ارتياح سعيّد لكسر العزلة الدولية مرهون بشروط خارجية
سعيّد خلال لقائه تبون في تونس، ديسمبر الحالي (الأناضول)
قبل أيام من انطلاق ما سماها استشارات إلكترونية شعبية، بداية السنة المقبلة، وفق ما أعلن عنه في خريطة الطريق، منذ نحو أسبوع، يواجه الرئيس التونسي قيس سعيّد تصعيداً جديداً من معارضيه في الداخل، بينما تتسم المواقف الخارجية بترحيب بارد وشروط واضحة لتطبيق خريطة الطريق التي أعلنها، والتي تشمل استفتاء في الصيف المقبل وانتخابات تشريعية مبكرة نهاية عام 2022.
وأعلنت مبادرة “مواطنون ضد الانقلاب”، أكبر معارضي سعيّد، الإثنين الماضي، دخولها في سلسلة احتجاجات جديدة، ستتوسع إلى الجهات في الداخل، وتتواصل لغاية 14 يناير/كانون الثاني المقبل، ذكرى الثورة التي حذفها سعيّد بأمر رئاسي.
رضا بلحاج: البيانات حملت في طياتها “لكن”، أي شروطاً ضرورية لاستكمال القبول الدولي
وأشارت المبادرة، في بيان مساء الاثنين، إلى أن “شخصيات وطنية” قررت الدخول في إضراب عن الطعام، احتجاجاً على الانقلاب وعلى القمع الذي تعرّض له المحتجون في شارع بورقيبة في العاصمة، يومي 17 و18 ديسمبر/كانون الأول الحالي، وفك اعتصامها بالقوة من قبل الشرطة التونسية.
وقال القيادي في المبادرة، جوهر بن مبارك، إنه جرى توثيق كل الاعتداءات، صوتاً وصورة، وسيتم إرسالها إلى المنظمات الحقوقية الوطنية والعالمية.
ودعا القضاء التونسي إلى التحقيق في تسريبات تتحدث عن تورط جهات أجنبية في الشأن التونسي. وأدت التضييقات التي مورست على مناصري أحزاب عريقة، مثل الجمهوري والتكتل والتيار الديمقراطي، في شارع بورقيبة في 17 ديسمبر، إلى توسّع قاعدة معارضي سعيّد، وبروز نوايا تجمع في جبهة موحدة لزيادة الضغط عليه.
ارتياح سعيّد لانكسار العزلة الدولية… جزئياً
لكن وعلى الرغم من الضغط الداخلي الكبير، فإن سعيّد يبدو مرتاحاً لانكسار العزلة الدولية، بعد زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إلى تونس أخيراً، من ناحية، وصدور مواقف دولية أقل حدة من سابقاتها، ترحب بخريطة الطريق التي أعلن عنها في 13 ديسمبر، برغم أنها وضعت شروطاً كبيرة عليه مقارنة بهذا الترحيب.
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، عبّر، منذ نحو أسبوع، عن ترحيب بلاده بإعلان سعيّد عن “جدول زمني يرسم مساراً للإصلاح السياسي والانتخابات البرلمانية”. لكن برايس أكد، في الوقت ذاته، أن “بلاده تتطلّع إلى عمليّة إصلاح شفّافة، تشمل رؤى المجتمع المدني والسياسي المتنوّعة”. وبيّن أن “الولايات المتحدة تدعم تطلّعات الشعب التونسي لحكومة فعّالة وديمقراطية وشفافة تحمي الحقوق والحريات”.
لكن السيناتور الأميركي كريس مورفي اعتبر، في المقابل، أنه “من الواضح أن خريطة الطريق المعلنة من قبل سعيّد غير مكتملة وطويلة جداً”. وقال: “نحن نتحدث عن غياب دستور حتى الصيف المقبل، وغياب برلمان لسنة إضافية”.
ودعا الإدارة الأميركية إلى “مراجعة دعمها للجيش التونسي، نظراً لمشاركته أو تواطئه في تعليق الديمقراطية في تونس، والذي نأمل أن يكون مؤقتاً”.
البيانات الدولية حملت في طياتها “لكن”
وتعليقاً على هذه المواقف، رأى مدير ديوان الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، رضا بلحاج، أن “المواقف الدبلوماسية ينبغي أن تُقرأ بطريقة معينة، لأنها تخضع لعدد من القواعد”.
وأوضح بلحاج، القيادي في مبادرة “مواطنون ضد الانقلاب”، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن “الترحيب كان مشروطاً، باعتبار أنه جاء رداً على إعلان الرئيس عن خريطة طريق ومواعيد. المهم أن كل هذه البيانات حملت في طياتها “لكن”، أي شروطاً ضرورية لاستكمال القبول الدولي، ومن بينها عودة الديمقراطية والشرعية والحلول التشاركية، أي عدم الاستفراد بالرأي، وعدم الإقصاء. وهذه هي حقيقة الموقف الدولي”.
اعتبر منصف المرزوقي أنه ليس للدول الغربية الشجاعة والقدرة الكافية للمطالبة بالعودة إلى الديمقراطية
وقال بلحاج إن “الأطراف الدولية ليست طرفاً في النزاع الداخلي في تونس، وترحب بأي تطور إيجابي، لكنها تبدي مواقفها بما يتلاءم مع تصورها للأزمة وبالشكل الدبلوماسي”.
وكان الاتحاد الأوروبي اعتبر، في بيان، أن تصريحات سعيّد المتعلقة بالانتخابات التشريعية والجدول الزمني لتنفيذها، تعد “خطوة مهمة نحو استعادة الاستقرار المؤسسي والتوازن السياسي”. لكنه أوضح أن “نجاح هذه العملية سيعتمد على السبل الملموسة لتنفيذها، ولا سيما ترسيخها في القيم والمبادئ الديمقراطية، بالإضافة إلى شموليتها وشفافيتها”.
وشدد على تمسّكه “باحترام المكتسبات الديمقراطية، وفصل السلطات، وسيادة القانون والحقوق والحريات الأساسية لجميع التونسيين، من أجل ضمان استقرار البلاد وازدهارها، مع الاحترام الكامل لسيادة الشعب التونسي”.
تونس ستبقى محكومة لسنة بشخص كذب على الناس
ورداً على الموقف الأوروبي، اعتبر الرئيس الأسبق منصف المرزوقي “أنهم يمسكون العصا من الوسط، وليست لهم الشجاعة والقدرة الكافية للمطالبة بالعودة إلى الديمقراطية”.
وأضاف، في تصريح لشبكة “أورو نيوز” أخيراً، أن “هذا الرجل أعطاهم عظماً إن صح التعبير، وبالتالي فهم يأملون أنه سينظم انتخابات بعد سنة”. لكن المرزوقي اعتبر “أنهم نسوا أنه طيلة هذه السنة ستبقى الدولة محكومة بشخص قد يغير رأيه في أي لحظة. شخص غيّر رأيه وكذب أكثر من مرّة على الناس. هذا رأيهم، أما الشعب التونسي فرأيه مختلف”.
وقالت وزارة الخارجية الإيطالية، في بيان منذ أيام، إنها “تتابع باهتمام إعلان سعيّد بدء مسار الإصلاحات السياسية والدستورية والمواعيد النهائية”. وعبّرت عن “أملها في أن يُتوج المسار الإصلاحي بانتخابات تشريعية جديدة”.
ودعت، السلطات التونسية، إلى “الاستمرار في إعادة إرساء سيادة القانون والحياة الديمقراطية الطبيعية بشكل كامل، من خلال حوار شامل وشفاف وجوهري، مع جميع المكونات السياسية والاجتماعية في البلاد”.
فشل على المستوى الاقتصادي في تونس
واعتبر المحلل السياسي قاسم الغربي أن “رئاسة الجمهورية اليوم تواجه حرجاً سياسياً، إن لم يكن مأزقاً، لأنه داخلياً هناك فشل على المستوى الاقتصادي، وما يقال عن إجراءات اقتصادية في قانون المالية لسنة 2022، يؤكد أن تونس تنتظرها أيام صعبة”. وبيّن الغربي، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن “المعطيات الاقتصادية تشجع المعارضة على القيام بالمزيد من التحركات في الشارع”.
قاسم الغربي: المعطيات الاقتصادية تشجع المعارضة على التحرك في الشارع
وقال إن “الحرج الثاني لرئيس الجمهورية يتمثل في العزلة السياسية داخلياً. من الواضح جداً أنه لم يعد له داعمون مهمون، وحتى حركة الشعب فهمت أن لدى سعيّد خياره المختلف تماماً عن كل المنظومة السياسية، بما في ذلك المساندون له، ويعتبر نفسه خارج المنظومة”. واعتبر الغربي أن “الرئيس في حالة عزلة سياسية، وبالتالي هناك أزمة سياسية، وتصاعد الحركات الاحتجاجية، وملامح أزمة أعمق في 2022”.
وأوضح أنه “على المستوى الخارجي، فإن كل البيانات، قبل إعلان خريطة طريق 13 ديسمبر، كانت تتحدث عن شرطين، تسقيف الحالة الاستثنائية (زمنياً)، وتشريك الأحزاب والمنظمات الوطنية من دون إقصاء. والرئيس استجاب للشرط الأول، وهو ما يفسر البرود في ردود الخارجية الأميركية والاتحاد الأوروبي والخارجية الإيطالية. تقريباً 3 بيانات ذكّرت بالشرط الثاني، وهو التشاركية”.
وأشار إلى أنه “لا يوجد أي موقف فرنسي، وهذا غريب. والموقف التركي الداعم لقرارات سعيّد تبيّن أنه غير صحيح. وبالتالي فالعزلة الدولية متواصلة”.
واعتبر أن “زيارة الرئيس الجزائري لا تعني الكثير، والسلفة (المالية) من الجزائر لا تغطي سوى شهر واحد. وبالتالي فإن الجزائر بدت وكأنها تريد رفع الحرج عن نفسها بشأن تونس، التي من الواضح أن عزلتها ستتواصل ما لم تستجب للشرط الثاني”.
#ارتياح #سعيد #لكسر #العزلة #الدولية #مرهون #بشروط #خارجية
تابعوا Tunisactus على Google News