قيس سعيّد… عدوّ الأرقام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
باتت أزمة تونس مركّبة في غياب رئيس للدولة يستطيع التعاطي مع واقع البلد بعيداً من حسابات ضيّقة، من بينها تحكّم عقدة الحبيب بورقيبة به وبكلّ ما يفعله. لا يدلّ إلى مدى قصر النظر الذي يتميز به شخص قيس سعيد أكثر من نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة التي دعا إليها. كانت تلك النسبة 11,22 في المئة. لا تعني هذه النسبة سوى أن المواطن التونسي قرّر مقاطعة الانتخابات ورفض بالتالي طرح الرئيس التونسي الذي يبدو، بلغة الأرقام، في طلاق كامل مع شعبه، خصوصاً مع الجيل الشاب.
ما هو مخيف أكثر من رقم 11,22 في المئة، بالنسبة إلى المشاركة العامة، رقم آخر يتعلّق بنسبة مشاركة الشباب التونسي بين 18 و25 عاماً. نسبة المشاركين من الشباب في الانتخابات جاءت ضئيلة ولا تذكر في حال اعتماد لغة الأرقام التي يبدو أن الرئيس التونسي يكرهها، بل على خصومة معها.
ليست لدى قيس سعيّد أي رؤية من أيّ نوع. من الواضح أنّ توجهاته إسلاميّة عامةً، ويؤمن في الوقت ذاته بأفكار يساريّة من النوع الطفولي، وهي أفكار عفّى عليها الزمن. تبدو تركيبته التي تجمع بين الفكر الإخواني واليسار الطفولي من عجائب هذا الكون.
بكلام أوضح، يجمع الرئيس التونسي بين التطرّف الديني، الذي ظهر واضحاً من خلال مادة معيّنة في الدستور، والفكر اليساري الذي يتحدّث عن اشتراكيّة تذكّر بما كانت عليها الحال في الاتحاد السوفياتي. يؤكّد ذلك ما صدر عن قيس سعيّد في أثناء وجوده في واشنطن أخيراً للمشاركة في القمّة الأميركيّة – الأفريقيّة. قال الرئيس التونسي في العاصمة الأميركيّة كلاماً غير مفهوم في الدول الحضارية، بل لا ترجمة له على أرض الواقع. قال بالحرف الواحد في حملة على صندوق النقد الدولي: “إنّنا قادرون على تشخيص أسباب معاناة شعوبنا. لنعمل على تحديد الحلول الناجعة فيعمّ أثرها الجميع. أمّا الأدوية التي تقترحها دوائر النقد والمال العالميّة، فهي ليست بالأدوية، بل هي بمثابة الكيّ بالنار أو عود ثقاب بجانب مواد شديدة الانفجار. التصنيفات التي تظهر بين حين وآخر تقوم على معايير قوامها الأرقام، فيما الذوات البشريّة ليست مجرّد أرقام”.
إنّه كلام جميل ومنمق ظاهراً. لكنّه لا يدلّ سوى إلى كره غير مبرّر للأرقام وجهل في السياسة والاقتصاد والعلاقات الدوليّة في آن. لم يقل لنا قيس سعيّد من سيساعد تونس إذا لم يساعدها صندوق النقد الدولي؟ هل سيلجأ إلى الاستعانة بجبهة “بوليساريو” المعجب برئيسها الذي هرّبه تهريباً إلى قمّة أفريقيّة – يابانية انعقدت في تونس قبل فترة قصيرة، وذلك كي ترضى عنه المجموعة العسكريّة التي تحكم الجزائر؟
مؤسف أن كلام الرئيس التونسي من دون مضمون ولا ترجمة له على أرض الواقع في بلد مفلس على كلّ صعيد. تونس بلد يعاني، بين ما يعانيه، أزمة رغيف وأزمة دواء. انهارت كل مقومات البلد، بما في ذلك النظام الصحي والتعليمي. إنّه بلد انهارت فيه الطبقة المتوسطة التي لعب الرئيس السابق زين العابدين بن علي، بغض النظر عن كلّ أخطائه، دوراً في نموّها. لعب بن علي دوراً في توسيع هذه الطبقة بعدما حدّد المقومات التي يمكن أن تدعمها، بما يساعد في توفير فرص عمل للشباب التونسي بدل وقوع هذا الشباب ضحيّة التنظيمات الدينيّة المتطرفة التي يرفض قيس سعيد التصدي لها جدّياً. باختصار شديد، لا يفرّق الرجل بين الكلام الفارغ والشعارات ولغة الأرقام التي يشكو منها ويعاديها. تفضح لغة الأرقام الحال التي بلغتها تونس في عهد قيس سعيّد الذي حلمه أن يكون بورقيبة آخرَ.
كشفت الحوادث التي تشهدها تونس منذ ما يزيد على عامين، أن قيس سعيّد ليس مستعداً لمواجهة “حركة النهضة”، أي “الإخوان المسلمين” في تونس. مشكلته ذات طابع شخصي مع راشد الغنوشي الذي يعتبره منافساً شخصياً له. يبدو الرجل مستعداً كلّ الاستعداد للدخول في تحالف مع “حركة النهضة” إذا تخلّى الغنوشي عن طموحاته السياسيّة، وهي طموحات مرتبطة أساساً بانتمائه إلى فكر “الإخوان المسلمين”، علماً أنّه ينفي ذلك.
ليس جيل الشباب وحده الذي قاطع الانتخابات التي أتت لتونس بمجلس للنواب من النوع المضحك المبكي. قاطعت أيضاً المرأة التونسيّة هذه الانتخابات. عدد الرجال الذين أدلوا بأصواتهم بلغ ضعفي عدد النساء. يعكس ذلك غياب أي إيمان لدى المرأة التونسيّة، ذات الدور الكبير في تونس، بشخص قيس سعيد الذي أفلس تونس من جهة ويرفض الاستعانة باختصاصيين يعرفون القليل عن العالم من جهة أخرى.
في ضوء الانتخابات الأخيرة، فقد قيس سعيّد أي شرعيّة من أي نوع. كلّ ما يمكن قوله إن تونس تبدو مقبلة على تطورات خطيرة على الصعيد الداخلي بوجود رئيس نصّب نفسه عدواً للأرقام قبل أي شيء آخر!
#قيس #سعيد.. #عدو #الأرقام
تابعوا Tunisactus على Google News