مركز المستقبل ناقش المصالحات في الشرق الاوسط بين الحقيقة والوهم
ناقش مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية وضمن نشاطاته الفكرية الشهرية موضوعا حمل عنوان (المصالحات في الشرق الاوسط بين الحقيقة والوهم) بمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية، وبعض الشخصيات الحقوقية والأكاديمية والإعلامية والصحفية في ملتقى النبأ الأسبوعي الذي يعقد بمقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، اعد الورقة النقاشية الاستاذ حيدر الاجودي باحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، وابتدأ حديثه قائلا:
“تشهد منطقة الشرق الأوسط تطورات سياسية ودبلوماسية متسارعة مع مسار مصالحات وتهدئة للتوترات بين الخصوم الإقليميين، ما يضع المنطقة أمام احتمالات جديدة، فالثبات في السياسة جمود والجمود معيق للتطور، والتفكير خارج الصندوق على مشقته نافع حين تجتمع له الرؤية والإرادة، وقد مرت منطقة الشرق الأوسط بعقودٍ من الزمن تصارعت فيه المحاور والعالم يراقب ولا يتدخل إلا بقدر ما يحفظ التوازن بين تلك المحاور دون حلول خلاقةٍ أو اختراقاتٍ مهمةٍ.
فمنذ عامين ورياح التصالح لا تهدأ في منطقة الشرق الأوسط، مع خطوات التقارب والتطورات السياسية والدبلوماسية المتسارعة في مسار المصالحات وتهدئة التوترات بين مختلف القوى المتنازعة، خاصة بعد أن وجدت دول المنطقة نفسها مضطرة للتقارب أكثر، والنظر بجدية للمستقبل في ظل انقسام دولي غير معهود منذ اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وتحوّلات دولية عميقة أعادت ترتيب المصالح السياسية وسقوفها.
لا حديث اليوم كالحديث عن الاتفاق السعودي – الإيراني الذي جرى توقعيه بوساطة صينية في بكين، وجاء بعد عامين من جولات التفاوض الشاقة بين الطرفين في بغداد ومسقط، شكّل هذا الاتفاق تحوّلاً تاريخياً ومفاجئاً لكل السياسيين والمراقبين، فيما عجزت عن فعله القوى الغربية حيال الأزمة الأكثر تعقيداً في المنطقة، واستطاعت الصين ان تحقق اختراق دولي حقيقي لهذه الأزمة كراعية وضامنة لهذا الاتفاق.
وليس غريباً الانخراط الصيني في ملف مصالحات الشرق الاوسط، فهي تتمتع بعلاقات متميزة مع كل الاطراف وأيضاً تسعى لحماية مصالحها الاقتصادية الكبيرة في المنطقة وتوسيع خارطة نفوذها كقوة دولية مؤثرة، وكما تعتبر بكين هذه المصالحات دعوة لاستيقاظ إدارة بايدن، لأنها تكشف عن شلل السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، مقابل محاولة الصين تقديم نفسها كقوة لتحقيق السلام، وهي عباءة تخلت عنها الولايات المتحدة إلى حد كبير في السنوات الأخيرة.
فقد بدا واضحا أن سقوط مشاريع جماعات الإسلام السياسي في المنطقة ساعد في توجيه بوصلة معظم القادة العرب إلى العمل على تصفير المشاكل وإعادة تنظيم فوضى تراكمات الربيع العربي. واستعادة إدارة زمام الأمور في المنطقة وإعادة ترتيب الوضع بما يخدم المصالح العربية مرتبط أساسا بملف سوريا وهو أعقد الملفات بسبب أن الساحة كانت مفتوحة لتدخلات واسعة أبرزها الأميركي والتركي والروسي وكلها تدخلات تقف على طرف نقيض من أطراف الأزمة.
وتعزز هذا الاتجاه وبدا جليا حين توصلت إيران والسعودية لاتفاق تم بموجبه استئناف العلاقات الدبلوماسية بعد قطيعة استمرت نحو سبع سنوات في خطوة باركتها الولايات المتحدة بحذر وهي التي ترتبط بتحالف استراتيجي مع المملكة السعودية لكن العلاقات بينهما مرت على مدى عقود بتقلبات وتوترات في حين تناصب واشنطن طهران العداء وتفرض عليها عقوبات اقتصادية قاسية وفي الوقت ذاته تعمل على احتواء أنشطتها النووية من خلال مفاوضات لإحياء الاتفاق النووي للعام 2015 الذي انسحب منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في 2018.
في ظاهرها، تبدو حركة التصالح والتهدئة في الشرق الاوسط وكأنها تقود المنطقة إلى مرحلة جديدة من التهدئة والسلم ونظام مستقر للعلاقات بين الدول، بعد عشرية طويلة ومؤلمة من الصراع والحروب الأهلية. لم لا، وسلسلة المصالحات تشمل القوى الرئيسة في الإقليم، مثل تركيا والسعودية وإيران ومصر! ولكن المشكلة حتى الآن، على الأقل، أن حركة التصالح، وإن أسهمت في التهدئة النسبية وتخفيف حدة التوتر، لم ينجم عنها متغيرات ملموسة في طبيعة ملفات الخلافات الشائكة، التي تقع في أصل قضايا التدافع والصراع.
صحيح أن الحملات الإعلامية بين مصر وتركيا، والإمارات وتركيا، تراجعت إلى حدٍّ كبير، وأن ليبيا تجنَّبت، حتى الآن، التصعيد واندلاع جولة أخرى من الحرب الأهلية، وأن الإمارات تبدو جادة في تعزيز علاقات الاستثمار والتجارة مع تركيا. ولكن الصحيح، أيضًا، أن الانقسام الليبي لم يتراجع في حدته وتباعد مواقف أطرافه، ليس ثمة مؤشر بعد على أن مصر ستذهب إلى ترسيم الحدود البحرية مع تركيا في شرق البحر المتوسط، بالرغم من أن هذا الترسيم يصب في صالح مصر (إلا إن كان هناك مستوى خافٍ من المباحثات المستمرة ببطء بين البلدين). كما لم تظهر القاهرة أي تراجع عمَّا يشبه العلاقة التحالفية التي أقامتها مع اليونان وقبرص اليونانية، والموجهة في أصلها ضد تركيا.
وبالرغم من أن الحوار الإيراني-السعودي قطع شوطًا بعيدًا، لم تتوقف الهجمات الحوثية الجوية على أهداف سعودية، ولا غارات التحالف العربي على الأهداف الحوثية في اليمن، ولا تراجع عنف الحرب في مناطق الاشتباك اليمنية بين قوات الحوثيين وقوات الجيش الوطني.
وبالنظر إلى الصعوبة البالغة التي أحاطت بتشكيل الحكومة اللبنانية، وهشاشة الوضع الأمني اللبناني الداخلي، والتوتر البالغ الذي ولَّدته نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية، فليس من الواضح ما إن كانت جلسات الحوار الإيراني-السعودي قد حققت شيئًا من التوافق.
ما لا يقل أهمية عن ذلك كله أن مناخ المصالحة لم يترك أثرا يُذكر على المسائل المتعلقة بالشعوب ذاتها، التي كانت الخاسر الأول لعشرات السنوات من الصراع والتدافع. الأنظمة التي واجهت شعوبها بالعنف، وبدعم من حلفاء إقليميين، تزداد عنفًا، والأنظمة التي سيطرت على الحكم بقوة السلاح تزداد قمعًا وتحكمًا، والحروب الأهلية التي أشعلتها خلافات الحلفاء لم ينطفئ لهيبها. وحتى تونس، التي نُظر إليها دائما باعتبارها آخر ديمقراطيات حركة الثورة العربية، لم تلبث أن شهدت تراجعا فادحا في نظامها الديمقراطي ومنظومة الحقوق والحريات التي كفلها دستور الثورة التونسية.
طوال السنوات العشرة الماضية، أثقل صراع المحاور والقوى في الشرق الاوسط كاهل الدول والشعوب، موديا بأرواح عشرات الآلاف من الأبرياء، وهدر الثروات، وإضاعة سنوات من فرص التنمية والإصلاح. انفرط عقد المنظمات العربية الإقليمية، مثل الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي، التي لم تعد تمثل ولو الحد الأدنى من الإرادة الجمعية لدولها الأعضاء، ولا تستطيع التدخل بأية صورة ملموسة لمساعدة الشعوب والدول على التعامل مع أزماتها الداخلية أو خلافاتها البينية.
طوال عشر سنوات، لم يُسجَّل لدولة واحدة في الشرق الاوسط جهد حقيقي لمحاولة احتواء الخلافات، وتخفيف حدة التوتر الإقليمي، أو تجنب الخسائر الباهظة للصراع والتدافع. ولكن، فجأة، وبدون سابق إنذار، أخذت رياح التصالح تهب على المنطقة. تراجعت لغة الشيطنة والعداء والخصومة والإهانات الشخصية الرخيصة إلى حدٍّ كبير، أو تلاشت. وعادت علاقات ثنائية، كادت تصل إلى مرحلة الحرب المباشرة، إلى طبيعتها في لحظة عناق واحدة لقادة الدول.
ربما ادرك قادة دول الشرق الاوسط أن إنجاز المصالحات الإقليمية يعود إلى إنهاك الأطراف الإقليمية من الصراعات المعقدة التي استنزفت قدرات الجميع، وأنتجت معادلة لا غالب ولا مغلوب، وعكست الحاجة إلى الحفاظ على وحدة الدول العربية وتماسكها والحفاظ على سلامتها الإقليمية، وبالتالي فإن المصالحات الإقليمية ستزيد من فرص التعاون التنموي وخلق مساحات للقواسم المشتركة والحد من التنافس الدولي والإقليمي في المنطقة بدءاً بالانفتاح العربي على سوريا، وجهود إنهاء الأزمة اليمنية، وعودة العلاقات العربية التركية لطبيعتها، وليس آخرها الاتفاق السعودي الإيراني، كلها مؤشرات على نزع فتيل الأزمات، وتصفير المشكلات، وتعزيز التعايش والأمن المشترك، وتعظيم فرص التطور والتنمية والرخاء”.
وبعيداً عن مشهد زعماء يلتقون ويتصافحون ويبتسمون نناقش معكم السؤالين الآتيين لإثراء الورقة البحثية بآرائكم القيمة:
السؤال الاول/ هل ستداوي مصالحات الشرق الاوسط جراح الشعوب العربية وتنسى صراعات الماضي المعقدة والمتشابكة؟.
السؤال الثاني/ ما هي التوقعات المستقبلية بتشكيل محور اقليمي شرق اوسطي جديد؟.
المداخلات
الباحث والاعلامي غسان الوكيل:
“ان سياسة الدول (اتفاقيات ومعاهدات) تعتمد على المصالح الا في الشرق الاوسط فإنها تعتمد على مخططات الدول الغربية بريطانيا وفرنسا وبعدها الولايات المتحدة الامريكية منذ اكثر من قرنين، اما ما يجري في الواقع الاقليمي حاليا فانه حقيقة وواقع وبالذات التصالح بين ايران والسعودية وإعادة سوريا الى مقعدها في الجامعة العربية، لكن الاول محاولة من السعودية لإبعاد نفسها عن الصراع الايراني الامريكي الغربي. والثاني هو القناعة العربية بأن النظام في سوريا باقي ولا امل في اسقاطه بأدوات الارهاب فعادوا الى محاولة احتواءه كما في السابق، لذا فإن إشكالية العنوان في ظهور كلمة الوهم الذي لا وجود له في الواقع الدولي والاقليمي لأنه يعتمد على ثوابت ومتغيرات وسياسة لها ادوات.
كل الاتفاقيات والمصالحات التي تجري بين دول اقليم معين تعود بالنفع على شعوبها، الا في منطقة الشرق الاوسط فالاتفاق المبرم بين ايران والسعودية مثلا استغلته الاخيرة لزيادة الكبت الداخلي على الحريات وممارسة اقصى العقوبات ووظفته للتغلغل اقتصاديا في العراق وسياسيا في سوريا واليمن. لذا فان أية آمال لا تعقد على مثل هكذا مصالحات لأنها مسيرة لا مخيرة بالنسبة للسعودية، وتبحث من خلالها عن مصالح لا تعود بالنفع على الشعوب، فالشعوب هي من تدفع الثمن دائما.
ان علم المستقبليات قائم على أسس لا توقعات، ومع غياب تلك الأسس بالنسبة للسياسة الإقليمية في المنطقة فانه يعتمد على قياس درجة قوة وتأثير الدول الكبرى على الحكومات الإقليمية في تحديد الاثر الحاضر والسلوك المستقبلي.
ولما كانت الولايات المتحدة اللاعب الاساسي في المنطقة فان أية مصالحة حالية لن تخرج الى الوجود الا بعلمها، ولما كانت هي على قمة الصراع مع روسيا في أوكرانيا حاليا ومع ايران بالملف النووي، فإن التوقع الاكبر هو قيامها بأقرب فرصة بتوجيه ضربة صاروخية استباقية للمنشآت النووية الرئيسية في ايران، ومن اجل ابعاد حلفاءها ومصالحها في المنطقة عن الانتقام الايراني رتبت الوضع بالشكل التالي:
اوصلت حلفاء ايران الى سدة الحكم في العراق، واوعزت الى السعودية بالتصالح مع ايران حتى يبقى العراق وكل الخليج في منأى من الانتقام الايراني وبالتالي حماية حلفاءها واستمرار وديمومة تدفق النفط من المنطقة الذي تعتبرها الأدبيات السياسية الأمريكية جزءا من أمنها القومي”.
الباحث حسن كاظم السباعي:
“هنالك جانبان مهمان يتعلقان بمصالحات الشرق الأوسط الأخيرة أحدهما جانب سياسي والآخر جانب تاريخي، سياسيا: يتغير أمر السلم والتحالفات وكذلك الصراعات والعداوات حسب تغير المعادلات الدولية أو المصالح الاقتصادية وغيرها بين الدول، وما حصل مؤخرا لا يختلف عما جرى في السابق، وسيترك تأثيره العام على أبناء المنطقة كما ترك من قبل تأثيراته الإيجابية أو السلبية خلال تقلبات الأحداث الماضية من صراعات وتحالفات.
بالطبع فإن الجانب السياسي مصبوغ بصبغة المصلحة ولهذا فلا قيمة لنسيان صراعات الماضي أو حتى تذكرها، ذلك لأنه لا صداقة ولا عداوة في السياسة وإنما المصلحة البحتة والعوامل المشتركة بين الطرفين هي الحاكمة على أحداث الساعة، أما ما يرتبط بالجانب التاريخي: وهو الجانب الأصيل والمترسخ في ذاكرة الشعوب وعقليتها، وبناء على هذا فإنه يرسم العلاقة بين الشعوب دون تأثر بمتقلبات السياسة والمصالح الآنية ولا يمكن لأي حدث مهما كان كبيرا أن يؤثر عليه، فعلاقة شعبين أو شعوب لا تتأثر بالسلم والحرب بين الحكومات أو حتى بانهيار نظام حكم ومجيء نظام حكم آخر. ومن الخطأ تصور أن معادلات المنطقة قد تغيرت بعد عام ١٩٧٩ في إيران أو عام ٢٠٠٣ في العراق وما شابههما من أحداث.
وعليه فالتنافس السعودي الإيراني كان موجودا منذ قدم تاريخ وجود الدولتين، وللتقارب السوري الإيراني تاريخ يعود إلى حوالي قرن من الزمن، وكذلك الأمر بالنسبة إلى اليمن وعلاقتها مع السعودية أو إيران حيث إن لها جذور مذهبية وثقافية تربطهما رغم التقلبات السياسية.
كذلك الحال مع العلاقات السورية السعودية؛ فالموقع الاقليمي الاستراتيجي والثقافي يفرض نفسه على المنطقة ويدعو الحكومة السورية فيها لانتهاج سياسة الجزرة والعصا، وهذا الذي أجبر السعودية وسائر دول الخليج على إعادة هيبة حافظ الأسد إلى نجله بعد أن أسقطوه من الاعتبار تماما لدرجة لم يتوقع أحد أن تعود العلاقات إلى سابق عهدها.
وفيما يرتبط بالتوقعات المستقبلية؛ فإنَّ ظهور فئات أو عقليات أو أفكار معتدلة أو متطرفة في الحكومات هو الذي سيرسم العلاقات، ليس في داخل حكومات المنطقة فحسب بل وحتى في الساحة الدولية كما رأينا تأثير صعود اليمين المتطرف في الغرب على أحداث العالم.
هذا بالإضافة إلى أن الأحداث المتسارعة في المنطقة والانتقال التدريجي للصين نحو سيادة العالم فرضت على الدول أن تخلف ركام الماضي بتطرفه وحروبه وحصاره لتواكب التيار الحاكم الجديد على العالم بلباسه الاقتصادي الجديد وسياساته المختلفة”.
الدكتور محمد مسلم الحسيني، باحث علمي واستاذ جامعي في بروكسل:
“المصالحات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط هي ليست تصرف سياسي تكتيكي مناور ولا أسلوب ذر الرماد في العيون، إنما هي حاجة ماسة وضرورة ملحة املتها ظروف استثنائية محلية وإقليمية وعالمية. هي ردة فعل صالحة لفعل طالح ولحالة تشرذم وتآكل ذاتي أصاب المنطقة وأدى إلى تداعيات أمنية خطيرة والى وضع سياسي عسكري اقتصادي اجتماعي غير مستقر. اتسمت منطقة الشرق الأوسط بعدم الاستقرار منذ نشوء الكيان الإسرائيلي في قلب الأمة العربية والإسلامية حيث تتفاقم الحالة طورا بعد طور. أحداث تمر وكوارث تنطلق وجذورها دائما تنبعث من فلسطين فتجلب الأسى والدمار والتقهقر. حصلت حرب الخليج الأولى ثم الثانية وتبعتها الحرب في أفغانستان، وهكذا برز المشروع الأمريكي الذي رفع يافطة الديمقراطية وحرية الشعوب والموسوم بـ(مشروع الشرق الأوسط الكبير) الذي تمخض عنه الربيع العربي وتغير الوضع الجيوسياسي في المنطقة. تحولت الديمقراطية المستوردة إلى حروب أهلية وتفاقمت النعرات الطائفية والقبلية وأسس الإرهاب دولته المارقة وانقسمت الولاءات وتعددت الأقطاب وتفتت الأواصر وتبعثرت الأمة. هذا الوضع المصطنع خلف آثارا مضنية وأثقل كاهل البلدان المعنية بهذه النزاعات واستنزفت الطاقات المالية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية مما خلق حالة تذمر عند شعوب المنطقة من جهة وحفز القادة بإعادة النظر في حساباتهم وتوجهاتهم المستقبلية من جهة أخرى.
انتباه القادة إلى أن النزاعات المستمرة لا منتصر فيها والعنف المقابل مردوده الضعف والاستنزاف والانحطاط، كان المحفز الأول لإجراء تحول جذري في طريقة التعامل مع الموقف المتأزم وإيجاد حلول وسطية بناءة ومد يد المصالحة بين الفرقاء.
لعبت أمور أخرى أدوارها في هذا التوجه نحو المصالحة والتوافق بين دول المنطقة وانتهاج أسلوب الحوار البناء والتسامح والتفاهم من أجل المصالح المشتركة ومن بينها ما يلي:
اولا/ توافق الرؤى بضرورة تحفيز اقتصاديات دول المنطقة من خلال خلق حالة الاستقرار السياسي والسلام والتعاون في المجال الاقتصادي والامني والاجتماعي. كما توافقت الرؤى في ضرورة مد الجسور مع كافة دول العالم دون التقوقع تحت مظلة القطب الواحد وابداء الولاء له دون غيره، حيث قد استغل هذا القطب الأوحد ويستغل هذا الإنتماء المطلق له في تمرير أهدافه وستراتيجياته التي قد لا تتوافق مع طبيعة وارادات وطموحات شعوب دول المنطقة. فوق هذا وذاك فإن متغيرات المنطقة بما يخص ملفات الطاقة وملفات تبعات التغير المناخي والحوكمة الأمنية الجماعية وغيرها، هي متغيرات مشتركة تستلزم التعاون والتفاهم وفتح قنوات الاتصال.
ثانياً/ صعود الصين كقوة اقتصادية منافسة وانتهاجها مبدأ التصالح والارضاء بين الاطراف، وسياسة لم الشمل بدلا عن التحريض على النزاعات والتشجيع على الحروب وعلى التدخل السافر في الشؤون الداخلية للدول، جعلها موقع لقاء آمن ومشترك وعام لدول المنطقة للتعامل السياسي والاقتصادي والاجتماعي. هذا التوجه قابله تأثير بناء من الصين في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء من أجل تأسيس نادي متوافق يسمح بمد جسور التعاون والارتقاء.
ثالثا/ إجراءات الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وسياساتها المبنية على مبدأ “إن لم تكن معي فأنت ضدي”! وإن صرت ضدي فسأعاقبك بحصار اقتصادي خانق واحفز الآخرين على مقاطعتك وسأجمد أموالك المنقولة وغير المنقولة واحرمك منها! وغيرها من إجراءات تخترق منطق حقوق الأفراد والشعوب والدول. كل هذه الأمور التي أفرزتها الأحداث الجارية جعلت حكومات المنطقة بل حكومات العالم غير المحصنة وشعوبها تفقد الثقة في أمان أصولها وموجوداتها المالية المكدسة في الغرب وتبحث عن مستقرات آمنة أخرى في أماكن أخرى. البحث عن عالم متعدد الأقطاب يضمن سلامة الموجودات المادية ويفتح أبواب الاقتصاد أن اغلقها طرف متمكن، صار هدفا مشتركا لدول المنطقة كي لا يكونوا ضحية غضب القطب الواحد.
رابعا/ التنافر السياسي الأمريكي الداخلي بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري قد انعكس على التوجه وعلى النظرة إزاء الحلفاء والأصدقاء. فزعماء الدول الذين اتسموا بعلاقات وطيدة مع الرئيس السابق دونالد ترامب قد تباعد عنهم الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن. هذا التغير في المزاج الدبلوماسي والعلاقات اتخذ طابعا شخصيا مما جعل الأطراف الخارجية المتأثرة سلبا بهذا النهج تبحث عن مواقع أكثر ثباتا واكثر ديمومة في علاقاتها التي لا تتبدل ولا تتغير باختلاف الحكومات والرؤساء.
كل هذه العوامل والأسباب وغيرها قد اضعفت الثقة المطلقة لبعض دول الشرق أوسطية الصديقة والحليفة لأمريكا وجعلتها تنفتح في علاقاتها مع دول أخرى والصين على رأسها من جهة والى تخفيف بل وإيقاف صراعاتها الذاتية مع دول الجوار التي لها معها مصالح وروابط مشتركة من جهة اخرى. هذا ما يجعل المراقب للوضع غير مشككا في النيات بل مؤمنا بصدق التوجه لأنه السبيل الأسمى والأمثل لحل المشكلات والتحديات العالقة. مشروع التصالح هذا سوف لن يسير بطريق تحفه الورود والرياحين من كل الأطراف، بل سوف يواجه اقسى التحديات والمقالب والمؤامرات والفتن ممن لا يروق لهم هذا التصافي وهذا الوئام. لكن لابد من تكاتف الجهود وتظافر الهمم من أجل المضي قدما في هذا السبيل الواعد والأمين، لأنه مشروع تحدي كبير واستثنائي ولكن لا مناص منه ولا مناص من تحمل تبعاته وتدبير حيثياته ومعالجة هفواته والتصدي لمقالب المنقلبين وعبث العابثين”.
الشيخ مرتضى معاش، باحث في الفكر الإسلامي المعاصر:
“البعض كان يعتقد انه نتيجة الاختلالات الموجودة في النظام العالمي والتصدعات بين الشرق والغرب والصراعات بين أمريكا واوروبا بشكل خاص مع روسيا والصين، أدت الى ان الظروف تكون مهيأة لظهور قوة عالمية جديدة منبثقة من الشرق الأوسط أي محور عالمي جديد وان كان بنسبة اقل، ولكن هل ظهور هذا المحور حقيقي ام وهم؟ وهل هذه المصالحات التي تفور بقوة بالمنطقة هي مصالحات استراتيجية تعبر عن تفكير استراتيجي لقيادات المنطقة ام هي حاجة مؤقتة؟ فليس من المعقول عداءات طويلة المدى وتاريخية يتم حلها خلال اشهر ببساطة، لكنها قد تكون أيضا ليست بعيدة عن الواقع، لانه ربما كانت العوائق مفتعلة امام هذه المصالحات او التركيز على بقاء العداءات، لكن مع ارتفاع هذه العوائق أصبحت المصالحات مهيأة.
البعض يقول هي حاجة مؤقتة فرضتها الظروف والبعض يرى انه تطور بالتفكير الاستراتيجي لدول المنطقة وخصوصا بالنسبة للسعودية والتي بادرت في عملية تصفير المشاكل والأزمات من خلال المصالحة القطرية والتركية ومن ثم المصالحة الإيرانية وحل الازمة السورية ورجوع سوريا الى جامعة الدول العربية، فمن الظروف التي أدت الى نشوء المصالحات هي تأثير العقوبات الامريكية على ايران مما أدى الى اضعاف قوة ايران الإقليمية في المنطقة وبالنتيجة أدت الى تحويل مشاكل ايران الخارجية الى مشاكل داخلية صعبة فأصبحت المصالحات حاجة إيرانية ملحة لحماية وجودها الداخلي.
حرب اليمن هي حرب استنزاف بالنسبة للسعودية ومعوق كبير امام رؤية 2030 فأهم شيء لمحمد بن سلمان الان هو تحقيق هذه الرؤية وان تصعد السعودية الى عنان السماء بقيادة عالمية بفضل هذا التقدم الاقتصادي والعمراني الذي يقوده، لذلك فإن حرب اليمن عامل استنزاف بالنسبة له فكان يبحث عن عامل مصالحة حتى يقضي على هذا العامل.
كذلك مخاطر الحرب الأوكرانية على الشرق الأوسط وحدة الاستقطاب الروسي الغربي فرضت على جميع الدول ان تذهب نحو الحياد، وبالنتيجة استتبع هذا الحياد هذه المصالحات حماية لمصالحها السياسية والاقتصادية والامنية، خاصة ان الشرق الأوسط اغلبه هو أعضاء في دول أوبك -دول الخليج والعراق وايران والجزائر وليبيا- فبالنتيجة أسعار النفط مهمة جدا في الحفاظ على اقتصاد قوي، خصوصا ان التجربة السابقة اثبتت ان انخفاض أسعار النفط يؤدي الى تهديد الامن والاستقرار الداخلي وهي كلها دول ريعية فالانخفاض في الاسعار سوف يؤدي الى عدم قدرة هذه الدول على تلبية حاجات المواطنين فأسعار النفط جعلت الدول تتوحد في مصالحها ومصالحاتها.
بروز الدور السعودي في ظل تراجع الدول الإقليمية الأخرى فايران وتركيا وإسرائيل والسعودية هي دول إقليمية كبرى في المنطقة اما مصر فهي ليست قوة مؤثرة في الساحة كالسابق، اما العقوبات فقد اضعفت الدور الإيراني وبالنسبة الى تركيا فالمشاكل الكبيرة التي حدثت فيها والزلزال المدمر والازمة الاقتصادية في ارتفاع التضخم وانخفاض أسعار الليرة التركية وأيضا الانتخابات التي مرت بها جعلتها ضعيفة جدا، وأيضا مشاكل إسرائيل الداخلية فخلال سنتين حدثت 10 انتخابات، فكل هذا أدى الى انه من الطبيعي ان ترتفع قوة أخرى وهي السعودية وخصوصا هي دولة منتعشة بأسعار النفط وكدولة إقليمية حصلت على دور القيادة عالميا من خلال منصة أوبك بلاس.
بالنسبة الى الحاجة الروسية للمصالحة لأنها تؤدي الى حماية تحالف أوبك بلس الذي يعد هاما بالنسبة لهم ولو كان في هذه الفترة متضعضع بسبب بيع النفط الروسي الرخيص الذي يهدد تحالف أوبك بلس، فالمصالحة هو الحل الوحيد لاستقرار الشرق الأوسط واستقرار الامن النفطي الروسي بالإضافة الى حياد الشرق الأوسط عن الانضمام للغرب، وكذلك حماية الوجود الروسي في سوريا الذي اصبح ضعيفا بسبب الحرب الاوكرانية.
اما بالنسبة للصين فالمصالحة تعني الاستمرار في مشروع طريق الحرير الصيني والذي يعتبر الشرق الأوسط جوهرة هذا الطريق، وكذلك حماية الامن النفطي بالنسبة للصين التي تعتبر اهم مورد للنفط لها، وكذلك حصول الصين على دور كبير في المصالحة والتي كانت تبحث عنها منذ مدة طويلة حيث يوفر لها نفوذ جيوسياسي.
الحاجة الغربية الى المصالحة التي عزلت الشرق الأوسط عن النزاع الاوكراني ورفعت أعباء مسؤولية كبيرة عن أمريكا في عملية حل الازمات والمشاكل. فأمريكا لايمكنها ان تتورط بحل أزمات الشرق الأوسط بسبب ممانعة إسرائيل وتأثير اللوبي اليهودي في الداخل الامريكي، لذك هناك وكلاء هم الذين يحققون المصالح الامريكية في الشرق الأوسط، هذه المصالحات خففت عن أمريكا واوربا متاعب كبيرة يسببها التوتر الإيراني مع الغرب، وكذلك حماية تدفق النفط وكبح جماح ارتفاع أسعار النفط الذي يؤدي الى ارتفاع مستويات التضخم في دول الغرب. وكذلك يخدمها ملف المصالحة في حل تعقيدات الملف النووي الإيراني مستقبلا.
واذا كانت المصالح تؤدي الى بناء محور عالمي فما هي المعوقات؟.
أولا: التناقضات الدولية الشديدة جدا ومما يؤدي في أي وقت الى انهيار المصالحات الهشة.
ثانيا: متغيرات الطاقة وأسعار النفط فالمصلحة الاقتصادية والطاقة هي من تحمي هذه المصالحات واي متغير سيؤدي الى انهيارها وحدوث ازمة جديدة.
ثالثا: الملف النووي الإيراني لانه ملف معقد جدا والحل الموجود هو ترك الملف هكذا وهذه قضية صعبة في المستقبل.
رابعا: هل السعودية لديها القابلية على قيادة المحور وهل لديها الخبرة؟ وهل تقبل الدول الأخرى ان يكون للسعودية قدرة او يكون لها القيادة؟ فبالنتيجة هذه الدول جميعها لديها تاريخ امبراطوري واستعماري وسياسي ومن المحتمل ان لا تقبل بهذا الامر.
خامسا: الطموح الإسرائيلي في التطبيع فالسعودية مهما كانت لديها هذه القدرة لكن هل ستكون في الجانب الإسرائيلي ام الفلسطيني؟ اذا كانت في الجانب الإسرائيلي فإنها ستفقد جزء كبيرا من القيادة لهذه المنطقة اما اذا كانت في الجانب الفلسطيني فإنها ستصبح قيادة مقاومة وممانعة او تبقى ليس لديها موقف لا مقاومة ولا مطبعة، لكن ربما مستقبلا قد تتغير الظروف في القضية الفلسطينية تؤدي الى اشتعال الوضع في الشرق الأوسط.
في الختام قد تكون المصالحة في خدمة الشعوب لكنها ان أدت الى عملية تنمية الشعوب والتطور والحرية وحقوق الانسان، اما اذا أدت الى تحالف القوى السلطوية والدكتاتورية فهذا خطر على الشعوب.
المحامي صلاح الجشعمي:
الصراعات الموجودة في الشرق الأوسط تكون أسسها اما دينية او مذهبية او فكرية إسلامية خاصة من بعد الربيع العربي الذي جرى وطغيان هذه المصطلحات الثلاث على مصطلحات كانت اهم واولى وهي المصالح الاقتصادية وسوق العمل وسوق الطاقة وهي مصطلحات تتعلق بمصالح الشعوب، هناك مصالح قوى دولية وعلى رأسها روسيا وخاصة الصين لأنها صاحبة مشروع طريق الحرير فتريد الحفاظ هي وروسيا على هدوء نسبي او مستقر في منطقة الشرق الأوسط لأنها مصدر الطاقة الأول بالعالم ولها تأثير جدا قوي على أسعار النفط العالمية وتعتبر من اهم الأسواق في استهلاك السلع والخدمات، ان هذه المصالحات لا تعتبر ان هناك توافق وتماثل في أنظمة وحكومات هذه الدول لان هذه الدول انساقت هي وانظمتها الى هذه المصالحات بسبب ضغوط قوى خارجية او لتهدئة الوضع داخل هذه الدول وعدم حدوث توتر فيها وضمان عدم تدخل بعضها في شؤون بعض وامتداد نفوذ دول على حساب دول أخرى.
هذه المصالحات مرت بكثير من الأدوار فقد فشلت مصالحة مصر في بداية الثمانينيات مع الدول العربية مع ان المفروض في ذلك الوقت العلاقات اقل تشابك، وانهيار مصالحة الطائف في سنة 1990 و1991 واثرها في الشرق الأوسط لذلك نرى الان ان عملية المصالحة هي عملية شكلية تنتهي بتغير ظروف الدول العظمى والى الان هذه السلطات وهذه الدول لم تلتفت الى اهم ركيزة في استقرار المنطقة وهو الاقتصاد وتحسين سوق العمل وتحسين سوق السلع والخدمات فتبقى مسالة المصالحة وقتية ومحدودة.
الحقوقي احمد جويد، مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:
الصراع قديم في المنطقة ومتعدد الاوجه فهو صراع عقائدي وسياسي واقتصادي ومصالح متشابكة جدا لكن مفردة المصالحة التي انطلقت الان فرضتها حاجة داخلية لدول الشرق الأوسط وتكتيك شرقي-غربي لصراعات عالمية معينة، روسيا حاولت افشال المخططات الإيرانية في إعادة فتح الملف النووي وحاولت افشال المفاوضات الإيرانية- الامريكية والغرض من هذا هو رفع العقوبات عن ايران وبالتالي ستغطي ايران سوق النفط والعجز الحاصل من روسيا فأي زعزعة في مناطق الطاقة والنفط يصب بصالحها، فعندما استخدمت روسيا الغاز والنفط كسلاح في معركتها بأوكرانيا اعتمدت على مصادر خارجية منها منطقة الخليج فأذن لا اعتقد ان روسيا تدفع الى المصالحة، الصين لها مصالحها الاقتصادية وتحاول ان تدفع للمصالحة لمشروعها مشروع الحزام والطريق، الولايات المتحدة الامريكية تحاول ان يستقر سوق الطاقة في المنطقة اما دول المنطقة انهكت كثيرا من الحصار الاقتصادي ايران وغيرها، والسعودية استنزفت كثيرا من قضية اليمن، وإسرائيل لها المصلحة الكبرى في اثارة هكذا مشاكل وصراعات، المشروع السعودي والمشاريع الإيرانية فالدول جربت كل مشاريعها فقد زرعت جماعات مسلحة وتنشئتها فالسعودية لها جماعاتها المسلحة ومدارسهم العقائدية وجربت منذ غزو الاتحاد السوفيتي السابق الى أفغانستان مرورا بالكثير من القضايا انتهاء بقضية دخولهم بصورة مباشرة في الحروب بشكل مباشر بما يسمى بعاصفة الحزم وبالتالي كل مشاريعهم قد فشلت، اما الإيرانيين اغلب مشاريعهم الخارجية فشلت وخسروا الجانب الشعبي في داخل العراق وكثير من الدول التي فيها نفوذ إيراني بدأت بالتذمر، الضغط الأمريكي على ايران قوي جدا وبالتالي كان لابد من المصالحة قد تكون القيادة السعودية استوعبت الدرس سريعا وتراجعت لكن القيادة الإيرانية لا زالت على النمط التقليدي بين اصلاحيين ومتشددين بين نمط يريد فرض الهيمنة والتدخل في شؤون الاخر لكن الضغط الداخلي الاقتصادي والشعبي على النظام في داخل ايران هو الذي أدى بها ان تقبل أي مصالحة، وارسلت وسطاء كان من ضمنها رئيس الحكومة العراقية السابقة فقد كان عراب لهكذا مواضيع، أيضا الدور العماني الإيجابي مع دول المنطقة في قضية المصالحة خاصة في قضية اليمن بالتالي الشعوب مجرد ان ينطلق مرسوم من قيادة تلك الدولة تقول لهم فيه (هم إخواننا واشقائنا في الطرف الاخر) ستتغير موجتهم وحتى علمائهم الدينيين في داخل هذه الدول كالفتاوى في داخل السعودية التي تحولت من امر بالمعروف الى قضية الترفيه فقد اختلفت فتاويهم بشكل كامل، بالتالي الشعوب لا حول ولا قوة لها وتبقى بالأساس مصالح الأنظمة اكثر من مصالح الشعوب فمرة تتصالح مع العدو الخارجي ومرة تخلق لها عدو خارجي ولا اعتقد انه اذا تحسنت ظروف هذه الدول قليلا او رفع عنها الضغط قليلا ترجع الى ما كانت عليه.
الباحث عدنان الصالحي، مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:
مصالحات الشرق الأوسط أصبحت مثل منتخبات كاس العالم من تقدم بالدورة السابقة يتأخر بالدورة الحالية، لم تكن هذه المصالحات صحوة سياسية ولا هي مصالحات صحوة ضمير ولا إعادة النظر في كيفية تقديم خدمة للشعوب واستحقاقاتها والدليل على ذلك انه لم نرى الشعوب غيرت سياسات الحكومات اتجاهها وإعادة النظر في قضايا حقوق الانسان وخاصة في الفئات التي كانت تتهم بالعمالة للطرف الاخر بل بالعكس اشتدت هذه الحكومات على شعوبها، وبالنتيجة يظهر لنا هذه المصالحات والتي هي نتيجة لربما طبخة دولية قادمة تحاول فيها كل حكومة ان تنأى نفسها من التغيير او إيجاد محور للاصطفاف معه، واضح جدا ان كل الاتفاقات هي كانت اتفاقات سياسية وليست اتفاقات حقيقية بغض النظر عن عنوانها اقتصادي كان ام تنمية او تعاون مشترك لكن في الأصل ان الفكرة هي فكرة سياسية وبالنتيجة نحن لم نلاحظ تطور وتقدم بل لاحظنا هدوء بالتزاحم والتراشق بالكلام الذي كان سابقا بانتظار ما يحدث، الاغلب يتحدث عن تغيير في الشرق الأوسط ولكن لا احد يعرف هل هو تغيير داخلي ام تغيير خارجي؟ وهل ان الحكومات موحدة في قراراتها؟ مثلا السعودية موحدة في قرارها بالمصالحة مع ايران وهل ان محمد بن سلمان لديه الرؤية الكلية ام لا؟ وهل هذه الرؤية الموحدة لإيران ام رؤية اطراف من الحكومة وهل هناك اطراف لديها وجهة نظر أخرى وتكون لديها أدوات دولية وسياسية؟ بالنتيجة الفاعل العالمي له دور في هذا الجانب الدولي، انشغال روسيا في حرب الاستنزاف سيشغل روسيا كثيرا عن حلفائها وخاصة سوريا وايران وحتى الصين فممكن ان تكون بداية لتشظي روسيا لأننا لاحظنا دخول السوفيت في الحرب الباردة مع الامريكان كانت نتيجتها تشظي الاتحاد السوفيتي وأصبحت دول متناثرة، بالنتيجة روسيا تورطت بحرب صغيرة لكنهم جعلوها بؤرة الازعاج لها وسيديرون المعركة مع روسيا وبذلك وقعت روسيا في المستنقع الأوربي الاوكراني، المنطقة تنتظر الفاعل العالمي او الدولي الذي سيغير المنطقة وبريطانيا سيكون لها بصمة واضحة جدا لكن غير ظاهر للعيان وبالنتيجة ستكون هذه المصالحات واختبارها في اول تجربة تحصل للمنطقة بعد التغيرات التي ستحصل والتي الكل سيشعر بوجودها لكن لا دليل عليه، كل المصالحات التي جرت هي حالة من العملية السياسية في الاخذ والعطاء ولا دخل للشعوب بالموضوع ولا فائدة من المصالحات سوى الهدوء من التراشق الإعلامي بين هذه الدول ولكن ستكون هذه المصالحات في اختبارها الأول بمجرد تغيير في اول دولة ستحدث لها التغييرات والتي قد تبدا في افريقيا، السودان، تونس او قد يكون العراق”.
الدكتور اسعد كاظم شبيب، باحث واكاديمي:
“ان المصالح في العلاقات الدولية هي الثابت الوحيد وما عداه متغير، لذا فإن أي تحقيق إيجابي في منطقة الشرق الأوسط تتوقف على عناصر المصالح والتوازن، ورغم الحديث الإيجابي في الأشهر الماضية حول تسوية بعض الخلافات في منطقة الشرق الأوسط الا ان السيناريوهات الخطيرة لا تزال متوقعة، لذا فمن غير المتوقع ان أي تسوية سياسية في منطقة الشرق الأوسط ستداوي جراحات الشعوب في بلدان هذه المنطقة.
من جانب ثاني ان التوقعات المستقبلية بتشكيل محور إقليمي شرق اوسطي جديد لم يتبلور حتى الان فالشرق الأوسط شهد في فترات تاريخية تشكيل عدة تحالفات ناجمة عن ظروف انانية مثل الحروب والصراعات وما الى ذلك من مواجهة أعداء محتملين، لذا لا اتصور ان تحالف جديدا سينبثق يغير من شكل منطقة الشرق الأوسط في حين ستظل التحالفات التقليدية حاضرة مع تحولات جديدة في العلاقات خصوصا ما بين حلفاء الولايات المتحدة وخصومها”.
الدكتور قحطان حسين طاهر، باحث واكاديمي:
“هناك مؤشرات واضحة على ان الزعامات السياسية لدول منطقة الشرق الأوسط قد ادركت ان زمن الحروب يجب ان يترك لان طوال السنين الماضية حالة الصراع والتنافس القائمة على التشدد في المواقف بين هذه الدول قد افضت الى نتائج ضارة بالمنطقة وبالحكومات وشعوبها وبالتالي لابد ان تطوى صفحة الصراع والتنافس وتفتح صفحة جديدة هي صفحة التفاهمات والمصالحات، ولعل هذه التفاهمات والمصالحات تخلق حالة جديدة ومرحلة جديدة قد تؤسس او تتناغم مع التغييرات الحاصلة على مستوى النظام العالمي وعلى مستوى ميزان القوى العالمي خصوصاً في الجانب الاقتصادي، وان المؤشرات تثبت ان التنافس القادم والحروب القادمة هي حروب اقتصادية وليست عسكرية وبالتالي وضعت هذه الدول في مخيلتها وضمن رؤاها المستقبلية لابد من انهاء كافة الخلافات والصراعات والحروب وتوفير بيئة مناسبة لتنفيذ ما أسست له هذه الدول ووضعت له برامج ومشاريع اقتصادية كبيرة تؤخذ بالحسبان ان هناك تراجع للدور الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط وتزايد للدور الصيني في هذه المنطقة، وبالتالي يجب ان تسعى هذه الدول الى اتباع سياسة جديدة تتلاءم مع هذا التطور، والنقطة الأخرى المهمة والمؤثرة على زعامات هذه الدول ودفعتها لنبذ الخلافات هي الحرب في أوكرانيا والتي من خلالها ادركت دول الشرق الأوسط خصوصاً التي ترتبط بعلاقات تحالف استراتيجي مع الولايات المتحدة، ان الاخيرة حليف لا يمكن الوثوق فيه عندما تدخل هذه الدول مع دول جارة وبالتالي يجب ان تغير من نمط تعاملها مع هذه الدول والسعودية مثلاً في صراعها مع ايران طول هذه الفترة والى تعزيز موقفها ضد ايران من خلال الاستعانة بالولايات المتحدة، لكن الحرب الأوكرانية اثبتت ان الولايات المتحدة غير جادة وغير مستعدة بالتضحية في مصالحها وامنها من اجل حلفائها فيبدو ان هذه النقطة بالذات قد اثرت على قناعات الحكومة السعودية ودفعتها للمحاولة في فتح صفحة جديدة وتهدئة التوتر بينها وبين ايران، كذلك موضوع الربيع العربي وما خلفه من اثار وكذلك الحروب الاهلية التي نشأت في المنطقة والتدخل الدولي في هذه الحروب في الحقيقة قد أدى الى الاضرار بمصالح كل دول المنطقة بدون استثناء حتى تلك الدولة التي لم تكن طرفا في هذه الحروب واستطاعت ان تنجو بنفسها من موجة ثورات الربيع العربي رأت انها يجب ان تسعى بإنهاء هذه الحروب مثلا الحرب في سوريا او اليمن او ليبيا ولدت تداعيات وانعكاسات سلبية على امن المنطقة بالكامل وخلقت أجواء تنذر بخطر كبير على اقتصاديات الدول التي هي مستقرة على سبيل المثال قطر والامارات كلها أصبحت ضمن مرمى الحروب القريبة منها، بالتالي ادركت انها يجب ان تسعى بحل هذه الحروب وتسويتها وانهائها لتضمن الاستقرار الضروري للتطور الاقتصادي في هذه الدول، اما بخصوص المصالحات في الشرق الأوسط فإن تحديد طبيعة هذه المصالحات هل هي مصالحات حقيقة والزعماء الذين توصلوا لهذا القرار هل هم جادين في ذلك، ويبدو انهم يريدون من هذه المصالحات عبور المرحلة وتأسيس لمرحلة لاحقة جديدة وهم يدركون هناك تحديات كبيرة جداً تحول دون تحقيق استقرار ومصالحة حقيقة ودائمة ومستقرة وإيجابية وبالتالي تبقى هذه المصالحات هي متزعزعة وغير مستقرة وممكن ان تجابه في أي لحظة بطوفان قد يهدها وينهيها ونعود لفترة الصراعات”.
وفي ختام الملتقى تقدم مدير الجلسة الاستاذ حيدر الاجودي بالشكر الجزيل والامتنان إلى جميع من شارك برأيه حول الموضوع سواء بالحضور او من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، كما توجه بالشكر الى الدعم الفني واللوجستي الخاص بالملتقى الفكري الاسبوعي.
* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية / 2001 – 2023 Ⓒ//mcsr.net
#مركز #المستقبل #ناقش #المصالحات #في #الشرق #الاوسط #بين #الحقيقة #والوهم
تابعوا Tunisactus على Google News