يذهب النظام ويبقى الإرث!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
في التأمل بما يحيط بنا من ظواهر سياسية/اجتماعية على المستوى العربي والإقليمي والدولي يحاول المراقب أن يبحث عن خيط جامع لكل تلك الظواهر، أو على المشترك الأعظم بينها، على الرغم مما يبدو للوهلة الأولى من أن تلك الظواهر منعزلة أو أن المجتمعات لها خصوصياتها، ما يفرقها عن غيرها.
في السودان تتكرر أمامنا التظاهرات والاعتصامات شبه اليومية، كما يتكرر قمع تلك التظاهرات في مسلسل يومي يكاد لا ينتهي، وفي تونس يتكرر الفر والكر بين السياسيين والقوى المختلفة وبين الدولة اوالرئاسة في صراع لا يبدو أن له مخرجاً، وفي ليبيا كلما حدد موعد للانتخابات يغير بسرعة الى موعد آخر مع اشتباك بين مكونات المجتمع المختلفة والتي لا يستطيع أحد أن يحدد عددها، وفي العراق الشيء ذاته من شقاق ومناكدات قد تؤدي الى صراع طويل، وفي اليمن حرب يدفع فيها المواطن اليمني ثمناً باهظاً، وفي لبنان (البلد الذي أصبح مظلماً) يتكرر صراع استحواذي أدى الى خراب البلاد وتدهور الاقتصاد، كل ذلك وما على الساحة العربية من مظاهر سامة أخرى مماثلة، ماذا يربطها ببعضها ويفرز كل هذه الآلام؟
ما يربط بين تلك المظاهر هو أن النظام يزول والإرث يبقى! ما تفسير ذلك؟. لنأخذ السودان، فعلى الرغم من سقوط نظام عمر البشير، على الأقل الظاهري، والعداء المعلن من النخب الجديدة لذلك النظام وممارساته، إلا أن البشير وعدداً من معاونيه المطلوبين من العدالة الدولية لم يسلموا ولن يسلموا الى المحكمة الدولية التي تطالب بهم! لأن في التسليم كشفاً للدولة العميقة السودانية واشتراك بعض من في السلطة مع النظام السابق، بل وممارسة مستوى القمع نفسه الذي كان يقوم به رهط البشير.
في تونس، على الرغم من عشر سنوات من نظام من المفروض أن يكون قد قطع مع النظام الذي سبقه، إلا أن قانون الطوارئ ظل كما هو في ظل الحكومات التونسية (الثورية) المختلفة لاستخدامه ضد الخصوم وما زال باقياً. في العراق كان النظام السابق أرخص ما لديه هو أرواح العراقيين، ولما جاءت النخب الجديدة التي طاولها ذلك النوع من التصفيات صارت تستخدم الأدوات نفسها وعلى نطاق أوسع من خلال مسدسات كواتم الصوت أو المتفجرات، بل وحتى الطائرات المسيّرة، كما اتضح من السياق أنه بالإمكان إطاحة النظام، ولكن من الصعب التخلص من إرث النظام، فالقوى الجديدة في السلطة تستخدم الأدوات نفسها التي استخدمها النظام السابق وفي كثير من الأحيان بالشخوص أنفسهم وربما بكفاءة أكبر.
على النطاق الإقليمي، أخذ الحرس السري لنظام محمد بهلوي المشهور بـ”السافاك” شهرة عالمية في متابعة المعارضين وتصفيتهم، بل وصلت أعمال “السافاك” المشينة الى أعضاء في مجلس العموم البريطاني والى عدد من أعضاء الحكومات الغربية، وما إنْ تغير النظام حتى جاء النظام الذي يقوده الملالي بجهاز أو أجهزة أكثر بشاعةً وصلفاً في تتبع المعارضين وقتل الخصوم، بل واختطافهم من العواصم المختلفة، وأصبحت سجون النظام الجديد أكثر اكتظاظاً من أي وقت مضى في النظام السابق.
على الجانب التركي، فعلى الرغم من الحديث عن الديموقراطية والأحزاب، إلا أن الدولة العميقة تتعمق أكثر باتجاه التصفيات والسجون ومتابعة المعارضين. وعلى المستوى العالمي نجد أن مع سقوط الاتحاد السوفياتي ظن كثيرون أنها نهاية الى “كي جي بي” الشهير الذي كان يحسب على الناس انفاسهم وله سجون لا يعرف مكانها إلا القلة كما كان يتابع (المنشقين) اينما كانوا، إلا أن الإنفراج الموقت ما لبث أن عاد بأكثر بشاعةً في ظل الدولة الروسية الجديدة، فجرى قمع أي صوت يرتفع من أجل الحريات العامة، بل تابع الجهاز السري الحديث للدولة الاتحادية تعقب المنشقين أو المخالفين في ديار الغربة وقضى على حياة الكثير منهم، كما استخدم الأدوات التقنية الحديثة في التعقب والتخريب بأكثر كفاءة من الجهاز القديم، وبخاصة في التصنت والتخريب السبراني.
إذا صغّرنا عدسة الرؤية وأخذنا لبنان كمكان اختبار، فإننا نجد (مافيا) سياسية بالمعنى الكلمة تسخّر الدولة، ويعول بعض اللبنانيين على الانتخابات القادمة، وهم في الحقيقة يعيشون في خيال واهم، فلن تنتج لهم الانتخابات القادمة إلا ما أنتجت لهم الانتخابات السابقة وفي الغالب الوجوه نفسها وربما أسوأ منها، لأن من يجرؤ على المنافسة من خارج (المافيا) سوف يتهم بالعمالة على أقل تقدير وبالتجريح وإن لم يتراجع فبالتصفية الجسدية! نحن اذاً أمام ظاهرة الإرث، أو سندروم الاستبداد الذي لا يقبل التعددية ولا يطيق المشاركة ويزدري الرأي الآخر ويحتكر الحكمة، فإن كان الإرث قمعياً واستبدادياً وتسلطياً وأنانياً، فلا مناص في أن مَن يرث التركة سيكون كذلك، حتى لو تغيرت الأنظمة والشخوص، بل قد يكون قد تعلم من سابقه وأضاف الى وسائله وسائل جديدة.
كيف يمكن التخلص من الإرث، أولاً باكتشافه ومن ثم تعريته وشرح المعضلة للجمهور بأن الهدف ليس التخلص من نظام قمعي ولكن الهدف الإيمان بأن لا نهضة ترتجى إلا باحترام التعددية تحت قوانين حديثة، أي بإعادة تثقيف جذرية وهي لم تبدأ بعد!!
#يذهب #النظام #ويبقى #الإرث
تابعوا Tunisactus على Google News