- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

متلازمة الكراهية الدينية بين حرية التعبير وحرية الحرق

تقول منظمة الأمم المتحدة، إن خطاب الكراهية آخذ في التصاعد بجميع أنحاء العالم، كما تقول إن خطاب الكراهية ذلك الكلام المسيء الذي يستهدف مجموعة أو فرداً بناء على خصائص متأصلة مثل العرق أو الدين أو النوع، الذي يهدد السلم الاجتماعي، لا يزال مفهوماً يعاني عدم الوضوح. فلا يوجد تعريف شامل لخطاب الكراهية بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان ومفهومه ما زال محل نزاع واسع لا سيما في ما يتعلق بحرية الرأي والتعبير وعدم التمييز والمساواة.

والحق يقال إن المنظمة الأممية وضعت تعريفاً لخطاب الكراهية بأنه “أي نوع من التواصل الشفهي أو الكتابي أو السلوكي الذي يهاجم أو يستخدم لغة ازدرائية أو تمييزية بالإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس الهوية، وبعبارة أخرى، على أساس الدين أو الانتماء الإثني أو الجنسية أو العرق أو اللون أو النسب أو النوع الاجتماعي أو أحد العوامل الأخرى المحددة للهوية”.

خطاب الكراهية

قبل نحو شهر، وتحديداً في 18 يونيو (حزيران) الماضي، احتفى العالم بـ”اليوم العالمي لمكافحة خطاب الكراهية”، ذلك اليوم الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2021 بعدما تصاعد خطاب الكراهية، لا سيما على منصات التواصل الاجتماعي. في ذلك اليوم، قال الأمين العام أنطونيو غوتيريش إن “خطاب الكراهية كجرس الإنذار، كلما تعالى صوته، زاد خطر الإبادة الجماعية. إنه يسبق العنف ويعززه”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكأن غوتيريش كان ينظر في البلورة المسحورة، فما هي إلا أيام، وكان شخص في العاصمة السويدية يحرق نسخة من المصحف الشريف في “رمزية” احتجاجية أمام مسجد ستوكهولم الكبير في بداية عيد الأضحى. وكانت الشرطة السويدية قد سمحت بإقامة الاحتجاج بعد ما قالت المحاكم السويدية، إن الشرطة تخطئ بمنع التجمعات، وهو المنع الذي تكرر في الآونة الأخيرة.

المقاطعة المزمنة

كعادة التطورات المصاحبة لعمليات حرق المصحف الشريف في عدد من الدول لا سيما الغربية، التي تعتبر تمزيق أو حرق أو الوقوف بالأحذية على مخطوط أو ورقة أو كتاب ما حرية تعبير، قامت الدنيا وقتها، خصوصاً في الدول الإسلامية والعربية. أصدر عديد من الدول تنديدات رسمية باسم حكوماتها، أو مؤسساتها الدينية الرسمية مثل الأزهر الشريف في مصر. وتعالت مطالبات جماهيرية من قبل البعض في هذه الدول بمقاطعة البضائع السويدية.

الشرطة السويدية سمحت لرجل من جذور عراقية بحرق القرآن مثولاً لحكم قضائي (أ ف ب)

وجاءت مطالب المقاطعة هذه المرة مصحوبة بجداول وأرقام تبين حجم الصادرات السويدية إلى الدول العربية وعلى رأسها: السعودية ومصر والإمارات والمغرب وقطر والجزائر وعمان وتونس والكويت والعراق.

العراق في بؤرة الحدث

تشاء الأقدار أن يكون العراق في القلب من عملية الحرق المزمع و”الإهانة” الأحدث، وهي العملية التي أفضت إلى إحدى أسوأ الأزمات الدبلوماسية بينه وبين السويد. في قلب الحدث لاجئ عراقي في السويد اسمه سلوان موميكا (37 سنة)، وهو نفسه من أحرق نسخة من المصحف الشريف خلال الأيام الأخيرة من يونيو الماضي.

العراقي الأصل موميكا قال لصحف سويدية، إنه سيقوم بعد 10 أيام بحرق كل من علم بلاده العراق ومزيداً من صفحات المصحف الشريف أمام مقر السفارة العراقية في ستوكهولم. وعلى رغم اعترافه بأنه تلقى آلاف التهديدات عقب فعلته الأولى المشابهة في عيد الأضحى، لكنه تمسك بعقد العزم على معاودة الكرة.

الكرة هذه المرة لم تشهد حرق المصحف، بل اكتفى بانتقاد ما سماه “ما ورد في القرآن الكريم من إهانة للمرأة” وغيرها عبر مكبر للصوت، ثم قام بدهس صفحات منه بقدمه بينما عشرات من الأشخاص يظهرون خلف سياج حديدي بعضهم يدعو المتجمهرين للتكبير، وآخرون يرشقونه بكلمات غاضبة بعضها بالعربية.

كراهية وطقس جاف

على رغم تفاوت التفسيرات والتحليلات في شأن عدم تنفيذه قرار حرق المصحف الشريف، فإن الصحف السويدية ذكرت أنه في أعقاب حرق موميكا المصحف أمام المسجد في عيد الأضحى، خضع للتحقيق من قبل الشرطة السويدية في تهمتين “الأولى” جريمة كراهية محتملة لأن الحرق حدث أمام المسجد، و”الثانية” خرق الحظر الحالي المفروض بالقانون على إشعال الحرائق لأسباب مختلفة في السويد بسبب ظروف الطقس حيث الجفاف وخطورة اندلاع حرائق الغابات.

لكن ما جرى هو أن حرائق من نوع آخر نشبت، بدءاً باقتحام وإضرام النار في سفارة السويد في بغداد، ومروراً وليس انتهاء بطرد العراق للسفيرة السويدية واستدعاء القائم بالأعمال العراقي في ستوكهولم بسبب “تكرار حرق المصحف”.

جلسة طارئة

تكرار حرق المصحف في دول غربية، دفع الأمم المتحدة إلى التحذير رسمياً في جلسة طارئة لمجلس حقوق الإنسان بجنيف من “انتشار خطاب الكراهية”. انعقاد الجلسة جاء بطلب من باكستان، وذلك نيابة عن دول عدة أعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، معربة عن أمل في صدور قرار في شأن “الكراهية الدينية” سريعاً.

اتخذت الأمم المتحدة موقفاً داعماً للفكرة. وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك، إن حرق المصحف سواء في السويد أو في حوادث مشابهة هدفه التعبير عن الازدراء وإثارة الغضب والخلافات.

الأمم المتحدة اعتبرت حرق المصحف سواء في السويد أو في حوادث مشابهة هدفه التعبير عن الازدراء وإثارة الغضب والخلافات (أ ف ب)

واختار تورك في كلمته ألا يقصر انتقاد ورفض الأمم المتحدة للكراهية والتحريض على الإسلام والمسلمين وازدرائهم، موضحاً أن “الخطب والأفعال التحريضية ضد المسلمين ومعاداة السامية والأفعال والخطب التي تستهدف المسيحيين أو الأقليات جميعها مظاهر ازدراء”.

ونبه إلى أن حرق مواقع دينية ونصوص مقدسة استخدم لإهانة الناس واستفزازهم على مدار قرون، كما أضاف عنصر “التواصل الاجتماعي” الذي يسهم في زيادة وتأجيج خطاب الكراهية في كل مكان، مدفوعاً بقوى المد والجزر وفي أجواء استقطاب وخلاف متناميين عالمياً.

بين الحريتين

تحسباً لمتلازمة منع خطاب الكراهية أو تقييده من جهة وتقييد حرية التعبير، ذكر فولكر أن تقييد أي نوع من الخطاب أو تعبير يجب أن يكون هو الاستثناء، وأن أي قيد على حرية الرأي والتعبير يجب أن يكون هدفه ونتيجته الوحيدة حماية الأفراد، مشيراً إلى أن القانون الدولي ينص أن على الدول حظر أي دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية.

ردود الفعل الأولية على مشروع القرار تراوح بين تأييد شعبي عارم في الدول الإسلامية والعربية، وميل غربي إلى التصويت ضد القرار أو طلب مزيد من الوقت لمناقشته، ففي البداية، دعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا الأمم المتحدة إلى التصويت ضد مشروع القرار.

وصدر القرار

في ضوء الاحتقان الشديد في الدول ذات الغالبية المسلمة، إضافة إلى مسلمي الدول الغربية وغير الغربية، فقد صدر القرار بالفعل. وافق عليه 28 عضواً من مجموع 47 عضواً. وبين الموافقين الصين وأوكرانيا وأغلب الدول الأفريقية، وصوت 12 عضواً بالرفض بينهم أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، وامتنع عن التصويت سبعة أعضاء.

تبني القرار أممياً أثلج صدور الدول الإسلامية وشعوبها، والأهم من ذلك أنه هدأ من حالة الغضب والاحتقان والتوعد التي تفاقمت في أعقاب ما رآه البعض بأنه “إصرار سويدي يحمل شبهة تحفز على السماح بإهانة الإسلام والمسلمين”.

صحف سويدية عديدة حاولت شرح الموقف. وأشارت تقارير إعلامية إلى ما جرى منذ فبراير (شباط) الماضي حين تم منع “موميكا” من حرق نسخة من القرآن الكريم خارج السفارة العراقية في ستوكهولم، وذلك “لما يمكن أن يتسبب فيه مثل هذا العمل من اضطراب عام”، لا سيما أن أحداثاً شبيهة جرت في عيد الفصح عام 2022. في الوقت نفسه تم منع مجموعة من الأشخاص المناهضين لـ”ناتو” تقدموا بطلب مماثل بحرق المصحف!

- الإعلانات -

التقارير أوضحت أنه، في أبريل (نيسان) الماضي، ألغت محكمة إدارية هذا الحظر. وصدر قرار يفيد بأن الحق في التجمع والاحتجاج محميان بموجب القوانين الدستورية السويدية، ما لم يشكلا تهديداً أمنياً ملموساً، ما يعني أنه ليس لدى الشرطة ما يبرر قرار منع أو حظر هذه الأشكال من الاحتجاجات.

يبدو أن السويد وغيرها من الدول التي تعتنق حريات التعبير والرأي والاحتجاج اعتناقاً يراه البعض مطلقاً، وينعته البعض الآخر بالمتطرف، ويراه فريق ثالث انتقائياً، تدرك صعوبة فهم قيمة حرية التعبير لديها، وهي القيمة مثار الشد والجذب والمعايير المزدوجة والانتقاء في عديد من دول العالم. لذلك أفردت وسائل إعلام سويدية مساحات لشرح ما سمته “الطريقة التي تعمل بها قوانين حرية التعبير السويدية”، إذ لا يمكن للشرطة منع الاحتجاج بشكل استباقي لمجرد الاشتباه في أن شخصاً قد يكون مخالفاً للقانون، حتى وإن كان هذا الشخص يشعل النار على رغم قرار حظر إشعال الحرائق، لكن يمكن توجيه تهمة جنائية له في ما بعد.

السويد وتركيا و”ناتو”

الطريف أن كثيرين تنبأوا بأن يحول السماح بحرق المصحف في السويد غير مرة بينها وبين موافقة تركيا على انضمامها لحلف “ناتو” في القمة التي انعقدت في ليتوانيا يومي 12 و13 يوليو الجاري. ففي القمة، أعلن الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وافق على دعم السويد في طلبها الانضمام للحلف.

حينها أضاف ينس أيضاً أن أردوغان سيحيل طلب السويد للبرلمان التركي للمصادفة عليه وهو “يدعم التصديق عليه”. يشار أيضاً إلى أن تركيا ظلت تعرقل انضمام السويد لحلف “ناتو” بدعوى أنها تستضيف ميليشيات كردية تعتبرها أنقرة “إرهابية”.

من جهة أخرى، ربط الرئيس التركي بطريقة واضحة ومباشرة وصريحة بين موافقة تركيا على انضمام السويد للناتو والموافقة على طلب أنقرة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ولم يأت ذكر عدم السماح بحرق المصحف من قريب أو بعيد، في الأقل رسمياً.

التاريخ المعاصر جداً فيه حوادث حرق كنائس واستهدافها في أعمال طائفية بعدد من الدول العربية (أ ف ب)

رسمياً، تمت المصادقة على قرار إدانة “أي دعوة أو إظهار للكراهية الدينية، ومنها الفعاليات الأخيرة، العلنية والمتعمدة، التي أدت إلى نزع صفة القداسة عن القرآن”. وتم توجيه دعوة للدول إلى اعتماد قوانين تسمح لها بمحاسبة المسؤولين عن هذه الأفعال.

لكن تظل “هذه الأفعال” رغم التصويت والمصادقة مطاطية التعريف ضبابية المفهوم. وتظل منظومة حرية الرأي والتعبير تقف لها بالمرصاد، ولا يخلو الأمر من قدر غير قليل من ازدواجية المعايير هنا قبل هناك.

الممثلة الدائمة لأميركا لدى مجلس حقوق الإنسان الأممي السفيرة ميشيل تايلور قالت مبررة معارضة بلادها التصويت لصالح القرار “نأسف لاضطرارنا للتصويت ضد هذا النص غير المتوازن، لكنه يتعارض مع مواقف اتخذناها منذ فترة طويلة في شأن حرية التعبير”.

الهولوكوست والعنصرية

يشار إلى أن تايلور “سليلة ناجين من الهولوكوست”، فهي ابنة وحفيدة ناجين من المحارق التي أقامها النازيون لليهود في أوروبا الشرقية، كما قتل جداها من أبيها على يد النازيين في ريغا (عاصمة لاتفيا حالياً). وكثيراً ما تتحدث عما تعرضت لها عائلتها من تعصب وعنصرية وتهديد بالحرق والقتل، قبل أن ينجح جداها لأمها في الهرب إلى أميركا.

“إنسيكلوبيديا الهولوكوست” أو “موسوعة الهولوكوست” على موقع “متحف الهولوكوست الأميركي” تصف حرق النازيين للكتب التي ألفها يهود لسنوات بدأت في عام 1933 في ألمانيا بـ”رمز واضح وصريح للتعصب والكراهية والرقابة التي اعتنقها النازيون”.

ووصف تاريخ حرق الكتب بسبب اختلاف أو خلاف على ما جاء به من مفاهيم بـ”التاريخ الأسود”، كما يشير إلى أن الأنظمة الاستبدادية عادة تستهدف الثقافة، ولا تجد في حرق الكتب حرجاً.

الازدراء للجميع

حرج توجيه تهمة ازدراء الأديان لمن يزدري ديناً واحداً فقط لا يشعر به كثيرون. دول عديدة، بعضها إسلامية، تزهو بنصوص قانونية تجرم ازدراء الأديان، لكن واقع الحال وسجلات المحاكم ونصوص الأحكام تشي بأن من يزدرون الإسلام فقط يخضعون للنصوص العقابية. وحتى في الاستثناءات النادرة حيث شخص اتهم بازدراء دين آخر، عادة تتم تبرئته أو الحكم عليه بغرامة مالية متناهية الصغر.

من جهة أخرى، يلمح البعض إلى أن المصادقة الأممية على قرار إدانة الكراهية الدينية واحتفاء العالم الإسلامي تجعل الأمر يبدو وكأن المقصود هو الإسلام فقط، رغم أن القرار يشمل كل الأديان والمعتقدات التي تتعرض هي الأخرى لأعمال وأنشطة ازدراء أو حرق.

كنائس وحرائق

التاريخ المعاصر جداً فيه حوادث حرق كنائس واستهدافها في أعمال طائفية في عدد من الدول العربية، كما لا يخلو -وحتى وقت قريب جداً مضى- من دعاء عبر مكبرات صوت بعض المساجد على “النصارى واليهود”، وغيرها لكن الجانب الأكبر من هذه “التصرفات” إما مر مرور الكرام، أو حوسب في أضيق الحدود.

وعن الحدود الدستورية والقانونية والالتزام المجتمعي التي تبديها دول الغرب عموماً تجاه حرية الرأي والتعبير في قضايا الأديان، يقول الكاتب الصحافي ياسر عبدالعزيز في مقال عنوانه “كيف ينظر الغرب لمسألة احترام الأديان؟” (يوليو 2023) إن “تلك الحرية في الغرب ليست بالضرورة موقفاً مباشراً أو حصرياً ضد الإسلام. ولا يعني كذلك أن هذه الدول لا تعرف حركات يمينية متطرفة، وتياراً فكرياً متجذراً ربما يكن كراهية وازدراء للإسلام والمسلمين. ولا يعني أيضاً أن تلك الحكومات تنتصر بالفعل لحرية الرأي والتعبير بشكل مطلق، حينما يتم المس ببعض قيمها والتزاماتها الحيوية تجاه أفكار ومعان معينة مثل النازية ومعاداة السامية، وإنما يعني أن نسق الأولويات الذي تتبعه تلك الدول لا يضع كرامة الأديان وأتباعها ضمن القيم التي يجب الدفاع عنها أو حمايتها”.

ويضيف أن “تلك الدول تريد أن تقول للعالم إنها تحترم الأديان والمعتقدات كافة، لكنها لن تتدخل بأي شكل للحد من انتقاد رموز أي دين أو أتباعه بداعي حرية الرأي والتعبير”.

ويشير إلى أن هذه الدول على الأرجح لا تدافع في هذا الصدد عن حرية الرأي والتعبير بشكل عام، بقدر ما تدافع عن تلك الحرية فقط في إطار تناول الأديان وأصحاب المعتقدات، فهي تسمح بنشر المواد التي تسخر أو تنال من عقائد وأنبياء آخرين، بمن فيهم نبي المسيحية، عليه السلام، لكن عدداً منها في الوقت ذاته لا يسمح مثلاً بالتشكيك في المحرقة.

ويخلص عبدالعزيز إلى أن حرية الرأي قد تكون قيمة حيوية في مجتمع ما بأكثر من قيمة احترام العقائد، والعكس صحيح، مشيراً إلى حاجة الدول الغربية إلى مراجعة موقفها من نسق القيم الذي تعتمده في هذا الصدد، لا سيما أن السماح بالطعن في رموز الأديان ومقدساتها ربما يشكل تهديداً لأمنها القومي الذي تعتبر الدفاع عنه دائماً أولوية.

عن جرح المشاعر أعتذر

أولوية درء الكراهية والازدراء عن الإسلام تسلط أحياناً الضوء على درء الكراهية والازدراء على كل المعتقدات. في عام 2017، قال مستشار المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية والوكيل السابق لوزارة الأوقاف في مصر، الشيخ سالم عبدالجليل، في برنامج تلفزيوني على الهواء، إن عقيدة “النصارى” فاسدة وإن الملائكة ستقابلهم بالعذاب يوم القيامة، وليس على المسلمين سوى حسن التعايش معهم.

دول غربية تعتبر انتقاد المقدسات الدينية لا يمس قيمه وثوابته الأساسية (أ ف ب)

تم إيقاف عبدالجليل عن العمل وإخضاعه للتحقيق. وقيل وقتها إنه رفض الاعتذار عما قال. وبعد أيام أصدر بيان اعتذار لكن كلماته موزونة بميزان حساس. وجاء في الاعتذار “حيث إن البعض اعتبر كلامي فيه جرحاً لمشاعر الإخوة المسيحيين، فأنا عن جرح المشاعر أعتذر”.

وأضاف أنه يكرر تأكيده على ما أكده في الحلقة المشار إليها، وهو “أن الحكم الشرعي بفساد عقيدة غير المسلمين (في تصورنا) كما أن عقيدتنا فاسدة في (تصورهم)- لا يعني استحلال الدم أو العرض أو المال”.

تسامح نقد المقدسات

وعلق مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عمرو الشوبكي على ما جرى وقتها بقوله إن “الفارق بين مجتمعاتنا العربية والغربية أنه في الأخيرة هناك تسامح مع أي نقد لكل المقدسات الدينية، سواء كانت مسيحية أو إسلامية، وأن النقد الذي تعرض له الإسلام أخيراً يأتي في مجتمعات انتقدت -وأحياناً بصورة أكثر حدة- المسيحية، لأن المجتمع هناك لا يعتبر أن انتقاد المقدسات الدينية يمس قيمه وثوابته الأساسية، في حين أن بلداً مثل مصر يعتبر المساس بالمقدسات الدينية، أي الإساءة للسيد المسيح أو شتم الإنجيل أو إهانة القرآن الكريم، أمراً صادماً ومرفوضاً بالنسبة إلى المسلمين والمسيحيين، وهي كلها أمور يجب أن تخضع للمحاسبة القانونية ما دامت انتقلت إلى العلن والمجال العام، فيصبح الأمر يخص المجتمع والنظام العام والقانون”.

وعلى رغم ذلك، تستمر الخلافات والاختلافات حول تعريف كراهية الأديان ومفهوم حرية الرأي والمقصود بحرية التعبير، كما يبقى سؤال بديهي عن المنطق أو الغاية أو المنفعة الكامنة وراء حرق كتاب مقدس أو توجيه السباب لما جاء فيه عبر مكبرات صوت بديلاً من النقاش أو الجدل أو الاختلاف وجميعها لا يفسد للتعايش قضية.

#متلازمة #الكراهية #الدينية #بين #حرية #التعبير #وحرية #الحرق

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد