- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

مدينة أوباري الليبية لؤلؤة وادي الحياة الجميلة التي احتضنت الحضارات

منذ 6 ساعات

حجم الخط

- الإعلانات -

تونس-»القدس العربي»: أوباري هي مدينة ليبية صحراوية جنوبية تقع في منطقة تسمى وادي الحياة في إقليم فزان وهو أحد الأقاليم الثلاثة المكونة للدولة الليبية إلى جانب إقليمي برقة وطرابلس. وتعتبر المنطقة التي تقع فيها أوباري واحدة من أجمل مناطق ليبيا وأكثرها جذبا للزوار الباحثين عن الجمال والطبيعة الخلابة وحتى الأساطير. فواحات ومنابع مياه أوباري لا مثيل لها في جميع أنحاء العالم، وهي حالة خاصة وفريدة من الجمال في صحراء كبرى أفريقية من المفروض أنها قاحلة وجافة وجدباء.
ويرجع البعض تسمية أوباري إلى وجود عدد كبير من آبار المياه بتلك الربوع الصحراوية الخلابة. فقد كانت برأي هؤلاء تسمى منطقة الآبار ثم أصبحت أوبار ثم أوباري في وقت لاحق. وتبدو التسمية غير دقيقة ومحل خلاف وجدل كبيرين خاصة وأنه لا يوجد ما يدعمها سواء في كتب التاريخ القديمة أو الحديثة ولا يمكن الجزم أن جذور التسمية ليست في لغات أخرى استعملت في المنطقة خلافا للعربية على غرار الأمازيغية والكنعانية الفينيقية والبونيقية القرطاجية.
أرض الطوارق
وتقطن أوباري قبائل الطوارق أو الملثمون أو الرجال الزرق كما يسميهم البعض وذلك بالنظر إلى لون اللثام الذي يرتدونه، وهذه القبائل وزعها التقسيم الاستعماري بين ليبيا والجزائر ومالي والنيجر، وسعى إلى عدم تشكيلها لكيان موحد. وساعد التقسيم الجديد الذي تم فرضه على سيطرة المستعمر الأسبق على الصحراء الكبرى وعلى ثرواتها في النيجر ومالي ولكنه أعاق الطوارق عن التواصل فيما بينهم وعلى ممارسة نشاطهم التجاري، وهم تجار القوافل بامتياز، وذلك بسبب الحدود.واشتهرت بين الطوارق تجارة الملح في الصحراء الكبرى الأفريقية المترامية وأيضا مع البلدان المغاربية في أقصى الشمال باعتبارها الامتداد الطبيعي لهذه القبائل التي تجوب الفيافي. ومن أبرز الحواضر التي كانت محطات لهذه التجارة مدينة تمبكتو وغاو وكيدال الواقعة اليوم في إقليم أزواد شمال مالي وتمنراست الواقعة اليوم في الجزائر وأيضا أوباري التي تعتبر عاصمة بلاد طوارق ليبيا.ويتكلم سكان أوباري كما سائر الطوارق لغة التيفيناغ التي تكتب بالحروف الفينيقية وهي مزيج من اللهجات الأمازيغية المحلية في شمال أفريقيا واللغة الكنعانية المشرقية التي أتى بها الفينيقيون إلى البلاد المغاربية وطورها القرطاجيون في حضارتهم البونية أو البونيقية التي ضمت الجميع. كما أن للطوارق رسوم على جدران الكهوف الجبلية الصحراوية شبهها البعض بالكتابة الهيروغليفية الفرعونية فيما شبهها البعض الآخر برسومات الإنسان البدائي التي خلد من خلالها أنشطته اليومية وأهمها الصيد الذي كان أحد عناوين القوة في تلك العهود.وأهم قبائل الطوارق التي تقطن أوباري الأنصار، وتنالكم، وأمغاد، وإدنان، واوراغن، وأمقيرغسن، وأمنغساتن، وأبطناتن، وغيرها وهي قبائل لها امتداداتها في شمال النيجر وشمال مالي وجنوب الجزائر. وتوجد في وادي الحياة قبائل أخرى على غرار التبو الذي عرفت علاقتهم بالطوارق مدا وجزرا فهم تارة في اقتتال على السيطرة على منابع المياه والعشب من أجل حياتهم ولتوفير المرعى لدوابهم وطورا يبرمون الصلح ويحيون في سلام آمنين. وقد اقتسم الطرفان نفط المنطقة فيما بينهما وتحالفا قطعا للطريق على حكومة السراج في طرابلس حين رغبت في وضع يدها على الحقلين النفطيين.
حضارات عريقة
تبدو أوباري في تاريخها مختلفة بعض الشيء عن مدن أقصى الشمال الأفريقي فهي وإن اشتركت مع هذه المدن في وجود المكونين الأمازيغي والعربي إلا أن تأثير الحضارة القرطاجية والإغريقية والرومانية لم يكن كبيرا فيها باعتبار أن هذه الحضارات هي ساحلية متوسطية بالأساس. بالمقابل فإن مدينة أوباري ومنطقة وادي الحياة تبدو حضاريا وثقافيا أقرب إلى إقليمي أزواد في شمال مالي وأغاديس في شمال النيجر ناهيك عن جنوب الجزائر حيث أبناء جلدتهم الطوارق.ويؤكد المؤرخون أن الطوارق هم أحفاد الجرمنتيين الذين استوطنوا الصحراء الكبرى الأفريقية وأسسوا حضارة قديمة جدا هي حضارة الجرمنت الشهيرة التي ما زالت آثارها في مدينة جرمة الليبية وجبال تاسيلي في جنوب الجزائر وغيرها من المناطق. ومن ابتكارات الجرمنت العجلة لتسهيل تنقل العربات والتي اقتبسها المصريون بادئ الأمر ثم انتشرت في مختلف أصقاع المعمورة وتطورت بها وسائل النقل وتمكن الإنسان من خلالها من ترسيخ وجوده الحضاري. ويعتبر البعض حضارة الجرمنتيين هي حضارة الشتات في المنطقة، باعتبار أن الجرمنتيين قد تفرقوا في أنحاء كثيرة من العالم على غرار وادي النيل وبلاد الرافدين واليونان وغرب أوروبا.ومن الممالك التي أسسها الطوارق الصنهاجيون مملكة أودغست وكان ذلك بعد الفتح الإسلامي للمنطقة ووصول الديانة المحمدية إلى الصحراء الكبرى الأفريقية، وكذا دولة المرابطين التي امتدت وتوسعت في البلاد المغاربية. وقد مهدت دولة المرابطين لبروز دولة الموحدين الذين تمكنوا من توحيد كل البلاد المغاربية في دولة واحدة قضت على حالة التشتت التي عرفتها المنطقة مع غزو قبائل بني هلال وبني سليم العربيتين وتخريبهما لحاضرة الإسلام وعاصمته في بلاد المغرب، مدينة القيروان التونسية.ومن الدول التي أسسها الطوارق في المنطقة مملكة سونغاي وكان ذلك في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، لكن هذه المملكة التي اتخذت من مدينة غاو في إقليم أزواد الذي تم إلحاقه بمالي، عاصمة لها لم تمتد إلى وادي الحياة حيث تقع أوباري لكن الإرتباط كان وثيقا بين الطرفين باعتبار العرق والحركة التجارية التي تؤمنها قوافل الجمال. وضمت هذه المملكة أهم مدن الطوارق على الإطلاق وثاني حاضرة للعلم والعلماء في البلاد المغاربية بعد القيروان التونسية، مدينة تمبكتو التابعة اليوم إلى دولة مالي بعد ضم إقليم أزواد لها.وقد وجدت فرنسا مقاومة شرسة من قبائل الطوارق حين رغبت في ولوج الصحراء الكبرى الأفريقية مع نهاية القرن التاسع عشر ومنيت بعديد الهزائم التي جعلتهم في وقت ما يقررون ترك هذه الصحراء المترامية وساكنتها وشأنهم. فقد احتلت باريس الجزائر سنة 1830 ولم تتمكن من السيطرة على الصحراء الكبرى بالكامل إلا مع عشرينات القرن العشرين رغم المحاولات المتكررة ويبدو أن هذا ما جعلها تحرم الطوارق من دولة قومية في صحرائهم المترامية وتقسم أراضيهم بين دول الجوار.
معالم أوباري
يضم وادي الحياة الذي تقع فيه أوباري مدينة جرمة الأثرية التي كانت مهد أقدم حضارات ليبيا، أي حضارة الجرمنت، وتعد المدينة إرثا حضاريا للإنسانية بأسرها يقيم الدليل على أن أكبر صحاري العالم ليست براري قاحلة منفرة للبشر كما يعتقد البعض، بل هي أرض تعج بالحياة والأسرار الدفينة. فأينما وليت وجهك في جرمة ينتابك الشعور بأنك على أرض كوكب آخر يغريك بإماطة اللثام على ما يكتنزه من خبايا فوق الأرض وتحتها وفي عنان السماء.ومن معالم جرمة المتحف الأثري الذي يعطي لزائره لمحة عن حضارة الجرمنت وقد افتتح هذا المتحف أواخر ستينيات القرن العشرين ويحتوي على رسومات ونقوش نادرة. كما يحتوي على آثار تتعلق بعصر الجرمنت وآثار أخرى تتعلق بعصور الإسلام التي بدأت منذ قدوم عقبة بن نافع إلى المنطقة خلال القرن الأول للهجرة، أي في عصر الدولة الأموية وذلك رغم وصول الإسلام إلى ليبيا منذ زمن عمر بن الخطاب وولاية عمرو بن العاص على مصر.ويحتوي متحف جرمة أيضا على مومياوات تعود إلى ما يزيد عن ألفي عام، وأشهرها مومياء بوترنة التي اكتشفت سنة 1968 محنطة وبحالة جيدة بمنطقة بوترنة جنوب مدينة جرمة الأثرية. ويعني هذا الاكتشاف الذي قامت به بعثة ألمانية للآثار أن تقنية التحنيط كانت مستعملة عند الجرمنت القدامى وأن هؤلاء كانوا على درجة كبيرة من التطور العلمي والحضاري.ومن معالم وادي الحياة قرب أوباري أهرامات الحطية والحرائق وغيرها وهي أهرامات حديثة، لكن رغم ذلك يؤكد البعض على أن الليبيين القدامى هم أول من بنى الأهرامات وكان ذلك قبل حضارة الجرمنت بكثير. ويؤكد هؤلاء على أن فن بناء الأهرامات برز في ليبيا ثم انتشر منها في أنحاء متفرقة على غرار مصر التي تم فيها تطوير هذا الفن فبرزت أهرامات الجيزة وغيرها.ومن معالم أوباري ووادي الحياة قبور الجرمنت العجيبة في شكلها والمتلاحمة في انسجام مع محيطها الصحراوي الآسر للقلب والروح في واحد من أجمل الأمكنة على وجه البسيطة. وتضم هذه القبور الأواني الفخارية والحلي المتعلقة بالميت في طقوس جنائزية لا تخلف على ماهو متداول في تلك الربوع سواء في المنطقة المغاربية أو في وادي النيل.ويرى البعض أن واحات أوباري ونخيلها الباسق وبحيراتها المالحة المحاطة بكثبان الرمال، إضافة إلى الجبال الصحراوية الجميلة هي معالم في حد ذاتها باعتبار جمالها الخلاب وندرة وجودها في مختلف صحارى العالم. مشاهد آسرة بكل ما للكلمة من معنى جعلتها تفرض نفسها وتستقطب السياح والزوار رغم أن ليبيا ليست بلدا سياحيا ويفتقر إلى البنى التحتية التي تجعله قبلة زوار العالم.
اقتصاد متنوع
ينشط طوارق أوباري في الزراعة وقد استصلحوا عديد الأراضي الصحراوية لاستغلالها في إنتاج الحبوب وساعدتهم الدولة الليبية في ذلك خاصة وأن في تلك الصحراء التي يعتقد أنها قاحلة مخزونا هائلا من المياه الجوفية. كما ينشطون زراعيا في مجال إنتاج التمور من الواحات التي تنتج نوعية جيدة من هذه التمور لا تختلف عن تلك التي يتم إنتاجها في تونس والجزائر من حيث الجودة.كما يعمل أهالي وادي الحياة في النشاط السياحي في منطقة تستقطب عشاق السياحة الصحراوية بفعل جمال طبيعتها المتنوعة المشتملة على بحيرات مالحة جميلة على غرار بحيرة قبرعون وبحيرة أم الماء وبحيرة أم الحصان. لكن الوادي يفتقر إلى بنية تحتية سياحية راقية من فنادق وطرقات وأماكن ترفيه وغيرها، وهو خيار من الدولة الليبية التي لم تراهن على القطاع السياسي واكتفت بمداخيل المحروقات.ويوجد في وادي الحياة حقلان نفطيان هما حقل الشرارة الذي يعتبر من أهم الحقول النفطية في ليبيا واستغلته في وقت ما قبائل الطوارق، وحقل الفيل الذي وضع التبو أيديهم عليه. وقد اضطرت الإثنيتان إلى القيام بذلك لخلق الموارد في غياب الدولة المركزية. وقد تعامل الطوارق بحنكة لتجنيب مناطقهم جحيم الحرب الليبية التي كانت ستخلف أعدادا كبيرة من الضحايا في حال شملت مناطقهم، وتمثلت حنكتهم في تجنب الدخول مع أطراف على حساب أطراف وتسليم الحقول النفطية عندما اقتضى الأمر ذلك.ومن بين القصائد التي كتبت عن معالم ليبيا وسحر طبيعتها وذكرت فيها أوباري وأهراماتها قصيدة للشاعر أسامة فؤاد سراج الدين بعنوان ليبيا الوطن يقول فيها الشاعر:
ويا قَارِئَ الأَشْعَارِ عَرِّجْ بِشِعْرِناوذُقْ سِحْرَ (لِيبْيَا) هَلْ هُنَاكَ مُنَافِسُ؟هُنَا سَوْفَ يَحْكِي بَحْرُ (دَرْنَةَ) عِنْدَمَا(تُهَدْزِرُ) أَمْوَاجُ الرِّمَالِ الهَسَاهِسُ(فَسِيلِينُ) بِنْتُ (الخُمْسِ) تَبْكي زَمَانَهاوذَا قَوْسُ (لُبْدَى) والرُّسُومُ الطَّوامِسُوكَعْكَاتِ (بَسْطِي) صُنْعَ أُمِّي ذَكَرْتُهافتَنْطِقُ بالدَّمْعِ العُيُونُ الحَوَابِسُ(زُوَيْتِينَةُ) الأَعْنَابِ أُنْسِي بِلَيْلِهَا(بِشَاهِي) عَلَى الأَحْطَابِ تَحْلُو الـمَجَالِسُوصَحْرَاءُ (غَاتٍ) والصُّخُورُ كَأَنَّهاخَيَالٌ وعِفْرِيتٌ كَحِيلٌ وغَاطِسُورَائِحَةُ الـمَانْجُو تَدَاعِبُ حُوْشَنَاوأَخْضَرُ وادِيها عَلَى البِيدِ نَاعِسُوأَزْيَاءُ (جَالُو) سِحْرُ حُورٍ (وصَدْرَةٌ)وأَغْلَى (الجُرُودِ) البِيضِ هُنَّ الـمَلَابسُوسِرْوَالُ (بُوتْكَا) رِمْشُ كُحْلٍ مُذَهَّبٌ(وتِـمْتِرْكُ) سَرْجي، واللثَامُ القَلَانِسُ(وترْهُونَةُ) الأَبْطَالِ تَاقَتْ لأَهْلِهاجِبَالٌ عَلَى الأَطْرَافِ خُضْرٌ رَوَائِسُوزَاوِيَةُ (البَيْضَاءِ) خِلْتَ جَلِيدَهافَسَاتِينَ أَفْرَاحٍ شَهَتْها العَرَائِسُ(ومَكْرَمُ تَاجُورَاءَ) أَكْرِمْ بِجَامِعٍوذِكْرَى فَنَارٍ ضَوْءُهُ مُتَنَاعِسُ(وخِضْرونُ) يا لَلْحُسْنِ يا لَبُحَيْرَةٍ تُلاعبُ(بَشْرُوشًا) فَتَلْهُو النَّوَارِسُكَأَنَّ (الفِلَامِنْجُو) على طَرْفِ حُسْنِهاغَزَالُ (وِدَانٍ) مُطْمَئِنٌّ ومَائِسُورِيمُ الصَّحَارَى يا لَلَهْوِ غَزَالَةٍتَهَادَتْ تُنَاجِيها التِّلَالُ الأَوَاعِسُودَائِرَةٌ في الرَّمْلِ نَوْمِي بِقَلْبِهاعَصَايَ شَمَالًا بَعْدَ صَحْوِي تُقَايِسُ(وشَاهِينُ) صَقْرٍ قُرْبَ (سِرْتٍ) لـَمَحْتُهُيَحُومُ، (وإِبْحَارِيُّها) فأُنَامِسُوسُمْرَةُ (تَاوُرْغَاءَ) عُظِّمَ شَأْنُهاوحُزْنُ شَتَاتِ الأَنْقِيَاءِ المُلَامِسُإِذَا سَأَلَ الأَحْبَابُ: أَيُّ مَدِينَةٍحَوَتْ كلَّ حُسْنِ الأرضِ؟ قلتُ: (غدامسُ)وتِيهُ (العُوَيْنَاتِ) اسْتَرَحْتُ بِحِضْنِهِتُسَامِرُني فِيهِ الرِّيَاحُ الْهَوَامِسُوأَهْرَامُ (أُوبَارِي) تَفُوحُ حَضَارَةًوأَقْمَارُ (سَبْها) والفَيَافي الشَّوَامِسُ…فَلَا تَبْتَئِسْ يَا صَاحِبَ الدَّارِ خَلِّهاعَلَى اللَّهِ، واعْقِلْهَا، وقَلْبُكَ حَامِسُ
 فَفِي كُلِّ دَارٍ مِنْ دِيارِ بِلَادِناعَقَارِبُ تَسْعَى أَوْ تَطُوفُ خَنَافِسُوحَتْمًا سَيَأْتِي الوَقْتُ وَقْتُ حَصَادِهاوتَطْرُقُ هَامَاتِ الأَفَاعي الفَطَائِسُ.

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد