مقاهي الأدباء: حافظت على ما تبقى من نبض الزمن | القدس العربي
منذ 24 ساعة
في مقدمته لكتاب «مقاهي الأدباء في الوطن العربي» للكاتب رشيد الذوادي يقول روائي نوبل الراحل نجيب محفوظ، إن المجالس والنوادي والحلقات الفكرية ليست دخيلة على تراثنا الحضاري، ذلك أننا لو بحثنا في هذا التراث لوجدنا ما يبهرنا حقًّا، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أننا أمة لها تاريخ وحضارة ومجد وسؤدد. هنا يرى نجيب محفوظ أن النوادي الأدبية والفكرية، مثلت ظاهرة صحية وإرثا حضاريّا نفخر به ونعتز أيضا. كما يضيف محفوظ قائلا، إن المقهى في الذاكرة الشعبية كان يرتاده الحكواتي والأدباء، وفيه حصلت أقاصيص شائقة، واستأثر باهتمام المؤرخين والنقاد والأدباء، ولعب دورا في إنهاض همم الأدباء والنقاد والمبدعين، وأسهم بالتالي في الحوار الموصول بين المبدعين ورجالات الفكر على مرّ الأيام. محفوظ يؤكد أن هذا الكتاب يستحق أن تُسجل له محمدة، حيث كرس العديد من مؤلفاته لدراسة الأدب المصري والتونسي، والذاكرة الشعبية العربية بوجه عام.
ظاهرة المقاهي
أما الكاتب رشيد الذوادي، الذي يبدأ كتابه متسائلا: كيف أبدأ حديثي معكم؟ وبماذا أبدأ؟ وكيف أشبع تعطشكم إلى ظاهرة المقاهي الأدبية، التي أكدت رسوخ قيم الإبداع عند العرب؟ فيقول إن لكتابه هذا قصة وحكايات، وحكاياته تثير التفاؤل والثقة في النفس، وتكشف عن زوايانا المضيئة، وعن نضالات رجال عشقوا الأدب، وأعطوا وأضافوا الإضافات الواسعة، وكانت لهم مواقف واتجاهات فكرية، ويحكي هذا الكتاب عن مجالسهم ويُعرّف بهم، بوصفهم أوفياء للتاريخ، وللقضايا الكبرى وللغة القرآن الكريم وللأجناس الأدبية من شعر، وقصة، ومقال ورواية. في مقاهي الأدباء نجد كذلك، على حد قول الكاتب، انعكاسا لقصص ترابط الأجيال والتعلق بالماضي والحاضر معا، وإدراك ما بين الثقافة السائدة والماضي، وتفاعل الماضي مع الجدل والصراع، وفهم فنون الإبداع عامة، وفهم الأدب بجميع ألوانه. من هذا الكتاب نخرج بزاد معرفي له منظور نرى فيه الواقع الأدبي الراهن، وتفاعل الكتاب مع تلك المنظومات التي ملأت حلقات النقاش في المجالس والمقاهي الأدبية منذ الثلاثينيات.
قصص أهل الفن
الذوادي يؤكد هنا أن المقهى الأدبي في الوطن العربي، ساهم في تحديد مسارات الأدب والفكر، وفي توضيح الأحداث والتحولات التي مرّ بها العرب منذ زمن بعيد. وكان المقهى الأدبي، يقول الكاتب، شاهدا على حركة التاريخ وعلى أسراره، وعلى من يأتي بالجديد والجيد في الفن والإبداع، مثلما ظل شاهدا على التقاط عمق الأحياء والطبقات الشعبية، وعلى استقصاء المخزون من التراث. الكاتب يرى هنا أنه من الطريف أن مقاهي الأدباء في الوطن العربي، وإن اختلفت من بلد إلى آخر من حيث الدور والأهمية، إلا أنها تلتقي في قواسم مشتركة، وما طرح فيها يؤكد أسرار ومعارك أثْرت الأدب والفكر، وأحيت هذا التعانق الحميم بين أجناس الإبداع. لقد احتضن المقهى الأدبي الروائيين والقصاصين والشعراء والصحافيين وأهل الفن عامة، وفيه احتدت نقاشات ساخنة حول إنجازات العصر وقضاياه الفكرية والسياسية، وفي ما يربط بين الشاعرية والخلق والابتكار، وفي ألوان الشعر وقضايا الالتزام والحداثة، وفي مستقبل القصيد النثري والقصيد الطويل وقصيد الومضة، وأخيرا لغة الشعر والحوار في الرواية وما شابه ذلك.
هذا الكتاب ينقلنا عبر مقاهي الأدباء على امتداد الخريطة العربية، لنرى الحكواتي وقصص أهل الفن وحكايات الأدباء الشائقة بين الأمس واليوم.
أيضا هنا يكتب الذوادي عن العرب وصورتهم الخالدة، كونهم أمة ذات مجد تليد، وانفتاحهم على الثقافات نظرا لامتداد حكمهم إلى مساحات واسعة من العالم، كما يرى هنا في كتابه هذا أن الأمة العربية، ساهمت مساهمة فعالة في إذكاء جذوة الحضارة الإنسانية، بما وضعه أبناؤها من دوائر المعارف والمعاجم وكتب السيَر وقواميس البلدان. أما حين يكتب الذوادي عن المنتديات الأدبية والفكرية وأيام زمان، فيذكر أنها شكلت في عمق التاريخ إحدى الظواهر الصحية، ففيها اكتشفت الطاقات، وفيها تلمسنا قضايا الماضي ومشكلاته، وفيها كانت بدايات مراحل تكوين نظرية أدبية عربية تؤكد الحفاظ على الموروث، وتستكمل بها نتاج بنْية تسعى للتطور، وما ينتج عنه من تجديد وتحديث. الكاتب يذهب إلى أبعد من ذلك ويقول، إن هذه المنتديات والصالونات الأدبية بمختلف أنواعها حرصت على التجذر في البيئة العربية، وأسست للحداثة وتحملت عبء مسؤولية توصيل كل شيء، وحققت التوازن بين الاتجاهات والأجيال.
ملامح الدهر
هنا أيضا يذكر الكاتب أن المجالس الأدبية والفكرية، لم تتوقف قط قديما، وقد هيأ لها الخلفاء والوزراء والسراة، كل أسباب النجاح، وفيها كانت تنعقد ندوات علمية يتناظر فيها العلماء والمفكرون بشتى أنواعهم.
كما نقرأ له ما كتبه عن المقاهي في العصر الحديث، عن المقاهي ورائحة الزمن، وعن القهوة والشعر، ذاكرا أن المقاهي في التاريخ هي بعض ملامح الدهر، ففيها نرى سر حركة المعايشات الشعبية، وأصداء المكان وصورته في الذاكرة، مؤكدا أن المقاهي لم تكن في ما مضى فضاءات للتسلية وحسب، بل مثلت المتعة والإفادة، وحافظت على أداء دورها في مجال التواصل وتبادل المعلومات وعلى ما تبقى من نبض الزمن. يذكر هنا أيضا أسماء مقاهي الأدباء في الوطن العربي: في تونس، الجزائر، المغرب، موريتانيا، ليبيا، مصر، السودان، سوريا، لبنان، العراق، الأردن، السعودية، مختتما كتابه، موردا بعضا من حوارات الروائي العالمي نجيب محفوظ عن المقهى، وماذا يمثل له، قائلا إن المقهى هو المكان الذي يجلس فيه وحده ليتأمل من يمرون أمامه في الشارع، كما يلتقي فيها بالمثقفين والكتاب والأدباء.
كاتب مصري
#مقاهي #الأدباء #حافظت #على #ما #تبقى #من #نبض #الزمن #القدس #العربي
تابعوا Tunisactus على Google News