- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

موقف تونس من الصحراء: ما الذي جرى؟


22 – ديسمبر – 2020

حجم الخط

- الإعلانات -

كيف تنظر تونس اليوم لما يحصل من تطورات في ملف الصحراء؟ لا مسؤول تونسي سيجيب عن ذلك. وبنظر معظم التونسيين يبدو الأمر عاديا. غير أن الجارتين الجزائر والمغرب تريان العكس، بل تعتبر الموقف التونسي من تلك القضية محدِدا أساسيا لا ثانويا في التعامل معها. وفيما لا تبدي الرباط انزعاجا ملحوظا من ميلان الكفة التونسية قليلا نحو الجزائر، إلا أن الأخيرة لا تبدو راضية تمام الرضا عن بعض ما يصدر من جارتها الشرقية، من آراء وأفكار حول الملف.وربما عكست دعوة السفير الجزائري المعتمد في تونس إلى مقر وزارة الخارجية التونسية الثلاثاء قبل الماضي، جزءا من ذلك، وكان التعبير الأقوى عن المساعي الحثيثة التي بذلتها السلطات المحلية، على مدى أيام لامتصاص غضب المسؤولين الجزائريين المتصاعد منذ أسابيع، على ما اعتبروه تعديا بالغا وتطاولا غير مقبول من جانب بعض الشخصيات غير الرسمية في تونس على بلدهم. ولعل الشرارة الأولى التي أشعلت كل ذلك الغضب الجزائري، كانت تصريحات الرئيس السابق المنصف المرزوقي الشهر الماضي لـ»القدس العربي» الذي قال فيها: «لقد كنا للأسف الشديد رهائن لدى مجموعة في النظام، الذي ثار ضده الشعب الجزائري وأملي الكبير في أن الجيل الجديد من الحكام الجزائريين، الذين سيأتي بهم الحراك والديمقراطية، هو من سيسعى إلى إنهاء هذه المشكلة (أي المشكلة الصحراوية) وأن نبني اتحاد المغرب الكبير، الذي لن يكون بالبوليساريو وبتقسيم المغرب». ثم ما أضافه في ندوة عبر الفيديو من أن «النظام الجزائري قد أجرم في حق شعبه والاتحاد المغاربي والشعب الصحراوي» الشيء الذي دفع وزير الانتقال الطاقوي والطاقات المتجددة الجزائري، لأن يرد عليه بعدها بأسابيع وبتزامن مع ظهور أزمة مفتعلة داخل تونس، لتزويد بعض المناطق الداخلية بقوارير الغاز المنزلي، اضطرت السلطات التونسية لطلب مساعدة الجزائر على فضها: «إن العلاقات بين الجزائر وتونس مثل العلاقات بين الأشقاء، العيب الوحيد هو خرجة المرزوقي غير المناسبة، التي تجاوزت حدود الحرية واللباقة، لأسباب شخصية وكراهية غير عقلانية لا مبرر لها. ويجب القول إن الجزائر حريصة على تونس على الصعيد الأمني، ولكنها لا تتردد أيضا في مساعدتها ماليا، وهذا من واجبها في المواقف الحساسة». لكن ما أفاض الكأس تماما كان ما قاله وزير خارجية تونسي سابق هو أحمد ونيس، لإحدى الإذاعات المحلية الاثنين قبل الماضي من أن الجزائر هي التي لعبت بالنار، وهي التي أحرقت المنطقة، وليس المغرب، وأنها تريد «ترسيخ الخريطة الاستعمارية بالقوة» على حد تعبيره، مشيرا في ذلك السياق إلى استحواذها على مئات الكيلومترات من صحراء تونس والمغرب. ورغم أن البيان الرسمي الذي صدر في أعقاب مقابلة الوزير التونسي للسفير الجزائري، التي لم يعرف بالضبط، ما إذا جاءت نتيجة ضغط أو طلب رسمي من السفير، أم أنها كانت بمبادرة ومسعى تلقائي من الوزير، قد أشار بوضوح إلى أن «صفاء العلاقات الثنائية» التي تجمع البلدين «لا يمكن أن تكدره مواقف غير رسمية لا تلزم تونس في شيء، ولا تلزم إلا أصحابها» مثلما جاء بالحرف، إلا أن العودة السريعة لذلك الصفاء لم تكن مؤكدة بعد، إلا وفقا لبعض الشروط الشكلية التي لا يعرف حتى الآن، ما إذا تعدتها إلى أكثر من ذلك.

الجزائر لا تبدو راضية عن بعض ما يصدر من جارتها الشرقية، أما الرباط فلا تبدي انزعاجا من ميلان الكفة التونسية قليلا نحو الجزائر

وكان واضحا أن الجزائريين كانوا يرغبون بأن لا يقتصر الأمر على مقابلة الوزير للسفير، فالبيان الرسمي وعلى أهميته لم يكن كافيا بنظرهم لتحقيق الغرض منه، أي تهميش انتقاد بعض الشخصيات التونسية، التي لم تعد تشغل الآن مناصب في الدولة، للنظام الجزائري في بعض المواقف، وأهمها رؤيته لمشكلة الصحراء وتمييزها جيدا، بالمقابل بين ذلك الفعل وتمسكها بأواصر الأخوة المتينة مع الشعب الجزائري. والحل العملي الذي كان أمامهم هو أن يخرج مسؤول تونسي سابق بتصريحات مضادة لتلك التي اعتبروها مسيئة في حقهم وغير مقبولة. وربما ظفروا الأحد الماضي بالمطلوب، فالرجل الذي حاورته وكالة الأنباء الجزائرية لم يكن بدوره سوى وزير خارجية تونسي سابق. وما كان الجزائريون ينتظرونه من المنجي الحامدي، هو أن يقول بالضبط ما قاله في حديثه لوكالة أنبائهم الرسمية وهو «أن الجزائر الشقيقة دولة لها ثقل في المنطقة وفي افريقيا، وهي تقوم بدور محوري لحل الأزمات بمقاربة سلمية وعن طريق الحوار» وأن يعلق على تصريحات زميله وزير الخارجية السابق أحمد ونيس حول الجزائر، ويقول عنها بشكل حاد إنها «مخزية وغير مسؤولة» قبل أن يضيف أن «الشعب التونسي الذي يكن كل التقدير والاحترام للجزائر شعبا ودولة، لن يقبل بوصف الجزائر بتلك العبارات، كما أنها غير مقبولة من أي تونسي، لأن الجزائر وقفت دائما بجانب تونس وساندتها في أيامها الصعبة، خاصة بعد أحداث 2010». ويختتم أن التهجم على الجزائر بمثل تلك التصريحات «لا ينقص لا من وزنها ولا من دورها المحوري التاريخي في المنطقة، ولا من متانة العلاقات التاريخية المتجذرة بين الشعبين الجزائري والتونسي» لكن إن كان الأمر حقا على ذلك النحو، ألا يبدو أن هناك قدرا من المبالغة في الغضب؟ ثم ألا يمكن أن يخفي رد الفعل القوي من جانب الجزائر غرضا آخر؟ فعلى فرض أن الجزائريين يثقون تماما في قوة وصلابة علاقاتهم بتونس، فهل سيكون ممكنا لأي تصريح أو تعليق غير رسمي أن يمس بها بسهولة؟ وبغض النظر عن طبيعة تلك الدوافع، فإن النظر للمسألة من زاوية أخرى قد يكشف عن تحول ملحوظ وبطيء في موقف تونس من المعضلة الصحراوية. ففيما حاولت السلطات التونسية تطويق الغضب الجزائري من تلك التصريحات غير الرسمية، إلا أنها لم تبذل بالمقابل جهدا للإشارة إلى أن ما أقدمت عليه بعض المنظمات، ومن بينها المنظمة التونسية لحقوق الإنسان ونقابة الصحافيين التونسيين، من خلال توقيعها على بيان مشترك تؤكد بعض فقراته على أن «قضية الصحراء الغربية، لا يمكن حلها باعترافات أحادية من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بل بالاعتماد على قرارات مجلس الأمن، مثلما بيّن ذلك مؤخرا الأمين العام لمنظمة الامم المتحدة» لا يلزمها. ورغم أن ذلك قد لا يعد دليلا قاطعا على مثل ذلك التحول، إلا أنه قد يكون مؤشرا على أن تونس قد تكون بصدد قطع بعض الخطوات نحو استبدال سياسة الحياد التقليدي في ملف الصحراء بنوع من التطابق والتقارب النسبي مع وجهة النظر الجزائرية فيه، بدون أن يعني ذلك انها ستقدم غدا على الاعتراف مثلا بالبوليساريو، لكن ما الفائدة من ذلك؟ وأي ضرر قد يلحق بعلاقتها في المغرب جراءه؟ ربما لن يدرك التونسيون ذلك في القريب، غير أنهم سيتأكدون عاجلا أم آجلا من أن كلفة النظر بعين واحدة في الملف الصحراوي ستكون أرفع بكثير مما اعتقد البعض منهم.كاتب وصحافي من تونس



المصدر

- الإعلانات -

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد