هكذا حولت حرب أوكرانيا اقتصاد العالم من الانتعاش إلى الركود
من المفترض أن يكون العام 2022 عام الثبات بعد الانتعاش القوي الذي شهده الاقتصاد العالمي
في العام 2021، بعيداً عن الإقفال والحجر.
بدلاً
من ذلك، أثارت الحرب المستمرّة في أوكرانيا منذ ستة أشهر مخاوف من الركود.
اقتصادان
“صغيران” يهزّان العالم
تقول
وكالة التصنيف الائتماني “ستاندرد أند بورز” في إحدى مذكّراتها: “قبل
ستة أشهر فقط، كان المشهد الاقتصادي مختلفاً تماماً عن المشهد الحالي”. كانت آفاق
النمو الجيدة آخذة في الظهور في جميع أنحاء العالم، وكان يُنظر إلى التضخّم على
أنه “مؤقت إلى حدّ كبير”.
وتضيف
الوكالة “تغيّرت الأمور، ولكن ليس نحو الأفضل”.
لم تتوقّف
المؤسسات الدولية عن خفض توقعاتها لهذه السنة بشأن النمو العالمي، إذ يتوقّع صندوق
النقد الدولي أن يبلغ 3.2 في المئة مقابل حوالي خمسة في المئة في تشرين الأول/ أكتوبر
2021.
ومع
ذلك، فإنه كان من الصعب التخيّل في 24 شباط/ فبراير، يوم الغزو الروسي لأوكرانيا، أنّ دولتين
تشكّلان 2 في المئة فقط من الناتج المحلّي الإجمالي والتجارة العالمية، وفقاً لمنظمة
التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، ستُغرقان الكوكب في حالة ركود.
ورغم
وزنهما المتواضع، تعدّ أوكرانيا وروسيا مصدرين رئيسيين للحبوب والطاقة، وقد أدّت الحرب
إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير.
اشتعال
أسعار الأغذية والنفط والغاز
في تونس،
تقول نعيمة دغاوي وهي ممرضة سابقة تبلغ من العمر 70 عاما: “تعاني الطبقات العاملة
من كارثة”.
وتضيف:
“ترتفع الأسعار في كل مكان تقريباً، الأسماك والمشمش والفلفل الحار الذي تضاعف
سعره أربع مرّات، حتى اللحم الأحمر”.
على
بعد 11 ألف كيلومتر، في فالبارايسو في تشيلي، يشير نايبب بينيرا وهو مساعد اجتماعي
يبلغ من العمر 33 عاماً، إلى أنّ “كلّ شيء بات أغلى بكثير”. ويوضح أنّ لتر
الوقود يكلّف 1300 بيزوس (1.42 يورو لليتر الواحد و5.50 دولار للغالون الأمريكي)
“وهو ما يدفعه الأوروبيون عملياً ولكن براتب أوروبي”.
ووصل
ارتفاع أسعار المواد الغذائية المرتبط بارتفاع تكاليف النقل والمنتجات مثل القمح والزيوت
والأسمدة، إلى حدٍّ دفع الأمم المتحدة إلى التحذير من خطر “إعصار من المجاعات”
في أفريقيا، على الرغم من أنّ الأسعار هدأت في الأسابيع الأخيرة.
ويشعر
القطاع الصناعي أيضاً بحرارة الأسعار، إذ تعاني القطاعات المستهلكة للطاقة بشكل مكثّف
مثل الصناعات الكيميائية وصناعة الصلب والتعدين بفعل الأزمة، ما يقوّض الصناعة التحويلية
في ألمانيا وإيطاليا.
أمّا
في الصين واليابان، فقد أُضعف القطاع بسبب الاستراتيجية الصينية المتمثلة بصفر كوفيد.
قادة ومحافظو مصارف مركزية مرتبكون
وعادت
الدول المتقدّمة إلى دعم اقتصاداتها في مواجهة التضخّم، رغم أنها كانت تأمل في وقف
المساعدات المقدّمة خلال عمليات الإغلاق المرتبطة بكوفيد-19.
وفي
ظلّ دعم تكاليف التدفئة وتخفيضات ضرائب الوقود وتحديد سقوف الأسعار والضرائب على أرباح
شركات النفط… فقد تحرّكت الدول الأوروبية في سبيل إيجاد الحلول، بينما تبنّت الولايات
المتحدة “قانون خفض التضخّم” وهو خطة استثمارية بقيمة 370 مليار دولار.
أصبح
الدعم العام ضروريًا أكثر فأكثر عبر تشديد السياسة النقدية من قبل محافظي المصارف المركزية،
للحد من التضخّم.
يقول
بيرتراند كانديلون أستاذ العلوم المالية في الجامعة الكاثوليكية في لوفان: “لم
يعد لديهم (محافظي المصارف) خيار”.
إلّا
أنّ هذه الزيادات في أسعار الفائدة تسبّبت في حدوث اضطراب في الأسواق المالية، حيث
سجّلت الولايات المتحدة أسوأ خسارات نصف سنوية منذ 14 عاماً، بناء على مؤشر “ستاندارد آند بورز 500”.
تباطؤ عالمي…
ثمّ ركود؟
تعطي
المؤشرات العالمية القليل من التفاؤل، فقد انخفضت ثقة المستهلك الأمريكي إلى أدنى مستوياتها
التاريخية على الإطلاق، ووصلت معنويات رجال الأعمال الألمان إلى أدنى مستوى لها
منذ عامين، في حين تمرّ سوق العقارات الصينية في أزمة حادّة.
ويحذّر
كانديلون من أنّ أوروبا تواجه “شتاءً مليئاً بالمخاطر” في مجال الطاقة، بناءً
على فرضية لجوء روسيا إلى خفض إمدادات الغاز من جديد.
إضافة
إلى ما تقدّم، فقد أدّى تشديد السياسة النقدية من قبل المصارف المركزية، إلى تزايد المخاوف
من حدوث ركود عالمي على الرغم من أنّ التكهّنات الرئيسية استبعدت هذا الاحتمال حتى
الآن.
ويأتي
ذلك في الوقت الذي يُظهر فيه الاقتصاد العالمي مؤشرات على الصمود، إذ تبدو سوق العمل
الأوروبية والأمريكية في صحّة جيدة.
وقد
دفع ذلك إدارة الرئيس جو بايدن إلى القول إنّ الولايات المتحدة لا تمر حالياً في حالة
ركود رغم الرُبعين المتتالين اللذين شهدا انخفاضاً في الناتج المحلي الإجمالي.
غير
أنّ الإشارات المختلطة دفعت المحلّلين لدى “إتش إس بي سي” إلى مقارنة الموقف
بالتجربة التي أجراها الفيزيائي النمساوي إروين شرودنغر الحائز على جائزة نوبل، لحلّ
مفارقة كمومية قد تشهد حالتين في الوقت ذاته. يقولون: “تماماً مثلما كانت قطّة
إروين شرودنغر ميتة وحيّة في الوقت ذاته، فقد يكون الاقتصاد العالمي في حالة ركود أو
لا – على الأقل حتى الآن”.
#هكذا #حولت #حرب #أوكرانيا #اقتصاد #العالم #من #الانتعاش #إلى #الركود
تابعوا Tunisactus على Google News