ملفات شائكة على مائدة محافظ “المركزي التونسي” الجديد
يواجه محافظ البنك المركزي التونسي الجديد فتحي زهير النوري ملفات اقتصادية ومالية صعبة يتعين عليه إيجاد حلول عاجلة وسريعة لتمثل دفعة جديدة للسياسة النقدية في البلاد، إضافة إلى بث رسائل طمأنة للمستثمرين في إعادة تنشيط الاستثمار المعطل لسنوات عدة وتطويق نسب التضخم التي أدت إلى تسجيل انكماش اقتصادي في البلاد.
ومثلما كان متوقعاً في الأوساط الاقتصادية والدوائر المالية في تونس لم يجدد الرئيس التونسي قيس سعيد الولاية للمحافظ السابق مروان العباسي، بعد ست سنوات من العمل على رأس “مؤسسة بنك البنوك”، ليعين محافظاً جديداً أملاً في إعطاء دفع جديد لهذه المؤسسة العريقة في البلاد.
ويأتي تعيين محافظ بنك مركزي جديد في تونس في ظرف اقتصادي ومالي دقيق تمر به البلاد وملفات شائكة على رأسها سداد الديون ومحاربة التضخم والحفاظ على استقرار سعر صرف الدينار التونسي.
إلى ذلك أجمع متخصصون في تونس في حديثهم إلى “اندبندنت عربية” على أن المحافظ الجديد عليه رهانات جسيمة، داعين إياه إلى تغيير بعض السياسات النقدية واللجوء إلى التقنيات المالية الجديدة، خصوصاً إعطاء رسائل طمأنة للمستثمرين المحليين والأجانب.
سداد 900 مليون دولار أول تحد
من جهته قال المتخصص المالي بسام النيفر المتخصص المالي، إن “المحافظ الجديد سيجد في اليوم الأول لدخوله مكتبه ملفاً شائكاً يضطر معه ضرورة سداد قرض دولي بقيمة تصل إلى 3 مليارات دينار (904 ملايين دولار)، إذ حل موعد سداده أمس الجمعة الموافق الـ16 فبراير (شباط) الجاري”، مشيراً إلى أن “النوري سيواجه جملة من التحديات تتعلق بضرورة سداد الديون خصوصاً الديومن الخارجية لتونس في العام الحالي التي تصل قيمتها إلى 24 مليار دينار” (8 مليارات دولار).
وأضاف النيفر أنه “يتعين عليه أيضاً منح التسهيلات إلى خزانة الدولة بقيمة 7 مليارات دينار (2.3 مليار دولار)”، مستدركاً “هذا الأمر أثار تساؤلات عدة حول تداعيات إقراض البنك المركزي مباشرة لخزانة الدولة، وما سينتج منها من تداعيات على مستوى ارتفاع التضخم المالي وتراجع قيمة صرف الدينار التونسية”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتساءل النيفر عن موقف المحافظ الجديد من الجدل الحاصل في شأن استقلالية البنك المركزي عن الحكومة والدولة؟ مشيراً إلى أنه “سبق للنوري أن كان عضواً لمجلس إدارة النك المركزي في دورتين متتاليتين من 2016 إلى 2021 في ظل رئاسية المحافظ الراحل الشاذلي العياري”، مؤكداً على أن أهم التحديات المطروحة على المحافظ الجديد هو تطويق نسب التضخم المرتفعة في تونس التي وصلت في نهاية 2022 إلى أكثر من 10 في المئة، قبل أن تهبط في يناير (كانون الثاني) الماضي إلى 7.8 في المئة.
وأوضح النيفر أن المحافظ الجديد سيجد نفسه مجبراً على تطبيق ما جاء في قانون البنك المركزي (عدد 35 لسنة 2016) الذي أكد على استقلالية البنك المركزي تجاه الدولة، خصوصاً في مسألة إقراض الدولة مباشرة، مضيفاً أنه “في حال بادرت السلطة التنفيذية بإحالة مشروع قانون على البرلمان لتنقيح قانون البنك المركزي، خصوصاً في ما يتعلق باستقلاليته وإقراضه الدولة فان المحافظ سيكون مجبراً على تطبيق القانون”، لافتاً إلى أن انعقاد مجلس الإدارة الأول للبنك المركزي بإشراف النوري سيكشف عن توجهات وسياساته النقدية المحافظ التي سينتهجها.
فتور العلاقة مع السلطة التنفيذية
في غضون ذلك شهدت العلاقة بين المحافظ السابق مروان العباسي والسلطة التنفيذية خصوصاً مع الرئيس التونسي قيس سعيد نوعاً من الفتور بسبب تمسك العباسي باستقلالية البنك المركزي وإبعاده عن كل إشكالات مالية وعدم الإقراض المباشر للموازنة، بينما يتمسك الرئيس التونسي بضروة مساندة البنك المركزي لجهود الدولة، ومن ثم إقراض الحكومة التي توجهها إلى المصارف المحلية التي تقرض المواطنين بنسب فائدة مرتفعة.
يشار إلى الرئيس التونسي توجه في سبتمبر (أيلول) 2023 إلى مقر البنك المركزي طالباً بصورة صريحة إقراض الحكومة وسط تنامي الجدل في تلك في شأن استقلالية بنك البنوك التونسية.
من جانبه شدد أستاذ الاقتصاد النقدي بالجامعة التونسية معز السوسي على أنه في فترة الأزمات الاقتصادية والمالية التي مرت بها تونس كان أهل الاقتصاد في البلاد ينتظرون تفاعلاً إيجابياً للبنك المركزي مع هذه الأزمات لا أن ينتهج سياسة مالية محافظة جداً تستهدف تطويق التضخم فحسب، على حساب دفع الاستثمار الذي عرف ركوداً لافتاً في البلاد في السنوات الأخيرة.
وعن كم التحديات التي تنتظر المحافظ الجديد، قال السوسي إن “تسيير مؤسسة مالية ونقدية بحجم البنك المركزي التونسي في ظرف مالي صعب لن يخضع إلى خيارات ومسائل شخصية بقدر ما سيتم الاحتكام إلى الخبرات والكفاءات”، مرجحاً أن “يلجأ النوري إلى خيارات جديدة على غرار الاستباق في التعاطي مع الرهانات المالية والنقدية من خلال الابتعاد قدر الإمكان عن السياسات المحافظة، خصوصاً في ملف الفائدة الرئيسة”.
تقديم قروض وتسهيلات مالية للحكومة
إلى ذلك صدق البرلمان التونسي، في السابع من فبراير الجاري، على قانون يسمح للبنك المركزي بتقديم قروض وتسهيلات مالية للحكومة، إذ قالت وزيرة المالية سهام بوغديري نمصية، خلال جلسة البرلمان تلك إن “الترخيص للبنك المركزي التونسي في منح تسهيلات لفائدة الخزانة العامة، يستهدف عدم الاقتراض الخارجي”.
وتواجه تونس صعوبات مالية واقتصادية وارتفاعاً في عجز المالية العامة، وسط جهود تبذلها الحكومة مع صندوق النقد الدولي منذ قرابة عامين، للدخول في برنامج إصلاحات اقتصادية، يرافقه قرض مالي.
وخلال العام الماضي واجهت تونس صعوبات اقتصادية تمثلت في ندرة المواد الغذائية، نتيجة صعوبة العوامل المناخية وتداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا وصعوبات مالية حالت دون التزود بالحبوب من الخارج، علاوة على ضعف المحاصيل الزراعية نتيجة الجفاف.
اللجوء إلى استهداف التضخم
ودعا السوسي المحافظ الجديد إلى الانفتاح على التقنيات والآليات النقدية الجديدة والتخلي عن السياسات القديمة، معتبراً أن الزمن تجاوزها ولم تعد تحقق النتائج المرجوة منها، قائلاً إنه “من غير المعقول إن تنتظر تونس مقترحات المنظمات والمؤسسات المالية بتغيير بعض السياسات المالية والنقدية”، موضحاً أن “أحدث تقرير لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) في نهاية سنة 2023 دعا إلى تغيير شروط العمولات البنكية لأجل ذلك تفاعل البنك المركزي مع هذه الدعوة وقام بمراجعة العمولات البنكية وإقرار مجانية عديد من أنواع هذه العمولات”، مضيفاً أن “هناك تقريراً صادراً عن تلك المنظمة في أبريل (نيسان) 2021 أوصت فيه تونس بتطبيق آلية استهداف التضخم ( inflation targeting) بالتصدي بجرأة في التعامل مع التضخم.
وأوصى السوسي المحافظ الجديد بإرساء حوار اقتصادي في ما يخص استهداف التضخم من خلال بلوغ نسبة تضخم عند أربعة في المئة مع نهاية 2024 ووضع الآليات والتقنيات لبلوغ هذه النسبة، مؤكداً أن “كل الدول التي طبقت آلية استهداف التضخم نجحت بصورة لافتة في تطويق التضخم وخفضه”، داعياً كل الأطراف في تونس بقيادة البنك المركزي إلى الالتفاف حول هدف واحد هو محاصرة التضخم والنزول به إلى مستويات مقبولة.
وجوب مراجعة نسبة الفائدة الرئيسة
وأشار السوسي إلى أن الظرف الاقتصادي الذي عين فيه محافظ البنك المركزي الجديد ملائماً من خلال المسار التنازلي للتضخم، وهو الأمر الذي سيحتم عليه مراجعة نسبة الفائدة الرئيسة، قائلاً “عليه استغلال هذه اللحظة الفارقة للنزول بالفائدة الرئيسة بـ100 نقطة أساس”، مؤكداً أن هذه المراجعة في الفائدة الرئيسة ستكون رسالة إيجابية للمصالحة مع الاستثمار في تونس.
يشار إلى أن فتحي زهير النوري المحافظ يعد المحافظ رقم 14 في تاريخ البنك المركزي التونسي، الذي أنشأ منذ الـ19 من سبتمبر 1958 (سنتين بعد استقلال تونس)، ليأتي خلفاً لمروان العباسي، الذي شغل المنصب ذاته منذ الـ16 من فبراير 2018.
#ملفات #شائكة #على #مائدة #محافظ #المركزي #التونسي #الجديد
تابعوا Tunisactus على Google News