قرارات “المركزي التونسي” رهن التطورات في غزة: قلق من النفط والفائدة
قرارات “المركزي التونسي” رهن التطورات في غزة: قلق من النفط والفائدة
يربط خبراء الاقتصاد في تونس السياسات النقدية وقرارات البنك المركزي خلال الفترة المقبلة بتطور مجريات الحرب الإسرائيلية على غزة، واحتمال توسعها إقليمياً، بسبب التأثيرات المرتقبة لأسعار النفط عالمياً على معدلات التضخم، ومن ثم أسعار الفائدة.
ومنذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي، يبقي البنك المركزي التونسي سعر الفائدة في مستويات مستقرة عند نسبة 8 في المائة، بعد رفعها في ثلاث مناسبات على امتداد عام 2022 بهدف محاصرة التضخم الآخذ في الارتفاع.
ورفع المركزي التونسي، نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي سعر الفائدة الرئيسية 75 نقطة أساس لتصل إلى 8 في المائة، كما سبقتها زيادة في أكتوبر/ تشرين الأول 2022 بـ25 نقطة أساس إلى 7,25 في المائة، كما زاد النسبة في مايو/ أيار من العام ذاته 75 نقطة لتبلغ 7 في المائة مقابل 6,25 في المائة سابقاً.
وواجهت السياسات النقدية للبنك المركزي العديد من الانتقادات من قبل المواطنين العاديين والمتعاملين الاقتصاديين، الذي اعتبروا أن الزيادة القياسية في سعر الفائدة أضرت بقدرتهم على الاقتراض والاستثمار. لكن البنك المركزي دافع في أكثر من مناسبة عن سياساته، معتبرا أن التحكم في نسبة التضخم من أبرز أهدافه في ظل ظرف عالمي يحفّز مخاطر التضخم المستورد الناجم عن الارتفاع في فاتورة الطاقة.
ويرى الخبير الاقتصادي والعضو السابق في مجلس إدارة البنك المركزي التونسي فتحي زهير النوري، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن السياسة النقدية للبنك المركزي التونسي تحكمها عوامل محلية وأخرى خارجية، مشيراً إلى أن قرارات المركزي لا يمكن أن تكون مخالفة للسياسات النقدية للبنوك المركزية في العالم التي تزيد نسب الفائدة في فترات الأزمات.
ويشرح النوري أنه خلال عام 2022، زاد البنك المركزي نسبة الفائدة نتيجة انفلات التضخم عالميا ومحليا ما بعد جائحة كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا، ما تسبب في زيادة أسعار الطاقة والغذاء. ويتابع أنه يبقى قرار الترفيع في سعر الفائدة مجددا من عدمه مرتبطا بتطوّر الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، معتبراً أن دخول إيران على خط الصراع سيكون عنصراً محدداً لأسعار النفط في السوق العالمية والسياسات النقدية للبنوك المركزية سنة 2024.
ويؤكد النوري أن الموازنات المالية لتونس التي تستورد الطاقة سترتبك في حال ارتفاع سعر النفط إلى أكثر من 140 دولاراً للبرميل، وفق توقعات وكالة “بلومبيرغ” في حال التدخل الإيراني الذي قد يؤدي إلى تعثر إمدادات النفط عبر مضيق “هرمز”، أو قد ينتج عنه تعثر الاستثمارات في قطاع الطاقة في المنطقة.
ويعتبر أن سعر الفائدة في تونس مرتفع حالياً، مشيرا إلى أن السياسة النقدية للبنك نجحت في كبح التضخم الذي أخذ منحى تنازليا، لكنها، في المقابل، أدت إلى انكماش الاستثمار وتراجع الإقبال على الاقتراض نظرا للكلفة العالية للقروض. وسجلت تونس، خلال الأشهر الماضية، تراجعا في نسبة التضخم من 10,4 في المائة في فبراير/ شباط إلى 8,6 في المائة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وفق بيانات رسمية لمعهد الإحصاء الحكومي.
وفي بيان صادر عن مجلس إدارته في 18 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، توقع البنك المركزي التونسي التباطؤ التدريجي للتضخم في سنة 2023 أو حتى لفترة أطول.
غير أنه قال إن العديد من المخاطر التضخمية تظل نشيطة، بما من شأنه عرقلة مسار تراجع التضخم. ويمكن لهذه العوامل أن تنجم بالخصوص عن الارتفاع المفرط للأسعار الدولية أو تفاقم الإجهاد المائي”.
ويعتبر الخبير المالي محسن حسن، في حديث مع “العربي الجديد”، أن البنك المركزي التونسي نجح في سياساته التقييدية التي مارسها على امتداد عام 2023، والتي أدت إلى نزول التضخم رغم تواصل غلاء أسعار الغذاء.
ويؤكد حسن أن مواصلة البنك المركزي سياساته التقييدية وإبقاء نسبة الفائدة في مستويات عالية عند 8 في المائة سيكون رهين تطور الأوضاع إقليميا وعالميا وتأثيرات الحرب في غزة على أسعار النفط. ويضيف المتحدث: “في حال استقرار سعر النفط عالميا وفق التقديرات التي اعتمدها الحكومة في قانون موازنة 2024، أي عند سعر 81 دولارا للبرميل، سيكون البنك المركزي التونسي مطالبا بخفض نسبة الفائدة لتخفيف الضغوط على الشركات والأفراد الناجمة عن كلفة القروض المرتفعة” .
ويعتقد الخبير في قطاع الطاقة حامد الماطري أن السياسات النقدية للبنوك المركزية ستكون خلال الأشهر المقبلة محكومة بمدى تطور أسعار النفط في السوق العالمية، معتبرا أن الدول المستوردة للطاقة قد تكون الأكثر تأثرا.
ويقول الماطري في تصريح لـ”العربي الجديد” إن ارتفاع أسعار النفط مقارنة بتقديرات الموازنات التي تضعها الحكومات، ومن ضمنها تونس، سيجبر البلدان على زيادة أسعار المحروقات، وهي زيادات تساهم بنسبة عالية في ارتفاع التضخم نظرا لتأثير أسعار الطاقة على مختلف القطاعات الاقتصادية وكلفة الإنتاج عموماً.
ويتابع: “إن البنوك المركزية قد تجبر، في حال انفلات التضخم مجددا، على زيادة نسب الفائدة من أجل كبح ارتفاع الأسعار، غير أن ذلك سيضعف محركات الاستثمار والاستهلاك ويعرقل النمو. والشهر الماضي، خفّض البنك الدولي من توقعاته للنمو في تونس إلى 1,2 في المائة في 2023، مقابل توقعات في حدود 2,3 في المائة أعلنها في يونيو/ حزيران 2023، كما أشار إلى أن آفاق البلاد “تتسم بدرجة عالية من عدم اليقين”.
وذكر البنك الدولي، في تقرير أصدره تحت عنوان “تحقيق التوازن، الوظائف والأجور في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عند وقوع الأزمات”، أن الاقتصاد التونسي تباطأ “بشكل ملحوظ” مقارنة بأدائه عامي 2021 و2022. وبحسب المؤسسة المالية الدولية، فإنّ ذلك يعكس “الظروف الصعبة المرتبطة بالجفاف خصوصا بالنسبة للقطاع الفلاحي، والشكوك الدائرة حول تمويل الدين وتباطؤ تنفيذ الإصلاحات الهيكلية”.
واعتبر البنك الدولي أنّه في ظل غياب اتفاق مالي مع صندوق النقد الدولي وغياب التمويلات الخارجية، بسبب الظرف العالمي غير المؤكد، تبقى المالية العمومية والحساب الخارجي لتونس “هشين”. وأوضح البنك في تقريره أنّ “الاقتصاد التونسي يرزح تحت عوامل سلبية، من أبرزها الجفاف المستمرّ، وتحديات التمويل الخارجي، وتواصل تراكم الديون المحلية لأهم المؤسسات العموميّة، والعقبات التشريعية”.
وبحسب تقرير المرصد الاقتصادي لتونس لخريف 2023، فقد بلغ معدّل النمو خلال النصف الأول من السنة الحالية 1.2 في المائة، أي أقلّ بمقدار نصف ما كان عليه في 2022 ورُبع ما كان عليه في 2021، عام التعافي بعد الأزمة الناجمة عن جائحة كورونا. ولا تتعدى استقلالية تونس في مجال الطاقة 50 في المائة، بحيث تعتبر البلاد خاضعة لأسواق النفط العالمية، وتتأثر موازنتها بارتفاع الأسعار بشكل مباشر.
وتنوي تونس، وفق مشروع موازنة العام 2024، مواصلة دعم المحروقات والطاقة بمخصصات تبلغ 7.086 مليارات دينار (نحو 2.2 مليار دولار) مقابل نحو 7.030 مليارات دينار خلال العام الحالي، الذي لم يشهد أي زيادة في سعر المحروقات والطاقة.
#قرارات #المركزي #التونسي #رهن #التطورات #في #غزة #قلق #من #النفط #والفائدة
تابعوا Tunisactus على Google News