“لسنوات عديدة” قادمة.. تداعيات الحرب على إسرائيل
يتوقع مراقبون أن تستمر تداعيات الحرب الجارية في قطاع غزة على إسرائيل لسنوات، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي وحتى على الاستراتيجية العسكرية.
وتشير مجلة إيكونوميست البريطانية إلى أن إسرائيل سوف تستمر في التركيز على معاركها المباشرة في غزة والبحث عن مصير نحو 130 رهينة لايزالون محتجزين في القطاع.
لكن من الواضح أنه حتى بعد انتهاء الأعمال القتالية، فإن تأثير هذه الحرب “سوف يظل محسوسا لسنوات عديدة عسكريا واقتصاديا”.
وتعهد القادة العسكريون والسياسيون في إسرائيل بمواصلة الحرب، في عام 2024، رغم إعلان تخفيف حدة القتال، إذ واصل الجيش الإسرائيلي قصفه المكثف لمناطق في القطاع، بينما استمرت حركة حماس في إطلاق الصواريخ على إسرائيل.
وفي ظل هذا الوضع، يخشى إسرائليون من تأثير الحرب على النمو الاقتصادي في البلاد على المدى الطويل.
وقبل هجوم السابع من أكتوبر، توقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل بنسبة 3.1 في المئة في عام 2023، و3 في المئة في عام 2024، وكان من المتوقع أن يبلغ العجز لعام 2023 0.9 في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي.
لكن يبدو أن الحرب ستؤدي إلى تباطؤ النمو وزيادة العجز، وفق إيكونوميست. وتوقع بنك إسرائيل أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2 في المئة هذا العام. وهناك آخرون أكثر تشاؤما، إذ تتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية نموا قدره 1.5 في المئة، في حين تتوقع وكالة التصنيف “ستاندرد آند بورز” 0.5 في المئة فقط.
وفي الوقت ذاته، ارتفع العجز إلى 4.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أعلى مستوى في إسرائيل منذ عام 2012 (باستثناء عام 2020 أثناء الوباء).
وحدث هذا العجز جراء الإنفاق الحربي البالغ 17 مليار شيكل (4.5 مليار دولار، أو 1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي)، بالإضافة إلى انخفاض عائدات الضرائب بنسبة 8 في المئة في عام 2023.
ومن المتوقع أن تضيف الميزانية المعدلة للعام الجاري 55 مليار شيكل إلى الإنفاق الدفاعي (3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي)، ومن المتوقع أن يحدث عجز في الميزانية بنسبة 6.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وفي ديسمبر الماضي، توقعت وزارة المالية أن تكلف الحرب الجارية مع حركة حماس إسرائيل حوالي 50 مليار شيكل (13.8 مليار دولار) في عام 2024، على افتراض أن القتال سينتهي في الربع الأول من العام الجديد، وفقا لتايمز أوف إسرائيل.
سياسة دفاعية مكلفة
وتقول إيكونووميست إنه رغم أن زيادة الإنفاق مرتبطة مباشرة بحرب غزة، إلا أنه من غير المرجح أن تعود إسرائيل إلى اقتصاد ما قبل الحرب عندما ينتهي القتال في غزة في نهاية المطاف، حيث من المتوقع زيادة أعداد القوات البرية، وإنهاء سياسة استمرت لسنوات لتقليصها.
وقبل هجوم حماس، أنفقت إسرائيل مليارات على دفاعاتها الصاروخية وسياجها الحدودي المتطور، على أمل أن تحل التكنولوجيا محل الجنود، لكن فشلت هذه السياسة في منع اختراق الحدود.
واستدعى الجيش الإسرائيلي أكثر من 350 ألف جندي احتياط، للمشاركة في الحرب، لكن ذلك أدى إلى خنق الاقتصاد، إذ أدى غياب العمال من جنود الاحتياط إلى فرض ضغط كبير على الاقصاد.
وأعلن الجيش الإسرائيلي، في الأسابيع الأخيرة، تسريح بعض جنود الاحتياط الذين تم استدعاؤهم لمحاربة حماس في غزة، وهي خطوة قال إنها ستساعد الاقتصاد.
وعلى الرغم من إعادة آلاف من جنود الاحتياط إلى ديارهم الآن، ووعود بإعادة عدد أكبر بحلول نهاية شهر يناير، إلا أن زيادة عدد قوات حرس الحدود سيكون مكلفا، وهو ما يعني زيادة الإنفاق الدفاعي بنحو 1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على المدى الطويل، وسيتطلب ذلك زيادة الضرائب أو خفض الإنفاق في قطاعات أخرى.
هل تعود الاحتجاجات؟
وقالت مؤسسة “تشاتام هاوس” البريطانية إنه رغم أن الانقسامات السياسية التي سيطرت على المجتمع والسياسة في إسرائيل توقفت لعدة أشهر، إلا أن هذه الانقسامات ظلت دون حل وتفاقمت.
وفي حين يرى العديد من الإسرائيليين أن نتانياهو “مسؤول عن المأساة ويتوقعون أن نهاية الحرب ستكون نهاية مسيرته السياسية، فإن المناقشات حول استبداله أو الدعوة لإجراء انتخابات معلقة حتى يتم الاتفاق على وقف دائم لإطلاق النار في غزة على الأقل”.
ويخشى البعض في إسرائيل من عودة الاحتجاجات، التي توقفت في أعقاب هجوم حماس، قبل التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة.
وتقول إن الغضب يتصاعد، إذ أن أكثر من ثلاثة أرباع الإسرائيليين يقولون إنهم يرغبون في رحيل رئيس الوزراء، بمجرد انتهاء الحرب، وفق استطلاعات الرأي.
ولا تزال الاحتجاجات التي استؤنفت ضده صغيرة، لكن إذا انضم إليها جنود الاحتياط العائدون بأعداد كبيرة، “فقد يكون ذلك بداية نهايته”.
“وأيا كان من سيحل محل نتانياهو، فإن جيلا من الشباب الإسرائيليين العاملين سيضطر إلى دفع ثمن هذه الحرب، من جيوبهم ومن خلال أشهر من الخدمة الاحتياطية لسنوات قادمة”.
وترى بوليتكو أن الطبقة السياسية في إسرائيل تكاد تكون مقتنعة بأهمية مواصلة الحرب، ويبدو أن هناك رغبة قليلة في قبول فكرة حل الدولتين.
ويشعر كبار السياسيين في إسرائيل بإمكانية إجراء انتخابات قريبة، لكنهم متفقون على خوض حرب طويلة. وتقول بوليتيكو: “في الوقت الحالي، لا يتحدث أي من المتنافسين الرئيسيين في هذا السباق الانتخابي عن حرب قصيرة، كما أنهم لا يتقبلون دعوات الولايات المتحدة وأوروبا لإحياء محادثات حل الدولتين”.
وتضيف أنه “لا توجد شهية في إسرائيل لإحياء محادثات حل الدولتين، في أعقاب الهجمات الوحشية التي شنتها حماس على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر، والتي خلفت 1200 قتيل في موجة مروعة من العنف”.
وعلى الرغم من الضغوط الدولية المتزايدة لإنهاء العمليات العسكرية الإسرائيلية وسط ارتفاع عدد القتلى المدنيين، والصخب المصاحب لقضية الرهائن، فإن نتانياهو وغيره من كبار القادة يتعهدون بـ مواصلة القتال.
وتشير إلى أن هذا الأمر يتفق عليه “السياسيون النشطون الذين ليسوا أصدقاء نتنياهو، مثل وزير الدفاع يوآف غالانت، أحد المرشحين المحتملين لخلافة نتانياهو. وقال غالانت لنواب الكنيست: “هذه حرب طويلة وصعبة”.
وكذلك بيني غانتس، وزير الدفاع السابق الذي يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه الرجل الذي قد ينهي مسيرة نتانياهو، فقبل هجمات حماس، كان غانتس أعرب عن قلقه بشأن الاتجاه “المتطرف” الخطير الذي يتخذه نتانياهو وحلفاؤه اليمينيون، ثم غير لهجته بعد هجمات حماس، وانضم إلى حكومة الحرب.
وأشار غانتس، في خطاب الشهر الماضي، إلى أنه ونتانياهو لديهما شكوك مشتركة عندما يتعلق الأمر بحل الدولتين.
#لسنوات #عديدة #قادمة. #تداعيات #الحرب #على #إسرائيل
تابعوا Tunisactus على Google News