ماذا يريد قيس سعيد فعلياً من تعيين سيدة ضعيفة الخبرة لرئاسة الحكومة؟ | DW | 30.09.2021
بعد أسابيع على تجميده عمل البرلمان وإقالته رئيس الحكومة، حاول الرئيس التونسي قيس سعيد إيجاد مخرج للأزمة السياسية في بلاده عبر تعيين أستاذة جامعية في منصب رئيسة الحكومة. الحدث تاريخي بامتياز لأنها أول مرة تعيّن فيها سيدة على رأس الحكومة في المنطقة العربية، لكن أسئلة كثيرة تُطرح حول محاولة سعيّد استغلال تولي امرأة رئاسة الحكومة لأجل الاستمرار في احتكاره صلاحيات الحكم، خصوصا أن السيدة التي اختارها لم يعرف لها مسار سياسي أو حزبي بارز.
رئيسة الحكومة، نجلاء بودن رمضان، هي أستاذة تعليم عالي في علوم الجيولوجيا، وأهم تجاربها الحكومية كانت تكليفها بمهمة ديوان وزير التعليم العالي السابق شهاب بودن عام 2015، قبل أن تتجه لمهام أخرى، آخرها أنها كانت المسؤولة عن خطة برامج البنك الدولي في وزارة التعليم العالي.
لماذا تعيينها؟
وعند مقارنة بودن مع سلفها على رأس الحكومة، هشام المشيشي، ومن سبقه إلياس الفخفاخ، يتضح وجود فوارق كبيرة في المسار السياسي، فالمشيشي مثلاً اشتغل في دواورين عدة وزارات منها النقل والشؤون الاجتماعية والصحة، وعُيّن كذلك مستشارا للرئيس ووزيرا للداخلية، أما الفخفاخ فقد كان وزيرا لمرتين، الأولى في السياحة والثانية في المالية.
أهم تجارب نجلاء بودن رمضان الحكومية كانت تكليفها بمهمة ديوان وزير التعليم العالي السابق شهاب بودن عام 2015
فما هي نوايا سعيّد من تعيين سيدة بمسار سياسي متواضع رغم وجود سيدات بمسارات أقوى كان يمكن اللجوء لهن إن كان سعيّد ينوي الاستعانة بوجه نسائي؟
تظهر الإجابة من خلال أحكام الأمر الرئاسي الذي أصدره قيس سعيّد يوم 22 سبتمبر/أيلول الجاري، والمتعلق بالتدابير الاستثنائية للحكومة، إذ تبيّن أن صلاحيات رئاسة الحكومة محدودة جدا ومرتبطة بما يضعه رئيس البلاد من توجيهات.
وينص الفصل 17 أن الحكومة “تسهر على تنفيذ السياسة العامّة للدولة طبق التوجيهات والاختيارات التي يضبطها رئيس الجمهورية”، كما ينص الفصل 19 على أن رئيس الحكومة “يسيّر الحكومة وينسّق أعمالها ويتصرّف في دواليب الإدارة لتنفيذ التوجهات والاختيارات التي يضبطها رئيس الجمهورية”.
“تعيين بودن هو تحرّك استراتيجي من الرئيس قيس سعيد، ولكن يجب الانتظار إذا ما كانت هذه خطوة أخرى نحو إبقاء السلطة للرئاسة ويتم في الوقت ذاته استرضاء الجمهور خصوصاً مع تقديم وجه من خارج الأحزاب السياسية لأجل مواجهة الانقسام والضعف الذي اتسمت به الحكومات السابقة”، تقول لينا الخطيب من معهد تشتام هاوس لـDW عربية.
استغلال تعيين وجه نسائي؟
حققت المرأة التونسية الكثير من المكتسبات، وتعدّ تونس اليوم في طليعة البلدان العربية فيما يخصّ حقوق المرأة، لكن هذا الأمر لم ينسحب على واقع المناصب القيادية، فلا توجد المرأة سوى في 25 بالمئة من المناصب القيادية، و 8 بالمئة في التمثيل الديبلوماسي، فضلاً عن تراجع تمثيلتها في البرلمان خلال الانتخابات الأخيرة.
حققت المرأة التونسية الكثير من المكتسبات القانونية، لكن هذا الأمر لم ينسحب على واقع المناصب القيادية.
ولم يُعرف عن قيس سعيد مناصرته لقضايا المرأة، ومن أشهر مواقفه رفضه لأي مبادرة تخص المساواة في الإرث، وهو بذلك على عكس الرئيس السابق الباجي قايد السبسي الذي كان وراء مبادرة تشريعية في هذا الإطار، لكنها دُفنت في مهدها بعد رفضها في البرلمان.
كما خلفت قراراته خلال الأسابيع الماضية انتقادات كبيرة، ففي البداية كان هناك ارتياح نسبي لها في تونس لتجاوز الأزمة السياسية والاقتصادية، لكن مع مرور الوقت وتأخره في إنهاء الوضع الاستثنائي، طُرحت أسئلة حول إذا ما كان يريد التأسيس لحكم فردي، وخرج حوالي 3 آلاف تونسي للتظاهر ضد قراراته وللمطالبة بتنحيته.
“سعيّد سياسي محافظ للغاية وكان قد صرّح ضد مجتمع الميم وضد عدد من حقوق الإنسان وكذلك حقوق الشباب” تقول هدى صلاح، من جامعة برلين لـ DW عربية، متابعة أنّه “كان من السليم الحديث عن أنه كان يعمل خلال الأسابيع الماضية بشكل غير ديمقراطي، وهذا ما يناسب اختياره لرئيسة حكومة ذات خلفية في المجال التعليمي، مع تقييد كبير لصلاحياتها السياسية.
انقسام شديد
تعيين نجلاء بودن لا يظهر كشأن تونسي خالص، نظراً لمكانة تونس في المنطقة كرائدة للديمقراطية في مرحلة ما بعد الربيع العربي، لذلك اهتم متابعون كثر بالموضوع. فقد كتب الروائي المصري عز الدين فشير: “ليس جديدا استخدام الحكام العرب لحقوق المرأة والأقليات من أجل إضفاء مظاهر التحديث وحماية الحقوق على استئثارهم بالحكم”، وأضاف:” سيكون لدينا “أول رئيسة حكومة عربية’ حين تقود امرأة حزبها للنصر في انتخابات نزيهة تجري في إطار دستوري يحمي الحقوق”. وكتب الباحث فهد الغفيلي: “اختيار قيس سعيد لـ نجلاء بودن رئيسةً لحكومته يعكس حالة العزلة السياسية والمجتمعية التي يعيشها الرئيس سعيد، باعتبار نجلاء شخصية غير معروفة أو مؤثرة على الساحة السياسية. قرارات توضّح أنه لا يملك سوى الهروب للأمام!”.
لكن عبد الباري عطوان احتفل بالقرار، وكتب أن قيس سعيّد أثبت بهذا التعيين كونه “رجل دولة يزن خطواته بذكاء وبعد نظر ويحرص على المجتمع المدني التونسي، الباجي السبسي قال لي ان المرأة التونسية كانت وراء فوزه بالرئاسة وتستحق التكريم، وما فعله سعيّد خطوة بهذا الاتجاه، مبروك هذه السابقة لتونس”.
الانقسام في الآراء يصل إلى الطبقة السياسية في تونس، بين من اعتبر أن تعيينها غير دستوري كعبد اللطيف المكي القيادي المستقيل من حركة النهضة، وبين من احتفى بالأمر، وبين من طالب بالانتظار للحكم على أدائها.
وكتب الوزير الأسبق سمير ديلو على فيسبوك: “القرار يستوجب الإشادة، فهل هي لحظة تاريخية فعلا؟ للأسف تتزامن رمزيّة تعيين امرأة في هذا المنصب ” الرّفيع ” مع تعليق الدّستور وتفرّد رئيس الجمهوريّة بصلاحيّات فرعونية”، وتابع أنه أمام رئيسة الحكومة تحديات كبرى في المجال الاقتصادي والمالي والسياسي وحتى الصحي، وأن “الفخر بأن تكون تونس سبّاقة دوما كلّما تعلّق الأمر بالتمكين للمرأة وبتساوي الحظوظ يبقى مشوبا بمرارة أن تكون رئيسة حكومة بلد يعيش انقلابا على الشّرعيّة الدستورية”.
إسماعيل عزام/جينيفير هوليز
#ماذا #يريد #قيس #سعيد #فعليا #من #تعيين #سيدة #ضعيفة #الخبرة #لرئاسة #الحكومة
تابعوا Tunisactus على Google News