“وباء الانقلابات” يضرب أفريقيا.. ومخاوف دولية من الأعراض
خلال أقل من عام، شهدت القارة الأفريقية أربعة انقلابات عسكرية، كان آخرها استيلاء العسكر على السلطة في السودان، وهو ما اعتبره مراقبون عودة القارة إلى المربع الأول بعد سنوات من الاستقرار السياسي.
استولى القادة العسكريون على الحكم في غينيا وتشاد ومالي على السلطة، وأُحبطت محاولات انقلابات عسكرية هذا العام في كل من مدغشقر وجمهورية إفريقيا الوسطى والنيجر.
بالإضافة إلى هذه الانقلابات، تشهد عدد من دول القارة أزمات سياسية واقتصادية حادة؛ فتعاني تونس من أزمة سياسية بعد قرارات الرئيس قيس سعيد تجميد عمل البرلمان وحل الحكومة، وتستمر الحرب في ليبيا بعد 10 سنوات من اندلاع الثورة في 2011.
يقول جوناثان باول، الأستاذ المساعد في جامعة سنترال فلوريدا والخبير في الانقلابات، لصحيفة وول ستريت جورنل، إن الرقم هو الأعلى منذ 1980، حين حصلت البلدان الأفريقية على استقلالها عندما استولى الجنرالات والسياسيون على السلطة.
“وباء الانقلاب العسكري”
والنتيجة هي ما أسماه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، “وباء الانقلاب العسكري” في خطاب ألقاه في أعقاب انقلاب الجيش على المكون المدني في السودان. ودعا غوتيريش مجلس الأمن الدولي إلى التحرك، وقال: “يشعر بعض القادة العسكريين أنهم يتمتعون بإفلات كامل من العقاب”.
يقول الدبلوماسي الأميركي السابق في السودان، كاميرون هدسون، إن “الوضع في القارة أصبح خطيرا للغاية، ويعكس العالم متعدد الأقطاب الذي نعيش فيه، لأن العديد من البلدان لها تأثير سياسي واقتصادي على الدول الأفريقية”.
وأضاف هدسون، الباحث في المجلس الأطلسي، في تصريحات لموقع قناة “الحرة” “ما نشهده ليس الحرب الباردة فحسب، بل العالم الثنائي القطب”.
لكن هدسون أشار، في الوقت ذاته، إلى وجود تقدم وانتخابات ديمقراطية وانتقال سلمي للسلطة في بعض الدول الإفريقية.
وقال الرئيس الكيني، أوهورو كينياتا، خلال اجتماع افتراضي لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، نهاية الشهر الماضي، إن إفريقيا في مفترق طرق؛ تستعد من ناحية لجني الفوائد الاقتصادية بفضل سكانها الشباب والإصلاحات الاقتصادية، لكنها تواجه انتشار الإرهاب والتمرد من ناحية أخرى، وهو ما يمثل تحديا لكل الدول الـ54 في القارة تقريبا.
وأشار رئيس غانا، نانا أكوفو أدو، إلى التهديدات المتعددة لسلامة الأراضي الإقليمية لبعض الدول الأفريقية، حيث يواجه العديد من المدنيين تهديدات خطيرة، وعدم الاستقرار في بعض الدول، وهو واقع تضافعه مصالح الجهات الفاعلة المختلفة، ليس فقط داخل مناطق الصراع، ولكن أيضا من خارج القارة.
وقال كينياتا، الذي تتولى بلاده رئاسة المجلس هذا الشهر وترأست الاجتماع، إن الأوضاع تفاقمت بسبب الارتفاع الأخير في الانقلابات “التي اعتقدنا أننا تركناها وراءنا”، والجائحة التي أدت لتراجع المكتسبات الاقتصادية “وأغرقت عددا كبيرا من الأفارقة في الفقر الذي نجوا منه بعد العقدين الأخيرين من النمو الاقتصادي”.
وعاد الصراع إلى منطقة القرن الأفريقي مع تفاقم أزمة إقليم تيغراي، وتحدثت تقارير عن تقدم جبهة تحرير تيغراي نحو العاصمة الإثيوبية أديس أبابا بعد سيطرتها على مدينتين استراتيجيتين، ديسي وكومبولشا.
وأكد الباحث في الشأن الأفريقي، عبد الرحمن السيد، في تصريحات لموقع “الحرة” أن ما يحدث في منطقة القرن الأفريقي تغير خطير يؤثر على استقرار المنطقة، لأن السودان وأثيوبيا من أكبر دول القارة.
تأتي عودة القادة العسكريين الأقوياء في أفريقيا جنوب الصحراء بعد عقد من احتجاجات الربيع العربي في الشرق الأوسط، عندما كان كثيرون يأملون أن تترسخ الديمقراطية في هذه المنطقة التي سيطر عليها الجنرالات لعقود. وتأتي، أيضا، بعد ثلاثة عقود من انتقال العديد من دول أميركا اللاتينية وجنوب شرق آسيا من الحكم العسكري إلى الديمقراطي.
مرتزقة فاغنر
ويرى دبلوماسيون ومحللون أن أحد الأسباب الرئيسية لتصاعد الانقلابات في أفريقيا هو رغبة عدد من القوى الدولية في التعامل مع الأنظمة الاستبدادية، وفقا لصحيفة وول ستريت جورنال.
وأشارت الصحيفة إلى روسيا، التي توسع نفوذها في القارة من خلال بيع الأسلحة، ومجموعة مرتزقة فاغنر التي اتهمتها الأمم المتحدة بارتكاب انتهاكات في جمهورية أفريقيا الوسطى التي تشهد نزاعا مستمرا.
كما اتهم وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، الشهر الماضي، مرتزقة فاغنر الروسية الخاصة بـ “الحلول مكان” سلطة الدولة في أفريقيا الوسطى، وتجريدها من قدرتها المالية.
وقال لودريان في برنامج على شبكة “فرانس 5” إنه “عندما يدخلون دولة ما يضاعفون الانتهاكات والابتزازات والانقضاض أحيانا، من أجل الحلول مكان سلطة البلد”، مشيرا إلى أن “المثال الصارخ هو جمهورية أفريقيا الوسطى حيث تصادر القدرة المالية للدولة”.
ودائما ما تنفي موسكو هذه الاتهامات، لكن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، اعترف بشكل غير مباشر في تصريحات نهاية سبتمبر الماضي، بوجود مرتزقة فاغنر في مالي.
وأضاف أن مالي هي من طلبت من شركات روسية خاصة تعزيز الأمن فيها، مشددا أن لا علاقة لموسكو بذلك.
يقول السيد إن المرتزقة سبب ثانوي في عودة الانقلابات، لكنها تجد الاضطرابات أرضا خصبة لكسب المال.
وتقول فيرجيني بوديس، الخبيرة في منطقة الساحل الأفريقي في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، إن “الافتقار إلى ردود حازمة ومنسقة ساعد القادة العسكريين على البقاء في السلطة. على النقيض من ذلك، فقد واجه قادة الانقلاب في النيجر في عامي 1999 و2010 تخفيضات كبيرة في المساعدات الدولية، واضطروا إلى التراجع”.
تدفق اللاجئين
كما أرجع عبد الرحمن السيد حدوث الإنقلابات إلى غياب آلية في الاتحاد الأفريقي لمنعها، بالإضافة إلى تفشي الفساد والبطالة والأزمات الاقتصادية، وهشاشة مؤسسات الدولة الديمقراطية.
أما الدبلوماسي الأميركي السابق فيجد رابطا بين التركيبة السكانية لأفريقيا، حيث إن متوسط العمر 19 سنة وظاهرة الإنقلابات، مشيرا إلى أن “هؤلاء الشباب يريدون العيش في مجتمعات ديمقراطية منفتحة ومتقدمة اقتصادية، ويضغطون على الأنظمة الديكتاتورية في بلادهم للتغير، وعندما تفشل الأنظمة في ذلك تأتي الانقلابات وعدم الاستقرار السياسي وهو أسو”.
وبالنسبة لتأثير ما يحدث على العالم، يقول السيد إن حدوث اضطرابات في منطقة القرن الأفريقي قد يؤثر على حركة الملاحة في البحر الأحمر، وبالتالي تأخر تدفق المنتجات إلى أوروبا والعالم، وهو ما قد يسبب أزمة اقتصادية عالمية.
ولفت إلى أن انتشار الاضطرابات في هذه الدول يدفع الشباب إلى الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا هربا من الحرب والصراعات.
ويقول هدسون: “إذا لم يتمكن الناس من العيش بسلام والحصول على وظائف، فسيحاولون الذهاب إلى مكان ما حيث يمكنهم ذلك”.
#وباء #الانقلابات #يضرب #أفريقيا #ومخاوف #دولية #من #الأعراض
تابعوا Tunisactus على Google News