- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

يوليو.. ثورة المصريين ضـــــد الاستعمار وأعـوانـه في أفريقيا

لم تنتظر ثورة 23 يوليو تحقيق هدفها الرئيسى فى تحرير مصر من الاستعمار، بل سبقته بالعمل على تحرير الدول العربية والأفريقية، وكانت البداية بدعم استقلال السودان، ثم دعم حركات التحرر فى تونس والجزائر والمغرب، ومن بعدها تقديم الدعم اللامحدود لحركات التحرر الأفريقية، حتى أصبحت القاهرة عاصمة للثورة الأفريقية.

وبعد سنوات قليلة حصلت أغلب الدول الأفريقية على حريتها بدعم مصرى، وهو ما جعل من مصر دولة رائدة فى القارة السمراء، وأصبح فى كل عاصمة أفريقية ميدان أو شارع رئيسى باسم زعيم الثورة المصرية، جمال عبدالناصر.

ويقول المؤرخ الكبير الدكتور السيد فليفل إن ثورة يوليو 1952 قامت على مجموعة من الأسس والمبادئ لعل أبرزها هو التحرير الوطنى للدولة المصرية، ثم جاء كتاب “فلسفة الثورة” والذى كتبه جمال عبدالناصر بعد أشهر من نجاح ثورة يوليو ليوضح رؤية هؤلاء الضباط فى تحرير مصر. فالثورة المصرية كانت تؤمن أن تحرير مصر من الاستعمار سيظل منقوصاً ما لم تحصل كل الدول العربية والأفريقية على الاستقلال التام. وجاء كتاب “فلسفة الثورة” ليضع مصر فى دوائرها الثلاث، ومنها الدائرة الأفريقية والتى حرص عبدالناصر على دعم استقلالها بكل السبل، وبدأ بالملف الأقرب وهو خروج المحتل البريطانى من السودان حتى لو اختار أهله الانفصال عن مصر، وهو ما كان وحصل السودان على استقلاله فى الأول من يناير سنة 1956 بينما خرج المحتل من مصر بعدها فى يونيو من نفس العام.

وأضاف فليفل أن جهود عبدالناصر لدعم حركات التحرر الأفريقية اخذت بعداً جديداً بعد انكسار العدوان الثلاثى فى عام 1956، وارتفع شعار عبدالناصر “على الاستعمار أن يحمل عصاه ويرحل” فى ربوع أفريقيا. وأصبحت كل حركات التحرر الأفريقية لها وجود وممثل فى القاهرة.

وأوضح فليفل أن الدعم المصرى لحركات التحرر الأفريقية توالى من خلال تدريب الثوار ودعمهم بالأسلحة، كما حدث فى النموذج الجزائرى، فضلاً عن إنشاء إذاعات باللغات الأفريقية تخاطب الشعوب الواقعة تحت الاحتلال. وكانت مصر الداعم الأكبر للحركات الأفريقية فى المحافل الدولية، وهو ما وضع القوى الاستعمارية فى موقف لا تحسد عليه دولياً، وأجبرها على الخروج من الدول الأفريقية.

وأشار فليفل إلى دور مصر الفريد فى دعم الثورة الجزائرية، مؤكداً أنه لولا دعم ثورة يوليو وتبنيها للثورة الجزائرية لتأخر استقلال الجزائر كثيراً، فمصر يوليو هى التى خططت لانطلاق الثورة، ومن صوت العرب انطلق بيانها الأول، كما أن القاهرة احتضنت حركة التحرير الجزائرية ودعمت نضالها عسكريا وسياسيا حتى خرج الاحتلال الفرنسى من الجزائر مدحوراً بعد أكثر من 130 عاماً من الاحتلال.

 أفريقيا جزء من أمن مصر القومى

ولفت فليفل إلى أن هناك من ينتقد دور ثورة يوليو الداعم لحركات التحرر الأفريقية فى محاولة لتشويه صورة زعيمها جمال عبدالناصر، وذلك من باب الخلاف السياسى أو الإيديولوجى معه، لكنها انتقادات تخالف الحقيقة والواقع، فدعم مصر لحركات التحرير الأفريقية ليس ترفاً، أو بحثاً عن مجد شخصى، بل هو جزء من أمن مصر القومى. والتخلى عن الدور المصرى فى أفريقيا يسمح بوجود قوى معادية مثل إسرائيل، أو منافسة مثل إيران وقطر وتركيا فى الساحة الأفريقية.

وطالب فليفل بعودة مصرية قوية إلى الساحة الأفريقية من خلال زيادة وعى الشارع المصرى بأهمية هذا الدور، وذلك من خلال وسائل الإعلام ومن خلال المناهج الدراسية التى يجب أن تتطرق لدور مصر فى أفريقيا وأهميته، مشيراً إلى أن القيادة المصرية تدرك أهمية هذا الدور، وهو ما دفع الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى تكثيف زياراته للدول الأفريقية والتى أثمرت نجاحاً كبيراً بعودة مصر إلى مكانها الطبيعى والطليعى فى مؤسسات الاتحاد الأفريقى.

واختتم فليفل بالتأكيد على نجاح ثورة يوليو فى أهدافها المتعلقة بقارة أفريقيا، لافتاً إلى أن عدد الدول الأفريقية والعربية المستقلة كان معدوداً عام 1952، بينما أصبحت أغلب الدول العربية والأفريقية حرة مستقلة عندما غيب الموت قائد ثورة يوليو جمال عبدالناصر سنة 1970.

 تحرير أفريقيا أحد أهداف الثورة

ويقول أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الدراسات الأفريقية العليا بجامعة القاهرة أسامة عبدالتواب إن توجه ثورة يوليو نحو أفريقيا كان جزءاً من أهدافها الستة المعلنة، والتى كان أبرزها القضاء على الاستعمار. ولم تكن الثورة تعنى القضاء على الاستعمار فى مصر وحدها بل كان هدفها القضاء على الاستعمار فى أى دولة فى العالم، وكان ذلك تعهداً من ثورة يوليو بدعم حركات التحرر فى كل مكان، وهو الذى حدث بالفعل بعد نجاح الثورة.

وأضاف عبدالتواب أن تعامل ثورة يوليو مع الملف الأفريقى كان مرحلياً، وفى كل مرحلة كانت مصر تقوم بدورها كقائد لحركة التحرر الأفريقى، فمثلا كانت مصر فى خمسينيات القرن الماضى داعماً قوياً لحركات التحرر الوطنى، وبالفعل نجحت مصر فى حصول كثير من الدول الأفريقية على الاستقلال، ثم تحولت مصر فى الستينيات إلى مقاومة “الاستعمار الجديد” والذى نشط من خلال الشركات الدولية الكبرى، فضلاً عن مقاومتها للتحركات الغربية الداعمة للانقلاب على بعض الحكومات الوطنية مثل ما حدث فى الجزائر سنة 1965، وفى غانا 1966، ثم جاءت ذروة المؤامرة الغربية فى عدوان يونيو سنة 1967 ضد مصر.

وأوضح عبدالتواب أن اهتمام ثورة يوليو بأفريقيا ظهر جلياً بعد نجاح الثورة بنحو عشرة أيام فقط، وذلك من خلال تعامل الثورة الوليدة مع الملف السودانى، وحرص ضباطها على تأمين منابع النيل كجزء من أمن مصر القومى. مضيفاً أن مصر فى مؤتمر باندونج عام 1955 حرصت على وجود تمثيل للدول الأفريقية المستقلة مثل مصر وليبيا وليبيريا وإثيوبيا وكذلك للحكومات الوطنية فى السودان وساحل الذهب، فضلاً عن تمثيل جبهة التحرير الجزائرية. وكان الموقف المصرى معبراً عن توجه الثورة نحو دعم حركات التحرر الأفريقية فى المحافل الدولية.

 دعم أفريقيا أمن قومى لمصر

وشدد عبدالتواب على أن وجود مصر فى أفريقيا جزء من أمنها القومى، وهو ما دفع ثورة يوليو إلى التوجه إلى الجنوب نحو منابع النيل فى بداية الثورة، وبعدها بأشهر إلى شمال أفريقيا، وتحديداً إلى دعم الثورة الجزائرية، وحركات التحرر فى تونس والمغرب. وهو ما دفع فرنسا إلى الاعتراف باستقلالهما للتفرغ لمواجهة الثورة الجزائرية، ثم انتقلت ثورة يوليو إلى دعم دول غرب أفريقيا ومنها إلى وسط القارة وجنوبها.

الاقتصاد المصرى استفاد من دعم أفريقيا

ولفت عبدالتواب إلى أن توجه مصر نحو أفريقيا هو انحياز واضح لأمن مصر القومى، كما أنه انحياز لمصالحها السياسية والاقتصادية، فمصر خلال الخمسينيات والستينيات كانت بحاجة إلى المواد الخام الأفريقية، فضلاً عن حاجتها للسوق الأفريقية الواسعة لتصريف المنتجات المصرية، فى وقت كانت تتحول فيه مصر إلى دولة صناعية كبيرة. وهو ما جعل وجود مصر فى أفريقيا عملا له مردود اقتصادى إيجابى على عكس ما ردده الاستعمار وقتها، وما يردده حالياً المنتقدون لمصر الناصرية، فمصر خلال هذه الفترة كانت نشطة اقتصادياً فى أفريقيا، وكان دعمها لحركات التحرر الأفريقية نابعا من توجه استراتيجى للثورة، كما أن هذا النشاط كان داعماً للاقتصاد المصرى، ولم يكن عبئاً عليه. وكانت هذه السياسة الاقتصادية المصرية تجاه الدول الأفريقية حديثة الاستقلال مصدراً مهمًا للدخل القومى المصرى، وأداة جيدة لتمويل دعم حركات التحرر الأفريقية دون تكبيد الاقتصاد المصرى نفقات لا يطيقها.

 جزء من قوة مصر الناعمة

ويقول أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة دمياط الدكتور أحمد الملا إن دعم ثورة يوليو لحركات التحرر الأفريقية لم يكن صدفة بل كان جزءاً من رؤية قائدها جمال عبدالناصر والذى عبر عن ذلك صراحة فى كتابه “فلسفة الثورة” والذى صدر عام 1953. لكن هذه الرؤية بالتأكيد لم تكن مكتملة أو بصورتها النهائية قبل الثورة أو فى أيامها الأولى، بل كانت خطوطاً عريضة فى ذهن عبدالناصر.

وأضاف الملا أن الملف الأفريقى يعتبر أنجح ملفات عبدالناصر على الإطلاق، فالرجل الذى تسلم حكم مصر وعدد الدول الأفريقية المستقلة أقل من اصابع اليد الواحدة،  غادر الحياة فى عام 1970 وأغلب أجزاء القارة السمراء يرفرف عليه الاستقلال. لافتاً إلى أن دور ثورة يوليو فى استقلال أفريقيا لم يتأخر كثيراً فبعد أشهر من نجاح الثورة كان هذا الملف واحدا من أنشط ملفات الحركة الوليدة، وكان الدعم اللامحدود لثورة الجزائر فى 1954، وبالتزامن معها كان الدعم لحركات التحرر فى تونس والمغرب، وامتد هذا الدعم لكل حركة تحرر أفريقية تتواصل مع مصر، مثل حركة تحرير كينيا، وحركة باتريس لومومبا فى الكونغو، وأحمد سيكوتورى فى غينيا، وغيرها.

وأضاف الملا أن هذا الدور النشط لثورة يوليو فى أفريقيا منح مصر قدراً كبيراً من “القوة الناعمة”، قوة جعلت صور الرئيس المصرى الراحل جمال عبدالناصر موجودة فى بيوت البسطاء فى أفريقيا، وشوارع باسمه وميادين فى كثير من العواصم الأفريقية. كما أن هذه القوة كانت داعمة لمصر وللحق العربى بقوة خلال الصراع مع العدو الصهيونى حتى أن أغلب الدول الأفريقية قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الصهيونى عقب عدوان يونيو 1967، ولم تعد هذه العلاقات إلا تدريجياً بعد توقيع السادات لاتفاقية السلام مع العدو الصهيونى.

ورد الملا على منتقدى تدخل ثورة يوليو فى الكونغو، مؤكداً أن مصر أرسلت قوات إلى الكونغو لتأمين أمنها القومى، وكانت هذه القوات تابعة للأمم المتحدة وتعمل تحت مظلتها، ولم تكلف الخزينة المصرية شيئاً، مشيراً إلى أن هذه القوات أدت دورها بكفاءة عالية، وأسهمت فى إحباط مخططات القوى الاستعمارية بالعودة مرة أخرى إلى احتلال الكونغو، بل وكان للدور المصرى فى الكونغو أثره الكبير فى دعم حركات التحرر فى بقية دول غرب ووسط أفريقيا.

 لماذا تراجع الدور المصرى فى أفريقيا؟

وأكد الملا أن مصر لم تخسر اقتصادياً من دعمها لحركات التحرر الأفريقية بل على العكس، كان لمصر نشاط اقتصادى ملحوظ فى دول القارة، والتى كانت تفضل استيراد المنتجات المصرية على غيرها من منتجات الدول الاستعمارية، كما كان لمصر نشاط واضح فى مجال الإنشاءات خاصة فى مرحلة ما بعد الاستقلال، لأن المستعمر الأوروبى خرج من الدول الأفريقية بدون بنية تحتية تقريباً.

- الإعلانات -

#يوليو #ثورة #المصريين #ضـــــد #الاستعمار #وأعـوانـه #في #أفريقيا

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد