في تونس ذهبت الثورة وبقي منها حرية التعبير
تناولت صحيفة “نيويورك تايمز”
في تقرير لمراسلتها فيفيان يي التظاهرات التي اندلعت في تونس في الأيام الأخيرة.وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته
“عربي21” إن الشبان في شوارع عدد من المدن التونسية صبوا على مدى ثلاثة أيام
غصبهم على الفساد الذي يبدو في كل مكان، أما الوظائف فهي غير موجودة. وأدت المواجهات مع الشرطة إلى اعتقال أكثر
من 600 شخص. لكن في هذه المرة لا تبدو أن نهاية اللعبة
واضحة، كما كانت قبل عشر سنوات. وأضاف التقرير: “مضت ديكتاتورية ابن علي
منذ زمن طويل، فقد هرب من البلاد في كانون الثاني/ يناير 2011 بعد 23 عاما من الحكم
القاسي. وكان أول رجل قوي يسقطه الربيع العربي الذي بدأ في تونس وانتشر في كل أنحاء
الشرق الأوسط”. وبعد عشرة أعوام بنى التونسيون ديمقراطية ولكنها
عاجزة، ومرفقة بالانتخابات وحرية التعبير الذي يعد بضاعة نادرة في العالم العربي. ولهذا لم يتوقف الاحتجاج أو الاعتصام أو الإضراب.
وتشجب الشعارات الجدارية الشرطة وعنفها. ويصرخ المدونون والصحفيون المواطنون على سوء
إدارة المسؤولين للبلاد.ويتحدثون بازدراء عن المعارضة في منصات التواصل
الاجتماعي مثل “فيسبوك” التي يشترك فيها آلاف التونسيين. ومع ذلك لم يسهم كل هذا بإصلاح
الاقتصاد الذي يتجه نحو الهاوية. وهناك نسبة ثلث من الشبان التونسيين بدون عمل، أما
الخدمات العامة فتتعثر والفساد يزداد واخترق كل مجالات الحياة في تونس. وباتت فرص العمل بالنسبة لغالبية الناس نادرة
خاصة في مناطق الداخل التونسي الفقيرة. وأن هناك حوالي 13,000 تونسي خاطروا بحياتهم
في ركوب القوارب من أجل الوصول إلى إيطاليا العام الماضي يعطي فكرة عن الوضع. ويبدو أن شعار “العدالة والكرامة”
قد أصبح من ذكريات الماضي. وقال أيمن فخري، 24 عاما، وهو طالب التجارة:
“الشيء الوحيد الذي حصلنا عليه من الثورة هي حرية قول ما نريد”. وقال إنه
يريد مغادرة تونس إلى تركيا نظرا لعدم وجود فرص عمل. ويضيف: “ربما فهمنا الحرية
خطأ لأننا لم نحقق تقدما خلال العشرة أعوام الماضية”. والفضل يعود إلى الانسداد
في النظام البرلماني التونسي بمرحلة ما بعد الثورة. وشهدت تونس حكومات بمعدل حكومة جديدة في العام
وثلاث حكومات في العام الماضي. وتقوم الأحزاب السياسية التي يقودها الرجال الأثرياء
بتبادل السلطة وتغييرها بنتائج سلبية في البرلمان وبدون القيام بإنجازات اقتصادية.
وبتراجع الثقة في السياسة تراجعت مشاركة الناخبين في الجولات الانتخابية. وعلى مدى سبع جولات انتخابية انخفضت المشاركة من 68% عام 2014 وهي أعلى نسبة إلى 42% في عام
2019. وتساءلت أنيس الجبالي، 23 عاما، وهي طالبة علم الاجتماع:
“لماذا قمنا بالثورة.. كل شيء تغير للأسوأ”. وتتفق مع فخري أن الشيء الوحيد الذي حصلت عليه
هو حرية التعبير بدون فرص عمل. مع أن هذه الحرية تتعرض للقمع من قوات الأمن التي تواجه
المتظاهرين وتجر المدونين إلى المحاكم ويوجه الادعاء لهم تهما بتشويه الساسة في البلد. وتقول سهام بن سدرين عضوة هيئة الحقيقة والكرامة
التي حققت في انتهاكات وفساد النظام السابق: “بديمقراطية اليوم فربما لم يكن لديهم
القدرة على توفير الطعام.. لكن لديهم الحرية للقتال من أجل ما يريدون”. ويقول التقرير إن عبير موسي أعادت خلق
حزب ابن علي، وهي تحظى بشعبية من خلال اكتشافها المشاكل التي جلبتها الثورة ووعدت بإعادة
الازدهار للبلاد كما كانت في أيام ابن علي وأنكرت وقوع الثورة أصلا. وتضيف الصحيفة أن حزب موسي الحزب الدستوري
الحر يتصدر الاستطلاعات ويخشى المحللون من أن يدفع خطابها الشعبوي الذي يمزج الحنين
لأيام ابن علي بمقترحات تقوية الرئاسة والقوات الأمنية، تونس مرة ثانية إلى المربع
الديكتاتوري الأول. ورفضت موسى هذا الكلام قائلة: “من ينتقدوننا
يحاولون إخفاء فشلهم”. وقالت إن المواطن العادي يجد نفسه في وضع أسوأ مما كان
عليه. واستطاعت موسي احتلال عناوين الأخبار من خلال الاعتصامات التي تعرقل جلسات البرلمان
ويتم بثها عبر “فيسبوك” وتستهدف الإسلاميين وترى أنهم جزء من مؤامرة ضد ابن علي، فيما
تتهم حزب النهضة بأنه يناور لفرض الإسلام على تونس.وقالت الصحيفة إن مستقبل تونس يعتمد على رؤية
الشباب التونسي أن حقوقهم التي حصلوا عليها بالقوة، وليس الحاكم القوي هو الطريق الذي
يمنحهم الفرصة لتأمين لقمة العيش. وقالت إن هيثم دحدوح، 31 عاما، تخرج من كلية الحقوق
ولم يجد عملا سوى الجلوس في القهوة، مشيرا إلى أن زملاءه وضعهم أحسن بقليل، فمن تخرج
من كلية التجارة يعمل محاسبا في مصنع. ويعمل زميل له في الكلية في مركز للمكالمات.
وقال مازحا: “عندي خبرة بالبطالة”، وقال إنه احتج قبل عقد ضد الفساد لكن
الحياة في تونس باتت مشبعة بالفساد، فالحصول على عمل يحتاج إلى رشوة وكذا الأوراق المهمة. وردا على سؤال الصحيفة إن كان مع عودة الديكتاتورية
فأجاب: “لا مجال لهذا.. تستطيع مكافحة الفساد الآن، أما في ظل النظام السابق فمستحيل”.
وقال إن هناك حركة تونسية واحدة تكافح الفساد “أنا يقظ”. وإذا كان التونسيون يستطيعون التعبير والغضب
والحديث عن الفساد فلديهم الفرصة للتحذير والكشف عنه وانتهاكات حقوق الإنسان ونشرها
علنا. فبعد الثورة ازدهرت الجماعات الرقابية على
حقوق الإنسان والعمل البرلماني وزاد عددها على المئات، لكن منظمة “أنا يقظ”
التي أنشأها عدد من طلاب الجامعة عام 2011 كانت الأشهر، وكشفت عن الفضيحة بعد الفضيحة
لساسة ورجال أعمال. واستخدمت المنظمة عددا من الطرق للكشف عن الفساد
مثل الشعارات الجدارية وأغاني الراب، ولكنها حققت في الشهر الماضي ثاني خرق لها عندما
تم اعتقال نبيل القروي المرشح الرئاسي السابق. وأغضبت تحقيقات “أنا يقظ” القروي
لدرجة أنه سمع في تسجيل مسجل سرب عام 2017 وهو يتحدث عن استخدام قناته التلفزيونية
في تشويه سمعة المؤسسين للمنظمة الذين وصفهم بـ”الأولاد الأربعة” وأنهم
خونة وجواسيس أمريكا. وكان التحرك سلبيا حيث بات معظم التونسيين
يعرفون عن “أنا يقظ”. ويقول المؤسسون إن مكافحة الفساد لا تكفي وهدفهم الآن
هو إصلاح الثقافة السياسية في تونس. وقال مهاب القروي، 34 عاما، وهو أحد مؤسسي الحركة:
“لقد فقدت الثقة بالنخبة السياسية”، وأضاف: “نحن بحاجة للعمل على تعليم
الشباب السياسة، ولماذا لا يشتركون في انتخابات 2024؟ ولو استمررنا بمكافحة الفساد
فلن ننتهي”. وأنشأت الجماعة إذاعتها وقناة رقمية واستعانت
بمؤثرين على يوتيوب وإنستغرام وتيك توك ممن لديهم ملايين المعجبين لخلق محتويات حول
المحاسبة والحقوق السياسية.
المصدر