أزمة خبز بسب حرب أوكرانيا.. تونس أمام خطر اندلاع “ثورة جديدة” | التلفزيون العربي
تواجه تونس خطر اندلاع “ثورة جديدة” بعدما فاقمت الحرب الروسية على أوكرانيا المشكلات الاقتصادية المتأزمة أصلًا في تونس، نتيجة ارتفاع الأسعار ونقص القمح والخبز، الغذاء الأساسي للتونسيين.
وقال يوسف الشريف، مدير مركز كولومبيا العالمي في تونس، لصحيفة “واشنطن بوست” الأميركية: “ستكون هناك ثورة في القريب العاجل. كل الشروط المسبقة موجودة ولا أعتقد أن الناس يمكن أن يتحملوا هذا الوضع لفترة طويلة”.
واعتمدت تونس على أوكرانيا وروسيا في 56% من وارداتها السنوية من القمح على مدى السنوات الخمس الماضية.
وذكرت صحيفة “واشنطن بوست” أن تعطّل حركة التجارة الزراعية العالمية بسب حرب أوكرانيا، مع الاضطرابات المالية التونسية التي طال أمدها، واتساع الفجوة في ميزانية الحكومة، يهدّد الاستقرار السياسي في البلاد.
وبينما تصرّ الحكومة على أن لديها مخزونات قمح كافية حتى حصاد المحصول المحلي في يونيو/ حزيران المقبل، تواجه المخابز بالفعل مشكلة في تأمين الإمدادات الكافية من القمح.
وتشهد المخابز طوابير انتظار طويلة تصل إلى 100 شخص بسبب نقص الدقيق، وغالبًا ما ينفذ الخبز قبل منتصف النهار. ووصلت آخر سفينة محملة بالقمح من أوكرانيا إلى تونس، قبل ثلاثة أيام من بدء الهجوم الروسي في 24 فبراير/ شباط الماضي.
وتمتد العواقب المالية للحرب إلى ما وراء سوق القمح، حيث تعاني شركات الأسمدة من نقص في المواد الكيميائية المستوردة من روسيا واللازمة لزيادة غلة المحاصيل المحلية.
وقال رضا السحباني، مدير شركة “قرطاج للبستنة” للصحيفة، إنه لم يستلم أي شحنة منذ ستة أسابيع، مشيرًا إلى أن الحكومة تروّج لمحلول الأمونيا السائل المستورد من إسبانيا باعتباره بديلًا، لكن تكلفته أعلى بمرتين.
اضطرابات اجتماعية
وأوضحت الصحيفة أنه إذا لم يتمكن المزارعون التونسيون، في وقت لاحق من هذا العام، من الحصول على ما يكفي من الأسمدة أو تحمّل تكاليفها، فقد ينخفض محصول القمح في العام المقبل.
وحذّر العديد من المحللين من احتمال حدوث اضطرابات اجتماعية في حال نقص السلع الغذائية والحبوب.
وقال فوزي الزياني، عضو المجلس التنفيذي لمنظمة “سيناغري” الزراعية للصحيفة: “في تونس، يرتبط السلام الاجتماعي بالغذاء. لذلك يُمكنك أن تتخيل ما سيحصل إذا لم يكن هناك خبز”.
وتعتمد تونس أيضًا على منتجي النفط الأجانب لتأمين نصف احتياجاتها تقريبًا. لذا فإن ارتفاع أسعار النفط لأكثر من 100 دولار يساهم في زيادة تضخم الأسعار.
وقال موسى درمول، مدير شركة “حمامي للنقل” للصحيفة: “ارتفاع أسعار الوقود يكلّفنا حوالي 500 دينار (حوالي 170 دولارًا) إضافية كل شهر. وإذا استمر ارتفاع الأسعار، فسنضطر إلى تسريح العمال”.
ومنذ احتجاجات الربيع العربي عام 2011، نما الاقتصاد التونسي في المتوسط بنسبة 1% سنويًا. وحاولت الحكومة الحفاظ على السلام الاجتماعي بعد ارتفاع نسبة البطالة من خلال وضع الناس في كشوف المرتبات العامة. وقد أدى ذلك إلى جعل فاتورة رواتب الخدمة المدنية من بين أعلى المعدلات في العالم، وأثقل كاهل تونس بديون متضخّمة.
ومع اندلاع الحرب على أوكرانيا، كانت تونس لا تزال تتعافى من أسوأ تدهور اقتصادي لها منذ استقلالها عن فرنسا عام 1956. كما أدى وباء كوفيد 19 إلى خفض الإنتاج بأكثر من 8% عام 2020.
وإلى جانب ارتفاع تكاليف السلع الأساسية، تضرّ الحرب بصادرات تونس إلى أوروبا وتؤثر على قطاع السياحة فيها.
أزمة مالية وأخرى سياسية
وقبل الحرب، كانت الحكومة تعاني من أزمة مالية كبيرة. ففي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وصلت ست سفن محملة بالحبوب إلى ميناء صفاقس، ولم يتم تفريغ حمولتها لأسابيع لأن السلطات التونسية لم تستطع دفع ثمن الحملة.
كما يواجه الاقتصاد التونسي، الذي يعاني بالفعل من ارتفاع معدلات التضخم والبطالة؛ المزيد من التدهور، في ظل تصاعد الأزمة السياسية في البلاد بعد قرار الرئيس قيس سعيد حل البرلمان.
ويضع ارتفاع أسعار الغذاء والوقود والأسمدة التي تستوردها تونس بسبب الحرب حكومة سعيد في معضلة، مع ارتفاع أسعار القمح بنسبة 30%، والأسمدة الروسية إلى ثلاثة أضعاف متوسطها على المدى الطويل، وأسعار النفط إلى 100 دولار للبرميل وهو رقم أعلى بكثير من 75 دولارًا التي افترضتها الميزانية التونسية لهذا العام.
وقال خبراء اقتصاديون إن التكاليف المرتفعة قد تضيف أكثر من 1.5 مليار دولار إلى فاتورة الدعم التونسية وحاجتها إلى مساعدة مالية خارجية. ومؤخرًا، خفّضت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني تصنيف تونس إلى “CCC”، في إشارة إلى أن تخلف البلاد عن سداد ديونها لأول مرة هو “احتمال حقيقي”.
وتتفاوض الحكومة مع صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدة مالية من المتوقع أن تصل إلى عدة مليارات من الدولارات مقابل إصلاحات اقتصادية شاملة، بما في ذلك تخفيضات كبيرة في دعم الخبز والوقود.
وبدأ القادة التونسيون برفع تكاليف الوقود بنسبة 3% شهريًا، لكن احتمالات الحصول على اتفاق من النقابة العمالية الرئيسية في البلاد لإجراء تخفيضات أكثر شمولًا تظل غير مؤكدة.
“نموت من الجوع”
وقال محمد بوعنان، الذي يدير مخبزًا مدعومًا من الحكومة: “يمكنهم خفض الدعم على بعض الأصناف وأي شيء آخر، ما عدا الخبز. لا يمكنهم زيادة السعر حتى بمقدار 10 مليمات. السلطات تخشى رفع السعر”.
وتطارد الحكومة ذكرى ديسمبر/ كانون الأول 1983، عندما أعلنت عن خطط لمضاعفة سعر الخبز، مما أدى إلى اندلاع أعمال شغب استمرت 10 أيام في جميع أنحاء البلاد، وأسفرت عن مقتل أكثر من 100 شخص وأجبرت المسؤولين على التخلّي عن الأمر.
إلى ذلك، تعاني المستودعات ومحلات البقالة من نقص في القمح والدقيق وزيت الطهي. وقال البقال صلاح ضو: “أنا تحت ضغط كبير من الناس الذين يأتون ويسألونني عن الزيت والسميد. يأتون إلي ويشكون ويقولون إننا نموت من الجوع”.
وذكرت مبروكة الطرابلسي، أم لثلاثة أطفال، أن نقص زيت الطهي أجبرها على استبداله بالزبدة وهي أغلى بكثير.
وقالت الطرابلسي للصحيفة: “الأمر ليس مجرد نقص في الزيت، بل عناصر أخرى. في بعض الأحيان، ينقصنا السكر، وأحيانًا الأرز. الأشياء الضرورية التي نحتاجها في حياتنا اليومية”.
بدوره، قال فرج ورهمي للصحيفة: “تؤكد السلطات أن كل شيء متوفر من زيت وغيره، إلا أنه عندما نقصد المتاجر لا نجد شيئًا”.
من جهته، قال أحمد اليحياوي، الذي يدير مخبزًا للصحيفة: “الناس مستعدون للقتال من أجل الطحين. إنهم يخشون من حدوث أزمة قريبًا”.
ويعتمد الحصاد المحلي في تونس على مزارعين يواجهون صعوبات في الحصول على الأسمدة. إذ يوجد نقص في فوسفات ثنائي الأمونيوم، الذي تستورده تونس من روسيا، كما تعيق البيروقراطية جهود المزارعين للحصول على نترات الأمونيوم التي لها خصائص متفجرة وتخضع لرقابة الحكومة.
#أزمة #خبز #بسب #حرب #أوكرانيا #تونس #أمام #خطر #اندلاع #ثورة #جديدة #التلفزيون #العربي
تابعوا Tunisactus على Google News