نيويورك تايمز: كرة القدم متناحرة مع السياسة والهوية في الشرق الأوسط.. وقطر تستحق شرف تنظيم المونديال
لندن- “القدس العربي”: لماذا تستحق قطر تنظيم كأس العالم؟ سؤال طرحه البرفسور عبد الله العريان، الأستاذ في جامعة جورج تاون- فرع قطر، ومحرر كتاب “كرة القدم في الشرق الأوسط: الدولة والمجتمع واللعبة الجميلة” وردّ عليه بمقال في صحيفة “نيويورك تايمز” قائلا: “عندما أعلنت فيفا في 2010 عن قطر كدولة مضيفة لمباريات كأس العالم 2022، فاجأ القرار المشجعين ومعلقي الرياضة الذين أخذوا يحكّون رؤوسهم متسائلين مرة بعد الأخرى عن قطر وعلاقتها بتنظيم المباريات، فالجو حار جدا، ولا يوجد هناك عدد من ملاعب الكرة الكافية، ولا يوجد لدى البلد سوى فريق كرة قدم بمستوى متواضع. وهناك بالطبع سؤال: من سيبني تلك المنشآت وفي أي ظروف. وكما قال رئيس الفيفا السابق جوزيف بلاتر، النادم والذي أعلن عن فوز قطر قبل 12 عاما، في تصريحات قبل فترة: كرة القدم وكأس العالم كبيران جداً على البلد”.
ويعلق الكاتب أن هناك مزايا لهذه الشكاوى، فالجو الحار في تموز/ يوليو، ما يعني استحالة عقد المباريات في الصيف، وصحيح أن الفريق الوطني لم يتأهل أبدا لكأس العالم. إلا أن بعض ردود الفعل كانت متجذرة في الفرضيات حول قطر والشرق الأوسط بشكل عام، بما فيها الاعتقاد أن المنطقة لا تاريخ لديها في مجال كرة القدم. وعندما يتم افتتاح المونديال، يوم الأحد، فستكون أول مرة تعقد فيها المباريات في منطقة يبلغ عدد سكانها 440 مليون نسمة، مع أن المنطقة لها قرن من الممارسة والتاريخ في مجال اللعبة الجميلة.
ويقول إن قصة كرة القدم في العالم العربي، مرتبطة مثل كل تاريخ المنطقة بالفترة الاستعمارية والكفاح ضده. وأدخل المستعمرون البريطانيون والفرنسيون اللعبة للمنطقة كوسيلة لزرع الطاعة والانضباط بين السكان المستَعمرين (بفتح التاء) ومن خلال التركيز على البناء الجسدي والنظام القائم على الانضباط الذي تمنحه كرة القدم.
ونتيجة لهذا، فلطالما استحضرت النخبة العربية إنشاء نوادي كرة القدم وتنظيم المباريات كعلامة على التقدم الثقافي والكفاح من أجل الاستقلال. وحدث هذا كما يقول الكاتب في مصر والأردن وفلسطين والسودان، حيث أظهرت الحركات القومية المطالبة بالاستقلال عن القوى الاستعمارية، دور كرة القدم في الاحتجاجات وإنشاء الأحزاب السياسية وتقوية الهوية الوطنية. وقامت حركة التحرير الوطني الجزائرية “فلان” أثناء حرب التحرير ضد المستعمر الفرنسين بتشكيل فريق كرة قدم في المنفى عام 1958. وعاقبت الفيفا وبضغط فرنسي، كل الفرق التي لعبت مباريات مع فريق “فلان”. وفي نفس السياق، فالفريق الوطني القطري سابق بعقد تقريبا على استقلال البلد عن بريطانيا عام 1971.
ولا تزال كرة القدم متناحرة مع الهوية في الشرق الأوسط اليوم. وهذا واضح من إعلان قطر كمضيفة لكأس العالم، حيث شهد العالم العربي حركة احتجاج واسعة أطاحت بحكام مثل زين العابدين بن علي في تونس، ثم ظهرت حركات أخرى في البحرين ومصر وليبيا واليمن وسوريا وأماكن أخرى. وكانت أهمية كرة القدم الثقافية والسياسية واضحة في هذه الحركات، فمشجعو كرة القدم والألتراس في مصر، كانوا في مقدمة المتظاهرين يواجهون قوى الأمن بالحجارة ويختنقون بالغاز المسيل للدموع. وبنى الألتراس في تونس حضورا على منابر الإنترنت، حيث شاركوا في دعوات التحرك وتجنب مراقبة الدولة. وفي البحرين، مُنع نجم الكرة محمد عدنان من المشاركة بمع الفريق الوطني بعد مشاركته في تظاهرات احتجاجية.
وفي العالم العربي، كما في أي مكان، تظل لعبة كرة القدم طريقة للإمساك بالمخيال الجمعي ومركز اهتمام الأجيال. ويظهر هذا في صعود لاعبين لمرتبة النجومية مثل رياض محرز، وهو جزائري، ومحمد صلاح، وهو مصري، وكلاهما فائز بلقب الدوري الإنكليزي، حيث انتصرا على الفرص المحدودة في بلديهما والقوى المعادية للمهاجرين في الخارج. ومن خلال هذه القصص، جرّب المشجعون العرب الطبيعة المتعالية/ المتسامية لكرة القدم.
وأشار الكاتب لما كتبه الشاعر الفلسطيني المعروف محمود درويش، من أن كرة القدم هي “ساحة التعبير التي يوفرها تواطؤ الحاكم والمحكوم في زنزانة الديمقراطية العربية المهددة بخنق سجانها وسجنائها معا، وفسحة تنفس تتيح للوطن المفتت أن يلتئم حول مشترك ما”.
وبعد عقد من انتفاضات الربيع العربي، أصبحت الكثير من دول الشرق الأوسط قمعية بشكل كبير، لدرجة أصبحت فيها الحاجة لمساحة تنفس ملحة أكثر من أي وقت مضى.
والحقيقة التي يبدو أن قلة خارج الشرق الأوسط والشتات قادرة على فهمها، هي أن الشرق الأوسط وكرة القدم حاضران في نفس الكلمة في الخارج. وفي العادة يحضر الكلام حول الدور المفسِد لمال الخليج على اللعبة، من أعضاء مجلس أمناء فريق مانشستر سيتي الذي يملكه الإماراتيون، والذين يقومون بالضغط على الحكومة البريطانية بالإنابة عن مصالح حكومة أبو ظبي الإستراتيجية. وكذا نادي باريس سان جيرمان الذي يملكه القطريون، واشترى اللاعب البرازيلي نيمار بمبلغ خيالي عام 2017، وهو 263 مليون دولار، في وقت كانت قطر محاصرة من جيرانها.
صحيح أن استغلال كرة القدم للمصالح الجيوسياسية، عرّض اللعبة للخطر، إلا أن هناك عمى مقصودا وواضحا. فقبل أن تحول الصناديق السيادية الخليجية وثرواتها نوادي أوروبية تعاني من مصاعب إلى نوادي النخبة، كانت النوادي الأوروبية تعوم على أموال ضُخت فيها من الصين وروسيا والولايات المتحدة. وما فعلته دول الخليج، وآخرها السعودية التي اشترت نادي نيوكاسل يونايتد، هو تكثيف التحول في اللعبة إلى مشروع متميز للملاك من أصحاب المليارات والذي يحدث منذ عدة سنوات.
وسواء حدث هذا عبر الأرقام الفلكية للاعبين، أو أسعار التذاكر باهظة الثمن، أو رخص بث المباريات التي يتم تحويلها للمستهلكين، ما يعني أن لعبة كرة القدم لم تعد متوفرة للمشجعين.
وهنا يشير الكاتب لموضوع المونديال الحالي، ففي الوقت الذي سيجد فيه المشجعون في أوروبا والولايات المتحدة صعوبة في الوصول إلى قطر، إلا أن المشجعين في الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا، لن يجدوا صعوبة في الوصول لكأس العالم الحالي، فلن يواجهوا تكاليف الرحلة الباهظة أو متطلبات التأشيرات التي تتدخل في كل الخصوصية. وفي الولايات المتحدة، المضيف القادم لكأس العالم 2026، كان لديها حتى وقت قريب، قانون يمنع المسلمين من الدخول إلى أراضيها، مما يعني منع 100 ألف إيراني يخططون للقيام بالرحلة القصيرة إلى قطر لحضور مباريات هذا العام، مشيرا إلى أن التقارير التي تحدثت عن رفض تأشيرات على بعض اليمنيين، أثرت على النقاط المضيئة لكأس العالم الحالي.
وقال الكاتب إن مباريات كأس العالم والتحضير لها ظلت تلاحقها موضوعات أخرى والكثير منها مشروع. وأكبر قلق هو حقوق العمالة الوافدة في قطر، وهو ما تحدثت عنه منظمات حقوق الإنسان والصحافيون والمشجعون ومنظمة العمل الدولية التي قامت وعلى مدى عقد بالتحقيق في مزاعم استغلال عبر نظام الكفالة، مع أن الكثير من الخطاب كان مموّها بلهجة استشراقية، يتعامل مع قطر ودول الخليج الأخرى عبر خطاب الخصوصية، وليست كدول تعتبر في مركز تدفق رأس المال العالمي والعمالة.
ومن بين التحليلات، تحليل نشر عام 2010 وربط الكفالة بحسّ الشرف، وتحدث آخر عن النظام باعتباره تطورا طبيعيا للتقاليد العربية. وفي الحقيقة كان نظام الكفالة اختراعا بريطانيا ورثته دول الخليج المستقلة عنها. وفي الوقت الذي ستظل مسألة تفكيك النظام قائمة، إلا أن طريقة تطبيقه ستظل قائمة حتى بعد أن تنحرف الأضواء على كأس العالم. ويأمل الشخص أن يتم التركيز على ظروف العمالة في مباريات مقبلة بنفس الطريقة التي تعرضت فيها قطر للتمحيص.
وفي النهاية، تمثل مباريات كأس العالم كل ما هو خطأ في أحداث ضخمة تم تسليعها بشكل مفرط من قبل شركات الاستشارات العالمية، والشركات متعددة الجنسيات والوكالات الحكومية، ومع ذلك تظل مباريات العام الحالي تأكيدا على أن اللعبة لم تعد احتكارا أوروبيا، والمستعمرات السابقة للدول الأوروبية في أمريكا اللاتينية. وتظل كرة القدم قوة ثقافية لا مثيل لها، وتجاوز تاريخها المعقّد الحدود، ولامست قلوب الملايين في الشرق الأوسط وأبعد منه. وهي اللعبة التي تظهر القوة والآمال والمخاوف والقلق والتطلعات. ومع وصول المنتخبات الـ32 المشاركة في المونديال، فسيتحول التركيز عليها، وستكون في مركز الضوء.
#نيويورك #تايمز #كرة #القدم #متناحرة #مع #السياسة #والهوية #في #الشرق #الأوسط. #وقطر #تستحق #شرف #تنظيم #المونديال
تابعوا Tunisactus على Google News