في أرض عربية ملحمة مغربية تكتب بدموع الفرح! | منصف اليازغي
تحول منتخب المغرب إلى استثناء حقيقي، فهو الذي أربك حسابات المنجمين، وحوّل تكهنات المحللين بخروج سريع من المونديال إلى تأهل تاريخي الى الدور ربع النهائي هو الأول للعرب في تاريخ المسابقة طيلة 92 سنة.
منتخب المغرب وهو يخرج اسبانيا من المسابقة كان بصدد تكريس فكر المدرب وليد الركراكي الذي شدد بعد مباراة كرواتيا الأولى على ضرورة استبعاد الطاقة السلبية والإيمان بالحلم، لا يعني ذلك الفوز بكأس العالم، لكن على الأقل البحث عن الذهاب بعيدا في المسابقة بدون مركب نقص اتجاه الدول الأوربية وأمريكا اللاتينية، بل إن مقولته الشهيرة تحولت إلى شعار آمن به المغاربة شعبا ومنتخبا “كن صاحب نية طيبة وسليمة، وحينها الكرة التي ستدخل مرماك ستضرب العارضة وتخرج”.
الاستثناء الذي شكله المغرب تمثل أيضا في كونه الوحيد الذي كسر المعطيات الرقمية للفيفا، فرغم احتلاله في المركز الثاني والعشرين في تصنيف الفيفا، فقد أخرج منتخب بلجيكا المحتل للصف الثاني عالميا من الدور الأول ملحقا إياه بـ6 منتخبات أخرى توجد ضمن لائحة أفضل عشرين منتخبا في تصنيف الفيفا، والأدهى من ذلك أن جميع مباريات ثمن النهائي آلت نتيجتها للدولة الأفضل تصنيفا باستثناء مباراة المغرب واسبانيا، فقد كان الخروج من نصيب صاحب الصف السابع عالميا في واحدة من أجمل مفاجآت كأس العالم في قطر.
ويمتد الإبهار المغربي إلى غاية كونه المنتخب الوحيد في المونديال الذي لم تسجل عليه أهداف في المباريات إلا بنيران صديقة بعد انحراف كرة المدافع نايف لكرد إلى المرمى المغربي في مباراة كندا، وكان المغرب حينها قريبا من الخروج في الدور الأول بشباك نظيفة، بل حتى ركلات الترجيح أمام اسبانيا لم تنجح في اختراق شباك الحارس ياسين بونو بعد تعملقه في مناسبتين أمام سولير وبوسكيتش، إلى جانب رد القائم لكرة سارابيا وسط استغراب إنريكي، وحينها تذكر الجميع مقولة وليد الركراكي الشهيرة. إلى جانب ذلك، لعب المغرب في ست دورات 20 مباراة وسجل 18 هدفا من أصل 89 مباراة خاضتها تسعة منتخبات عربية شاركت في المونديال منذ سنة 1934 وشهدت تسجيل ما مجموعه 66 هدفا، كما حقق المغرب الفوز الخامس له من أصل 15 فوز للعرب.
عندما تعجز السياسة، والاقتصاد أيضا، عن توحيد العرب، فإن كرة القدم تنجح في ذلك، وليست هذه هي المرة الأولى بطبيعة الحال، فقد هتفت جماهير العرب في مختلف الدول من المحيط إلى الخليج باسم أسود الأطلس، وكان منتخب المغرب يحمل على كتفه عبء ضمان استمرار العرب في مونديال يقام على أرض دولة عربية بعد خروج قطر والسعودية وتونس، وما زاد من حماس لاعبي المغرب، هو خروج السنغال من الدور ثمن النهائي يوما واحدا قبل صدام المغرب واسبانيا، الأمر الذي جعل الرهان مرتبطا بجذور المغرب قاريا وامتداده عربيا.
الإنجاز أخرج المغاربة إلى شوارع المملكة، وأنساهم للحظات ارتفاع الأسعار وسياسات حكومة عبدالعزيز أخنوش غير الاجتماعية. الإنجاز ذاته دفع ملك البلاد إلى الخروج في شوارع الرباط بقميص المنتخب المغربي حاملا علم الوطن لمشاركة شعب خرج عن بكرة ابيه للاحتفال، في واحدة من صور التلاحم الوطني، فليس هناك ما قد يخرج المغاربة تلقائيا إلى الشوارع فرحا غير كرة القدم وبعض الأحداث الوطنية الأخرى المعدودة على رؤوس الأصابع.
الآن، وأسود الأطلس بصدد كتابة تاريخ جديد لكرة القدم العربية والإفريقية، لا حدود للحلم والإيمان، فليس للمغرب ما يخسره، فكل الدول الموجودة في دور ربع النهائي سبق لها بلوغ على الأقل الدور نصف النهائي أو خاضت النهائي، ولن تكون البرتغال عقبة بطبيعة الحال، صحيح ان المغرب سبق له التأهل على حسابها سنة 1986 بالمكسيك إلى الدور الثاني، لكن خسر ضدها في روسيا قبل أربع سنوات بدون أن ينسى المغاربة مرارة التحكيم في تلك المباراة بعد احتساب هدف لرونالدو رغم الخطأ الذي ارتكبه بيبي في حق مدافع مغربي، في الوقت الذي ظل “الفار” شاهرا لصمت مريب.
صحيح أن المغرب نجح في تحقيق آمال العرب في هذا المونديال، لكنه أيضا ضمن للبلد المنظم قطر جزءا من نجاح الدورة، بحكم أن استمرار منتخب عربي في مونديال يقام على أرض عربية هو ضمانة لاستمرار جمهور مغربي وعربي في شوارع ومدرجات الدوحة، علما أن مباراة الربع نهائي ستجري أمام البرتغال بملعب “الثمامة” يوم السبت المقبل، وملعب “الثمامة” هو فأل خير على المغاربة بحكم احتضانه لفوزين متتالين أمام كل من بلجيكا وكندا، وكما يقول المثل الفرنسي “لا يمكن أن تكون الثانية بدون الثالثة”.
#في #أرض #عربية #ملحمة #مغربية #تكتب #بدموع #الفرح #منصف #اليازغي
تابعوا Tunisactus على Google News