وقفة مع مراد قاسم
تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أسئلة حول انشغالاته وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه. “حاضرُنا لا يمكن أن تتمّ نهضته دون الوعي بماضيه والإفادة منه، كما أن مستقبلنا لن يستقيم ما لم يحسن استقبال ماضيه”، يقول الباحث التونسي لـ”العربي الجديد”.
■ ما الذي يشغلك هذه الأيّام؟
أنكبُّ هذه الأيّام على استيفاء عمل موصول بـ”موسوعة الفلسفة الفرنسيّة” التي يشرف عليها الأكاديمي مشير باسيل عون. وتمثّل هذه الموسوعة مُنجَزاً هامّاً وفريداً ومُفيداً في تاريخ المعرفة الفلسفيّة، عامّةً، وفي الفلسفة الصادرة باللسان العربي، بصفة أخصّ.
■ ما هو آخر عمل صدر لك؟ وما هو عملك القادم؟
صدر لي منذ فترة قصيرة كتاب “صورة الفيلسوف في مقابسات أبي حيّان التوحيدي”، عن “دار صوفيا” في الكويت. أرنو إلى إعادة قراءة نصوص التراث العربي قراءة تجديديّة من ضمن رهاناتها الكشف عن الحدود الباهتة بين خصوصيّة العقل العربي وكونيّته. وينشدّ العزم عندي، إن شاء الله، على متابعة مثل هذا العمل مع أحد فلاسفة العرب، من الفترة الوسيطة، وفق ما تُعلن عنه حروف نصوصه.
■ هل أنت راضٍ عن إنتاجك؟ ولماذا؟
لا شكّ أنّ الكاتب، وقد تمَّ له الاعتقاد في استيفاء مُنجَزه، يتموضعُ إحساسه بين مُفتَرَقين: أوّلهما، سعادته بما خطّت حروفه من مزيج شعور اللذّة وألم المكتوب؛ أمّا الإحساس الثاني فهو الشعور بعدم الرضا الكلّي، طالما ظلّ النقصان هو ما يحكم الألفة بين الكاتب والكتابة والمكتوب: فـ”لكلّ شيء إذا ما تمّ نقصان”.
■ لو قيّض لك البدء من جديد أيُّ سبيلٍ ستختار؟
في الحقيقة، لا أعتقد لي سبيلاً آخر غير هذا، فقد قصدته منذ البداية عن وعيٍ وقصدٍ وتصميمٍ. لأنّني قدّرتُ قيمة إعادة قراءة التراث العربي وبيان طبيعة صِلاته بما سبقه من المدوّنة العربيّة ومن الفلسفة الغربية اليونانيّة، تحديداً، وبما لحقه من الفلسفة الحديثة والمُعاصرة. ذلك أنّ حاضِرَنا لا يمكن أن تتمَّ له نهضته دون الوعي بماضيه وتمييزه والإفادة منه، كما أنّ مستقبلنا لن يستقيمَ ما لم يحسن استقبال ماضيه.
■ ما هو التغيير الذي تنتظره وتريده في العالم؟
كثيراً ما لا تتوافق انتظاراتنا مع إرادتنا في ما يتعلّق بما يعتمِلُ عالَمنا من تناقضات رهيبة. ولعلّ أفضل الرّجاء أن تلتحق الدّول والشعوب العربيّة بالتقدّم العلمي والتكنولوجي الغربيين؛ وأن ينصرف كلّ مثقفي العالَم إلى الاهتمام الجادّ بالإنسانيات في مُختلَف حقولها من فلسفات وآداب وجماليات، لأنّ هذه الأبعاد الأخيرة هي ما يُمكن أن تحُدّ من وحشية الاستعمال البشري للتكنولوجيا الحديثة.
قدّرتُ منذ البداية قيمة إعادة قراءة التراث الفكري العربي
■ شخصيّة من الماضي تودّ لقاءها ولماذا هي بالذات؟
كم كنتُ أودُّ لقاء محمّد أركون، رحمه الله، فمُؤلَّفاته تعلن عن مفكّر فذّ، وناقد حصيف، وعارف موسوعيّ؛ مثلما تُعبّرُ عن موضوعيّة نادرة في تقصّي النصوص ذات الصِّلة بالفكر الإسلامي بصورة عامّة.
■ صديقٌ أو كتابٌ تعود إليه دائماً؟
أبو الطيّب المتنبي هو أفضل أصدقائي على الإطلاق، وديوانه هو ما لا أكُفُّ عن تصفُحِّهِ كلّما تَفرّغتُ إلى مُتعة القراءة. فهذا الديوان هُوَ “مُعجَزُ أحمد”، في توصيفٍ حصيف لأبي العلاء المعرّي، وشعرُ أبي الطيّب هو أحد مصادر البلاغة العربية، ضمن تصريحٍ للبلاغيِّ ابن جنّي.
■ أيُّ تجربةٍ غنائيّةٍ أو موسيقيّةٍ يمكننا أن نشارككَ سماعها؟
ليس أمتع من الإنصات، صباحاً، إلى الرّائعة فيروز. أمّا عند طلب الهدوء بعد جهد العمل والبحث، فلا أولويّة عندي تعلو على الاستمتاع بالأنغام الجميلة لعازف البيانو المُميّز ريشارد كلايدرمان (Richard Clayderman).
بطاقة
باحث تونسي في الفلسفة من مواليد مدينة مكثر (شمال غرب تونس) عام 1966. من إصداراته: “أكون آخَرَ أو لا أكون” (مطبعة التسفير الفنّي، 2007)، و”المهارة المنهجيّة في الفلسفة” (مكتبة قرطاج، 2009)، و”السياسي والعصيان الميتافيزيقي: قراءة فارابيّة” (مكتبة قرطاج، 2013)، و”الغزالي وسياسة الحقيقة: الإحراج الميتافيزيقي ورهانات التأويل” (دار كلمة، 2021)، و”صورة الفيلسوف في مقابسات أبي حيّان التوحيدي” (دار صوفيا، 2021). كما صدرت له في 2016 سلسلة “معان فلسفيّة” عن “مجمع الأطرش”، في خمسة أجزاء هي: “الإنّية والغيريّة”، و”الخصوصية والكونيّة”، و”العمل بين العدالة والنجاعة”، و”الدولة بين السيادة والمواطنة”، و”التواصل والأنظمة الرمزيّة”.
#وقفة #مع #مراد #قاسم
تابعوا Tunisactus على Google News