- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

هل تونس مستعدة لتجربة المدن الذكية | آمنة جبران



تونس – تسارع دول العالم الخطى لإنشاء مدن ذكية، تسهم في توفير بيئة رقمية صديقة للبيئة ومحفزة للتعلم والإبداع، ما يعزز الشعور بالسعادة والصحة لمواطنيها. ويجمع الخبراء على أن المدن الذكية، وهي المدن المبتكرة التي تستخدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحسين نوعية الحياة، وكفاءة العمليات والخدمات الحضرية، والقدرة على المنافسة، حسب تعريف الاتحاد الدولي للاتصالات، ستكون مستقبل سكان العالم خاصة في الدول المتقدمة منه.
لكن بالنسبة إلى دول تعاني أزمات اجتماعية وسياسية ويشهد اقتصادها تراجعا مثل تونس وباقي دول المنطقة العربية، باستثناء تجارب رائدة لدول الخليج العربي، فإن الرهان على هذه المدن يشكل تحديا في ظل محدودية الإمكانيات المالية، وبصفة خاصة تواضع البنية التحتية.
وتعي تونس، التي ترزح تحت وطأة أزمة اقتصادية حادة، أن عليها استشراف مستقبل مدنها على الرغم من الصعوبات، لذلك تم إطلاق مبادرات في هذا الإطار كمحاولة للّحاق بركب الرقمنة، حيث يتفق الكثير من الخبراء في تونس على أن التوجه نحو المدن الذكية حلّ مبتكر لتعزيز جاذبية مدنها، ورسالة أمل لسكانها المستائين من تردي أوضاعهم المعيشية.
وأطلقت تونس برنامجا وطنيا للمدن الذكية في السنوات الأخيرة، تشرف عليه الجمعية التونسية للمدن الذكية، بالتعاون مع وزارة التجهيز والإسكان، ووزارة التكنولوجيا والمعلومات والاتصال.
عقيل الصدقاوي: أمضينا وقتا طويلا في التوعية بأهمية المدن الذكية
وبرنامج المدن الذكية التونسية مستوحى من مبادرات المدينة الذكية، التي تم إطلاقها في بعض المدن التونسية مثل بنزرت وقابس. وتزامنت المبادرات مع حملات توعية على شكل قوافل تقوم بزيارة مدن داخلية، بهدف توعية الفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين على المستوى المحلي بمفهوم المدينة الذكيّة وأهميّة تنمية الذكاء والاستدامة في الجهات، حسب ما ذكرته تقارير إعلامية محلية.
وتمثل مدينة “بنزرت الذكية” التجربة الأولى من نوعها في تونس في استشراف تصور المدينة بحلول سنة 2050. ويهدف المشروع إلى تحديد ملامح وخصوصيات مدينة بنزرت سنة 2050، من خلال استشراف بنيتها الأساسية في كل القطاعات وخاصة الحيوية، واستقطاب الاستثمارات في المجالات الواعدة من ذلك تكنولوجيّات الاتصال والطاقات المتجددة.
وينجز المشروع على امتداد 30 سنة في إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ويمكن أن يوفر في مرحلته الأولى أكثر من 5000 موطن شغل، وهي خطوة رائدة بالنسبة للخبراء، إذ تسير المدينة بخطوات جدية نحو الرقمنة، كما  تشكل تجربة المدينة “نقطة ضوء” في ظل حالة عدم اليقين التي تشوب المشهد التونسي منذ اندلاع ثورة يناير 2011.
وقد أدرج الاتحاد الدولي للاتصالات في أبريل عام 2018 مدينة بنزرت، ضمن المدن الأربع الأولى في العالم في مجال المدن الذكية المستدامة، إلى جانب كل من دبي الإماراتية، وبولي السويسرية، ومدينة سنغافورة، حسب ما ذكره رئيس الجمعية التونسية للمدن الذكية برهان الذوادي في تصريحات لوسائل إعلام محلية.
وبالرغم من التحديات، تؤكد الجمعية التونسية للمدن الذكية أن نجاح مشروع مدينة بنزرت الذكية ستكون له تداعيات اقتصادية داخليا، أما خارجيا فسيعزز من موقع تونس كبلد نجح في تسويق الذكاء التكنولوجي الرقمي بكفاءاته الخاصة.
وشرح عقيل الصدقاوي نائب رئيس الجمعية التونسية للمدن الذكية في حديثه لـ“العرب” تجربة تونس في هذا المجال، وبين أن “فكرة المدن الذكية انطلقت في تونس منذ عشر سنوات من خلال مشروع مدينة بنزرت 2050”.
وقال “بدأت الفكرة مع ولاية (محافظة) بنزرت.. ومن خلال استشرافنا لمستقبل البلاد في غضون الثلاثين سنة القادمة عبر ورشات عمل وندوات متواصلة، توصلنا إلى ضرورة تعميم الفكرة على جميع المدن حتى نستطيع أن نضمن سبل عيش أفضل للمواطن”.
وأردف “الصعوبة تكمن في البداية.. لقد أمضينا وقتا طويلا في التوعية بأهمية المدن الذكية”.
أما في ما يخص الجانب التطبيقي، فقد دشنت الجمعية التونسية للمدن الذكية شراكة مع المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية في الأسبوع الماضي، بشأن برنامج وطني للمدن الذكية، وهو برنامج دُعيت من خلاله البلديات إلى الالتزام بأربع عشرة نقطة، حيث يجب على السلطات المحلية الالتزام بأبرزها؛ وهي وضع مخطط رئيسي للبنية التحتية الرقمية للمدينة ووضع استراتيجية لمواجهة التغيرات المناخية، وسيقع تنفيذ خطة  العمل على مدى السنوات الثلاث المقبلة وهي بمثابة “أسس مدينة الغد”.
وأوضح الصدقاوي أنه “في أواخر يناير سيقع الإعلان عن ملامح هذا البرنامج الذي يوضح رؤيتنا للمدن الذكية وكيف سيقع التقدم بهذا البرنامج”.
وفيما ترى الجمعية التونسية للمدن الذكية، أن تونس جاهزة لتجربة المدن الذكية تقنيا ومن حيث الكفاءات، إلا أن الخبراء يعتقدون أن خطوات تونس في هذا المجال ما زالت متباطئة في ظل الصعوبات الاقتصادية، كما ستختبر هذه التجربة جدية البلديات في المساهمة في بناء مدن تضمن سبل عيش أفضل.
مدينة واحدة لا تكفي
التمويل أبرز التحديات
تمتلك تونس مدينة ذكية واحدة ضمن سوق عالمية وعربية متسارعة النمو والتأثير، في الوقت الذي يفرض فيه التحول الحضري تحديات جمة على الحكومات العربية ويضعها أمام مهمات مضاعفة حسب استنتاج مرصد المستقبل.
وسبق أن نشر صندوق النقد العربي تقريرا أشار من خلاله إلى أن تونس تمتلك مدينة ذكية واحدة، في وقت تشير فيه البيانات إلى أن حجم سوق المدن الذكية سيرتفع إلى 717 مليار دولار بحلول 2023.
وأوضح التقرير الذي ورد في شكل موجز سياسات تحت عنوان “المدن الذكية في الدول العربية: تجارب مستوحاة من التجارب العالمية”، أن التمويل والإطار التنظيمي والقانوني يشكلان أهم التحديات التي تواجه هذا المجال.
نجيب السنوسي: المشروع لا يستطيع أن ينجح دون تشريك البلديات
وتصدرت الإمارات قائمة الدول العربية في امتلاك المدن الذكية (5 مدن) تليها السعودية وقطر (3 مدن لكل منهما) والأردن والعراق (مدينتين لكل دولة) في حين تمتلك دول الكويت وتونس وسوريا مدينة ذكية واحدة لكل منها.
ويقوم مفهوم المدينة الذكية على توفر البنية التحتية التقنية والتطبيقات الذكية والاندماج المجتمعي في المنظومة الذكية، علما وأن بعض المدن العربية تمتلك مقومات للتحول إلى مدن ذكية مثل الخدمات الإدارية والحداثة. كما يمكن للمدن الذكية حسب تقرير صادر عن معهد ماكينزي، تحسين مؤشرات جودة الحياة الرئيسية -مثل التنقل اليومي أو المشكلات الصحية أو حوادث الجريمة- بنسبة تصل إلى 30 في المئة.
وفيما بدأت المدن الذكية في البلدان العربية تتلمس طريقها نحو التحول إلى واقع من خلال تجارب رائدة في الإمارات والأردن، لكنها تواجه مجموعة من التحديات العامة المشتركة عالميا في إنشاء المدن الذكية والتحول إليها، مثل البنية التحتية القديمة للمدن، والميزانيات المحدودة، والحاجة إلى وجود مبان ذكية، وضرورة تسريع التحول الرقمي، حسب ما ذكره تقرير مرصد المستقبل.
وإضافة إلى ذلك، فهي تعاني من مشكلات خاصة بالمنطقة العربية تجعل التحول نحو المدن الذكية بطيئا، مثل ارتفاع معدل الأمية (21 في المئة من العرب أميّون وفق المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم) والحاجة إلى تطوير الإجراءات الحكومية أصلا قبل تحويلها رقميا.
وفي تونس تأمل الجمعيات، التي تتبنى إقامة مدن ذكية، أن تسير باقي المدن على خطى بنزرت. وتراهن على الشراكة بين القطاعين العام والخاص لدعم تمويل هذا المشروع.
وتؤكد الجمعية التونسية للمدن الذكية أن النجاح مشروط بالعمل التشاركي بين الحكومة والمجتمع المدني، للاهتمام بمستقبل التنمية المستدامة في البلد، إضافة إلى ضرورة ممارسة حقيقيّة وفعليّة للامركزية وللحوكمة المحليّة، وهي برأيها الوسيلة الأنجع حتى ترى مثل هذه المشاريع النور والنجاح.
ويقول الصدقاوي “هدفها التغيير الذي يأتي من خلال دور البلديات والجهات”. وبرأيه لن يتم ذلك إلا من خلال خلق مشاريع ناجمة عن الشراكة مع القطاع الخاص والعام، خاصة وأن ميزانيات البلديات غير كافية.. وتابع “الحل في تحقيق استثمارات تعطي نقلة نوعية للمدن وتسهل فرص خلق مدن يحلو فيها العيش”.
دور البلديات
تونس تمتلك مدينة ذكية واحدة في وقت تشير فيه البيانات إلى أن حجم سوق المدن الذكية سيرتفع إلى 717 مليار دولار بحلول 2023
في الوقت الذي أطلقت فيه الجمعية التونسية للمدن الذكية بالشراكة مع المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية، دعوة إلى تشريك البلديات في جهود إقامة المدن الذكية في إطار ما يتمتع به الحكم المحلي في تونس من امتيازات لصالح المواطن، إلا أن البلديات في تونس تواجه تحديات كبيرة، بما في ذلك تطوير خطط التنمية العمرانية والسيطرة على الزحف العمراني، والتصدي لبرمجة أحياء ذات صبغة إدارية، والتحكم في مصادر التلوث وتدارك التأخر التكنولوجي، الأمر الذي من شأنه أن يصعّب إقامة مدن ذكية مستقبلا.
وتراهن تونس على اللامركزية بهدف تعزيز دور الأطراف المحلية وتمكينها من اتخاذ القرارات المتعلقة بالبلديات، ما يوفر تغييرا حقيقيا لصالح المواطن. لكن، ومنذ تنصيبها في يوليو 2018، تواجه المجالس البلدية المنتخبة تحديات عديدة ومتنوعة، ما جعلها غير قادرة على إحداث تغيير فعلي أمام النقص الحاد في الدعم المالي والمعدات. وحتى تكون مستعدة وجاهزة لمشاريع المدن الذكية، فإن ذلك يشترط دورا أكبر للبلديات.
رضا قويعة: من الناحية الاقتصادية يصعب الحديث عن مدن ذكية في تونس
وأوضح وزير تكنولوجيا الاتصال السابق نعمان الفهري في تصريحات لوسائل إعلام محلية، أنّ الحديث عن المدينة الذكية أمر ممكن بشرط أن تتولى البلديات المبادرة وتتبنّى المشاريع التي يطرحها الشباب في هذا المجال، معتبرا أنّ “تونس تتوفر على كفاءات عالية تحمل أفكارا مجددة”، وأضاف “أنا على يقين بأنّ هؤلاء الشباب إذا ما دخلوا البلديات وأصبحوا فاعلين فيها، سيكون بالإمكان إقامة مدن ذكية”.
وتواجه مختلف المدن التونسية صعوبات على مستوى البنية التحتية وعلى المستوى البيئي. وتتعرض الحكومة إلى انتقادات متواترة كل عام بسبب تدني البنية التحتية في عدة محافظات وتداعي شبكات تصريف المياه وانتشار البنايات العشوائية، فيما لا تبذل السلط المحلية جهدا كافيا لمعالجة هذه الأوضاع.
وعلى الرغم من الصعوبات، تؤكد وزارة الإسكان دعمها لمشاريع من شأنها أن توفر ظروفا أفضل للمواطن.
وأوضح نجيب السنوسي المدير العام للإسكان بوزارة التجهيز والإسكان لـ“العرب” أنه “كل ما يتعلق بالاستدامة وتطوير مجال الاستجابة لاحتياجات المواطن التونسي كيفما كانت، فإن وزارة التجهيز تتبناه سواء من حيث تحسين ظروف عيش المواطنين أو من حيث المشاريع والبرامج التي تنجز في إطار التطور العمراني الذي تشهده مختلف المدن التونسية”. وتابع ” نحن نتبنى مشروع المدن الذكية وندعمه”.
لكن السنوسي أقر بضرورة توفر بنية تحتية ضرورية وقوية حتى تستطيع البلاد الدخول في منظومة المدن الذكية، وبرأيه فإن تجربة بنزرت لا تستطيع أن تعمم على كافة المدن.
وسلط الضوء على دور البلديات التي يجب أن تتمتع بإرادة كبيرة، فهي مطالبة بأن تتبنى هذا المشروع وتكون فاعلة في تنفيذه. مستدركا بالقول “لا يستطيع أن ينجح المشروع الذي يهمّ العمران دون تشريك البلدية”.
وإضافة إلى دور البلديات، يؤكد المتابعون أن مشاريع المدن الذكية في البلد تواجه تحديات اقتصادية في ظل تراجع مؤشر النمو والتضخم وارتفاع المديونية. ويتساءل هؤلاء عن إمكانية إقامة هذه المدن فيما الحكومة التونسية عاجزة عن توفير ظروف العيش الطبيعة وضمان أبسط الحقوق لمواطنيها.
ويقول الخبير الاقتصادي رضا قويعة لـ“العرب”، “لا توجد بنية تحتية أو تجهيزات كافية تسمح لنا بالحديث عن مدينة ذكية، هذا يصعب من الناحية الاقتصادية خاصة في ظل تواضع الموازنات المرصودة للبلديات”.

- الإعلانات -



المصدر

- الإعلانات -

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد