وفاء بوعتور: معوقو اللغة والمترصدين هاجموا ديواني.. وأستحق التكريم (حوار)
قبل أيام شغلت الشّاعرة التونسية وفاء بوعتّور، الوسط الثقافي التونسي والعربي على خلفية نشر ديوانها المعنون بـ«نهديات السيدة واو.. الشطحة الأولى» وبعد الضجة التي أثارها والهجوم الشرس الذي تعرضت له، أعلنت عبر حسابها الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» عن قرب صدور ديوانها الثاني «نهديات السيدة واو.. الشطحة الثانية».
عن ديوانها المثير للجدل والسباب الذي تعرضت له وفاء بوعتّور، وهل تعمدت إثارة الضجة من حولها وحول الديوان لطلب الشهرة؟، أم أنها العقلية المزدوجة التي تكيل بمكيالين بين المرأة والرجل في المنطقة العربية وغيرها؟، كان لـ«الدستور» هذا اللقاء مع الشاعرة التونسية.
بداية.. من هي الشّاعرة وفاء بوعتّور؟
وفاء بوعتّور، مبدعة تونسيّة الجنسيّة صفاقسيّة الأب فلسطينيّة الدّماء مولودة في 9 سبتمبر من سنة 1983 بعمادة بوكريم معتمديّة الهوّاريّة من ولاية نابل خرّيجة المعهد العالي للّغات الحيّة بتونس ISLT، متحصّلة على شهادة الأستاذيّة في اللّغة والآداب الإنجليزيّة اختصاص لسانيّات، أباشر مهنتي حاجة وكرْها كأستاذة في سلك التّعليم الثّانوي بالجنوب التّونسيّ جهة مدنين، متزوّجة وأمّ لثلاث زهرات نورالهدى، محمّد شاهين وتسنيم، أتعشّق الرّسم بالقهوة والفحم وركوب الماء وتزويق القوارير البلّوريّة العذراء.
متى بدأت رحلتك مع الشّعر؟
خمسَ سنوات خلت إثر ترجّل والدي المربّي الفاضل والإنسان – الفنّان فتحي بن عبودة بوعتّورعن ظهرالفانية.
هل تعمّدت اختيار عنوان ديوانك بهذا الاسم اللاّفت للشّهرة، ولماذا صدّرت صورة الغلاف الأمامي للدّيوان بصورة شخصيّة لك؟
لا شكّ أنّ اختيار العنوان وواجهة الغلاف هو في ذاته فنّ جماليّ حادّ الوعي والأهداف والتصّورات، ولأجل ذلك اخترت عنونة مؤلّفاتي الشّعريّة بـ«نهديّات» على خطو «خمريّات» و«سيفيّات».. إلخ، ليس من الباب التّجاريّ الحصريّ الضّيّق لاختلاق الإثارة وتوسّم الاختلاف والشّهرة للكتاب بل من حيث أنّ النّهد في أثري الشّعريّ غرض جماليّ أسطوريّ وقناع بلاغي تصويريّ أولّد من خلال شحنته الرّمزيّة المطلقة براكيني المجازيّة المستعرّة بحمم الإيروسيّات والطّهرانيّات والرّومنطيقيّات والتّطلّعات وقضايا الأوطان الجريحة والكرامة والإنسان ورؤيتي الشّعريّة للكون والحلول الأبهى والوجوديّات.
أما تربيع صورتي الفوتوغرافيّة على عرش الغلاف على خلاف الدّارج فأنا براء منه وزره، إنّما هي ذاتي الألوهيّة الأنثويّة النرجسيّة الخلّاقة الحرّة أبت إلّا أن تفيض على ياقة الكون والشّائع الإستيتيقيّ لبصريّات الكتاب.
حدّثينا عن خلفياّت الهجمة الشّرسة التي تعرّضت إليها على خلفيّة ديوانك «نهديّات السّيّدة واو»؟
حين دقّت نازك الملائكة وبدر شاكر السّياب ناقوس الشّعر الحرّ وحلّق على أوتارهم تباعا محمود درويش وعدد مهمّ من الشّعراء والشّاعرات، شُنّت عليهم في بدايات انتشارهم أنياب رفض شرسة تزعّمها من بين من تزعّمها عشاق وحماة القصيد العموديّ، ليتكرّر نفس السّيناريو مع الماغوط وأنسي الحاج إبّان إيذانهم بميلاد قصيدة النّثر، لكن هذه النصوص المنشقّة المغتربة عن الكلاسيكيات العربية صارت الآن قبلة لأدفاق من الجماهير واستقرّت في الذّوق العام، ولعلّ خصوصيّة كتابتي المستفزّة المتمرّدة عن الأنماط والمعتاد في الشّعريّ النثّريّ والتّي تفجّر من غرض رمزي واحد «نهد» ما لا يحصى من دلالات وتأويلات وإحالات رشّتحها هي الأخرى لأن تلقى اليوم ذات المصير من الاستهجان والقذف والمحاربات من محدوديّ التشرّب الفنّي ومعوقي اللّغة والمترصّدين لأسلوبيّة كلّ طرح ميتا – حداثيّ منزاح.
كيف استقبلت الاعتراضات التي تعرّضت إليها؟
يقول الشّاعر والمسرحيّ الإنجليزي العظيم وليام شكسبير: «بالنّار يُختبر الذّهب وبالذّهب تُختبر المرأة وبالمرأة يُختبرالرّجل»، وردّي في هذا المقام التّفسيري قياس، فالأدب منخل تتمايز من خلال شُعيراته معادن المتلقّين من متحجّرين إلى محافظين إلى متزمّتين إلى مهلّلين إلى متكلّسين إلى حداثيّين إلى حداثويّين «مدّعي الحداثة» إلى ما بعد حداثيّين.
إلى ما لا يضبط أو يُحدّ من طبائع وخيارات وأهواء للقرّاء، ولمّا كانت الأغراض التجديدية محرارا فارقا حارقا في نظرية التلقّي الإبداعي، ولأنّ تجربتي الشَّعريّة بصمة فنّيّة طليعيّة «أوهكذا أزعم» في خارطة الأدب الرّاهن فقد كان مظهرا ولزاما فنّيّا- صحيّا أن تتعرّض لهجمات أخلاقيّة وتكفيريّة وتهكّميّة وتمييعيّة مغرضة، وليس لي إلّا أن أتقبّلها إلّا بفخر الغزاة وحِلم المُحبّين ودمعة ربّة أخلصت لرسالة الفنّ والحياة.
هل الهجوم دفعك لإعلان جزء ثان من الدّيوان؟.. وهل تعمّدت استغلال الشّهرة لالترويج لديوانك الجديد؟
من المغالطات التّي غذّتها تداولات مواقع التّواصل الاجتماعيّ الخلط بين حيثيّات صدورالدّيوانُين، ففي حين أينعت المجموعة الشّعريّة الأولى منذ شهر يناير من سنة 2021 ولم تلقَ حظّها في الرّواج شأنها شأن عدّة منجزات فنّيّة تونسيّة بسبب إكراهات الظّرف الوبائي العالمي الرّاهن، فإنّ الباقة الشّعريّة الثّانية لم تصدرإلّا حديثا مع اضطرام حملة مسعورة إبّان تنزيلي صورة الغلاف المرفقة بتدوينة ساطعة على صفحتي الفيسبوكيّة أصدح فيها شطحتي الشّعريّة الثّانية من «نهديّات السّيّدة واو» تتوثّب للحياة، وستكون حاضرة في معرض تونس الدّولي للكتاب.
أعلنت تحديك لمنتقدينك ومهاجميك وقلت «سأفوز بلقب شهرزاد الشعر»، ألم تخشين من إعلان تحدِ المتلقّي خاصّة بعد ما تركته تجربة ديوانك «نهديّات السّيدة واو»؟
الكاتب الحامل للواء راية تحديثيّة ناضجة الرّؤى والإيمان والوضوح والقيم لا تستكنّ له نار حتّى يرفع راية النّصر الفنّي أو يفنى دونها، وأنا أبشّر «أوبذا حدّثني جنوني» بشعر- فتْح معصور من نهد واحد لا يشبه إلّا السّيّدة واو، أفلا أستحقّ إذا أسعفني العمر والقدر وأتممتُ عليكم تفجير ألف تغريدة وتغريدة شعريّة من رحم والدة نصّيّة واحدة حربائيّة متجدّدة متعدّدة لامتناهية اسمها «نهد»، أن أُكرّم بتتويجي عرفانا للقلم لا منّا لصاحبته بلقب «شهرزاد الشّعر»؟!
هل تعتقدين أن من تعدّوا عليك لفظيّا بالشّتائم قرؤوا ديوانك بالفعل ؟.. أم أنّ الغلاف هو من سبب هذه المعركة اللّفظيّة ضدّك؟
سواد مهول ممّن تعدّوا عليّ لفظيّا ينطبق عليهم مثل «وقف حمار الشّيخ في العقبة»، أدعوهم بحبّ إمّا للتّراجع الجميل عن هسيتيريا القذف الأخلاقوي العشوائي ضدّي أو الخوض جدّيا بعين نقديّة واعية متبصّرة في غمار الكتاب.
– هل خشيتي من ردود أفعال عائلتك حينما أقدمت على نشر الديوان بهذا العنوان والصورة الشخصية؟.. وماذا كان رد فعلهم بعد ما تعرضت إليه؟
أتحفّظ.
في رأيك لماذا ينتفض القارئ العربي ضد مثل هذه الكتب رغم أن التّراث العربيّ والإسلاميّ القديم، حافل بمثل هذه النّوعيّة من الكتابات ومنها «نواضر الأيك» للسّيوطي، وألف ليلة وليلة وغيرها ؟
القارئ العربيّ بشكل عامّ وامتدادا من موروث الأدب القديم إلى الرّاهن ينتفض لهذه النّوعيّة من الكتابات، لأنّه يعالج النّصّ الأدبيّ بخلفيّة الكبت الذّي يعيشه واللّاتصالح مع موروثه التّاريخيّ والعقائدي والفكري وجسده وجسد اللّغة – الأنثى وماء الحريّات علاوة على عوزه لمرجعيّات معرفيّة ثقافيّة يوسّع بها أمدية تأويله ويلج بها تخوم المعنى .
هل فكرت في كتابة الرّواية؟.. خاصّة وأنّ الإقبال عليها أكبر من الشِّعر؟
انطلاقتي الأدبيّة الأولى كانت بالأساس روائيّة، ولي فيها مخطوط أوّل قيد الإنجاز بعنوان «آية صوفيا» انقطعتُ عنه إثر قضيّة تطبيع واقعيّة جدّت في تونس هزّت أركان شعبي وكتُبتني طلقة حُرّة صادحة لا يختلف معها الدّم في الصّدق والحرارة والإيمان والوجع وُضِعت بصيغتها العارية الأولى خلال شهرين من سنة 2018 على صدر كتاب بعنوان «شالوم»، لقي ما قُدّر له من صروف تعطيل وهرسلة وتجميد حالتْ دون نشره طازجا، دخلتُ بعيدها مباشرة في تجربة روائيّة ثانية بعنوان «روتاريا»، مضيتُ فيها شوطا غير هيّن حتّى تلبّسني شيطان نهدي وأنجبتُ مجموعتي الشّعريّة الأولى من «نهديّات السّيّدة واو» التّي نُشرت في أوائل هذه السّنة بالتّزامن مع رواية «شالوم» خارج مقالب وقوالب «دير» عفوا دور النّشر.
كيف ترين حالة الشّعر العربي حاليا وتصفينها؟.. وهل مازال بالفعل الشعر ديوان العرب، أم أن الرواية سحبت البساط من تحت أقدامه؟
في النّصف الأّوّل من القرن الفارط وفي إطار ما يسمّى بالحقبة الملتهبة شهد الشّعر الكلاسيكيّ العمودي أوج بريقه وثرائه مع حافظ إبراهيم وأحمد شوقي ومحمد الجواهري وغيرهم.. ومنذ 1947 إلى حدود التّسعينات زقزت أيضا تباشير قصيدة الشّعر الحُرّ «التّفعيلة» مع نازك والسّياب ودرويش وأدونيس ومعين بسيسو فيما كانت الرواية تخطو ببطء إلى أن افتكّت موقعها وانتشارها وضوءها وأضحت كما سمّاها الناّقد الرّوسي كوزينوف «في كتابه الشّهيرإضاءات على قضايا الشّكل» ملحمة العصر الحديث.
أما ما الواقع الشّعريّ النّثريّ اليوم فأغلبه وأؤكّد إذ أكرّر أغلبه في تراجع كيفيّ وإسهاب كميّ.
هل تعتقد أن الدّيوان لو كان يحمل اسم شاعر رجل لكان مرّ بسلام، أم لأنك امرأة فغير مسموح لها بالتّعبير بهذه اللغة والطّريقة؟
في القرن التّاسع عشر كانت الأديبات الأمريكيّات ينشرن تحت أسماء رجاليّة مستعارة كي لا يُظلمن نقديّا وكان النّقاد يقعون في فخ المواراة ويمدحون النّصوص النّسائية التي كانوا يظلمونها هوويّا جنسانيّا، وأظنّ أنّ الوضع الإبداعيّ الشرّقيّ الرّاهن يكرّر نفس المهزلة مع حفظ الفوارق الظّرفيّة الزّمكانيّة وتلوّن الجلاجبيب الجندريّة.
#وفاء #بوعتور #معوقو #اللغة #والمترصدين #هاجموا #ديواني #وأستحق #التكريم #حوار
تابعوا Tunisactus على Google News