منذر الونيسي: السلطة تمارس عملية القتل البطيء تجاه “النهضة”
منذر الونيسي: السلطة تمارس عملية القتل البطيء تجاه “النهضة”
في 26 إبريل/ نيسان الماضي، تم تعيين منذر الونيسي رئيساً بالنيابة لحركة النهضة التونسية بعد اعتقال رئيسها راشد الغنوشي. يتحدث الونيسي، في مقابلة مع “العربي الجديد”، عن وضع الحركة ومؤتمرها المنتظر الذي تأخّر أكثر من مرة، وعن طبيعة الصراع السياسي وأفق حله.
كيف تقيّم وضعية حركة النهضة اليوم على المستوى السياسي والتنظيمي، خصوصاً بعد غلق المقرات المتواصل إلى اليوم وتفتيشها، وما هي المستجدات في هذا الخصوص؟
عادت حركة النهضة إلى عملها طبيعياً منذ إيقاف رئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي، بعدما مرت بفترة فراغ نتيجة إيقاف رئيسها بشكل مفاجئ ثم التفتيش المطوّل لمقر الحركة ومنع الاجتماعات والعمل داخل مقراتها. ولكن كما نعلم أن عمر الحركة 40 عاماً، وقد سبق أن عملت لسنوات من دون مقرات، واليوم تجتمع الهياكل عن بُعد، المكتب التنفيذي ومجلس الشورى واللجان المحلية والمركزية، ونحن نتواصل مع مكوّنات الطيف السياسي ومع المواطنين ومع قواعد الحركة ونمارس حقنا الطبيعي في مقاومة سلطة الأمر الواقع.
عادت حركة النهضة إلى عملها طبيعياً منذ إيقاف رئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي، بعدما مرت بفترة فراغ
الحركة إذاً موجودة وتتحرك على الرغم من المنع التعسفي وتواصل التفتيش اللامبرر واللاقانوني وغير المفهوم، والأصل أنه انتهى منذ الخميس الماضي ولكنهم طلبوا استئناف التفتيش يوم الإثنين الماضي، وهذا يؤكد أنه قرار سياسي للضغط على “النهضة” للابتعاد عن نهج المعارضة، ونحن نعتبره ابتزازاً ودفعاً للحركة للعمل السري وهو أمر مرفوض. الآن السلطة تمارس عملية القتل البطيء وبتر الأطراف وكل هذا يحدث خارج القانون والديمقراطية وخارج العرف السياسي.
لو توضح لنا كيف انتهى التفتيش الخميس الماضي؟
انتهى التفتيش فعلاً الخميس الماضي ووقّعنا على محضر لنهاية التفتيش، وقّع عليه مسؤول الفرقة المكلفة بالتفتيش وممثل عن الحركة، والمفترض في نهايته أن تتم إعادة المفاتيح للحركة. ولكن طالبت الفرقة بالتفتيش من جديد وهو ما نرفضه، وقد اتصل المحامون بقاضي التحقيق لاستجلاء الأمر. لم يحدث في أي بلد آخر أن يتم تفتيش لأكثر من شهرين ولا نعلم ماذا يحدث وإلى متى يتواصل ذلك وقد أصبح تفتيشاً عبثياً للبحث عن لا أدري ماذا… بل هو شلّ لعمل الحزب وليس فيه أي احترام لأبجديات الديمقراطية من سلطة تتبجح باحترام القانون والإجراءات. ونحن أظهرنا للعالم داخلياً وخارجياً أننا كنا متعاونين وقبِلنا بما لم يقبله أحد واحترمنا القانون والقضاء على الرغم من أني شخصياً اتفقت مع مساعد وكيل النيابة ألا يتجاوز التفتيش 3 أيام، ووقّعنا محضر اتفاق في هذا الصدد، ولكن ما راعنا أن هذا التفتيش متواصل بلا نهاية.
ماذا تستشفون من ذلك؟
ربما هي وسيلة النظام كما فعل مع البرلمان السابق عندما بدأ بتجميده قبل حله، وربما قد يذهب نحو الحل (حركة النهضة)، ونحن نرى أن السلطة تريد أن تجرنا نحو عملية تفتيش عبثية نحن غير مستعدين لها، فإن كان هدفهم المقر فليأخذوه وليحملوا كل ما فيه من وثائق وتجهيزات، وإذا كانت هناك نيّة أخرى فليتحلوا بالشجاعة وليعلنوا ذلك، وإن وجدوا شيئاً يديننا فليواجهونا به. أما ما يقومون به فلا يليق بسلطة ولا بدولة في القرن 21 ولا يليق بنظام يتشدق ليلاً ونهاراً أنه جاء لإنقاذ تونس ولإنفاذ القانون، ثم يمنع حزباً معترفاً به من العمل بأشكال لم نعهدها إلا في الأنظمة الديكتاتورية والشمولية. نحن لدينا التزامات مع حوالي 90 موظفاً ليست لهم موارد اليوم، ومع صناديق اجتماعية وشركات، وبالتالي نطالب هذه السلطات بالتعقّل وتنفيذ القانون.
هل الهدف هو ضرب المعارضة، وهل نجحت السلطة في ذلك أو في إضعاف دورها على الأقل؟
هذا هدف كل سلطة تريد أن تحكم وحدها وهدف كل شخص يفرض رؤيته على شعبه تاريخياً، ولكن هذا الأسلوب أكل عليه الدهر وشرب، صحيح أنه أضعَف المعارضة بقوة الحديد وليس بقوة الحجة، ولكن المعارضة ما زالت تناضل وتعمل على مقاومة الخط الشمولي وهي موجودة في الساحة، بل إن المعارضة هي التي تكسب في الزمان والمكان بينما السلطة تعجز عن حل أي ملف، سواء مشاكل تونس الاقتصادية والاجتماعية والمالية أو مشاكل الهجرة والجفاف والمياه وغيرها، ونحن إزاء مشكلة مركّبة لم تشهدها تونس منذ الاستقلال.
المعارضة ما زالت تناضل وتعمل على مقاومة الخط الشمولي وهي موجودة في الساحة، بل إنها تكسب في الزمان والمكان
البلاد في تصورنا لا تُحكم إلا بالديمقراطية الحقة والتوافق وبوجود سلطة قوية ومعارضة قوية، ونحن مددنا أيدينا للحوار مرات عديدة، ولكن لا حياة لمن تنادي، فهذه السلطة ذاهبة في الحكم المطلق الشمولي وفي ضرب المعارضة، ولكن كما فشل قبلها نظاما الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي وكما فشلت كل الأنظمة الشمولية في العالم فسيفشل هو أيضاً.
نحن نريد لتونس أن تعيش الديمقراطية، وبعدما كنا قاطرة الربيع العربي لماذا ننتكس هكذا؟ للأسف الشديد هناك قوات جذب للوراء التفّت على الثورة وأجهضتها، قدّمت نفسها في شكل المنقذ ولكنها فاقمت مشاكل البلاد، ونحن نعيش مرحلة ما قبل الإفلاس أو مرحلة الإفلاس ذاتها.
ولكن أليس هذا الفشل نتاج تراكم أخطاء أطراف عديدة بما فيها حركة النهضة؟ وهناك اليوم دعوات للمراجعات، هل “النهضة” اليوم مستعدة لهذه المراجعة؟
حركة النهضة منذ الانقلاب تقوم بمراجعات وهي تغلي من داخلها وهناك العديد من التيارات التي تعمل لإنقاذ الحركة، لقد ارتكبنا بعض الأخطاء وندعو لمؤتمر إنقاذ لتونس من دون حسابات ومن دون اتهامات، ونعلم أن تونس ولّادة وقادرة على تجاوز الأزمة.نحن مباشرة بعد الانقلاب قلنا له (للرئيس قيس سعيّد) لديك كل السلطات المطلقة التي لم يملكها قبلك أحد، تفضّل أحكم واجلب الاستثمارات وقم بالإصلاحات. ولكن هذه السلطة ضيّعت كل وقتها في المناكفات السياسية والمحاكمات الجوفاء واستهداف المعارضة، ولم تعمل ولم تولِ أي اهتمام للجانب الاقتصادي والمالي ووضعت أناساً غير أكفاء في مراكز القرار، وبعض ما تحقق بعد الثورة ضيّعته بالكامل، وبالتالي فسلطة 25 يوليو ليست أفضل من سلطة 24 يوليو (سلطة الانقلاب ليست أفضل من المنظومة التي كانت قبلها) بشهادة كل الناس.
أعتقد أنه ليس من المجدي الآن التباكي على ما حدث خلال العشرية الماضية، وأتصور أنه وقت التعقّل ووقت الحوار وترك الخلافات
أعتقد أنه ليس من المجدي الآن التباكي على ما حدث خلال العشرية الماضية، وأتصور أنه وقت التعقّل ووقت الحوار وترك الخلافات والذهاب في حوار من دون حسابات مسبقة لإنقاذ البلاد، وهو موجّه للسلطة والمعارضة ولكل مكوّنات الطيف السياسي، كل منا يتحمّل جزءاً مما وصلنا إليه الآن.
هناك انسداد في المسار السياسي، سعيّد لا يستمع لأحد ويواصل تنفيذ مشروعه، فهل تعتقد أن الورقة الاقتصادية والاجتماعية هي التي ستكون محددة لهذا الصراع بين السلطة والمعارضة؟
الوضع التونسي اليوم هو وضع موت السياسة كما كان في أواخر فترة حكم بن علي، ولكن الآن ماتت السياسة والاقتصاد وماتت الأخلاق أيضاً، فنحن نعيش فترة السباب والتشتت والكره وإفساد الذوق العام، وهو نتيجة أن من يحكم تونس اليوم ليست له خبرة سياسية ولا اجتماعية، وخطاب التقسيم المتواصل بين خائن ووطني وسيئ وجيد هو خطاب ساهم في ابتعاد الكفاءات والطاقات وهروب العقول إلى الخارج، فهناك سقوط قيمي كبير وإهانة لكل الفئات والكفاءات نتجت عنهما تفرقة بين التونسيين وخوف.
نحن اليوم أمام 9 قضايا تآمر على البلاد وهي قضايا خطيرة جداً، وأنا أنبّه التونسيين إلى أنه لا يوجد من يتآمر على تونس وهذا لم يحدث في تاريخها إلا من أطراف خارجية مرة أو مرتين. هذا الشعب تعب والتونسيون خائفون منقبضون مرتعبون. أعتقد أن المسألة الاقتصادية والاجتماعية ستكون فاصلة وهي المحدد، ونرجو من الله ألا يحدث ما يذهب بما بقي من مكتسبات، وأدعو السلطة الحاكمة للتعقل، وندعو المعارضة لتقديم بدائل ونحن نعمل على ذلك في جبهة الخلاص.
كيف تقرأون الموقف الدولي، بعض أوروبا تدفع في اتجاه التسليم بالأمر الواقع في تونس مثل إيطاليا وفرنسا؟
نحن نقرأ الموقف الدولي ببراغماتية، فالدول لا تتعامل لا بالحب ولا بالكره، الدول تتعامل بالمصالح، فإيطاليا وفرنسا أو أميركا لا يهمها “النهضة” أو قيس سعيّد، المهم من يحقق مصالحها، فالدول التي تؤمن بالديمقراطية تركت التجربة التونسية تغرق وتركتها تعمل وحدها، وهذه الدول التي خنقت سعيّد مادياً اليوم أحست بالخطر فقط بسبب موضوع الهجرة. عندما طرق أبوابها آلاف المهاجرين خافوا على اقتصادياتهم وعلى أمنهم القومي وديمغرافياتهم، وهم مستعدون للعمل مع الشيطان لتحقيق مصالحهم، وبالتالي هم لا يحبون لا قيس سعيّد ولا حركة النهضة ولا نجيب الشابي، بل يحبون مصالحهم. ولا نقبل للدولة التونسية أن تكون حارساً لجنوب المتوسط، ومن يريد محاربة أي ظاهرة اجتماعية فعليه أن ينظر إليها جذرياً، وإن كنتم تريدون أن تكونوا أصدقاء لتونس فلماذا لم تحافظوا على ديمقراطيتها؟
ما هو وضع الأستاذ راشد الغنوشي وبقية المعتقلين في السجن اليوم؟
وضعه سيئ فليس هناك سبيل للمقارنة بين السجن والحرية، ووضع كل المساجين سيئ، وخصوصاً سجناء حركة النهضة، وهم عاشوا سابقاً في سجون بن علي، ولذلك لن يغيّر هذا السجن الجديد من عزمهم وإصرارهم. ولكن أقول إنه لا يليق أن تضع دولة شيخاً في 82 من عمره في السجن. هو الآن في صحة جيدة نظراً لعمره، ولكن لا يجوز أن يتواصل سجنه، ربما يريد له بعض أعدائه أن يموت في السجن ولكن هذا لا يليق بتونس.
لو تواصل سجن الغنوشي، فهل ستمضون في تنظيم مؤتمر الحركة؟
نقاشنا الأكبر داخل حركة النهضة هو تنظيم المؤتمر، فالمؤتمر أصبح مطلوباً وطنياً ومحلياً وربما حتى دولياً وإقليمياً، وكنا سنعقد مؤتمراً في شهر يونيو/ حزيران الماضي، ولكن اعتقال الغنوشي وغيره من القيادات وافتكاك المقرات بقوة السلاح والقانون جعلنا غير قادرين على إنجاز المؤتمر لوجستياً. وحتى قليل المال لا نستطيع التصرف فيه بسبب حجز الخواتم والصكوك والوثائق في المقر ولا نستطيع الدخول إليه، ولكن نقول إننا سننجز مؤتمرنا في أقرب الآجال ولا أذيع سراً بأن انعقاد المؤتمر لن يتجاوز نهاية هذا العام.
سننجز مؤتمرنا في أقرب الآجال ولا أذيع سراً بأن انعقاد المؤتمر لن يتجاوز نهاية هذا العام
سيرة
منذر الونيسي (56 عاماً)، من محافظة الكاف، شمال غربيّ تونس، طبيب مختص في طب وزرع الكلى. انتمى إلى “النهضة” منذ عام 1984، وانتُخب عضواً في مجلس الشورى خلال المؤتمر العام العاشر في 2016، وهو أحد نواب رئيس الحركة الخمسة.
عُيِّن في منصب نائب رئيس حركة النهضة، مكلفاً الفضاء المجتمعي، منذ سبتمبر/أيلول 2021 عندما أدخل راشد الغنوشي تعديلاً على تركيبة المكتب التنفيذي للحزب بتقليص عدد الأعضاء وتغيير في بعض المهام.
#منذر #الونيسي #السلطة #تمارس #عملية #القتل #البطيء #تجاه #النهضة
تابعوا Tunisactus على Google News