«فضل الخرافة» للمصري هشام عبد العزيز: ما بين الدين والعلم والسياسة
محمد عبد الرحيم
القاهرة ـ «القدس العربي»: إلى أي مدى تصوغ الخرافة ـ خيال الإنسان الرحب ـ المفاهيم وبالتالي وجهة النظر ثم السلوك، وفي الأخير الفعل؟ وما مدى ارتباطها بالدين، هل تتوافق أم تتحايل لتأخذ صورة أقرب إلى التوافق؟ وهل من الممكن هجرها في ظل (العلم) الذي لا يؤمن إلا بالتجربة ونتائجها؟ أسئلة دائماً ما تُثار عند سماع كلمة (الخرافة) لكن.. هل تُصاغ مثل هذه الأسئلة في شكل صحيح؟يحاول الباحث المصري هشام عبد العزيز مناقشة الأمر من وجهة نظر مختلفة، في مؤلفه «فضل الخرافة» الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، سلسلة (الثقافة الشعبية) فيرى مبدئياً أن الخرافة لا ترتبط بمرحلة معينة من عمر البشرية، بقدر ما ترتبط بمرحلة من عمر كل إنسان، وكذلك ارتباطها بحالة نفسية أو اجتماعية للفرد، أكثر من ارتباطها بطبيعة الثقافة نفسها، وبالتالي يصبح كل إنسان في كل عصر، لا بد له من مرحلة عمرية يجنح فيها تفكيره إلى الأبعاد الخرافية.من ناحية أخرى يرى المؤلف أنه لا توجد (ثقافة علمية) و(ثقافة خرافية) فالخيال له مكانه في التجارب العلمية، وإلا ما كانت الاختراعات والاكتشافات وكذلك الموقف من الدين، فليس كل ما هو خرافي يخاصم المقولات الدينية، ومن التعرّض إلى العلم والدين، يتوجب الوصول إلى السياسية، وهي المجال الأخصب لاستغلال الخرافة للسيطرة والتحكم في الشعوب، من هذه الوجهة يمكن مناقشة بعض أفكار الكتاب.
خرافة
ونبدأ من (خرافة) وتعريف النبي محمد (ص) له في حديث تمت روايته عنه أكثر من مرّة ـ حديث عادي لا يأخذ صفة الحديث الديني ـ «أتدرون مَن خرافة؟ إن خرافة كان رجلاً من عذرة، أسرته الجن في الجاهلية فمكث فيهم دهراً طويلاً ثم ردّته إلى الإنس، فكان يُحدّث الناس بما رأى فيهم من الأعاجيب، فقال الناس: حديث خرافة». مع العلم أن الرسول دعا لخرافة أكثر من مرّة بالرحمة ووصفه بالصلاح.
الخرافة والدين
للأسطورة سُمعة سيئة في الدين الإسلامي، خاصة وقد اتُهم (القرآن) بأنه من (أساطير الأولين) وبالتالي هذا الاتهام يُخرجه عن كونه ديناً جديداً، بل ضمن الديانات التقليدية المعروفة في الجزيرة العربية. فالأسطورة بذلك هي «قص ديني» ومعتنقها يؤمن بتفاصيلها ومعناها، أي أنها حدثت بالفعل، وهي حق. أما (الخرافة) فلا إيمان بتفاصيلها/أحداثها، لكن يقتصر الإيمان على مغزاها. (الجن) على سبيل المثال، فالحكاية عن الجن لا يُعتقد في صحة تفاصيلها، مع وجوب الإيمان بوجود الجن ـ حسب السردية الإسلامية ـ وتتميز الخرافة بأنها سرد قصصي، وكذلك تعمل على تفسير الظواهر الكونية، ويرى المؤلف أنها جاءت لتملأ فراغ السرد القصصي الديني، ومن هنا نجد ما يرد في قصص الأنبياء والأمم الغابرة من غرائب تعتمد المبالغة والخيال، ولا ننسى أن (الخرافة) لغوياً هي المُستملح من الكذب. فعلامة الخرافة هي (التواطؤ) على الكذب أو بعضه، بين الراوي والمتلقي، فإن ما يُقال لم يقع، لكن ما وراءه صدق تام يؤمن به طرفا الرسالة.. الراسل والمُستقبِل. هؤلاء الرواة كانوا أصحاب سُمعة سيئة غير موثوقة، وهم (القصاصون) المطرودون دوماً من المساجد، ولا يلقون إلا لعنة الفقهاء، لكن أثرهم على العامة كان أكبر من تأثير أصحاب المنابر.
الخرافة والعلم
يستشهد المؤلف هنا برواية «قنديل أم هاشم» ليحيى حقي ـ نُشرت في بداية الأربعينيات من القرن الفائت، وتناولت أحداثها فترة العشرينيات ـ التي حاولت أن تجمع ما بين المتناقض ـ العلم والخرافة ـ فطبيب العيون إسماعيل كان يجاهد ويُعاني حتى يتمكن من معالجة عيني فتاته (فاطمة) حتى توصل إلى الحل السحري، وهو أن يضع زجاجة تحوي زيت قنديل أم هاشم، موهما مريضته بأنه يعالجها بهذا الزيت، بينما في الحقيقة يعالجها وفق الأساليب الحديثة التي تعلمها في أوروبا، فالعلم وحده يعجز عن الشفاء، دون الاطمئنان إلى وجود الاستئناس واليقين التراثي. الأمر أكبر من الحكاية بالطبع، خاصة أن مصر في تلك الفترة كانت تحاول تجاوز الراكد من الأفكار الاجتماعية والسياسية، وتحاول التواصل مع التقدم الغربي. فما فعله (إسماعيل) هو مجاورة لعلامتين، أساس العلاقة بينها التعارض، فالمقصود هنا هو (دال) الخرافة وضرورة تجاورها مع العلم في نفسية وطبيعة الشعوب. ولم يقتصر الأمر على الشرق وحده، بل تزايد في الغرب أيضاً، ولعل رد الاعتبار للميتافيزيقا بعد التحرر من سيطرة الوضعية ونظرتها الضيقة هو خير مثال على ذلك.. ففي حالتي الإبداع الفني والعلمي، يأتي الخيال في المرتبة الأولى، وهو يعمل في نطاق ثقافة واحدة لا ثقافتين. ولا يمكن بذلك اعتبار الخرافة والعلم مراحل معرفية، بل علامات ثقافية متجاورة تفيد كل منها من الأخرى، فكلاهما كامن في الذهن البشري، ولعل (أدب الخيال العلمي) هو الكاشف لهذه العلاقة.
الخرافة والسياسة
يُشير المؤلف هنا إلى العلاقة الوطيدة بين الخرافة والدين، والخرافة والبنى الاجتماعية والثقافية، والأهم أن (الخرافة) تتحاشى دوماً سلبيات كل منهما، خاصة في العلاقة مع الآخر، فهناك ظاهرة في المجتمع المصري لا تزال قائمة، وهي زيارة الأقباط لمقامات الأولياء المسلمين، وزيارة المسلمات لمقامات القديسات بحثاً عن حلول نفسية وعضوية لأجسادهن. من ناحية أخرى اكتشف الخطاب السياسي ما للخرافة من قيمة بين الناس، وبالتالي كان عليه استغلالها إلى أقصى حد. فينتقل المؤلف إلى (سلطة الرمز) أو السلطات التي تهدف إلى السيطرة الناعمة على المجتمع بطبقاته وفئاته، وهو ما تستخدمه (الدولة العميقة) في مواجهة (الثورة) ضدها. ومن هنا تصبح هناك خرافتان، أولهما يمتلكها النظام القديم، والأخرى لم تزل في طور التشكل وكل منهما يعمل على ترسيخها بشتى السبل. ويستند الباحث إلى (ثورات الربيع العربي) والخرافات التي انتشرت عن الأنظمة الحاكمة وقتها..
خرافات الدولة
هناك عرّاف يمني تنبأ لعلي عبد الله صالح بالعمر المديد، وأنه لن يُقتل مثل سابقيه، وكان يصرف له راتباً شهرياً منذ 1979 وحتى 2012. وهناك الشيخة ماجدة عرّافة مبارك، التي تنبأت بعودته مرّة أخرى إلى الحكم بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011، وكانت أغلب الفضائيات الموالية للنظام تستضيفها وتنقل كلماتها وقت اشتعال ميدان التحرير. من ناحية أخرى ذُكر أن زين العابدين بن علي، كان واقعاً تحت تأثير السحر والشعوذة في سنوات حكمه الأخيرة، بينما سيطرت زوجته على تونس بفضل السحر الأسود.
خرافات الثورة
وللثورة أيضاً خرافاتها، خاصة في ظهور رؤى تؤيد هذا الفريق أو ذاك، كالملائكة المؤيدة، وصولاً إلى ظهور (النبي) لمناصري هذا الموقف، أو ذاك. فبعض من فصيل المعتصمين في رابعة على سبيل المثال رأوا (النبي) كثيراً، بينما رآه علي جمعة في المنام أكثر من مرّة ليؤيد المجلس العسكري في ما يفعله بالمعتصمين. ولا ننسى أن جمعة مفتي الدولة السابق خادم نظام بالدرجة الأولى، فلم تخرج الخرافة هنا عن الحِس الديني المتأصل في حياة الشعب المصري.
#فضل #الخرافة #للمصري #هشام #عبد #العزيز #ما #بين #الدين #والعلم #والسياسة
تابعوا Tunisactus على Google News