ماذا فعلت فينا يا ابنة جابر!
أنس جابر تطمح للمنافسة على لقب ويمبلدون (روبرت برانجي/ Getty)
يبقى حلمُ العالمية لأي رياضي عربي مشروعاً، وفي عالمنا العربي جاد علينا الزمن بأسماء كتبت التاريخ وألهمت أجيالاً كاملة.
عالمية العرب بدأت منذ أولمبياد أمستردام 1928، عندما أحرزت مصر ذهبية المصارعة بفضل إبراهيم مصطفى والرباع سيد نصير، وتوالت الإنجازات العربية، وعبر التاريخ وفي 100 عام رياضة، كتب العرب حواديت وقصصاً خلّدتها الذاكرة.
وبحسب الظروف والبيئة العربية اقتصر النجاح على رياضات معيّنة ماشية مع محيطنا، فبدأت رفع الأثقال بالبروز، وكان خضر التوني الذي تمنّاه هتلر ألمانياً، ودخلت ألعاب القوى على الخط وفاز التونسي القمودي بذهبية 5000 في مكسيكو 68.
وحقق التونسي 18 ذهبية في المونديال العسكري الذي كان بمثابة بطولة العالم أيامها (بدأت بطولة العالم في أم الألعاب عام 83)، وتواصلت الظواهر العربية فكانت نوال المتوكل.. عويطة.. السكاح.. القروج من المغرب.. بولمرقة والمرسلي من الجزائر.. وتألقت غادة شعاع من سورية.
ومنذ عام 2000 تنوّعت مجالات نجاح الرياضي العربي، فتألق الأردن في التايكوندو وكلّ من الإمارات والكويت في الرماية، وحققت مصر للعرب أمجاداً بفضل الكاراتيه والاسكواش والمصارعة، وخاصة في رفع الأثقال.
وواصلت الجزائر حضورها العالمي بفضل ألعاب القوى والجيدو، وخاصة الملاكمة بالبطل الأولمبي السلطاني، ودخلت السعودية العالمية بفضل الكاراتيه وتميزت قطر والبحرين بفضل أبطال القوى، ومنذ بداية عام 2000 حضرت تونس بشكل لافت على الصعيد الدولي، فكان لونيفي في ميونخ 2001 أول بطل عالم (عربي) في الجيدو.
وفي سنوات 2000 حقق السباح الأسطوري أسامة الملولي في مشواره الحافل 10 ذهبيات في دورات المتوسط، و4 ألقاب عالمية وذهبيتين في الدورات الأولمبية بيكين 2008 ولندن 2012.
وبآخر 10 أعوام تميزت تونس عالمياً بفضل بناتها؛ المصارعة مروى العامري وصيفة بطولة العالم وثلاثي الرعب في المبارزة إيناس البوبكري سارة وعزة بسباس، ولاعبة الجيدو العالمية نهال شيخ روحه أو الرباعة غفران بلخير بطلة العالم في رفع الأثقال.
وكما تلحظون بقي المشهد العربي في اختصاصات معينة، ألعاب القوى في المقدمة مع رفع الأثقال والكاراتيه ومن ثم المصارعة ومن بعدها الجيدو والملاكمة.
ومع الاهتمام بالرياضة وتوفير إمكانات أكبر، فرض العرب أسماء في رياضة يصعب فيها النجاح وهي كرة المضرب أو لعبة التنس، مع الألفية ظهر المغاربة العلمي وأرازي ويونس العيناوي الذي وصل إلى الترتيب 14عالمياً.
وفي العنصر النسوي دخلت سليمة صفر التونسية “top100” ووصلت 75 عالمياً، وفي الأثناء ولدت بنت في مدينة قصر هلال، بنت جابر، وسميت أنس.
في بلدٍ لا يمتلك تقاليد في التنس شقت أنس طريقها، تكونت في تونس، درّبها تونسي، وأذكر جيداً أول مرة سمعت عنها عام 2008، لما فازت ببطولة أفريقيا لأقل من 14 عاماً في بتسوانا، ثم جاءت 2010 ومعها نهائي رولان غاروس للشابات، ورجعت بعد عام أقوى وحققت اللقب.
صار الجمهور التونسي شغوفاً بأنس جابر؛ كيف لتونسية أن تحقق غراند سلام في التنس، الحلم كبُر والسنوات مرّت، ولكن أنس لم تحقق شيئاً يُذكر، كُنت دائماً أحدثها أنها الأفضل، اعتقدت فيها كثيراً وأنّ مستواها يخول لها التوب 10، وأن تحقق بعض الألقاب في دورات “wta” وأن تصل إلى ربع أو نصف نهائي في الغراند سلام.
حدث منعرج أول بقدوم عصام الجلالي مدرباً وزوجها كريم كمون الرياضي السابق كمبارز ومعدها البدني، ثم بدأت لحظات المجد 2020 في دورة أستراليا أول دورات الغراند سلام ببلوغ دور الثمانية.
2020 كانت الانطلاقة ولكن كورونا منعت أنس جابر من النجاح… خفت.. هل ضاعت الفورمة والفرصة، بل الحلم، ولكن 2021 كان أفضل أعوامها، وصلت إلى ربع نهائي ويمبلدون وفازت بباكورة ألقابها في برمنغهام، وأكملت العام في المركز 10 ووصلت سابعة كأفضل ترتيب في تاريخ التنس العربي ذكوراً وإناثاً.
جاءت 2022 والهدف “top 5” والفوز بمزيد من الدورات والمنافسة على الغران، ولكن السنة بدأت عكس أحلامنا، كورونا غيبها فترة والإصابة منعتها من دورة أستراليا، ولكن أنس جابر بذهنية قوية.. بعزيمة وروح التوانسة رجعت منذ شهر أفريل إلى التألق؛ فينال في شارلستون وروما، بطولة مدريد 1000 نقطة وبرلين 500، نتائج انعكست على الترتيب سادسة.. خامسة.. رابعة.. ثالثة في 20 يونيو، ورسمياً ثانية في التصنيف القادم يوم الإثنين 27، كأفضل ترتيب في تاريخ التنس أفريقياً وعربياً.
عاشت أنس التونسية وعاش تنسها وعاشت تونس، وأتمنى أن تلهم أنس المزيد من البنات في الوطن العربي للتألق، أن تكون ثاني العالم في لعبة مثل التنس ليس سهلاً، هو نتاج تعب وتضحية ومثابرة… موهبة وعمل… المسؤولية كبرت وأحلام أنس كبرت، وإمكاناتها تخول لها مزيداً من النجاح.
ويمبلدون على الأبواب، أنس وصلت إلى الربع نهائي في العام الماضي، وتدخل هذا العام مرشحة قوية، في العادة نكلمك، هذه المرة “نخليكِ تقراها” وجب الحذر، التركيز، وعدم تكرار ما حدث في باريس، ما زلت مقتنعاً أنك الأقوى والآن الهجوم على إيغا شفيونتيك.
من دخل 50 ثم 20 ثم 10 ثم الثاني بإمكانه أن يكون الأول يا أنس!
#ماذا #فعلت #فينا #يا #ابنة #جابر
تابعوا Tunisactus على Google News