مهرجان اللوز في صفاقس: توقعات بأن يبلغ إنتاج اللوز في تونس نحو 60 ألف طن سنويا | القدس العربي
تونس ـ «القدس العربي»: تسهم ولاية صفاقس الواقعة في الجنوب الشرقي للبلاد التونسية بنسبة 30 في المئة من الإنتاج المحلي من اللوز، وتمثل المساحة المخصصة لهذه الغراسات، حوالي 87 ألف هكتار، لتحتل المرتبة الثانية من حيث المساحات المزروعة في الولاية وذلك بعد أشجار الزيتون التي تشتهر بها مدينة صفاقس عاصمة الجنوب والمناطق المحيطة بها. وكانت تونس قبل ثورة 14 كانون الثاني/يناير تحتل المرتبة الثامنة عالميا في إنتاج اللوز، بإنتاج قُدر سنة 2006 بحوالي 52000 طن، حيث يصل إنتاج الشجرة الواحدة في صفاقس إلى 20 كغ مع طاقة إنتاجية تصل إلى 50 سنة وحتى أكثر من ذلك.
أما اليوم فقد شهد هذا القطاع تراجعا في الإنتاج مثل الكثير من القطاعات الفلاحية وغير الفلاحية لأسباب عديدة منها الجفاف والإهمال، ما دفع وزارة الفلاحة التونسية مؤخرا إلى الإعلان عن تخصيص حوالي 200 ألف هكتار في عدد من المناطق لتوسعة المساحة المخصّصة لمختلف الأصناف المحليّة والجديدة من غراسات اللوز. وأكدت الوزارة بأن الهدف من توسعة المساحة المخصصة لغراسات اللوز هو الرفع في طاقة إنتاج القطاع الذي يشهد إقبالا محليا وخارجيا، لذلك من المتوقع أن يبلغ الإنتاج في المستقبل نحو 60 ألف طن سنويا.
ثقافة واقتصاد
ونظرا للعلاقة الوطيدة التي تربط بين أهالي مدينة صفاقس بأشجار اللوز فقد تم تخصيص مهرجان سنوي منذ سنة 2018 لتثمين هذا المنتوج الزراعي الهام الضارب في القدم في البلاد التونسية. فكان هذا المهرجان الثقافي ذو الأبعاد الاقتصادية والتنموية، نافذة للتعريف بأهمية اللوز في العادات والتقاليد الصفاقسية والتونسية عموما وخصائص هذه الثمرة سواء الغذائية أو الطبية والعلمية وغيرها.
وتؤكد مسؤولة هذا المهرجان آمنة القلال في حديثها لـ«القدس العربي» عن هذه التظاهرة، بأنها تأمل بأن يساهم هذا الحدث الثقافي والاقتصادي في إضفاء حركية اقتصادية على جهة صفاقس، ومدن الجنوب عموما، والمعروفة بهذا النوع من الإنتاج. فالمنطقة وعلى غرار كامل ربوع البلاد شهدت منذ الثورة، قبل أكثر من عشرية من الزمان، ركودا اقتصاديا وثقافيا لافتا استفحل أكثر مع أزمة الكوفيد التي كادت أن تقتل جميع أشكال الحياة، فكان لابد من عودة الأنشطة التي تُعرف بالجهة وتحتفي بمخزونها الثقافي والحضاري.
واللوز هو جزء من هوية وتراث هذه المنطقة من البلاد التي تحمل عائلاتها العريقة والمشهورة اسم «اللوز» وأنواعه المتعددة، وهي عائلات لها اسهاماتها الاقتصادية الهامة في جهة صفاقس التي تُعرف بعشق أهلها لثقافة العمل بشكل لافت وكذلك بتفوق أبنائها الدراسي في الداخل والخارج. فكان هذا المهرجان الذي شد الانتباه مناسبة للقائمين عليه لعرض منتوجات شجرة اللوز ومشتقاتها مع ورشات تكوينية حول تقنيات صنع العديد من المواد التحويلية المستعملة في صناعة الحلويات التقليدية الصفاقسية المشهورة بجودتها في تونس وخارجها.
استعمالات عديدة
وقالت القلال أن هناك أنواعا عديدة من اللوز مثل «العشاق والفخفاخ والقسنطيني والزحاف» وأن اللوز يمثل قيمة اقتصادية وفلاحية هامة ومنه يتم تصنيع العديد من منتوجات التجميل المستخرجة من زيت اللوز الحلو. فالاستعمالات لهذه الثمرة متعددة ولا تقتصر على الأكل وصناعة الحلويات وهو ما يفسر كثرة الإقبال عليها محليا وخارجيا ورغبة الدولة في الترفيع من إنتاجها وتشجيع التظاهرات الهادفة إلى الإحتفاء والتعريف بها.
وقد أقيمت هذه الفعالية في برج القلال الأثري والتاريخي في صفاقس الذي يعود تشييده إلى القرن التاسع عشر في مدينة عرفت بعراقتها وتاريخها الضارب في القدم وسورها الخارجي الذي ما زال قائما إلى اليوم مع أبواب المدينة العتيقة وأشهرها باب الديوان. وتم تحويل هذا البرج الأثري العريق الذي ارتبط بعائلة القلال إلى مركز ثقافي بجهة صفاقس بمبادرة من صاحبه عبد السلام القلال في بادرة لاقت الاستحسان من أهالي صفاقس والمهتمين بالشأن الثقافي.
وتوضح آمنة القلال بالقول: «غالبا ما يتم الحديث عن شجرة الزيتون وبركتها ويتم تغييب شجرة اللوز التي لها قيمة وأهمية كبيرة». ولاحظت قلال تراجع إنتاج وزراعة شجرة اللوز في السنوات الأخيرة وتحول الخضراء من دولة مصدرة لهذه الثمرة إلى دولة مستوردة لها وهذا ينعكس سلبا على الميزان التجاري حسب قولها.
وقالت إنه من منطلق التشجيع على الاهتمام باللوز وتوسعة زراعته، يأتي هذا المهرجان في دورته الثانية بدعم من حلويات «غورمانديز» من أجل تثمين اللوز واعطائه حقه وتبيان أهميته وفوائده الصحية والغذائية والفلاحية. وأكدت محدثتنا على أن هذا المهرجان، الفريد من نوعه في تونس، ينتظم في دورته الثانية بمدينة صفاقس بمشاركة أكثر من 30 عارضا في مختلف المجالات الغذائية والتجميلية والتراثية.
زيادة الإنتاج
والحقيقة أن تحولات سيئة تشهدها تونس منذ عشر سنوات وتتمثل في تراجع الإنتاج وتعطله في جميع المجالات والتوجه نحو التوريد وهو ما يصيب البلد بالعجز ويدفع بها إلى التداين، وكأن الأمر يحصل بفعل فاعل يدفع باتجاه «الفوضى الخلاقة». واللوز على ما يبدو هو من المنتوجات الهامة التي كانت تعرف بها تونس وتحتل مراتب عالمية هامة في إنتاجه وتصديره، وقد تراجع إنتاجه كثيرا على غرار باقي المنتوجات الفلاحية، ولا يوجد على ما يبدو أفضل من هذه التظاهرات التحسيسية حتى تدفع باتجاه اتخاذ الدولة لجملة من الإجراءات حتى يعود الإنتاج إلى سالف عهده.
ولعل التحدي الأهم اليوم بالنسبة لكل الفاعلين في المجال الفلاحي والاقتصادي عموما، وحتى التراثي في صفاقس وغيرها من جهات البلاد المعروفة بإنتاج اللوز، هو التشجيع على تكثيف غراسة هذه الشجرة والعمل على زيادة الإنتاج، والحرص على جودة الثمار. وبذلك تستطيع منتجات اللوز أن تلعب دورها التنموي والثقافي وحتى يتم دعم الموروث المعرفي المحلي وتتم المحافظة على الشتلات المحلية من الإندثار على غرار ما حصل في قطاعات زراعية أخرى.
كما أن للوز بعد جمالي يضفي على حقوله سحرا استثنائيا، فالشجرة تزهر مع نهاية شهر شباط/فبراير من كل عام، فينتشر اللونان الأبيض والوردي على مد البصر في لوحة إبداعية فنية تستقطب الزائرين. وتتحول الأزهار إلى ثمار خضراء خلال شهر آذار/مارس ليتم جمعها في ذروة فصل الصيف بعد أن تنضج. وقد تغنى شاعر فلسطين محمود درويش باللوز وأزهاره البيضاء حائرا في وصف هذا الزهر الجميل الذي يضفي رونقا خاصا وسحرا آسرا على المساحات المزروعة بشجر اللوز.
#مهرجان #اللوز #في #صفاقس #توقعات #بأن #يبلغ #إنتاج #اللوز #في #تونس #نحو #ألف #طن #سنويا #القدس #العربي
تابعوا Tunisactus على Google News