نذر أزمة بين اتحاد الشغل والحكومة بسبب المؤسسات العمومية في تونس |
تونس – أثارت نوايا الحكومة التونسية برئاسة هشام المشيشي للمضي قدما في إصلاح المؤسسات العمومية وهو ملف مُرحل منذ سنوات حفيظة الاتحاد العام التونسي للشغل، أعرق المنظمات النقابية في البلاد، ما قد يسرع بصدام جديد بين المشيشي والمركزية النقابية هذه المرة وذلك وسط أزمة حادة تشهدها تونس على مختلف الأصعدة.
وصعّد السبت الأمين العام المساعد والناطق باسم الاتحاد، سامي الطاهري، مع المشيشي متهما إياه بـ”اختلاق المشاكل” مع المركزية النقابية. وذلك في وقت تحتد فيه الأزمة السياسية في تونس ما يثير تساؤلات عما إذا كان الاتحاد سيصطف مع الرئيس، قيس سعيد، ضد المشيشي الذي أجرى تعديلا وزاريا على حكومته أدخل البلاد في أزمة دستورية.
والطاهري، في تصريح لإذاعة موزاييك المحلية والخاصة أكد أنّ الاتحاد قرأ تصريح رئيس الحكومة هشام المشيشي في كلمته مؤخرا التي قال فيها “لا خطوط حمراء أمام إصلاح المؤسسات”، على أنّها “استفزاز واختلاق للمشاكل ودعوة إلى فتح صراع مع الاتحاد”، وفق تعبيره.
وقال الطاهري إنّ “تصريح رئيس الحكومة جاء فيه سياق تحدٍّ، ونحن جاهزون لهذا التحدي”، داعيا إلى أن يكون بين الاتحاد والحكومة وضوحا في الرؤية من الآن بعيدا عن “المواربة” و”التغطية”.
وأكّد الطاهري أنّ “الاتحاد لا يفهم غير ذلك من هذا التصريح الذي كرّره الجمعة مدير ديوان رئيس الحكومة المعز لدين الله المقدم على إحدى القنوات الخاصة، بطريقة وصفها بالرديئة والتي لا يمكن أن تكون إلاّ استفزازا واضحا ودعوة للصراع مع الاتحاد العام التونسي للشغل”.
سامي الطاهري: المشيشي يختلق المشاكل مع الاتحاد، ويدعو إلى الصراع معه
وشدّد الطاهري على أنّ الاتحاد متمسك بالدفاع عن المؤسسات العمومية باعتبارها ملكا للشعب، معترفا أنّ هذه المؤسسات تشكو العديد من المشاكل.
وكان المشيشي قد أثار مسألة إصلاح المؤسسات العمومية، التي يضغط المانحون الدوليون بدورهم من أجل الدفع نحو هذه الخطوة أو التفويت فيها، خلال كلمته في الجلسة التي منح فيها البرلمان الثقة لفريقه الحكومي الجديد.
وقال المشيشي إن “المرحلة المقبلة تتطلب أكثر من أي وقت مضى الانطلاق في مسار الإصلاحات في القطاع العمومي والمنشآت العمومية”، موضّحا أنّ “الهدف من الإصلاح هو أوّلا وقبل كلّ شيء تطوير جودة الخدمات العمومية، إذ ينبغي أن يكون المرفق العموميّ في خدمة المواطن بدعمه ومرافقته وأن يكون أداة للتيسير لا للتعسير، وللتسريع لا للتعطيل”.
وأضاف المشيشي أنه لا وجود لخطوط حمراء في هذا المجال على حد تعبيره. مؤكدا أنه سيتم إنشاء وكالة وطنية للإشراف على عملية إصلاح المؤسسات العمومية.
ولكن هذه العملية قد تواجه معارضة شرسة من الاتحاد بالرغم من الإشارات التي بعثت بها المركزية النقابية عن تأييدها لإصلاح المؤسسات العمومية.
وقال الطاهري إنّ الاتحاد يدعم جهود الإصلاح لكنه يرفض بشكل قطعي التفويت فيها، قائلا “نعم ثمة خطوط حمراء.. و70 ألف خط أحمر أمام بيع المؤسسات العمومية”.
وذكر المتحدث باسم الاتحاد والأمين العام المساعد أنّ اتحاد الشغل كان له اتفاق مع المؤسسات العمومية بمراجعة الهيكلة والحوكمة والتسيير والإدارة ومصادر التمويل وتسوية وضعية الديون والإصلاحات الاجتماعية، غير أنّه “يبدو أنّ كلّ رئيس حكومة جديد يريد نسف الاتفاقات السابقة ويبدأ التاريخ من حقبته متناسيا الطرف الاجتماعي”.
وكان الأمين العام لاتحاد الشغل، نورالدين الطبوبي، قد دعا الأسبوع الماضي المانحين الدوليين إلى تفهم الوضع الهش في بلاده وذلك في أعقاب توصيات من صندوق النقد الدولي لتونس بالقيام بإصلاحات في المؤسسات العمومية. وهي المرة الأولى التي تتطرق فيها توصيات الصندوق لهذا الملف، حيث قدم مقترحا يتضمن خطوة لإصلاح هذه المؤسسات.
كما حذر صندوق النقد الدولي من أن العجز المالي لتونس سيتفاقم إلى أكثر من 9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي إذا لم تسيطر الحكومة على مخصصات الدعم والأجور العامة، وذلك في ظل الاحتجاجات المستمرة في البلاد المطالبة بالشغل والتنمية منذ عشرة أيام في أرجاء البلاد.
وقال الطبوبي في حوار مع وكالة رويترز “نعي جيدا أننا نحتاج إصلاحات ولكن إصلاحات تحترم السيادة الوطنية ودون شروط.. لكل بلد خصوصيته ولا يمكن مثلا أن تُطبق السياسة التي جرت في اليونان أو في مصر في تونس”. مضيفا أنه “على صندوق النقد والمقرضين أن يتفهموا خصوصية الوضع الاجتماعي الهش في تونس، في البلد الذي يُعتبر استثناء في المنطقة”.
وأضاف الطبوبي الذي تُكابد منظمته من أجل تقريب وجهات النظر بين السياسيين الذين يتصارعون حول الصلاحيات في بلاده، أن الاتحاد يريد أن يتفاوض مع حكومة قوية للاتفاق حول الإصلاحات الاقتصادية، لافتا إلى أنه مستعد لدراسة كل المؤسسات العمومية حالة بحالة.