قيس سعيّد وكاتالوغ الشعبوية | القدس العربي
يبدو الرئيس التونسي قيس سعيد، خصوصا بعد خريطة الطريق، التي أعلن عنها قبل أيام، كمن يمسك بكتالوغ الشعبوية ويطبقه بدقة. فعدا عن تجميد البرلمان، لحين إجراء انتخابات تشريعية نهاية العام المقبل، دعا لكتابة دستور جديد، عبر استفتاء شعبي.
الإجراء الأول، يرمي بطبيعة الحال، إلى مواصلة إلغاء المؤسسات السياسية الوسطية، فيما يأتي الثاني، أي الاستفتاء، استكمالا وتتمة، حيث «الشعب» نفسه يتولى «صوغ» الدستور وقانون الانتخابات، عبر «تنظيم استشارة شعبية بداية من 1 يناير/ كانون الثاني 2022 عبر منصات إلكترونية ومباشرة، على أن تنتهي في داخل البلاد وخارجها يوم 20 مارس/ آذار 2022» كما قال سعيد نفسه. «الشعب» إذن يمثل نفسه بنفسه، بعد محو المؤسسات الوسطية، ومع أن الاستفتاء من المفترض أن يشارك فيه كل التونسيين، لكن «الشعب» وفقا لخطب سعيّد العصماء، مؤلف من «الأخيار» عملاً بتقليد شعبوي، حيث يجري اختيار جزء من الشعب، ورفعه إلى سوية «الأخيار» المؤهلين ليمثلوا الشعب كله، ويختصروه بأنفسهم، أي خلق «أغلبية» على قاعدة الولاء للرئيس وتأييد قراراته.
وهذه «الأغلبية» قد لا يعاني سعيد كثيرا في وجودها، حيث إن التونسيين قبل انقلاب الرئيس، منذ عدة أشهر، كانوا قد فقدوا الثقة بسلوك الأحزاب السياسية الحاكمة والمعارضة، وعدم قدرتها على تحسين أحوالهم المعيشية المتدهورة، عبر البرلمان والحكومة، وإذا صح أن النخبة السياسية في تونس استهلكت نفسها في لعبة السلطة ودهاليزها وأهملت الاقتصاد، صح كذلك أن البلاد كانت تمر بمرحلة انتقالية، وثمة محاولة لتأسيس قواعد دستورية، يجري الاحتكام إليها بشكل دائم.
الشعبوية، كممارسة وبديل عن المؤسساتية، تستحكم في تونس، وسواء نجح سعيد في غايته، أم استبدله الجيش بوجه أقل استفزازا، النتيجة واحدة
التوتر بين ترسيخ القواعد ورداءة سلوك النخبة لناحية أحوال الناس، خلق، عددا كبيرا من اليائسين من السياسة والمؤسسات، وهؤلاء هم تحديداً وقود قيس سعيد، الساعي لجعلهم «أخيارا» أو «شعبه» وربما أغلبية، يستخدمها لتثبيت نفسه في السلطة. وإن كانت المنازلة مع الحركات الشعبوية وسلوكها في الغرب، مضبوط بمؤسسات دستورية، وقواعد صلبة، وتقاليد سياسية، فهي تحصل في تونس، بعد إزالة كل ذلك، ما يطرح تساؤلات حول الاستفتاء الذي وعد بإجرائه سعيد، فالاستفتاءات عادة تحصل ضمن قواعد ديمقراطية، تضمن الرقابة والشفافية وحرية الاختيار، وهذا غير متوفر في ظل الوضع الحالي في تونس، حيث يمسك الرئيس بكل السلطات، ويتحكم بكل شيء بدعم من الجيش. من هنا، فإن «الاستشارة الشعبية» المزمع تنظيمها، سيتحكم بمجرياتها، أتباع الرئيس، أقله، بطبيعة الأسئلة التي ستطرح على الناس، والتي قد تغيب الكثير من التفاصيل، لصالح هوى الرئيس وأجندته السلطوية. وعندها، تصبح الانتخابات، مجرد تحصيل حاصل، حيث إن الشعبوية «لا تنبذ الانتخابات، ولكنها تستخدمها كاحتفال بالأغلبية وزعيمها، عوضا عن استخدامها كمنافسة بين الزعماء والأحزاب تسهّل تقييم تعدد الأفضليات» كما تقول الباحثة ناديا أوربيناتي في كتابها «أنا الشعب – كيف حولت الشعبوية مسار الديمقراطية».
بالنتيجة، خريطة طريق سعيد هي تنفيذ لكتالوغ الشعبويين، مع إضافة أن الرجل مدعوم، حتى الآن، من المؤسسة العسكرية، ما يجعل إجراءاته، محمية، رغم التظاهرات التي نظمت وستظل تنظم، ضدها. وبغض النظر، إن كان الجيش سيتخلى لاحقا عن سعيد، كما يظهر في بعض التقارير الصحافية، أم سيبقى يدعمه، فإن الشعبوية، كممارسة وبديل عن المؤسساتية، تستحكم في تونس، وسواء نجح سعيد في غايته، أم استبدله الجيش بوجه أقل استفزازا، النتيجة واحدة.
والأرجح أن الاقتصاد لن تتحسن أوضاعه، فالشعبويون، إذ يستخدمون، تردي الأوضاع الاقتصادية، ذريعة، لخلق مناخ سلبي، يمررون منه خطابهم السياسي النابذ للمؤسسات ودورها، فهم، لا يملكون خططا وأفكارا خلاّقة لتحسين الأوضاع، مع احتمال أن يحظى سعيد بمساعدات من أطراف تجد مصلحة لها، في إنهاء تجربة تونس الديمقراطية وجرها إلى شعبوية تمهد لديكتاتورية الفرد المدعوم من العسكر.
كاتب سوري
#قيس #سعيد #وكاتالوغ #الشعبوية #القدس #العربي
تابعوا Tunisactus على Google News