متى ظهرت المشربية فى الحارة المصرية؟| صور – بوابة الأهرام
عمارة “الشنشول” أو “الروشان” هي أسماء متعددة لشكل من أشكال العمارة التقليدية التي اشتهرت باسم “المشربية”، والتي اعتدنا رؤيتها في شوارع وحارات مصر القديمة، وهي أحد أروع الطرز المعمارية للعمارة الإسلامية، كما أنها مثلت حلاً معماريًا مبتكرًا وناجحًا للتغلب على طبيعة المناخ الحار.
ونظراً لأن طبيعة فن العمارة دائمة التطور والتقلب، فإنه يصعب التحديد الدقيق لوقت ظهور المشربية، ولكن يمكن القول أن بدايتها كانت في القرن السادس الهجري /الثالث عشر الميلادي في العصر العباسي، إلا أن أوج استخدامها كان في العصر العثماني واستخدمت في البيوت و البيمارستانات “المستشفيات”، واستمر استخدامها حتى اليوم.
ترجع تسمية المشربية إلى مكان الشرب الذي توضع فيه (القلة)، وهي جرة الماء الصغيرة التي يبرد فيها ماء الشرب، ويحدث هذا التبريد بفعل التبخر الناتج من تحرك الهواء عبر فتحات المشربية، وفي نفس الوقت تبريد الهواء الداخل إلى المكان.
وتكمن روعة هذا العنصر المعماري في تكامل وظيفته مع قيمته الاجتماعية والجمالية، حيث أن المشربية تُدخل كمية كبيرة من الضوء غير المباشر، وفي نفس الوقت تمنع أشعة الشمس المباشرة المصحوبة بدرجات حرارة عالية من الدخول إلى المكان، وبالتالي فهي تعطي إنارة ذات كفاءة عالية دون زيادة في درجة الحرارة، كما تسمح بتدفق الهواء بنسبة عالية وزيادة نسبة رطوبة الهواء، فالخشب المستخدم في تصنيعها يمتص ويرشح كميات معقولة من الماء، كما تعطي خصوصية لأهل المكان، وفي نفس الوقت يسمح لمن في الداخل بالنظر للخارج، بالإضافة لما سبق فإن المشربية تقدم قيمة جمالية إلى الشارع الذي تطل عليه النوافذ.
ويعتبر النجار المصري أهم من قدم فنون المشربية، كما استطاع تطوير شكلها وقدمها إلى العالم كله في شكل واجهات خشبية رائعة الجمال، فادخل الأرابيسك ليكون العامل الأساسي لتشكيل المشربية بدقة خرطه للخشب على شكل مكعبات وكرات ومستطيلات، وتعشيقها بطريقة العاشق والمعشوق، وظهرت مهارته في الزخارف المستلهمة من البيئة من حوله، فظهرت زخارف للطيور والحيوانات والنباتات والأشكال الهندسية، ثم أدخل عليها الكتابات الإسلامية، ومع تطور الحرفة وزيادة الطلب عليها، اُضيف الزجاج الملون، وزوايا النحاس؛ لإضافة الفخامة والتميز لها، والعامل المشترك بين جميع المشربيات وجود مكان خاص للقلل الفخارية، موجهة تجاه الهواء لتبريد ماء الشرب.
ويرجع فن المشربيات في مصر إلي عهد الفاطميين، الذين استعانوا بالأقباط المشهور عنهم براعتهم في هذا النوع من الفنون بعدها تشكلت معالم الفن الإسلامي، فقد عمل الفاطميين على إحياء الحضارة والفنون الوطنية القديمة للمصريين، وظهر هذا واضحاً في الآثار المعمارية الفاطمية التي اشتهرت بـ (الفن القبطي).
ويقال إن حرفة (المشربية أو الأرابيسك) لها جذور تمتد إلي عهد توت عنخ آمون عندما وجدوا داخل مقبرته ومقبرة جد اخناتون أشكال من الأثاث التي تشبه فن الأرابيسك، ولكن المؤكد أن المصريين قد مارسوا أنواع حرف النجارة و أتقنوها قروناً طويلة، وشهد لهم بذلك المؤرخين من أمثال: ناصر خسرو، ابن بطوطة، والمقريزي عندما وصفوا في كتاباتهم عن سحر القاهرة بشوارعها وبيوتها و مشربياتها.
ومن الأماكن التي مازالت تعكس فن الأرابيسك والمشربيات بصورة واضحة بيت السناري، وقصر بشتاك الموجود بشارع المعز، وقصر السلطان قايتباي، ومنزل زينب خاتون، ومنزل السلطان الغوري، وبيت الكريتلية بجوار الجامع الطولوني، ومنزل جمال الدين الذهبي الذي لا يزال محتفظا بتفاصيله كاملة، ومنزل رضوان بيك الذي يقع جنوب باب زويلة، ومنزل المفتي(الشيخ المهدي) بشارع الخليج المصري، وقصر المسافر خانة بالجمالية، ومنزل إبراهيم الأنصاري بالقرب من المدرسة السنية.
أما منزل إبراهيم كتخدا السناري الذي يقع بحارة منج بالسيدة زينب، ففيه مشربية تطل على قاعة هذه المشربية – منشأه في قاعة أخري، يشعر الجالس في إحدى القاعتين وكأنها تطل من الداخل على الأخرى في الخارج، رغم كون كلاهما يقعان داخل بيت واحد.
وفي حارة الدرب الأصفر يقع بيت السحيمي (عبدالوهاب الطبلاوي)، ومن أنجح التصميمات على الفلسفة الوظيفية والجمالية في العصر الحديث ما قام به المهندس (جان نوفيل) أحد أبرز المعماريين الذين استخدموا المشربية في العمارة الحديثة والذي صمم (معهد العالم العربي في باريس)، فكان انطلاقة فيما بعد نحو تصميم مبنيين استخدم فيهما طرز المشربية، حيث قام بتصميم كلاً من (برج الدوحة) بدولة قطر و(متحف اللوفر) بأبوظبي.
لم تعد صناعة المشربية تعتمد فقط علي الخشب، بل امتد تصنيعها إلى استخدام النحاس والبرونز وألواح الألياف وأيضاً الألومنيوم، وساعد تنوع خامات المشربية إلى تحسين وتغيير أشكالها، مما جعلها مناسبة للاستخدام المعماري في العصر الحديث، حيث ستبقى المشربية منبع متجدد للإبداع على مر العصور.
وهكذا نرى أن المشربية هي أكثر فنون العمارة التي طبقت مبدأ (الوظيفية) أي الشكل يتبع الوظيفة رغم أن المعماري المصري القديم، لم يكن يدرك ولا يعلم بهذا المبدأ، ولكنه طبقه بكل حرفية وكأنها حقيقة بديهية، وهو ما أدهش المعماري الغربي إلي الحد الذي جعله يقتبس هذا النوع من الفن.
المشربية فى الحارة المصرية
المشربية فى الحارة المصرية
المشربية فى الحارة المصرية
#متى #ظهرت #المشربية #فى #الحارة #المصرية #صور #بوابة #الأهرام
تابعوا Tunisactus على Google News