- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

مطالب بكسر اقتصاد الرخص الريعي في تونس | سناء عدوني

تونس – تجمع تقارير وبيانات أن الثورة التونسية لم تحقق أي ثورة على المستوى الاقتصادي، بل زادت من انغلاق الاقتصاد والاستثمار في دائرة عائلات نافذة تحتكر تراخيص استغلال المشاريع وتتحكم عبر أموالها في السياسة والاقتصاد والأعمال لتمنع أي منافسة، مستفيدة من هيمنتها على المصارف التي تملك حصصا فيها ونظاما إداريا مكبلا للمشاريع في وقت تتزايد فيه مطالب الشباب بكسر نفوذ العائلات وتحرير الاقتصاد والمبادرة الخاصة.
يختلف مفهوم الاقتصاد الريعي في تونس عن نظيره في دول مجاورة كالجزائر وليبيا، التي تتميز باقتصادات ريعية تكرس الاعتماد المفرط على ريع النفط والغاز كمصدر وحيد للإيرادات.
وهذا المفهوم في تونس تعرفه أوساط الاقتصاد بأنه “تقنين احتكار الإنتاج والاقتصاد بيد عائلات نافذة عبر نظام الرخص، وهو نظام سائد منذ عقود لاسيما خلال فترة حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي واستحواذ أصهاره على مختلف المشاريع المربحة وتحكمهم في الاقتصاد”.
ورغم حدوث ثورة يناير 2011 لم يتحرر الاقتصاد من قبضة العائلات، بل على العكس ازدادت وتيرة الاحتكار واستفاد محتكرو الاقتصاد من التجاذبات السياسية، ليدخل المال في السياسة عبر تمويل الأحزاب للتأثير على تشريع القوانين لخدمة مصالحهم ليكون بالتالي اقتصادا “ريعيا مقننا”.
ويجمع خبراء أن شيوع الفساد بعد الثورة غذى الاقتصاد الريعي وانعش نظام الرخص، فضلا عن تطويع النظام المصرفي الذي تسيطر عليه بعض هذه العائلات، كي لا يستفيد سوى قلة قليلة من الأشخاص من التمويلات فيما تقبر حقوق الآخرين في الاستثمار.
ويكمن الريع أو المورد الذي يخلق فرصا تجارية في تونس، والذي تم الاستيلاء عليه من قبل عائلات نافذة، في نظام الرخص الذي يقيد النشاط الاقتصادي. وبشكل أدق، العلاقات مع السلطة السياسية التي تنشئها والإدارة التي تطبقها.

مهدي جماعة: العائلات المتنفذة تتدخل في السياسة لضمان هيمنتها على الاقتصاد

وفي هذا السياق تطالب منظمة “ألارت” بكسر الاقتصاد الريعي وتحرير الاقتصاد، وقال العضو والناشط في المنظمة مهدي جماعة في مقابلة خاصة مع “الـعرب” إن “الاقتصاد الريعي يرتكز أساسا على مجموعة من العقبات والعراقيل وامتيازات غير مستحقة، تُمنح عن طريق المحاباة والمحسوبية بحيث يكون الاقتصاد الريعي على عكس الاقتصاد الموازي قانونيا يخضع ويحترم القوانين لأنه ينشط في إطار رسمي باستحواذه على الرخص”.
وذلك ما يفسر قوة الاقتصاد الريعي، فالمعلوم أنه تجاوز ونوع من الفساد، لكنه مقنن في خضوعه لمناشير ومراسيم الدولة وقواعدها مما يعسر التخلص منه، حيث يجمع خبراء ومراقبون على أنه منظومة جائرة محمية من الدولة.
وأضاف مهدي جماعة أن “المجالات التي تحتكرها أسر معينة في تونس تشمل إنتاج الشوكولاتة والأعلاف والمطاحن وتصدير زيت الزيتون والتمور وغيرها”. مشيرا إلى أن “اقتصاد الريع صار سرطانا ينخر تقريبا كل قطاعات الاقتصاد، وانعاكاسته وخيمة لا على الاقتصاد فقط وإنما على المجتمع والسياسة، نظرا لتسببه في انعدام المنافسة وبالتالي في ارتفاع أسعار المنتجات وانخفاض جودتها وهو ما يؤثر على القدرة الشرائية للمواطن”.
ولفت عضو منظمة “ألارت” إلى أن “الاقتصاد الريعي يغذي الفوارق الاجتماعية والجهوية ويفرز إحساسا بالغبن والقهر لدى أغلب التونسيين، وخاصة لدى الشباب الذي يرى خيرات بلاده حكرا على فئة معينة”.
وأوضح مهدي جماعة أن “هذه الشبكات المتنفذة تدخل في الحياة السياسية لحماية مصالحها ولضمان استمرارية هيمنتها على الاقتصاد، مستغلة وسائل الإعلام وبالتمويل المباشر للأحزاب مقابل خدمتهم عند وصولهم إلى السلطة”.
واعتبر عضو المنظمة أن “الدولة التونسية اليوم تمثل واحدا من أهم عناصر منظومة الريع”، وتحتكر الدولة التونسية العديد من الأنشطة الاقتصادية كإنتاج وتوزيع السجائر وأسواق الجملة وأنشطة الشحن في الموانئ التي تتسم جميعها بسوء إدارة الموارد مما يؤثر على جودة خدماتها.
وشدد المتحدث على أن “الدولة تلعب دورا هاما في إنتاج منظومة الريع بفعل تقنينها لرخص استغلال الاستثمارات بيد مجموعة أشخاص، والتي تظهر جليا من خلال خضوع  أغلب القطاعات المربحة إلى كراس شروط مجحفة، مثل قطاع نقل البضائع أين يفرض على المستثمر شراء 18 شاحنة لتكوين شركة نقل بضائع”.
كما تفرض الدولة شروطا على المستثمرين في قطاع تأجير السيارات بشراء 20 سيارة جديدة لمباشرة نشاطه، وهو أمر صعب على مستثمر صغير لاسيما مع صعوبة الحصول على تمويلات نظرا لتعقيد المنظومة المصرفية واستحواذ هذه العائلات نفسها على البنوك لتموّل مشاريعها فقط، بدل القيام بدورها الفعلي في الاقتصاد وتمويل المشاريع والاستثمارات الخاصة.
وحسب مراقبين تبرز قوة العائلات المتنفذة وشبكات الريع في استحواذها على أجزاء هامة، في أغلب البنوك التونسية لذلك ورغم كثرة البنوك في تونس (26 بنكا منها 23 بنكا خاصا) إلا أن خدمتها تعرف بتكاليفها الباهظة وبقلة جودتها.

- الإعلانات -

بنكا خاصا في تونس لا تقدم التمويلات للاستثمارات الخاصة وتمول فقط مشاريع مالكيها

ويرى خبراء أن هذه العائلات اختارت ألا تتنافس في ما بينها لأنه ليس من مصلحتها تفاقم المنافسة، لذلك كونت نوعا من ”الأولغارشية“ لتمويل أنشطتها في كل القطاعات التي تحتكرها عوضا عن تمويل الاقتصاد والاستثمارات الخاصة. كما أن هذه العائلات تمتلك معظم الشركات الكبيرة في البلاد، والتي يتم تمويلها بالطبع كأولوية. جنبا إلى جنب مع الدولة، التي يتعين عليها الاقتراض من البنوك لسد عجز ميزانيتها، وبالتالي يستنزفون الموارد المالية لبقية الاقتصاد.
ويجمع خبراء أن خطورة هذه العائلات تبرز أيضا من خلال تدخلها في السياسة وضخها لأموال طائلة لتمويل الحملات الانتخابية للأحزاب السياسية، وهو ما يظهر من خلال هرولة العديد منها نحو هذه الشبكات لضمان بقائها في السلطة، حيث صارت العلاقة بينهما عضوية فضلا عن التأثير في الإعلام من خلال الإشهار.
وأضاف جماعة “أن كل محاولات إصلاح الاقتصاد باءت بالفشل بسبب رفض صانعي القرار ومن ورائهم الشبكات المتنفذة لأي إصلاح يشمل تحرير الاقتصاد ودفع المبادرة الخاصة وهو ما يفسر بقاء الداء على ماهو عليه”.
وتابع “قبل الثورة كان نظام بن علي يشرف على مراقبة وتوجيه الأنشطة الاقتصادية لفائدة حاشيته وأصهاره، أما اليوم صار العكس تعمل الأطراف ذات الجاه والنفوذ على التأثير في السياسي والتحكم فيه”.
ودعا عضو منظمة “ألارت” إلى “العمل على تفكيك هذه المنظومة وكسر عقبات الاستثمار وتغيير التشريعات البالية وتوحيد الجهود في البرلمان لتكوين قوة وطنية تعمل على تطبيق هذه الأهداف”.
وشدد جماعة على ضرورة مراجعة عقلية الإدارة والقوانين التي تمنع كل نشاط اقتصادي وتقيده بكراس شروط وتحييد المنظمات المهنية، التي تتكون من فاعلين في مجال ما عن إسناد الرخص، لأن ذلك يخلق تضاربا في المصالح ويحكم هؤلاء بالمنع والرفض حسب مصالحهم.
وتبعا لكل هذه الإخلالات يبرز الداء الذي ينخر جسد الاقتصاد في منظومة الريع، حيث أن الاقتصاد التونسي يعيش مفارقة مزدوجة وهي أن الريع هو ما يمنع الاقتصاد من تكوين ثروة كافية.

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد