مبرر بورقيبة.. الاعتراف بالكيان المحتل مدخل لحل قضية الوطن
الكتاب: بورقيبة والقضية الفلسطينية وامتداداتها العربية (1938-1978)واقعيّة رياديّة أم تنكر للقضية؟
الكاتب: الدكتور عبد اللطيف الحناشي
الناشر: الدار التونسية للكتاب،الطبعة الأولى 2021،(292 صفحة من القطع الكبير)
كان بورقيبة، أثناء قيادته الحركة الوطنية التونسية، على إدراك بدور الحركة الصهيونية العالمية التي كان مركزها في أوروبا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية،الصهيونية، ثم انتقل مركزها إلى الولايات المتحدة الأمريكية لاحقا، ولذلك أراد، على ما يبدو، استغلال موقع تلك القيادات المتنفذة داخل الحركة الصهيونية العالمية،لصالح القضية الوطنية التونسية. فربط علاقة مع المؤتمر اليهودي العالمي منذ سنة 1954، من ذلك أنه طلب عند التقائه في نيويورك، بداية الخمسينيات، مع ممثل الدولة الصهيونية في الأمم المتحدة أن تدعم دولة هذا الأخير المطالب الوطنية التونسية التحررية، وذلك مقابل التزام الوطنيين التونسيين بتسهيل هجرة اليهود التونسيين باتجاه الدولة الصهيونية والعمل أيضاً في الأوساط العربية لإقناعها بالاعتراف بالكيان الصهيوني.
في هذا السياق ، يستشهد الباحث الحناشي بالمراسل الخاص لجريدة هارتس بتونس، الذي قال: “إنَّ الهادي نويرة الكاتب العام للحزب الدستوري الجديد صرَّح له بأنَّ الحزب على استعداد لممارسة نفوذه في البلدان العربية لتحقيق سلم في منطقة الشرق الأوسط إذا ساعدت “إسرائيل” شعباً مضطهداً نُزِعَت عنه حريته لنيل استقلاله. كما أكد أنَّه في حال حصول تونس على استقلالها سواء بمساعدة “إسرائيل” أو دون ذلك فإنها تتمنى إقامة علاقات صداقة معها دون اعتبار للمقاطعة التي أعلنتها الجامعة العربية، وأنَّ الحزب مستعد لممارسة تأثيره في البلدان العربية لصالح سلم في الشرق الأوسط إذا ساعدت “إسرائيل” شعباً مضطهداً ومأخوذاً بحريته في سبيل الاستقلال.
كما أكد أنه:
ـ حتى بدون مساعدة إسرائيل لنا نتمنى إقامة علاقات مع إسرائيل، دون الأخذ بعين الاعتبار المقاطعة التي أعلنتها جامعة الدول العربية.
ـ إن الحزب الدستوري الجديد عمل وسيعمل بقوة حتى يكون خارج الصراع العربي الإسرائيلي الذي نتمنى نهايته في القريب العاجل”(ص57).
تعود الاتصالات و المباحثات بين بورقيبة مع مبعوثي المؤتمر العالمي إلى عام1952 ،إذْ تناولتْ عدة قضايا منها إمكانية المساندة الإسرائيلية لمطلب الاستقلال التونسي في جمعية الأمم المتحدة (1952 ـ 1953)، والوضعية السياسية الجديدة للأقلية اليهودية التونسية إبان مفاوضات الاستقلال (1954 ـ 1956)، والترخيص لأفراد تلك الأقلية بالهجرة بكل حرية، وإمكانية التعاون الاقتصادي بين البلدين.
وأثناء استقبال الحبيب بورقيبة للسكرتير السياسي للمؤتمر اليهودي العالمي يوم 18 تموز/يوليو1957 ذكره هذا الأخير بلغة دبلوماسية بوعوده السابقة وبأنه: “يعول عليه كأهم رجل دولة ديمقراطي في إفريقيا الشمالية وحتى في العالم العربي لممارسة تأثيره لتحقيق السلام في الشرق الأوسط”.
ويعلق الباحث الحناشي على المدح الصهيوني لشخص بورقيبة بقوله: “تبدو مثل هذه الانطباعات عن شخصه محبذة جداً لدى بورقيبة الذي لا يتوانى في إبراز تمیزه وفرادته خاصة إذا تعلق الأمر بمقارنته بالرؤساء العرب. ويظهر أيضاً أنَّ هذا الإطراء قد شجعه لإبراز دونية الزعماء العرب وعدم احترامه لهم إذ يقول بورقيبة : “إنَّ السياسيين بالشرق الأوسط أغبياء، إنَّ سلوكهم متسم بالغباء وليس لدي شعور بالاحترام تجاههم وبدرجة أقل سلوكهم..” أما سبب ذلك كما أبرز بورقيبة فهو: “عدم اعترافهم بوجود إسرائيل والعمل معها عاجلاً أو آجلاً..”. غير أن هذا الموقف قد يكون طارئاً فرضه طابع اللقاء ليؤكد بورقيبة من خلاله تمیزه، أما السبب المباشر حسب رأينا، فهو موقف عبد الناصر من اختیارات بورقيبة ومساندته للمعارضة اليوسفيّة المقيمة في القاهرة واحتضانه لها، إضافة إلى شعبية عبد الناصر الواسعة في العالم العربي وتونس وهو ما يزعج بورقيبة، على ما يبدو، ويعتبر ذلك تحدياً له…
قد يفسر الأمر أيضاً بموقف الرؤساء العرب من بورقيبة، كما عبر هو عن ذلك في هذا اللقاء إذ أشار بأنهم:”.. مرتابين منّي، وحساسين جداً وبطريقة غبية، إنَّهم يشككون فيّ شخصياً..” وهو نفس الأمر الذي ركزت عليه دعاية المعارضة التونسية في القاهرة لاحقاً وكذلك الإعلام المصري الذي أشاع خيانة بورقيبة وعمالته للغرب وكفره بالعروبة والإسلام”(ص 60).
مرتكزات الفلسفة السياسية لبورقيبة حول الاعتراف بالكيان الصهيوني
يتميز الفكر السياسي للزعيم بورقيبة بنوع من البراغماتية العالية، لكنها ليست الميكيافيلية الرديئة التي يستخدمها الحكام العرب، ويعتبر أنَّ نهجه السياسي الذي مارسه في تعاطيه مع القضية الوطنية التونسية يمكن أن يشكل مرجعية في التعاطي مع القضية الفلسطينية، لا سيما فلسفة “خُذْ وطَالَبْ”.
وكان بورقيبة يعتقد أنه إذا استخدم العرب “ورقة السلم وحتى ورقة التعاون” فبإمكانهم الحصول على مكاسب معتبرة ومنها كسب الرأي العام الدوليّ، كما كان يعتقد أيضًا أنَّ النجاعة تتصدر أو تتفوق على كل شيء أما التمسك بعدم الاعتراف بـالكيان الصهيوني والبحث عن إمكانية سلم دائم هو “فخ إسرائيلي” معتبراً، أنه:”… إذا أردنا النظر إلى بعيدٍ يمكن أن توجد وسيلة للتفاهم أن نجرّ إسرائيل إلى الحدود التي قبلت بها”. لذلك یری بورقيبة أنَّ الحل يتمثل في التقاء العرب واليهود وجهاً لوجه عندها يقول: “يمكن الحديث عن حل أو عن مفاوضات”.
يعتقد بورقيبة أن سبب مصيبة العرب تتمثل في عدم الرضا بأنصاف الحلول في الوقت الذي هم غير قادرين على افتكاك الحق الكامل: “فتمسكوا بذلك وفرطوا في فرص ثمينة، ثم عادوا نادمين يجرون وراء أنصاف الحلول بعد أن رفضوها وتجاوزتها الأحداث… إنَّ أنصاف الحلول لا تنطوي على الحق الكامل، ولكنَّها مع هذا أحسن من الحالة الراهنة، فامتلاك نصف الحق يساعد على امتلاك النصف الثاني..”.
يعتقد بورقيبة أن سبب مصيبة العرب تتمثل في عدم الرضا بأنصاف الحلول في الوقت الذي هم غير قادرين على افتكاك الحق الكامل: “فتمسكوا بذلك وفرطوا في فرص ثمينة، ثم عادوا نادمين يجرون وراء أنصاف الحلول بعد أن رفضوها وتجاوزتها الأحداث.
يقدم بورقيبة حججاً ومبررات مختلفة لتأكيد “فوائد” الاعتراف بـالكيان الصهيوني، مؤكداً منذ البداية أنه ليس زعيماً للفلسطينيين قائلاً: “ولو كنت كذلك لما رأيت مانعاً في التقابل مع الاسرائيليين ولقد تقابلت مع الفرنسيين والحماية قائمة الذّات في تونس..”، لذلك يرى أنَّ لا فائدة تُرْجَى من الاستمرار في إنكار هذه الحقيقة بوجود الكيان الصهيوني.فكل من ينادي بأنَّه يريد إزالة هذا الكيان الصهيوني من الوجود إنما يقضي على نفسه بانعزال يكاد يكون شاملاً. وهذا ما نأسف له، وما نراه منافياً للعدالة والإنصاف ولكنه الواقع الذي لا جدال فيه، خاصة وأن الدول الكبرى معترفة بهذا الكيان،وهو عضو في الأمم المتحدة، لذلك فإن على الدول العربية بعد الهزيمة التي منيت بها أن: “تراجع السياسة التي تصر على سلوكها منذ عشرين عام”.
ويضيف بورقيبة قائلاً: رغم أنَّ “قرار الأمم المتحدة قائمٌ على مظلمة، لكنَّنا لا نستطيع إنكار وجوده. وما دمنا أعضاء في المنظمة الأممية ومتمسكين بميثاقها فإنَّنا مطالبين حسبما يفرضه هذا الميثاق بمناصرة سيادة كل الدول الأعضاء وتدعيم كيانها..”.
أما عندما نتمسك بإنكار وجود الكيان الصهيوني ،يقول بورقيبة، ونرفض مفاوضتها ونأبى إقرار الصلح معها فإنَّ: “العالم يستنكر إصرارنا على الحرب، وربما يرى في موقفنا موجباً لاضطرار إسرائيل إلى الذود عن نفسها، وإنَّها في حالة دفاع شرعي مستمر باعتراف العرب أنفسهم كما أنَّ الرأي العام العالمي يرى أنَّ العرب هم الذين ضربوا بالوثيقة الدولية عرض الحائط، وهي قرار الأمم المتحدة الذي أنشأ إسرائيل. كما يرى أن كل ما حدث بعد ذلك إنما هو نتيجة رفض العرب المصادقة على هذا القرار، لذلك كان لا بد من الاعتراف بوجود إسرائيل قبل كل شيء فالعرب: ضحية مظلمة من أعظم مظالم التاريخ، وحقنا المغتصب واضح للعيان، ومع ذلك فالعالم بأسره یری أننا دعاة حرب أعداء للسّلم..”.
كان بورقيبة يرى أن اعتراف العرب بالتقسيم يضمن لهم ربحاً هاماً: “يفوق الأرض والمدن التي نسترجعها، إذ نتمكّن من إعادة اللاجئين ومن إقامة وضع يسوده التوازن لفائدة العرب والفلسطينيين على وجه الخصوص..”. “فالتمسك بهذا الاقتراح سيرفضه الصهاينة، وتمسّكنا به يدلّ على أنّنا تراجعنا في خطئنا وعدنا إلى طريق الصواب، وهو ما يؤدي إلى مضايقة إسرائيل ووضعها في موقف حرج لا تُحسَدُ عليه..”.
كان على وعي بطبيعة هذه الدولة وحقيقتها كـ: “دولة فرضت وجودها بالقوة وسمحت لنفسها بأن تحل محل شعب لم يحمل في الماضي مشاعر العداء لليهود متذرعة بأنه كانت توجد دولة يهودية في هذه الأصقاع منذ ألفين وخمسمائة عام لذلك يعتبر إسرائيل صيغة من صيغ الاستعمار..”.
بورقيبة وخطاب أريحا الشهير عام 1965
ألقى بورقيبة في 3 آذار (مارس) 1965 خطاباً في أريحا، عُرف فيما بعد باسم “خطاب أريحا”، وهو الخطاب الذي دعى فيه إلى الاعتراف بالكيان الصهيوني الغاصب وتقاسم الأرض معه ، وكان ذلك في ذروة المد القومي العربي ، وبالرغم من أجواء الحرب المخيمة على المنطقة. فقد اقترح بورقيبة في ذلك الخطاب على العرب الاعتراف بالتقسيم وبالدولة الصهيونية لكنه في المقابل عرض مجموعة من الأفكار تتعلق بنضال الفلسطينيين السلمي والعنيف.
يقول الباحث الحناشي: “ويُعتبر إلقاء ذاك الخطاب بمضمونه، في ذاك المكان وفي تلك الظروف، جرأة كبيرة من قبل بورقيبة، أمر لا يبدو غريباً عنه وهو الذي اعتاد على هذا الأسلوب “الصّداميّ” أو “الاستفزازي” في تونس منذ مباشرته للعمل السياسي، في حين اعتاد الفلسطينيون وقطاعات واسعة من العرب عامة على سماع خطابات حماسية “رنانة” مقترنة بوعود التحرير والعودة. فما الذي أضافه بورقيبة في خطاب أريحا من أفكار وتصورات عملية ومنهجية حول المسألة؟ وهل كانت مبادرته ابنة لحظتها كما يذهب بعض الكتاب وحتى بورقيبة نفسه؟ أم أنها تمثل جزءاً من رؤية “متكاملة” للصراع العربي الصهيوني آنذاك؟ وماهي أبرز مكونات المبادرة؟ وماهي العوامل والظروف التي دفعت باتجاه طرح تلك المبادرة خلال تلك السنة بالتحديد؟وماهي أهم مكونات هذا المشروع- الخطاب؟ وما أبرز مميزات المرحلة التي طرح فيها بورقيبة تصوراته تلك؟ وما هي العوامل التي دفعته لطرحها؟”(ص65).
في مضمون الخطاب ومكوناته
أكّد بورقيبة أنَّ العاطفة وحدها لا تكفي للانتصار على الاستعمار. وإنْ كان الحماس ضرورة من ضرورات الكفاح، فإنَّ:”..التضحية والاستشهاد هما اللذان يضمنان النتيجة المرجوة والفوز العظيم ..”. وفي الوقت نفسه طالب بورقيبة الشعب الفلسطيني بأن يكون الطليعة في مقاومة الغاصب وبضرورة إيجاد قيادة حكيمة: “فتوفير النجاح يرجع أمره أساساً إلى القادة الذين يوفرون أسباب النجاح في المعركة كتهيئة الخطط، وإعداد المكافحين وتزويدهم بالأسلحة، وكسب الحلفاء والأنصار.. وفي المقابل دعا بورقيبة إلى ضرورة “انتهاج طرق كفاحية أخرى إلى جانب الكفاح المسلح، خاصة إذا اتضح لنا أننا لا نستطيع قهر العدو أو الإلقاء به في البحر”.
الواقع أن مضمون خطاب أريحا لا يخرج عن إطار تفكير بورقيبة السياسي حول القضية الفلسطينية. إذ أبرز بورقيبة نفس القضايا التي أثارها في المناسبات الماضية مع بعض الإضافات الهامة من ذلك أن الفلسطينيين أصحاب حق، لذلك يجب عليهم أن يكونوا طليعة المقاومة بقيادة فلسطينية حكيمة
دعا بورقيبة، أيضاً العرب، إلى:”… اعتماد الحكمة والدهاء وسياسة المراحل. واعتبر أن سياسة الكل أو لا شيء هي التي أوصلت العرب إلى “البلاء” و”المأزق” وهي التي “جلبت لنا الهزائم التي ما زلنا نجر ذيولها حتى اليوم”. لم يكن بورقيبة وحيداً، في الواقع، في نقده للقيادات الفلسطينية والعربية ذات العلاقة المباشرة بالأحداث، بل إن هناك من رأى أن أداء الحركة الوطنية الفلسطينية قد “اتسمت بالعفوية والتجريبية” وأن استمرارها كان:”.. بفضل روح التضحية والفداء لدى الشعب الفلسطيني..”.
يحدد بورقيبة هدف مشروعه فيقول إنه يسعى إلى دفع الكيان الصهيوني إلى الرجوع إلى حدود 1947 وإعطاء العرب قاعدة قانونية متينة حاول الكيان تغييبها بكل الطرق، ويقول إن اقتراحه يستند على الرجوع إلى القانون الدولي والشرعية الدولية التي على أساسها قامت الدولة الصهيونية.وبالموازاة مع ذلك دعا بورقيبة العرب إلى الاعتراف بالتقسيم وبقيام دولة «إسرائيل»، ولكن بشرط مواصلة المقاومة العنيفة بأشكالها المختلفة. وأصر بورقيبة على ضرورة التمسك بهذا الاقتراح وذلك بهدف إحراج الطرف الصهيوني ومضايقته.
يعتبر بورقيبة أن الاعتراف بالتقسيم هو موقف تكتيكي يخدم الهدف الاستراتيجي. ويقول: “إنني عرضته باعتبار أننا إذا ما تحملنا هذه المضايقة فترة من الزمن وكان في مقابلها عودة اللاجئين، بمعنى تنفيذ القرار الثاني للمنتظم الدولي وتغيير المعطيات على الأرض وهو ما يمكننا من إبرام اتفاق أو أن نحقق تعایشاً تزول معه نزعة الغلبة والقهر والاستعمار وهذا هو المرجع، ندخل المعركة لكن في ظروف أحسن بكثير”.
يؤكد بورقيبة من جديد أن استراتيجيته ترمي إلى تحقيق عدة أهداف في الآن ذاته، منها تنظيم حملة دعائية خارج فلسطين، تهدف إلى عزل العدو في أوساط الرأي العام العالمي وكسب عطف الدول غير الموالية للكيان الصهيوني. أما في الداخل فمن الضروري، يقول بورقيبة، من مضايقة الكيان الصهيوني بأعمال التخريب وحرب العصابات.. واقترح المزاوجة بين الحل السياسي وخيار العنف.
بورقيبة ليس الزعيم العربي الوحيد في طرحه هذا
اعتبر بورقيبة أنّ ما أعلنه لا يمثل إلا نصيحة وطريقة توجه بها للفلسطينيين قائلاً: (… لعلكم ستتذكرونها وتذكرون الحبيب بورقيبة ونظرته إلى القضية الفلسطينية وآراءه التي تقدم بها إليكم وإلى كل العرب عساها أن تكون عماداً لكم إلى جانب العاطفة والحماس. کما بين أنَّ ما طرحه كان يراود “مخيلة” الكثير من الزعماء العرب غير أن هؤلاء كانوا غير قادرين على البوح به جهاراً، وذلك خوفاً من ردة فعل الجماهير وخاصة تجنب كل ما يثير الخصومات مع القاهرة..”.
قدّم بورقيبة عدة مبررات دعته إلى طرح تلك الأفكار في أريحا، من ذلك :
ـ أنه لم يذهب إلى الشرق بهدف طرح أفكاره تلك، وإنما كان الأمر بدفع من: “بعض الإخوان، الذين أبوا إلا أن يطلعوني على حالة أثارت شفقتي، فقد أبيت، لما عُرفت به من جدّ، أن أنساق في تيار الدجل الذي كان الإخوان الفلسطينيون ضحيته منذ عشرين سنة لم تَزِدْهُمْ إلا تعاسة ..”.
ـ إن زيارته لخط النار أو خط الهدنة جعلته يقف على: “وضع مؤثر لمأساة شعب طيّب لم يضطهد أحداً في حياته”.
ـ إنَّ شعوره العربيّ وحساسيته هي التي جعلته يتألم للحالة التي وجد عليها الإخوان الفلسطينيين، كما يقول بورقيبة، إلى جانب هذا البعد الإنساني الذي ضغط (!) على بورقيبة ودفعه إلى طرح مبادرته تلك أورد بعض الدوافع السياسية منها جهل الرئيس اليوغسلافي تيتو (صديق العرب كما يقول بورقيبة) لطبيعة الكيان الصهيوني.
والواقع أن مضمون خطاب أريحا لا يخرج عن إطار تفكير بورقيبة السياسي حول القضية الفلسطينية. إذ أبرز بورقيبة نفس القضايا التي أثارها في المناسبات الماضية مع بعض الإضافات الهامة من ذلك أن الفلسطينيين أصحاب حق، لذلك يجب عليهم أن يكونوا طليعة المقاومة بقيادة فلسطينية حكيمة … تبتعد عن روح المغامرة المحسوبة وتنبذ سياسة الكل أو لا شيء وقبول الحلول المنقوصة، وقد أكد ضرورة التسامح: “إذا استرجع الفلسطينيون حقهم، فلا مبرر للأحقاد والضغائن” مع إمكانية: “التعاون مع اليهود على أساس الاحترام المتبادل”. وقد واصل بورقيبة توضيح مضمون مبادرته والتوسع في عدة جوانب منها خاصة أثناء زيارته إلى مناطق أخرى كالقدس ولبنان والأردن…
طالب بورقيبة بـ”الاعتراف بوجود إسرائيل (الذي) يضمن لنا في مقابل ذلك ربحاً هاماً يفوق الأرض والمدن التي نسترجعها… وفي هذا ما لا يخفي من مضايقة إسرائيل ووضعها في موقف حرج لا تحسد عليه”.
إقرأ أيضا: مقومات موقف الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة من فلسطين
#مبرر #بورقيبة #الاعتراف #بالكيان #المحتل #مدخل #لحل #قضية #الوطن
تابعوا Tunisactus على Google News