- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

هل صندوق النقد مجبر على تمويل تونس – أقلام حرة

تبدو بعض الأوساط السياسية التونسية مقتنعة بأن صندوق النقد الدولي سيجده نفسه مضطرا ليقدم لتونس الدعم الذي تحتاجه، وأن الحملات والتحركات التحذيرية من “انهيار” الوضع في البلاد ليست سوى حيلة من الصندوق وكبار المساهمين فيه للضغط على الرئيس قيس سعيد من أجل توقيع الاتفاق الذي يتنافى في جانب منه مع قناعاته الشخصية بشأن السيادة الوطنية، ولذلك فهو يدعو باستمرار إلى الاعتماد على الذات.يبني البعض هذا الاستنتاج المتفائل على حاجة أوروبا وحتى أميركا إلى استقرار تونس، وأن موقعها الإستراتيجي لا يترك أمام الغرب سوى تقديم الدعم لحماية أمنه وحتى يحافظ على موقعه المتقدم لمراقبة أفريقيا ومواجهة النفوذ المتزايد لروسيا والصين وتركيا وإيران والتحالفات الناشئة في القارة.من المهم التذكير بأن دول أوروبا مساهمة في الصندوق كل حسب أحجامها، لكن تأثيرها في قرار الصندوق محدود، وأن القرار بيد كبار المساهمين وعلى رأسهم الولايات المتحدة. ومن ثمة، يجب أن نسأل إن كانت واشنطن على استعداد لإعطاء إشارة خضراء للصندوق كي يضخ الأموال التي تطلبها تونس بشكل تام، أو إعطاء دفعة اختبار أولى.وقد أشرنا في مرة سابقة إلى أن واشنطن ليست متحمسة لـ”إنقاذ” تونس لسبب واضح أنها ترى في الوضع التونسي ملفا لحقوق الإنسان، أي تريد أن يسبق أيّ إفراج من صندوق النقد على الأموال خطوات سياسية فيها انفتاح واضح على المعارضة، وهو أمر يرفضه قيس سعيد ولا يريد مناقشته ليس فقط مع الأميركيين، ولكن مع دول عربية عرضت “وساطة” مقابل تقديم الدعم.يبقى أن إيطاليا تتحرك يمنة ويسرة وتتصل وتنسق وتصرخ لإنقاذ تونس، فهذا لكونها معنية بشكل مباشر بتطورات فشل الحكومة التونسية في السيطرة على الوضع، ما سيقود إلى تدفق كبير للاجئين نحوها ويقوض إستراتيجية اليمين الإيطالي الحاكم بمعالجة قضية الهجرة في دول الانطلاق، أي دعم دول مثل تونس وليبيا من أجل القيام بمهمة صد المهاجرين إما بإعادة طردهم إلى الدول التي جاؤوا منها أو بإقامة مخيمات وملاجئ لهم على أن يحصلوا مقابل ذلك على دعم من أوروبا.حسابات إيطاليا غير حسابات الولايات المتحدة ولا ألمانيا، وهي الأقدر أوروبيا على المساعدة والأكثر وزنا إذا رغبت في التحرك لدى صندوق النقد، لكنها مشغولة بهمومها الناشئة بسبب الصراع في أوكرانيا وأزمة الغاز واضطرارها للالتزام بالعقوبات على روسيا.والمعطى الأهم الذي يقف وراء تأخير الصندوق للحسم في الموقف التونسي أن حكومة نجلاء بودن لم تقطع خطوات عملية في تبني الإصلاحات التي يطلبها بشكل واضح بما في ذلك خفض دعم المواد الغذائية والطاقة وإصلاح المؤسسات العمومية والتحكم في كتلة الرواتب.ويطالب صندوق النقد بضمانات حقيقية لتطبيق حزمة إصلاحات قبل البدء بصرف الشريحة الأولى من القرض.وليس هناك ما يجعل الصندوق مقتنعا بأن الشريحة الأولى من القرض ستذهب مباشرة لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تعاني بسبب عوامل عدة، وهي التي توفر الوظائف خاصة لخريجي الجامعات، وتحتاج إلى الدعم لتقف مجددا وتحيي دورها الاقتصادي.كما أنه ليس لديه ما يفيد بأن الحكومة الحالية لن تسلك طريقة سابقاتها في أن تستمر بأخذ القروض لدفع الرواتب على مدى أكثر من 10 سنوات، وشراء السلم الاجتماعي من خلال كسب ود اتحاد الشغل وضخ الزيادات للقطاع العام وإسكات مطالب لا تتوقف أبدا.وهذه سياسة حكومية سيئة بلا أفق لا يريد الصندوق أن يجاريها تحت أيّ ظرف، وهو لا يقبل التخويف بالانهيار الاقتصادي أو ظهور موجة من الاحتجاجات الشعبية كما حصل في تجارب “إصلاح” سابقة.وفي خضم هذا الجدل، لماذا تكتفي الحكومة التونسية بالصمت ولا تعلن عن برنامجها التفصيلي بشأن الإصلاحات الاقتصادية، ولا تقول للصندوق أين وصلت خطواتها، وترسل إشارات مشجعة، خاصة أن هذه الإصلاحات لا مفر منها.هل أن توقفها عن المضي في البرنامج الإصلاحي سياسي بحت أم أنها لم تجد تفهما من الشركاء الاجتماعيين، أم أن حديثها الأول وحماسها وخططها كانت كلها عناصر للتمويه.لا يمكن للصندوق أن يبني مشاركة مع حكومة لا تتكلم، ولا تخطط، ولا تنفذ، ولا تفي بتعهداتها، وهذا سبب فشل الحكومات السابقة في كسب ودّ الصندوق، حيث كان الوزراء المعنيون يوهمون بالموافقة ثم يصمتون إلى حين تأتي حكومة جديدة وتجهّز وعودا جديدة.وفي يونيو الماضي، كشفت الحكومة التونسية في مؤتمر صحفي كبير حضره 13 وزيرا عن جملة من الإصلاحات الهيكلية والعميقة، تشمل رفع الدعم عن المواد الأساسية تدريجياً، وإلغاء دعم المحروقات والغاز والكهرباء في أفق سنة 2026، مع إقرار تحويلات مالية للأسر التونسية وبخاصة منها الفقيرة كي لا تتأثر بإلغاء الدعم.وتحتاج الإصلاحات كذلك إلى تهيئة للرأي العام المحلي والشركاء الاجتماعيين، وهذا يتطلب اجتماعات وندوات ونقاشات علنية، وهو ما لم تقم به حكومة بودن بعد.ما يظهر في الصورة أن اتحاد الشغل يعارض إصلاحات صندوق النقد الدولي، ويلوّح بمواجهتها، لكن لا شيء يمنع الصندوق من الاستنتاج أن الحكومة غير متحمسة أو أنها تناور لربح الوقت خاصة بعد التصريحات الأخيرة للرئيس سعيد التي أوحى فيها بأنه لن يقبل الإملاءات الخارجية وذكر الصندوق بالاسم حين أكد ”بالنسبة إلى صندوق النقد الدولي، الإملاءات التي تأتي من الخارج وتؤدي إلى مزيد التفقير مرفوضة”.وقال سعيد ”السلم الأهلية ليست باللعبة أو الأمر الهين”، مذكرا بأحداث “ثورة الخبز” التي اندلعت في عام 1984 بتونس لدى قرار الحكومة آنذاك مضاعفة أسعار الخبز ما أدى إلى صدامات في الشوارع وسقوط قتلى.وبالمقابل، فإنه حث التونسيين على الاعتماد على الذات، وهو شعار مهمّ ويلاقي هوى في النفوس. لكن المشكلة أن فرص الاعتماد على الذات محدودة جدا بسبب الظروف الصعبة التي يعيشها الناس.فكرة الرئيس سعيد تقوم في أساسها على تعبئة الموارد الداخلية لتوفير العجز في الميزانية، لكن من أين سيأتي هذا، وماذا تمتلك الحكومة من بدائل. وأيا كانت الفكرة، فإنها ستقوم في جانب رئيسي منها على تحميل المواطن جزءا من الأعباء من خلال زيادات في الأسعار والخدمات والضرائب والاستمرار في مسار رفع الدعم الكلي عن المحروقات، مع المحافظة على أسعار المواد الغذائية التي يعتبر الاقتراب منها خطا أحمر شعبيا.وقد سعت الحكومة التونسية وعملت ما في وسعها لتحسين فرص الاعتماد على الذات لمواجهة الأزمة الاقتصادية، لكن النتائج لا تبدو مشجعة خاصة ما تعلق بموضوع الصلح الجزائي، والمقصود به المصالحة مع رجال الأعمال والذين سبق أن حازوا أموالا من بنوك حكومية ثم تعذر عليهم إرجاعها أو استفادوا من فساد حكومي أو شبكة علاقات سياسية للتهرب من إرجاع تلك الأموال المقدرة بحوالي 13.5 مليار دينار تونسي ( حوالي 3 مليارات دولار).ومن المهم الإشارة إلى أن الحكومة تتحرك في مسار خلق البدائل المحلية بتردد وبطء، فهي من ناحية تسير في رفع الدعم عن المحروقات من هنا إلى آخر 2023، لكنها بالتوازي لم تلجأ إلى خطوات فعالة في بدء مسار التقشف داخل المؤسسات الحكومية والإدارات الكبرى، وهو مطلب يظل يرفع منذ ثورة 2011، ويخص تحجيم ظاهرة السيارات الإدارية والكوبونات المجانية للمسؤولين في الإدارة.وتقول كل المؤشرات إن البدائل الذاتية محدودة، وإن أقصى ما تحققه أنها تساعد على إنجاح برنامج الإصلاح الذي يطلبه صندوق النقد الدولي، ولكنها لوحدها لا توفر أيّ حلول.مختار الدبابي

- الإعلانات -

#هل #صندوق #النقد #مجبر #على #تمويل #تونس #أقلام #حرة

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد