- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

قيس سعيد والجيش السوداني وحلم بسمارك | القدس العربي

نفد الرئيس التونسي قيس سعيد انقلابه في يوليو/تموز الماضي متذرعا بشعار حماية البلاد من الانهيار الداخلي والتدخل الأجنبي، وكرر الجيش السوداني الشعار نفسه، عندما نفذ بدوره الانقلاب خلال الشهر الماضي. والمثير هو عدم استفادة الانقلابيين من دروس التاريخ، إذ تصبح الدول بعد الانقلابات أكثر عرضة للتدخل الأجنبي، علاوة على ضرب الاستقرار الداخلي.
وهكذا، فقد نفذ الرئيس قيس سعيد انقلابا ضد أول تجربة ديمقراطية حقيقية في العالم العربي، جاءت بعد الربيع العربي، الذي جاء من أعماق الشارع التونسي. ومن مفارقات التاريخ أن يكون منفذ هذا الانقلاب أستاذا في القانون الدستوري، وخطيبا مفوها أمام القنوات العربية إبان الربيع العربي، وبالتالي كان عليه أن يكون أكثر الناس حرصا على تطبيق الدستور، وحماية المسلسل الديمقراطي.
ماذا حدث بعد الانقلاب؟ تعطيل كامل لمؤسسة البرلمان، وهو تجميد لسيادة الشعب، ثم ارتماء قيس سعيد في أحضان الدول المضادة لثورة الربيع العربي ومحاولة تقليد معمر القذافي، بطرح الحوار مع الشباب بعيدا عن المؤسسات الحزبية التي تؤسس المشهد السياسي في تونس، بل في العالم.
لقد وجه قيس سعيد ضربة قوية إلى الرمزية التي كانت تتمتع بها تونس بعد الانتفاضات الكبرى من أجل الديمقراطية، التي اندلعت نهاية سنة 2010، ووضعت حدا لأنظمة ديكتاتورية لم تختلف كثيرا عن الاستعمار الذي سيطر على العالم العربي. وهكذا، تحالف الانقلاب والجائحة لضرب الاقتصاد التونسي، وها هي تونس التي كانت ترغب في بناء اقتصاد قوي، بعد وضع أسس مؤسسات مثل البرلمان، تدق الآن أبواب دول من أجل الحصول على المساعدات المالية. في الوقت ذاته، أصبح الرئيس التونسي رهين رنين الهاتف، من الطارق؟ هل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الذي يضغط علانية من أجل عودة الحياة الديمقراطية في البلاد؟ أم هو اتصال من وزير الخارجية الفرنسي جان لودريان الذي يتصل سرا مطالبا بعودة الديمقراطية، شأنه شأن وزراء خارجية دول غربية أخرى مثل إيطاليا. من النتائج المباشرة للانقلاب هو استبعاد تونس من قمة الديمقراطية التي ينظمها البيت الأبيض يومي 9 و10 ديسمبر/كانون الأول المقبل لتشكيل قطب عالمي ضد توغل الاستبداد وعودة الأنظمة الديكتاتورية. لولا الانقلاب، لكانت تونس ضمن ضيوف الشرف تكريما لريادتها في الربيع العربي، لكن قيس سعيد، كان له موعد آخر مع التاريخ، بشكل عكسي.. كذلك لا تجرؤ أي دولة أوروبية على استقبال قيس سعيد.
وحاول الجيش السوداني إجهاض التجربة الديمقراطية الفتية، التي ما زالت تبحث لنفسها عن بوصلة، ونفذ انقلاب أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لكن بعض الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، نزلت بكل ثقلها لتغيير الأحداث. وهكذا، خضع قادة الجيش للضغط الأجنبي، وأساسا الأمريكي، وأعادوا نسبيا المدنيين ممثلين في عبد الله حمدوك، رئيسا للحكومة، ليكون شريكا لهم في السلطة. نعم، لقد خضع الجيش السوداني للضغط الأجنبي، وتراجع عن الكثير من قراراته.

عدم استفادة الانقلابيين من دروس التاريخ، إذ تصبح الدول بعد الانقلابات أكثر عرضة للتدخل الأجنبي، علاوة على ضرب الاستقرار الداخلي

إن أي عملية تقييم للجيش السوداني، سنجد أن هذا الجيش وراء الكثير من الانتكاسات الكبرى التي تعرضت لها البلاد، سواء على المستوى الاقتصادي مثل السيطرة على الاقتصاد في نسخة كاريكاتيرية لسيطرة الجيش المصري على الاقتصاد، أو الفشل في الحفاظ على الوحدة الترابية للبلاد بعد استقلال جنوب السودان عن الوطن الأم. في هذا الصدد، نطرح سؤالين، وهما: لماذا يتم توظيف الوطنية لتبرير اعتداء على حرية الوطن وحرمة الأمة؟ وثانيا، لماذا لا يستفيد الانقلابيون من دروس الماضي، وكيف ينتهي المستبدون في مزبلة التاريخ؟
على ضوء هذا، هل بالفعل قدم انقلاب تونس وانقلاب السودان خدمة للبلدين والشعبين، كل المعطيات تشير إلى العكس، فقد تضاعف التوتر السياسي، وتفاقم الوضع الاجتماعي والاقتصادي، جراء حالة اللاستقرار الناتجة عن غياب المصداقية والشرعية عن المؤسسات، في ظل الانقلاب، فمهما كانت كفاءة حكومة تونس، فهي غير شرعية لافتقادها مصادقة البرلمان، الذي يجسد سيادة الشعب، لاسيما وأن البرلمان التونسي جاء نتيجة انتخابات ذات شفافية مقبولة دوليا، وفق جميع التقارير الدولية. لا علاقة للوطنية بالانقلابات، بل حب السلطة وتجذر الاستبداد وراء هذه الانقلابات. ويبقى المثير هو عدم استفادة الانقلابيين من التاريخ، يطمح السياسي العربي الذي يصل إلى السلطة عن طريق الصدفة مثل حالة قيس سعيد، أو الجيش السوداني الذي استلذ السلطة إلى تغيير الأوضاع، ويتخيل نفسه أنه نابليون أو بسمارك العربي. وعادة ما تكون النتيجة غير مشرفة، وهو ما حدث في الماضي القريب جدا، الذي ما زال رهن التداول والنقاش مثل حالات الديكتاتور التونسي بن علي أو السوداني عمر البشير أو الليبي معمر القذافي أو المصري حسني مبارك.
الإصلاح السياسي ينطلق من قيام شخصيات سياسية باحترام المؤسسات، لقد أحدثت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل انقلابا في ألمانيا، نعم انقلابا ولكن بالمفهوم الإيجابي، بعدما أعطت للبلاد مكانة جديدة. كما أحدث الرئيس البرازيلي السابق لولا دا سيلفا انقلابا في البرازيل بتحويل هذا البلد إلى دولة قوية سياسيا واقتصاديا. نعم، يتدخل الجيش الفرنسي أو الإسباني أو الألماني في السياسة الداخلية، عندما تنجز أجهزته الاستخباراتية تقارير عن مستوى الفساد وتهديده لوحدة البلاد، لكن تمر عبر المؤسسات القائمة وليس عبر الانقلاب. في غضون ذلك، بقي وقت قليل وسينتصر الشعب التونسي، وسيستعيد دوره الريادي في بناء الديمقراطية. ويتورط الجيش السوداني أكثر في ضرب صورة البلاد، فقد جعل السودان تفقد الجنوب، وها هو ينفذ الانقلاب لمواجهة التدخل الأجنبي، وها هو الآن يخضع للتدخل الأجنبي، الأمريكي أساسا ويتراجع. لن يكون لا قيس سعيد ولا الجيش السوداني بسمارك العربي.
كاتب مغربي من أسرة «القدس العربي»

- الإعلانات -

#قيس #سعيد #والجيش #السوداني #وحلم #بسمارك #القدس #العربي

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد