- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

محمد إبراهيم الدسوقي يكتب: رسالة بعلم الوصول – بوابة الأهرام

 باختياره شخصية غير سياسية، لتصبح أول سيدة تشغل رئاسة الوزراء في بلاده وفي الوطن العربي عموما، بعث الرئيس التونسي قيس سعيد، برسالة بعلم الوصول إلى النخب السياسية العربية، مضمونها وجوهرها أن رصيد الثقة فيهم يكاد ينفد لدى الجماهير العريضة، وأن الشعوب ضجرت وضجت من أفعالهم غير السوية وتجد صعوبة متنامية في ائتمانها على سدة الحكم وتسيير دفته، ويرون أن حرصهم ومراعاتهم لمصالحهم ومكاسبهم من وراء السلطة يفوق بكثير اكتراثهم واهتمامهم بالصالح العام وشواغله، وذاك وضع يجعل هذه الشعوب غير مستبشرة بمستقبل أوطانها على يد السياسيين.

 
بعضكم قد يرى فيما سبق تعميمًا مخلا، وتجنيًا وأنه لا ينسحب بالضرورة على جزء كبير من البلدان العربية، وأن اختيار قيس سعيد حتمته وفرضته ظروف داخلية قاهرة ومصيرية، ويجب إبقاؤها في سياقها الداخلي وعدم تحميلها ما لا تحتمل من التأويلات.
 
في الظاهر يبدو هذا التقدير سليمًا ومنطقيًا تمامًا، لكن إن نظرنا بدقة وبتجرد في الوقائع والأحداث الجارية في تونس، خلال الأشهر الماضية بتقلباتها وانحداراتها الحادة، لرأينا كيف أن التونسيين ذاقوا الأمرين على يد نخبتهم السياسية، التي مُنحت عشرات الفرص لتصحيح مساراتها وتجاوز آفاقها الضيقة المنحصرة في منافعها الخاصة والحزبية، ولتذهب مصلحة البلاد والعباد إلى الجحيم، غير أنها أهدرتها عن عمد، واستخفت واستهانت بأوجاع وأزمات الناس الصحية والاقتصادية والاجتماعية، وزادت الطين بلة بمتاجرة تلك النخبة بآلام الشعب وسعيها لزيادتها وتعميقها، حتى تبسط حركة النهضة الإخوانية سيطرتها الكاملة على مؤسسات الدولة وتوجهها حسبما ترغب وتشتهي، وجعلها إخوانية صرفة ومغلقة على الأهل والعشيرة.
 
ولرأينا أيضًا أن الحركات السياسية والحزبية المتحالفة مع النهضة ومشروعها التخريبي لتقويض أركان وأساسات الدولة الوطنية كانت دوافعها محكومة بشهوة السلطة وما يرافقها من عطايا ومنح سخية بتقلد مناصب رفيعة، أو نيل نصيبها الوفير من الاستثمارات الداخلية والخارجية، ولو استمر الحال بهذا الشكل البائس والمخزي لضاعت ــ لا قدر الله ــ تونس، لذا فقد جاءت قرارات قيس سعيد التصحيحية في التوقيت المناسب، لاستعادة البلد من حافة الهاوية، التي أوصلها إليها الإخوان المخربون.
 
ألا تذكرنا تلك المشاهد العبثية والفوضوية الموجعة بنسخ كربونية، مع اختلافات ورتوش بسيطة، جرت في دول عربية ابتليت في نخبتها السياسية التي تتشدق ليل نهار بأنها تعمل وتضحي من أجل الوطن ورفعته وازدهاره مع أنها عمليًا سبب نكبته وابتلاءاته ومحنه المتزايدة.
 
ولدينا نموذج حي على ذلك في لبنان الذي بات ــ بكل أسف ــ رهينة لطبقته السياسية التي لم تتورع عن المقامرة بمصيره، تنفيذًا لتعليمات قوى إقليمية، وكنوع من المكيدة والعناد، ولم تخجل من تعطيلها تشكيل حكومة جديدة لأكثر من عام لعدم رضاها عن تكليف سعد الحريري بتشكيلها.
 
قبلها أعاقت تحقيقات تفجير ميناء بيروت الموجع، وضغطت على قضاة التحقيق لوقف عملهم، وتاهت الحقيقة ومعها دماء العشرات الذين أزهقت أرواحهم، جراء الانفجار المروع الذي لن يُعرف مَن هم مدبروه ومنفذوه على الأقل في المستقبل المنظور.

ووقفت الطبقات السياسية اللبنانية تشاهد ببرود لا تحسد عليه مكابدة ومعاناة اللبنانيين الذين لا يجدون دواءً ولا خبزًا ولا بنزينا ولا مستشفى يستقبل مرضاهم، وبات حلم غالبيتهم الهجرة وترك البلد للسياسيين، الذين لا يكترثون بهم ولا بعذاباتهم الحياتية، ولا يشعرون حتى بالذنب وتأنيب الضمير لما آلت إليه الأوضاع من تردٍ في دولة كنا نلقبها في الماضي بسويسرا الشرق.

إن وليت وجهك ناحية العراق ستعثر كذلك على شاهد حي آخر على فساد النخبة السياسية، فصراعات ومعارك هذه النخبة على النفوذ والسلطة دمر حياة العراقيين المحرومين من أبسط الخدمات العامة من كهرباء ومياه وصرف صحي، فضلا عن فتحها المجال لانتشار وتوغل تنظيم داعش الإرهابي، الذي تشكل في بلاد الرافدين، واستشرى بعدها كالوباء الخبيث بدول الجوار وإفريقيا وأوروبا.

وسط الغبار الناتج عن صراعاتهم تمددت إيران وكونت ميليشيات عراقية تدين لها بالولاء والسمع والطاعة، وباتت طهران تتفاخر بأنها صاحبة الأمر والنهى في عدة عواصم عربية، منها بغداد، واستباحت تركيا سيادة الأراضي العراقية ومياهها، وأضحت المصالح الفئوية والمذهبية مقدمة على ما عداها، ولم يهتم السياسيون العراقيون بأنهم أضعفوا الدولة ومؤسساتها، وكانوا سببًا رئيسًا في توفير بيئة خصبة ترعرعت فيها الحركات المتطرفة والإرهابية التي أضرت ضررًا بالغًا بالأمن القومي العراقي والعربي، مما صعب من مهمة ومساعٍى استرداد هيبة وقوة الدولة، وتنقية البلاد من آفة الميليشيات المسلحة التي لا تحترم القوانين وتفرض قانونها الخاص، وتلجأ للعنف عند نشوب خلافات فيما بينها، أو مع فرقاء آخرين.

وحاليا انظروا إلى ما فعلته القوى السياسية المتناحرة والمتصارعة بالسودان، الذي حوله نظام حسن البشير لإقطاعية إخوانية، ومحاولات الإخوان المتواصلة لنشر عدم الاستقرار والفوضى فيه، وتعطيل جهود تنميته، ومواجهة مشكلاته وتحدياته الأمنية الصعبة والمعقدة، وبدلا من أن تكون النخبة السياسية جزءًا من الحل فإنها بمنظورها الضيق وتكالبها على جنى المكاسب والمغانم أصبحت طرفًا في معادلة الأزمة السودانية الخانقة.
 
اليمن بدوره تجسيد آخر لضحايا النخب السياسية غير الحصيفة وغير المراعية للصالح العام بالفترة اللاحقة بالإطاحة بنظام على عبد الله صالح، والتي شهدت تحالفات مع جماعة الإخوان، والآن مع جماعة الحوثي التي تخرب ما كنا نعرفه باسم اليمن السعيد الذي أضحى تعيسًا على يدهم لإصرار الحوثيين على الاستحواذ على السلطة، وتطبيق الأجندة الإيرانية في اليمن الذي يحتاج لسنوات من الجهد والعمل الدؤوب لإصلاح ما أفسده هؤلاء ومعهم السياسيون.
 
ومبكرًا في مصر عانينا من تقلبات وعدم خبرة القوى والحركات السياسية التي اكتظت بها الساحة بدون أن يكون لديها قاعدة جماهيرية ولا رؤية إصلاحية واقتصادية واجتماعية، وأسفر ذلك عن اختلالات واضطرابات وفوضى عارمة استغرقنا وقتا طويلا ـ ولا نزال ـ في علاج آثارها ونتائجها المدمرة.
 
في كل الأحوال فإن المشهد التونسي كان رسالة للنخب السياسية العربية للوقوف وقفة مراجعة صريحة وصادقة مع النفس، وتعديل سلوكها بما يخدم مصالح بلادهم أولا وأخيرًا، وأن تكون هناك تنشئة سياسية صحيحة، لأن ما نراه من حولنا لا يمت بصلة لتأسيس وإعداد أجيال سياسية واعية ومستوعبة لشروط واستحقاقات العمل السياسي وقواعده السليمة.

- الإعلانات -

#محمد #إبراهيم #الدسوقي #يكتب #رسالة #بعلم #الوصول #بوابة #الأهرام

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد