- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

منهجية رد إساءة بارتولدى! – جريدة المال

هذا هو مقالى الـ19 حول أبعاد أزمة تمثال شامبليون وهو يدعس رأس رمسيس الثانى، بالكوليدج دى فرانس بباريس منذ 1875، من نحت أوجست بارتولدى. تتبلور محاور تحفظى على التمثال حول بدعة صانعه بارتولدى، كفنان تشكيلى حرفته الإبداع، وخالف فى أصوله ضوابط عالمية، تصل لعلاقة الفن بحقوق الإنسان، وحفظ كرامة الآخر، وتنمية العلاقات بين الشعوب. كذلك أثر الفن التشكيلى كمترجم للفكر والمشاعر، وموثق للحظات التاريخية فى عمر الأمم، سواء بالرسم أو النحت أو التشكيل. كم من أعمال فنية خلّدت قادة ومفكرين وحروبًا وانتصارات وهزائم وإنجازات ومآسى… إلخ، وأصبحت السجل المادى لذاكرة الدول وعلامات طرقها. فهناك تماثيل؛ المسيح الفادى بالبرازيل، كولومبوس بإسبانيا، نهضة مصر بالقاهرة، فونتين بفرنسا، الحرية بأمريكا، تيان تان بوذا بالصين، كوزيمو الأول بإيطاليا، لينكولن بأمريكا، بريتانيا بإنجلترا، سيدة الإرشاد بالفلبين، جورج واشنطن بأمريكا، جلجامش بأستراليا، داود ساسون بأرمينيا، كارل ماركس بروسيا، النهضة الأفريقية بالسنغال، وينضم لها تماثيل ولوحات عصر النهضة، وغيرها لأكثر من 200 تمثال أيقونى حول العالم فى العصر الحديث مذكورة بقائمة أشهر التماثيل العالمية بالويكيبيديا. ومع ذلك لا نجد فى أى تمثال منها مثل «بدعة» أوجست بارتولدى بدعس حذاء شامبليون لرأس الملك رمسيس الثاني! بدعة متفردة وليست إبداعًا أصيلًا، فى التعبير عن التفوق والإعجاب بشامبليون، على حساب حضارة مصرية كاملة، لم تضن بعطائها على الغرب والشرق حتى الآن!
سبق أن أثبت توفر المسئولية الفنية التقصيرية فى حق بارتولدى كفنان تشكيلى، جاوزت بدعته أصول وأخلاق وقيم الفن التشكيلى، وخالف قيم وحقوق الإنسان، وهى مسؤولية قانونية كفلت وضعها فى نصابها القوانين المصرية والفرنسية وميثاق حقوق الإنسان. ولكن على صعيد رد الإساءة، كان هناك أكثر من توجه واتجاه نادى به كثيرون، أشهرها إبداع نحاتينا المصريين لحزمة تماثيل توثق لحظات تاريخية مشابهة لرد الإساءة! فاقترح البعض نحت تمثال لسليمان الحلبى يضع قدمه على رأس القائد كليبر! أو تمثال للظاهر بيبرس يجر الملك لويس التاسع من عنقه بعد أسره! أو تمثال فلاح مصرى يضع قدمه على فدية الذهب للويس التاسع وهو يقدمها للقاضى ابن لقمان، ويتم تنصيب هذه التماثيل أمام السفارة الفرنسية بالقاهرة ودار ابن لقمان بالمنصورة، والمركز الثقافى الفرنسى بالمنيرة، والمعهد الفرنسى للآثار الشرقية بالقاهرة!
ولكن هل ستكون هذه المنهجية موضوعية وكافية لحل الأزمة وإزالة الغضاضة، كرد على إساءة بارتولدى وصنيعته تمثال شامبليون؟ ثقافيًّا وقانونيًّا وإستراتيجيًّا، ستفتح هذه المنهجية باب الإدانة لمصر الحديثة بالكامل، لماذا؟ لأنها ستكون تماثيل حديثة «شخصنت الخلاف» وتمت عن وعى وقصد الإساءة لفرنسا مباشرة، وليست موجهة لمصدر المشكلة «أوجست بارتولدى»، ومن ثم ستكون أقرب ما يكون لخناقة شوارع، وليس دفاعًا منهجيًّا عن حق تاريخى واعتبار إنسانى – ليتحول الخلاف لصراع فنى ثقافى وليس رد الشرف والكرامة المصرية! من جهة أخرى ستسلم هذه المنهجية ببقاء تمثال شامبليون فى موقعه كما هو، يتحدى مصر والمصريين بسلاح الزمن والجهل! كما ستفرغ منهجية تماثيل الانتقام، القضية الحقيقية من قيمتها ومعناها بكل روافدها من العنصرية الثقافية والمسئولية الفنية التقصيرية للفنان التشكيلى، لتكون حيلة العاجز الذى لم ينجح فى إثبات حقه على أرض المعتدى وسلم ببقائه! – بخلاف منح الفرصة لفرنسا كدولة معاصرة، من الاحتجاج الرسمى على فن مصرى معاصر يجاوز حرية الإبداع بالتعدى على رموز فرنسية، بما يُدخل الأزمة فى شيوع المسئولية وحرج الدولة وقبر القضية للأبد!
فى تقديرى، لن يكون رد إساءة تمثال شامبليون إلا بفهم وتحليل وإثبات تاريخها، ودوافعها، وأسبابها، وشكل خطئها، وأضرارها، ورموز رسائلها الموجهة لمصر والمصريين. نحن لا نناقش التمثال كعمل فنى متميز طبقًا لمعايير تنفيذ الفن التشكيلى (الكتلة، الحجم، النسب، التفاصيل، الصنعة)، فهذا أمر لا خلاف عليه ويخضع لمعايير النقد الفنى التشكيلى البحت. ولكن تحفظى هو خطأ وأضرار المعانى والرسائل والرموز والمفاهيم التى يبثها التمثال لزائرى الكوليدج دى فرانس والدارسين فيها والمتصفحين لتاريخ شامبليون وعلاقته بالهيروغليفية والمهتمين بالحضارة المصرية القديمة، من حيث تعرضه بالإساءة المباشرة لملك مصرى عظيم، فى بدعة تشكيلية لم يأت بها فنان قبله؟
الموضوع خال تمامًا من الشوفونية أو العنصرية الثقافية المصرية، ولا يمس الشأن الداخلى لفرنسا أو اعتزازها بتاريخها أو إنجازاتها الثقافية، كذلك لا يجرح العلاقات أو الروابط المصرية الفرنسية، ولكنه ببساطة دفاع شرعى عن اعتداء متعمد من فنان، على تاريخ وحضارة فى صورة عمل فنى، بتبرير إعجابه بشامبليون وإنجازه المشكوك فيه طبقًا للمراجع والدوريات العلمية الموثوقة. وعليه فردُّ الإساءة لن يكون بإلزام فرنسا بتحطيم التمثال أو تشويهه أو إزاحته من موقعه لموقع آخر!
رد الإساءة لن يكون إلا باعتراف رسمى من الكوليدج دى فرانس مالكة التمثال ومؤسساتها التابعة لها، بعدم صلاحية تمثال شامبليون للعرض، لخطأ بارتولدى الفنى العمدى فى التعبير عن إعجابه بشامبليون؛ على خلفية انتقامه لرفض مشروع تمثاله بمدخل قناة السويس من الخديو إسماعيل، باستخدام فن النحت خارج قواعد الإبداع، بطريقة الخطأ بطيء النمو.
أما عن كيفية الوصول لمنهجية رد الإساءة بهذه الصورة، فلن تتحصل من مجرد مقالات صحفية، أو لقاءات مصورة، أو طلبات رسمية مجردة. نحن بصدد قضية وطنية يلزم لإدارتها ترسانة تاريخية، قانونية، فنية، وثائقية، نقدية.. تسمح بتصميم صورة ذهنية واقعية عن الأزمة أمام الرأى العام العالمي! فنحن لا نختلق أزمة أو نتصنع قضية أو ننشد حقًّا يراد به باطل!
لا خلاف على أن الرأس المدعوس رأس بشرى، له صفة ملكية، بجنسية مصرية، يمثل حضارة عظيمة يمتد كفاحها للآن، ومنحوت بوضعية مُهانة تحت حذاء مواطن فرنسى عادى ولو كان عالمًا! فالنص المترجم لا يفوق الأصل أو يستعبده! وهذه الصفات تمنح للمدعوس وأبنائه وكل أحفاده الصفة والمصلحة، فى رفع المهانة ورد الإساءة من مصر و/أو خارجها!
لا أقول بموقف صارم مثلما فعل سفير مصر بباريس محمود صالح الفلكى 1954، عندما أرسل خطابًا رسميًّا لعمدة باريس بالإفراج الفورى عن الطالب أحمد كمال أبو المجد، عندما قُبض عليه بأحد اجتماعات المقاومة الجزائرية بباريس، مهددًا بالترحيل من مصر لفرنسيين الفئة الأولى (مهندسين، خبراء) بشكل يومى حتى يُفرج عنه! لا أقول بذلك.. ولا أقول إن صنع واستمرار التمثال توثيق أبدى من فرنسا لإنجلترا بأن ما تحت أرض مصر مُسيطر عليه (فإذا دُعس رأس الملك فكل ما تحته مباح)!
فالعهد غير العهد، والسياسة دوارة، والمصالح يعاد تشكيلها! ولكنى أقول إن منارة الحق لا تنطفئ، ومنهجية رد الإساءة تتطور بمرور الزمن، وأحفاد الفلكى ما زالوا مُبصرين، والإفراج عن الوجع القديم ممكن!
* محامى وكاتب مصرى
‏[email protected]

- الإعلانات -

#منهجية #رد #إساءة #بارتولدى #جريدة #المال

تابعوا Tunisactus على Google News

- الإعلانات -

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد