- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

ممارسات قاتلة تُهدد “ذهب” فلسطين الأخضر… – وكالة وطن للأنباء

- الإعلانات -

وطن– عبد الباسط خلف

يرتكب كثيرٌ من القاطفين ممارسات قاتلة بحق أشجار الزيتون، من شأنها أن تهدد “نفط فلسطين” و”ذهبها الأخضر”، وتتّسبب بإنهاك سيدة الأشجار، متناسين أنها تحظى برمزية وطنية لا تقدر بثمن، وتمتلك إرثًا اجتماعيًا وقيمة عظيمة في تعزيز السيادة على جزء من الغذاء.

“آفاق البيئة والتنمية” ترصد أبرز الممارسات التي لا تليق بمكانة شجرة السماء، بإجراء مقابلات مع مختصين ومهتمين، وتنقل نداءات لتصويب الأخطاء وعلى رأسها الكف عن تخزين الزيت في عبوات بلاستكية.

العقوبات طوق النجاة

يقول فيّاض فيّاض مدير عام مجلس الزيت والزيتون، إن الممارسات الخاطئة في موسم الزيتون تتكرر كل عام، لكنها لن تتغير بالتوعية بل تحتاج إلى قوانين وعقوبات رادعة، حسب رأيه.

وعدّد فياض الخطوات الملحة التي تتطلب “تحركًا جادًا من الجهات المسؤولة والمزارعين على حد سواء”، ومنها تنظيف الحقول من الأشواك والأعشاب لتسهيل القطاف وحمايتها من اشتعال النيران، وإزالة الأفرع المحيطة بالجذع، واستخدام مفارش القماش ذات النوعية الجيدة أو “الشوادر” السميكة لجمع المحصول، وتجنب وضعه في أكياس بلاستيكية، واستعمال صناديق بلاستيكية خاصة، أو أكياس خيش بسعة 20 كيلو غرام، لا أكثر.
واصفًا جني المحصول بالعصي بأنه “ممارسة قاتلة جدًا”؛ لأنه بجرح الثمار، يصبح زيتها عُرضة للأكسجين وللتلوث، ما يرفع نسبة حموضتها.

ويضيف: “الثمرة كائن حي له تاريخ ميلاد ووفاة، إذ يبدأ تشكل الزيت داخلها بعد قطفها، ويبقى حيًا حتى يصل لدرجة حموضة 3,3 أو نسبة البروكسايد 20، وعندها يتحول إلى “زيت ميت”.. بمعنى آخر “انتبهوا” من إهمال التفاصيل التي قد  تقصَّر عمر الثمار وتمس بجودتها.

ودعا إلى عدم خلط الثمار المتساقطة (الجول) بالجيدة، والتي يتوجب جمعها قبل الموسم وتخصيصها لصناعة الصابون البلدي، أو لتنظيف المعاصر في أول استخدام.

ويأسف فياض لـــ “ابتعاد الأجيال الشابة عن الذهب الأخضر وخدمته”، والذي عدَّه أحد أسباب تراجع إنتاجيته.
وتوقَّع أن يحمل الموسم الحالي 15 ألف طن زيت، ما يمثل 40% من المعدل، محذرًا من تكديس المحصول وتخزينه قبل عصره.
“يجدر بنا فرده في منطقة مُظللة وجيدة التهوية، وبارتفاع 15 سم للثمار، ولــــ 72 ساعة على الأكثر، لأن انقضاء هذه المدة دون عصر تعني استحالة الحصول على زيت بنوعية جيدة” يقول فياض.

المعاصر سر الجودة

وأوصى فياض بضرورة اختيار المعصرة المناسبة التي تجيد التعامل مع الثمار بعيدًا عن الممارسة الخاطئة، وبالتالي يتسنى لها الحصول على زيت ممتاز، لأن المعصرة مسؤولة عن نحو 35 % من جودة الزيت.
وانتقد غياب الوعي الكافي في تشغيل المعاصر وإدارتها، وعدم الالتزام بقترة بقاء المحاصيل في الخلاط، إضافة إلى رفع درجة حرارة مياه الغسل في بعض المعاصر إلى 40، ما يؤدي إلى خروج بعض الأنزيمات التي تكمن فيها جودة الزيت، لافتًا إلى أن درجة حرارة المياه المثالية لغسل الزيتون 28.

سألناه عن أكثر ما يهدد سلامة الزيت وجودته، وكان جوابه: “الأخطر دائمًا استخدامنا العبوات البلاستيكية في تخزينه، وقد يؤدي هذا السلوك الشائع إلى الإصابة بمرض السرطان”.
وسبق أن وثق صورًا لاستخدام عبوات بلاستيكية كان فيها موادا سامة ومبيدات أعشاب، وقد جرى غسلها ثم اُستعملت لتخزين الزيت، ما يشكل تهديدًا على الصحة، ويلفت نظر وزارة الزراعة لاتخاذ إجراءات صارمة”.
وأفاد بأن مناطق السلطة الفلسطينية هي الوحيدة التي تسمح باستعمال عبوات بلاستيكية لتخزين الزيت، ولو نظرنا إلى تونس مثلًا لوجدناها تمنع هذا.

ويفصح قائلاً: “سبق أن تواصل مجلس الزيت والزيتون مع وزير الزراعة السابق شوقي العيسة، الذي تجاوب بدوره مع فكرة إصدار تعليمات تمنع إدخال العبوات البلاستيكية إلى المعاصر، إلا أنه لم يتغير شيء”.
وكانت خلاصة قوله: “الفخار والزجاج المعتم والفولاذ المقاوم للصدأ (الستنالس ستيل) هي الأكثر سلامة في تخزين الزيت، وخاصة في مكان بارد وبعيد عن الحرارة والرطوبة”.

“الزراعة”: الإرشاد أولًا

“بدأت وزارة الزراعة بالتدخل لتصويب الممارسات الخاطئة بحق الأشجار والمحاصيل، ومنها العناية بالشجرة، ومكافحة آفاتها” يقول م. رامز عبيد مدير دائرة الزيتون فيها.

ويضيف م. عبيد أنه أُطلق أخيرًا برنامج تدريب المزارعين على تصنيع المصائد الغذائية اليدوية بتكلفة قليلة لكبح ذبابة ثمار الزيتون، وهي الآفة الأكثر ضررًا.

ويؤكد أن وزارته تشجع الفلاحين على تقليم الأشجار وتشبيبها، عبر مشاهدات تنفذها في عدة حقول، إضافة إلى مدارس حقلية ريادية لتشجيع المزارعين على الري التكميلي؛ لتأثر الشجرة البعلية بالظروف المناخية وشح الأمطار، ولكونه يضاعف معدل الإنتاج 3 مرات.

كما وزعت الوزارة 3 آلاف برميل لتخزين المياه، وأدخلت الماكنة الحديثة للقطاف، وتقدم سنويًا قطافات للمزارعين للتشجيع على استخدامها، كان لها دور في الإسراع بالقطف ورفع جودة الزيت وعدم تكديس الثمار.

وذكر أن “الزراعة” تنفذ جولات قبل الموسم في المحافظة عبر لجنة السلامة العامة، وتؤكد على شروط التشغيل الصحيحة، والقيود البيئية والصحية ذات العلاقة بالحفاظ على جودة الزيت، وإن لم تلتزم أي معصرة بالشروط فإنها لا تحصل على إذن تشغيل.
ووفق عبيد، تحرص الوزارة على التوعية بجودة الزيت والحفاظ عليه، إذ وزعت تنكات (ستانلس ستيل) لتكون بديلًا للعبوات البلاستيكية، وتحذيرهم من “أعداء الزيت”: الحرارة، والضوء، والهواء.

وأكد أن الوزارة لم تصل بعد إلى “مرحلة منع استعمال العبوات البلاستيكية في حفظ الزيت”؛ لعدم توفر بديل كافٍ للبلاستيك، بل تشجع المزارعين على استخدام الأواني الصحية، والاستغناء التدريجي عن البلاستيك الضار به”.
وذكر أنها وزعت في العام الماضي 20 ألف كيس خيش في إطار تقديم بديل للأكياس البلاستيكية المستعملة في نقل الثمار إلى المعاصر.

ويقول في السياق نفسه: “لاحظنا ميل المزارعين لأكياس الخيش، وهذا هو التدرج الذي تعتمده الوزارة وصولًا إلى تقبل الفكرة، وإيجاد بديل، وقبل ذلك كله التوعية بالأضرار”.

وذكر أن ثمة توجهات رسمية في الموسم القادم داخل المعاصر، نحو اتخاذ خطوات للتشجيع على مقاطعة جالونات البلاستيك، بتعريف المزارعين بطبيعتها، خاصة أنها مُنتجة من موادٍ معاد تدويرها، وبها مواد كيميائية تنتقل إلى الزيت كما أثبتت أبحاث، ولا تمتلك شهادة استخدام صحي، ونافذة للضوء الذي يتلف الزيت.

ويرى عبيد أن الجيل الشاب لم يعزف عن أشجار الزيتون، بل انشغل عنها لوقته المحدود مقارنة مع الأجداد، إلا أنه لن يستطيع الاستغناء عنها، وحسب وجهة نظره “أثبتت الشجرة قدرتها على الوقوف بجانبنا في الأزمات والهزات الاقتصادية والتغيرات المناخية، علاوة على أنها لا تحتاج إلى خدمة كبيرة”.

أشجار أكثر وإنتاج أقل

فيما قال مدير الإغاثة الزراعية في جنين، محمد جرادات إن كثيرين يطلقون على الزيتونة “شجرة الكسلان”؛ لقدرتها على الحياة دون عناية أو القيام بممارسات زراعية مجهدة قياسًا بغيرها، باستثناء الحراثة البسيطة”.
ويبدي أسفه إزاء تراجع محصول الزيتون سنة بعد أخرى، وبإجراء مقارنة بين أعداد الأشجار في فلسطين، فقد ارتفع عددها ليتراوح بين ( 10 و12 مليون حاليًا)، بعد أن كانت قبل 10 سنوات لا تتعدى 5 مليون، إلا أن إنتاجيتها في السنوات الماضية كانت أكبر مقارنة مع الحاضر.

محاولًا تفسير الأمر: “المسألة ترتبط بالموروث الثقافي، وتغير فكر الأجيال التي لم تعد تعتمد على الشجرة اقتصادياً، إذ فقدت مكانتها بعد أن كانت مصدرًا للدخل، ربما لتفتت الملكية، ولقلة معرفة الشباب بالممارسات الزراعية مثل الحراثة والتقليم وإزالة الأعشاب والتسميد والمعالجة”.

وقال إن المرور بجوانب الطرق يقدم صورة عن التراجع الواضح في العناية بالشجرة، إذ تحتل الأعشاب الجافة معظم الحقول، ويمكن رصد آثار عشرات الحرائق، التي تسببت بإتلاف مساحات شاسعة؛ لعدم إزالة الأعشاب، والإهمال العام طوال السنة.
وذكر أن معظم العائلات في الوقت الراهن لا تجني زيتونها بنفسها، وتكلف عمالًا لا همَّ لهم سوى جمع المحصول بسرعة، باستخدام العصي التي تتسبب بتكسير الأغصان، في حين أن الأجيال السابقة كانت ترأف بالزيتون كما لو أنهم أبناؤها.

ومن مشاهدات مدير الإغاثة الزراعية في معاصر الزيتون، تحديدًا عند إحضار المزارعين للثمار، فإنها تكون مليئة بالأغصان والأوراق والحجارة، ما يدل على أن عملية الجمع تمت دون اكتراث.

فيما بذلت “الإغاثة” جهدها لمكافحة آفات الزيتون، وفقاً لحديثه، بتقديمها أدوية مجانية لتشجيع المزارعين على الرش، إلا أنهم في الموسم التالي تقاعسوا عن شراء الدواء.

وكشف أن الإغاثة ستدعم في السنوات الثلاث القادمة، بالشراكة مع وزارة الزراعة “زيتون المائدة” بإنتاج وغرس 30 ألف شجرة، حتى توفر محصولًا للتخليل بدلًا من استيراده من الاحتلال، وسيُروى بما يتوفر من مياه وبالمياه المعالجة في محطة “دير شرف”.

أزمة عمالة

“التحولات الاجتماعية” التي مرت بها شجرة الزيتون، يُلقي عليها الضوء نضال ربيع، ممثل فلسطين في حركة طريق الفلاحين العالمية (لا فياكمبسينا) التي تضم 200 مليون عضو لمناصرة الفلاحين، وسكرتير اللجنة الزراعية في ترمسعيا، والمزارع العضوي.
يقول: “اتجاه العمال نحو الداخل المحتل، وتراجع الجدوى الاقتصادية لشجرة الزيتون، واستيراد زيوت بأسعار منافسة من تركيا وغيرها، خلق حالة جفاء بين الإنسان والشجرة المباركة التي عرفناها رمزًا وطنيًا للبقاء”.

وأضاف: “على الصعيد المادي شجرة الزيتون خاسرة، فــ “تنكة الزيت” تُباع بـ 300 شيقل، وهذا يعني أن صاحبها لا يربح، كما اختفت “العونة” واتجهنا للاستعانة بأُجراء، ولم تعد العائلة الممتدة تتشارك في جني الثمار”.
ويلاحظ ربيع أن الأيدي العاملة مع شحَّها، تتضاعف أجورها في موسم الزيتون فترتفع من 130 شيقلًا إلى 200، ما يدفع الفلاح إلى هجرة أرضه.

مستطردًا بالقول إن استعادة مكانة الشجرة تحتاج إلى دعمٍ أمثل للفلاح، و”تحويلها من رمز وطني إلى قيمة اقتصادية”، وأضاف أن انتشار القطافات الآلية يساهم في إسقاط الأوراق بسرعة، لكنها وسيلة للتغطية على غياب الأيدي العاملة.
ويخطط ربيع ضمن مبادرة “حكي القرايا” إلى الإعلان عن يوم عمل تطوعي لإنعاش العونة، وإعادة روح التضامن العائلي المفقودة لموسم القطاف.

تحولات اجتماعية

ومن منظور أستاذ الجغرافيا في جامعة بيرزيت، والمزارع العضوي النموذجي، د. أحمد النوباني، فإن أبرز التحولات التي أدت إلى هجرة شجرة الزيتون الفردية وتفكك العائلة الممتدة، وتحولها إلى أقل من عائلة نووية، ترافقت مع غياب نمط الإنتاج الزراعي، إذ يفضل الشباب الانضمام لصفوف العمالة في الداخل المحتل أو اختيار الوظيفة.

وأشار إلى أن “تفتت الملكية”، ومصادرة الأراضي، والتغيرات المناخية قللت من الأهمية الاقتصادية للزيتون، ما انعكس سلبًا على العلاقة مع الشجرة، التي ندرك أبعادها الاجتماعية والوطنية.

أما الأهمية الاقتصادية للزيتون فقد تراجعت عندما اختفت العائلة الممتدة، وفق قوله، فاقتصرت نظرتنا إلى الشجرة على أنها رمز للمقاومة لا أكثر، وذلك مع ما نشهده من “سلعنة” للأرض وعدم تصنيفها من ناحية إنتاجية بل بقيمتها الاقتصادية، إضافة إلى التغير في طبيعة ملكية الأراضي عقب انتشار “الطابو”، ونظرة الدونية إلى العمل الزراعي، الذي صار يُحاط للأسف بـ”صورة نمطية قذرة”.
وأكد النوباني أن اعتماد البعد الاقتصادي رمزًا لإعادة الأجيال الشابة إلى الزيتون والأرض لن ينجح، بل يتطلب الأمر ضخًا بأبعاد وطنية، تجابه الفردية المُطلقة والرأسمالية، وتقديس الاستهلاك، وتحقير العمل الزراعي والإنتاج، وتخلق أنموذجًا يمكن البناء عليه لبناء الثقة مع الأرض.

وقال إن العمل التطوعي في الزيتون خصوصًا، والزراعة عمومًا، صار يغلب عليه الارتزاق، بعد أن أفسده ارتباط فكرة التطوع بدعم الجهات المانحة، وصار سلعة، ما يتطلب جهودًا مضنية لاستعادة جوهره.

يرتكب كثيرٌ من القاطفين ممارسات قاتلة بحق أشجار الزيتون، من شأنها أن تهدد “نفط فلسطين” و”ذهبها الأخضر”، وتتّسبب بإنهاك سيدة الأشجار، متناسين أنها تحظى برمزية وطنية لا تقدر بثمن، وتمتلك إرثًا اجتماعيًا وقيمة عظيمة في تعزيز السيادة على جزء من الغذاء.
“آفاق البيئة والتنمية” ترصد أبرز الممارسات التي لا تليق بمكانة شجرة السماء، بإجراء مقابلات مع مختصين ومهتمين، وتنقل نداءات لتصويب الأخطاء وعلى رأسها الكف عن تخزين الزيت في عبوات بلاستكية.

خاص بآفاق البيئة والتنمية

#ممارسات #قاتلة #تهدد #ذهب #فلسطين #الأخضر #وكالة #وطن #للأنباء

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد