخص ولصدّرنا نوعيات متعددة منه للخارج بما يرفع من نسبة الناتج المحلي الإجمالي.. مخففين من نسبة الفقر والبطالة.. إلخ من سلسلة إيجابية تعكس نفسها إيجاباً على الصعد كافة..
وبعد كل هذا التقصير نتساءل.. لماذا.. وكيف.. وأين؟
وتقبع الإجابة أمام أعيننا لكننا لا نراها ولا نسمعها..
فما أحوجنا إلى ضبط المعايير وتثبيت الموازين عبر تطبيق القوانين للوصول للتنمية والنمو المأموليْن.. فالالتزام بتطبيق القانون من شأنه أن يّبقي حلقات التنمية متشابكة بسلسلتها القوية بحيث لا تتهتّك ولا تتفكفك ولا تتبعثر!
وكان الله بالسرِّ عليماً..!
hashem.nadia@gmail
#فوسفات #بلجيكي
تابعوا Tunisactus على Google News