قطاع الرياضة التونسي يخسر شبابه الباحث عن فرصة عبر قوارب الموت | خالد هدوي
تونس – تُفاقم الهجرة غير الشرعية من تحديات قطاع الرياضة في تونس، حيث باتت الظاهرة تستقطب الشباب بشكل لافت خصوصا في مدن الجنوب مثل جرجيس وبنقردان وصفاقس.
وفيما تصطدم الجمعيات الرياضية بصعوبات في التكوين والتدريب وأخرى مالية، يرى الشباب في الهجرة، ولو بشكل غير قانوني، طريقهم الوحيد لتحقيق طموحاتهم في القارة الأوروبية، بعد أن استنفدوا صبرهم في تحسين الأوضاع خاصة في ما يخص تحقيق تنمية عادلة بين المناطق التونسية، التي بقيت مجرد شعار يرفع في الحركات الاحتجاجية على مدى عشر سنوات، أي ما بعد ثورة يناير عام 2011، دون تطبيقه على أرض الواقع.
ويسيطر شبح الهجرة على عقول الناشئة أكثر من أي وقت مضى جراء ضعف المراقبة والاهتمام العائلي والأكاديمي، فضلا عن ترهّل البنية التحتية للنوادي والجمعيات الرياضية والثقافية التي أصبح وجودها كعدمه.
وتعاني المدن الداخلية من التهميش وضعف البنية التحتية والاقتصادية، بالإضافة إلى تواصل غياب دور الدولة فيها من استثمار وتنمية وانعدام المشاريع المشجعة على النشاط الرياضي.
وتتواتر في تونس من فترة إلى أخرى حوادث الهجرة والتي يشارك فيها رياضيون شباب. وعلى سبيل المثال اختارت الشابة أنس الزوالي وهي لاعبة كرة يد أحد قوارب الموت سنة 2019 بعد أن عانت سنوات من البطالة لتلقى حتفها بعد ذلك في حادث مأساوي.
تخطيط مسبق
على غرار اللجوء إلى قوارب الموت، يستغل بعض الرياضيين مشاركتهم في فعاليات دولية للبقاء في الدول التي تحتضنها بشكل غير نظامي أملا في الحصول على فرصة مغرية والانضواء تحت فريق رياضي يستجيب إلى تطلعاتهم.
وسبق أن أثارت حادثة فرار بعض الرياضيين التونسيين المشاركين في الألعاب المتوسطية التي احتضنتها مدينة تاراغونا الإسبانية سنة 2018 جدلا واسعا في الأوساط الرياضية المحلية.
وفرّ آنذاك ثلاثة رياضيين من الوفد التونسي المشارك في ألعاب البحر الأبيض المتوسط، وسجلت هجرة الرياضيين حالات مماثلة في مناسبات سابقة.
وفيما تشكو السلطات المشرفة من صعوبة المراقبة في ظل تخطيط مسبق لهؤلاء الرياضيين في الهجرة السرية، يؤكد المتابعون على ضرورة معالجة دوافع هذه الظاهرة المقلقة التي من شأنها أن تبعث برسائل سلبية للأجيال الناشئة، كما من شأنها أن تلقي بظلال سلبية على مستقبل المشهد الرياضي.
مكرم شوشان: سندعم رياضة المواطنة رغم الصعوبات
ويحتل قطاع الرياضة مكانة هامة لدى الشباب ويحظى بمتابعة قوية، ويشكل متنفسا لهم في ظل الأزمات التي تعصف بالبلاد على أكثر من صعيد.
وعزا مكرم شوشان المدير العام للرياضة في حديثه لـ”العرب” دوافع هجرة الرياضيين خاصة حين يكون الرياضي من فئة النخبة، إلى ضعف الامتيازات والحوافز المادية الذي يتحصل عليه مقارنة بزملائه، وهو ما يحز في نفسه.
وبين أنه يتم “استقطابهم من الدول الأوروبية والخليجية بسبب الإغراءات المالية، وحصولهم على برنامج دعم أفضل”. وتابع “في الوقت الذي يضيق عليهم السبل، تحفز هذه الإغراءات الرياضيين على الهجرة بطرق قانونية أو غير قانونية”.
وفي ما يخص الرياضيين من ذوي المستوى الأقل، يجد الكثير منهم في المناسبات الرياضية الدولية ملاذا للفرار بهدف الحصول على فرصة أفضل سواء في الخليج أو أوروبا. ويستبق الرياضي هذه الخطوة بتكوين شبكة من العلاقات تؤمن له فرصة الحصول على عقد عمل مع جمعية رياضية. وقد تكررت مثل هذه الحوادث في رياضة المصارعة والتيكواندو.
وتشكل الموازنة بين العناية برياضيي المستوى العالي وتحسين ظروف تحضيراتهم وتأطيرهم وما يكلف ذلك من اعتمادات، وبين العناية بالنخبة الشابة وتوفير ظروف الإقامة والإعداد الجيد لها، تحدّيا أيضا بالنسبة إلى الوزارة التي تعي أن عدم المساواة بين المواهب الرياضية يشجع ضمنيا على الهجرة.
وكشف شوشان أن هذا الاستقطاب لا يشمل الرياضيين فقط بل الكوادر الفنية الكبيرة التي تفضل الرواتب الجيدة في أوروبا على رواتب زهيدة في أوطانهم.
وتشكو الكوادر الفنية المحلية من ضعف المنح والأجور التي يتقاضونها مقارنة بالكوادر الفنية الأجنبية الموجودة بالبلاد مما شجع أغلبهم على البحث عن فرص عمل في الخارج.
ومع ذلك، قلّل المسؤول الرياضي من أهمية هذه الظاهرة كونها مازالت محدودة ولا تثير القلق داخل الأوساط الرياضية، كما أن الوزارة ماضية في حملة توعوية داخل الأوساط الشابة لشرح خطورة الهجرة غير الشرعية.
وأردف “نريد أن نحافظ على شبابنا وكفاءتنا في جميع القطاعات، ونبذل جهدا في ذلك”.
غياب العدالة الرياضية
الكوادر الفنية تعاني المشكلة نفسها
تعزو أوساط رياضية ظاهرة هجرة الرياضيين إلى التوزيع غير العادل للأنشطة الرياضية بين المدن، حيث يلاحظ تواجد نوادٍ رياضية في مدن فيما تغيب في مدن أخرى خاصة في مدن الجنوب، الأمر الذي يطرح تحديات حقيقية في هذا القطاع.
وأفاد الناشط في المجتمع المدني المنصف خبير بأن “ظاهرة الهجرة غير الشرعية ليست بالجديدة في الجنوب التونسي، لعدة أسباب من بينها ضعف الجمعيات الرياضية والهياكل المؤسساتية بالبلاد”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “من حيث الإحصائيات تحتل مدن جرجيس وتطاوين وبنقردان أكبر عدد من المهاجرين، وترتبط هذه الظاهرة بدوافع اجتماعية بالأساس ونظرا إلى أن المهاجرين لهم أقارب في أوروبا”.
وتابع “تمثيل الفرق الرياضية من مناطق الجنوب التونسي ضعيف في الرابطة الوطنية الأولى لكرة القدم، والبنية التحتية من ملاعب ترابية مهترئة مع غياب الأرضية المعشبة”. واستنتج خبير أنه “بالتالي لا سبيل لهذا الشباب إلا التفكير في الهجرة لاعتقادهم بأن حظوظ تحقيق أحلامهم أفضل في شوارع أوروبا”.
وبين الناشط المدني أن “أغلب أراضي المناطق الحدودية هي اشتراكية والدولة لم تستثمر فيها، ويرى الشباب أن العديد من أقرانهم قد هاجروا ونجحوا وتمتعوا باستقلالية مالية، ووفرت لهم المدن الأوروبية جانبا من الكرامة وأبسط مقومات العيش”.
واستنكر “غياب وزارة شؤون الشباب والرياضة كهيكل رياضي يشرف على مشاغل الشباب”، ملاحظا أن “الرياضة شبه غائبة في الجنوب ودور الشباب والرياضة مغلقة تقريبا”.
واستطرد “إذا لم توفر الدولة الإحاطة اللازمة لهذا الشباب مع تحفيزهم ماديا باعتبارهم ينحدرون من مؤسسات تربوية، فلن يجدوا مفرا من التفكير في الهجرة من مدنهم”.
ويشكو الرياضيون الشباب من البطالة وتردي أوضاعهم المالية والاجتماعية، فيما لم تبذل السلطات جهودا كافية لإعادة الثقة في هذا القطاع، ما يهدد بخسارة البلاد مواهبها الشابة.
ويعاني الشباب في المناطق الحدودية الجنوبية من قساوة البيئة والأوضاع التي تمنعهم من ممارسة نشاطهم الرياضي. وكشفت سحر غفاري لاعبة كرة يد (18 سنة) “أنها التحقت بالجمعية النسائية بمدنين قادمة من جمعية الوفاق الرياضي بتطاوين دون عقد مادي أو رياضي”.
وأضافت غفاري في تصريح لـ”العرب”، “أفكر في الهجرة نظرا لصعوبات تعترضني منها المادية والاجتماعية بالخصوص، وتصعب ممارسة الهواية أو الرياضة في هذه المدن”.
وتابعت “أبذل جهودا كبيرة لتحدي المصاعب التي تعترضني يوميا لأنني متشبثة بالرياضة، فضلا عن مشاكل التوفيق بين الجانبين الرياضي والأكاديمي”.
ودعت اللاعبة مؤسسات الدولة وفي مقدمتها المندوبيات الجهوية للشباب إلى “ضرورة التدخل العاجل وتوفير الحد الأدنى المطلوب من الدعم كالحوافز والأزياء والتجهيزات”.
استغلال الظرف الخاص
قطاع الرياضة يشكل متنفسا للشباب في ظل الأزمات المتعددة التي تعصف بالبلاد
بالرغم من الانتقادات والصعوبات، تؤكد الحكومة حرصها بشكل دائم على تشخيص وضع قطاع الرياضة والوقوف على أهــم التحديـات ونقاط القــوة والضعف.
ونشرت وزارة الرياضة والشباب دراسة أوضحت فيها استراتيجيتها لمعالجة نقائص ومشاكل القطاع من ضمنها الهجرة السرية.
وتراهن الوزارة على توسيع قاعدة ممارسي الأنشطة الرياضية وتعميمها على كافة الفئات الاجتماعية والعمرية وفي أغلب المناطق والجهات خاصة منها تلك التي تقل فيها الممارسة الرياضية عن المعدل الوطني في إطار منظم صلب الجمعيات والنوادي.
وتستهدف من خلال رياضة المواطنة تحقيق المزيد من التوازن بين المناطق في هذا المجال، بهدف تحفيز الشباب وثنيهم عن فكرة الهجرة.
وأكد شوشان “أن الوزارة تعمل على برنامج هدفه إيصال الرياضة إلى كل أرجاء البلاد وخاصة المناطق المهمشة”. وتابع “سنعمل على تحسين وضعية الملاعب في كل المناطق، وسندعم رياضة المواطنة باستهداف كل الأعمار للأنشطة الرياضية، رغم الصعوبات التي تواجهنا”.
سحر غفاري: أفكر في الهجرة بسبب الصعوبات المادية والاجتماعية
وأوضح “بدأنا في هذا البرنامج من خلال اتفاقية مع 350 بلدية لدعم رياضة المواطنة ومنحها للجميع، كما سيفور هذا البرنامج فرصا للعمل”.
وتحوّلت الهجرة غير الشرعية إلى مشروع عائلي في تونس وتشمل كل القطاعات والفئات العمرية، وبعض الأسر تدفع بأبنائها نحو البحر بحثا عن أفق أرحب بسبب الفقر الذي يحاصر أكثر من مليوني تونسي، حسب إحصائيات رسمية محلية.
وكشف المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تقرير سابق له، أن هجرة القصّر تحتل المرتبة الثانية في تصنيف المهاجرين، حيث تصدّر المهاجرون الذكور البالغون المرتبة الأولى بأكثر من 10 آلاف مهاجر خلال العام الماضي، مشيرا إلى تنامي ظاهرة الهجرة السرية انطلاقا من السواحل التونسية، وأنها تشمل إضافة إلى التونسيين أشخاصا من دول أفريقيا جنوب الصحراء.
وتحتل مدينة صفاقس المرتبة الأولى في عدد رحلات الهجرة بنسبة 34.5 في المئة نظرا لوجود شبكات تهريب، وأشخاص مستعدين للهجرة، فيما تحتل محافظة نابل المرتبة الثانية.
وهاجر خلال السنوات العشر الأخيرة نحو 65657 تونسيا إلى إيطاليا عبر رحلات غير قانونية، واختفى آلاف آخرون غرقت مراكبهم في البحر، وسجّلوا في عداد المفقودين، فيما منعت الوحدات الأمنية التونسية أكثر من 42 ألف مهاجر.
وتواصلت عمليات الهجرة غير الشرعية نحو سواحل إيطاليا خلال جائحة كورونا، بالرغم من مخاطر الفايروس وتشديد الرقابة الأمنية في فترة حظر التجوّل والحجر الصحي.
ويحاول المهاجرون غير الشرعيين وشبكات السفر غير الشرعية، استغلال الظرف الخاص وانشغال السلطات بجهود فرض حظر التجوّل والحجر الصحي الشامل في المدن، فيما تواصل الأجهزة الأمنية والعسكرية التونسية جهودها في مكافحة الهجرة غير النظامية رغم التأكيد المتواصل على أن المقاربة الأمنية وحدها لا تكفي.
وتزايدت معدلات الهجرة غير الشرعية في تونس منذ ثورة يناير 2011، مستغلة الارتباك الأمني الذي شهدته البلاد، لكنها سرعان ما تراجعت بعد تشديد السلطات الخناق على شبكات الهجرة غير القانونية.
وفضلا عن الدوافع الرياضية والاجتماعية والنفسية، يعتبر عامل الانقطاع عن الدراسة من الأسباب العميقة التي تعمق أزمة الشباب التونسي، حيث كشف رئيس الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الطفـل، معز الشريف مغادرة ما يقرب من مليون تلميذ لمقاعد الدراسة.
ويبلغ معدل عدد المنقطعين عن الدراسة من سنة إلى أخرى 101 ألف منقطع، وتمّ تسجيل أكثر من 526 ألفا خلال الخمس سنوات الأخيرة.
تابعوا Tunisactus على Google News