FA: هكذا ساهمت “بيرقدار” في رسم سياسة تركيا الخارجية
ساهمت الطائرة المسيرة المقاتلة “بيرقدار تي بي2” في تغيير موازين الحرب في مناطق عدة بالعالم، وتعمل حاليا في أوكرانيا والتي أثبتت دورها في الحرب الدائرة هناك، بحسب ما ذكره موقع “فورين أفيرز”.
وبحسب الموقع في تقرير ترجمته “عربي21″، فإن “سلاح تركيا القاتل” يسهم في تشكيل الحروب من سوريا إلى أوكرانيا، ففي 14 نيسان/ أبريل أدهشت القوات الأوكرانية العالم عندما أغرقت بارجة “موسكوفا” التي كانت عنوان الفخر للبحرية الروسية في البحر الأسود. وما ركزت عليه الصحافة الدولية هو أن الأوكرانيين نجحوا باستهداف السفينة بصواريخ نيبتون المصنعة محليا برغم دفاعات السفينة القوية، وما لم يلاحظه الإعلام الدولي هو الطائرات المسيرة التي ساعدت في هذا الهجوم.
وبحسب المسؤولين الأوكرانيين فقد تم تنسيق الهجوم من خلال طائرتين تركيتين بدون طيار من طراز “بيرقدار تي بي2” واللتين استطاعتا تجنب رادارات السفينة وقدمتا معلومات دقيقة للصواريخ التي استهدفتها.
ويقول الموقع إن الطائرات المسيرة التركية لم تثبت دقتها في أوكرانيا لأول مرة، فمنذ الأيام الأولى من الغزو، أثتبت الطائرات ذات الكلفة المنخفضة قدرتها على تعطيل الدبابات الروسية ووقف تقدم الجيش الروسي. ولم تكن هذه مصادفة، ففي كانون الثاني/ يناير وعندما حشدت موسكو قواتها على الحدود الأوكرانية، قامت كييف وبهدوء بعملية شراء كبيرة من تركيا وحصلت على 16 طائرة “بيرقدار بي تي2” في صفقة وصلت 60 مليون دولار، أي بزيادة 30 مرة عما أنفقته على معدات عسكرية من تركيا بنفس الفترة قبل عام.
وانضمت هذه الطائرات إلى 20 طائرة اشترتها أوكرانيا سابقا من تركيا. وكانت بيرقدار مهمة للجهود الحربية الأوكرانية، حيث يعني اسمها حاملة التين، بشكل أدت لتدبيج أغنية وطنية أوكرانية وجدت طريقها إلى منصات التواصل الإجتماعي.
اقرأ أيضا: MEE: “أوكرانيا قصفت مستودعات نفط في روسيا باستخدام “بيرقدار”
ولعبت “بيرقدار” في السنوات الماضية دورا مهما في نزاعات مختلفة في القوقاز والشرق الأوسط وأفريقيا. وعبر تسويق الطائرات المسيرة إلى عدد من الدول، ذات الدخل المتوسط، فقد وسعت تركيا من تأثيرها الجيوسياسي، وموضعت نفسها في الوقت ذاته لتشكيل نتائج الصراعات الإقليمية على السلطة.
ولم تكن دبلوماسية الدرون التركية خالية من العيوب والمشاكل، ففي الشرق الأوسط، دفع تدخلها في ليبيا منافسيها مثل اليونان ومصر إلى تشكيل تحالف بهدف الحد من القوة التركية. وفي أوكرانيا تهدد المسيرات بالتأثير على التوازن الحساس مع روسيا التي لا تزال تحتفظ معها بعلاقات.
وفي السنوات الماضية عبّر مشرعون جمهوريون وديمقراطيون في الكونغرس عن مخاوفهم من انتشار المسيرات التركية، وأشاروا لدورها في النزاع بأذريبجان عام 2020 في منطقة ناغورو- قره باغ. وقال السناتور الديمقراطي عن نيوجرسي، بوب ميننديز في الخريف الماضي إن “مبيعات المسيرات التركية خطيرة وتهدد الاستقرار وتهدد السلام وحقوق الإنسان”. إلا أن تركيا وبعد سنوات من التصرف الفردي والإعتماد على النفس والذي خلق لها عددا من الأعداء الإقليميين وخربت تحالفاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا، بدأت باستخدام بيرقدار وبقية المسيرات كورقة تأثير ورفع مستواها على المسرح الدولي.
وفي أوكرانيا، منح دعم أنقرة العسكري لها أردوغان نفوذا جديدا في الناتو، حيث تعاني حكومته من وضع متقلب في الداخل وتعاني علاقاته مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منذ عدة سنوات من أزمة. ولو استطاعت تركيا إدارة برنامج المسيرات بنجاح والبناء عليه، فإنها ستمنح نفسها نوعا مهما من التأثير وتعيد في الطريق تشكيل الحروب بالطائرات بدون طيار.
وكانت ولادة المسيرات التركية قد بدأت في التسعينات من خلال مزودين أجانب، وفي وقت كانت فيه الولايات المتحدة الصانعة المهيمنة في هذا المجال. حاولت تركيا الحصول على هذه التكنولوجيا لمواجهة حزب العمال الكردستاني، المصنف كجماعة إرهابية في كل من تركيا والولايات المتحدة. ثم حاولت الحصول عليها من إسرائيل عام 2005، ولكن بنتائج مخيبة.
وفي السنوات الأخيرة رفضت طلبات تركيا لشراء مسيرات متقدمة مثل أم كيو-9 ريبر، ولهذا قررت تصنيع طائراتها.
وفي 2012 طورت شركة تابعة للحكومة نموذجا للدرون، وفي 2016 كانت قادرة على القيام بعمليات استطلاع فعالة. وخلال تلك الفترة حصل اختراق آخر من سلجوق بيرقدار صهر الرئيس أردوغان وقام بتصميم “بيرقدار تي بي2”.
وفي عام 2012 تم التحول لصناعة “تي بي2” بالجملة وبعد ثلاثة أعوام استطاعت القيام بغارات دقيقة بشكل جعلها أداة مهمة في الترسانة التركية. ومثل MQ-1 Predator و MQ-9 Reaper المصنوعة في الولايات المتحدة، فإن بيرقدار متوسطة الارتفاع وطويلة التحمل، ما أهلها فيما بعد للعب أدوار مهمة في أكثر من نزاع.
ومقارنة مع نظيرتها التركية، فالطائرات الأمريكية أقوى بدون شك، فلديها مثلا مدى يتفوق على التركية عشر مرات وسرعة بضعفين وقادرة على حمل أسلحة ضعفي التركية. ولكن كلفتها أعلى بثلاث مرات مقارنة مع التركية. وفي بعض الأحيان تكلف الذخيرة وحدها أكثر من صناعة “تي بي-2″، والتي تصل كلفتها مع سلاحها إلى ما بين مليون إلى مليوني دولار.
اقرأ أيضا: FT: أداء “بيرقدار” بأوكرانيا يدفع تركيا لموازنة موقفها بالحرب
وبدأت تركيا بداية عام 2015 باستخدام المسيرات في حربها الطويلة ضد حزب العمال الكردستاني، حيث استطاعت طرده من أراضيها وقتل عدد من قادته ولاحقته إلى الأراضي العراقية. ثم بدأت باستخدامها ضد الوحدات الكردية المسلحة في سوريا والمعروفة بقوات “حماية الشعب” المرتبطة بالعمال الكردستاني، وهي استراتيجية ساعدت تركيا للسيطرة على حدودها الجنوبية- الشرقية والجنوبية وتوسيع مداها إلى شمال سوريا والعراق بدون المخاطرة بإرسال قوات برية.
ولأول مرة منذ عقود استطاعت تركيا الحصول على مستوى الحسم في حربها الطويلة ضد حزب العمال الكردستاني.
وجعلت المميزات “بيرقدار” سلاحا لا يستغنى عنه لأولويات الأمن التركية ثبت نفعها للقوى الصغيرة والمتوسطة. فمن خلال استثمار متواضع تمكنت دول من الحصول على تكنولوجيا عسكرية فتاكة بإمكانها تغيير دينامية النزاعات وردع المتمردين والقوى الأخرى.
وفي عام 2017 بدأت تركيا بتصدير مسيراتها وبغضون خمسة أعوام صدرت “تي بي2” إلى عدد من الدول منها حلفاء في أوروبا، مثل ألبانيا وبولندا وأوكرانيا ودول وسط وجنوب آسيا مثل قيرغيستان وباكستان وتركمنستان. بالإضافة لدول أفريقية مثل إثيوبيا وليبيا والمغرب وتونس والصومال. إلى جانب دول في الخليج مثل قطر والقوقاز مثل أذربيجان.
ومع أن الصفقات كانت مدفوعة بمصالح تجارية وجيوسياسية إلا أنها تمت مع دول على علاقة استراتيجية مع أنقرة. وفي أعقاب بيع المسيرات التركية فقد أدت إلى حرف ميزان الحروب مثل ليبيا عام 2020 حيث دعمت تركيا الحكومة في طرابلس ضد أمير الحرب في الشرق خليفة حفتر الذي دعمته روسيا. وبذات السياق حرفت المسيرات التركية ميزان الحرب بين أذربيجان وأرمينيا.
وفي إدلب منحت المعارضة القوة لوقف قوات النظام السوري التي كانت تهدف لطردهم إلى تركيا. أما في إثيوبيا فقد ساعدت حكومة أديس أبابا لحرف ميزان الحرب ضد جماعات التيغراي. وكما في معظم الحالات فاهتمام إثيوبيا لم يكن تجاريا فقط بل وسيلة لتأكيد تأثيرها في القرن الأفريقي ومواجهة مصر التي تتنافس معها إقليميا.
ورغم حرف التكنولوجيا العسكرية ميزان الحروب لصالح دول ذات ميزانيات متوسطة إلا أنها خلقت تحديات لها أيضا، فدول مثل إثيوبيا والصومال وتونس حصلت على الطائرات بدون أن تكون لديها الأنظمة التكنولوجية لإدارتها.
وفي أيار/مايو 2020، بعدما حرفت تركيا مسار الحرب الأهلية الليبية، شكلت مصر تحالفا مع فرنسا وقبرص واليونان والإمارات العربية المتحدة لمعارضة نشاطات تركيا في البحر المتوسط وباستخدام الجهود الدبلوماسية والسياسية والبحرية. وزادت الولايات المتحدة الدعم العسكري لليونان لمنع روسيا وضد تركيا بمستوى آخر.
إلا أن الحرب الأوكرانية تعتبر الأهم بالنسبة للمسيرات التركية والأكثر خطرا. فقد استخدمت “تي بي2” عام 2020 ضد الانفصاليين في منطقة دونباس المدعومة من روسيا. لكن الغزو الروسي لأوكرانيا هو أول مرة تستخدم فيها مباشرة ضد الجيش الروسي.
وسجلت 60 غارة ناجحة ضد دبابات وعربات مصفحة ومدفعية روسية وحتى قطارات الإمدادات. وبالنسبة لعلاقات تركيا مع الغرب فقد أدت مشاركتها لتعزيز يد الأوكرانيين في الحرب ضد روسيا بل ورفعت من موقع أنقرة في داخل الناتو.
اقرأ أيضا: أوكرانيون يصدرون أغنية جديدة لمسيرة “بيرقدار” (شاهد)
وبالمقابل فقد أدى استخدام مسيراتها لطرح أسئلة حول جهود الحفاظ على علاقة عمل مع موسكو. وستحاول تركيا عمل جهدها لمنع وقوع أوكرانيا تحت السيطرة الروسية، ذلك أن الغزو غرس في عقلها حسا من الواقعية عندما يتعلق الأمر بروسيا، عدوتها التاريخية.
وتعتبر تركيا أوكرانيا ودول البحر الأسود مهمة جدا وحليفة في بناء كتلة ضد العملاق الروسي، شمال البحر الأسود. ولو استطاع بوتين السيطرة على أوكرانيا أو فشل ولام تركيا فسيحاول تقويض مصالح أنقرة، في سوريا مثلا من خلال خلق أزمة لجوء جديدة من إدلب باتجاه تركيا.
ونفت الحكومة التركية علنا أنها زودت أوكرانيا بالمسيرات وقالت إنها من عمل شركات خاصة، وحتى لو زودت كييف فقد وضعت نفسها كوسيط، بما في ذلك لقاء وزيري خارجية روسيا وأوكرانيا في أنطاليا بالعاشر من آذار/ مارس. وتخشى تركيا هزيمة الروس أكثر من انتصارهم، لأن روسيا شريك مفيد وتعاونت معه تركيا في القوقاز وسوريا وليبيا، ومن هنا فالهزيمة ستعرض علاقة العمل للخطر.
يريد أردوغان جذب المال الروسي لتعزيز الاقتصاد التركي. وربما تحولت تركيا إلى بلد عقارات للطبقة المتوسطة الروسية الراغبة بحماية ثروتها. ومن هنا تقوم استراتيجية أردوغان في أوكرانيا على تقديم الدعم الهادئ لكييف والحفاظ على علاقات دبلوماسية مع روسيا والحصول على المنافع الاقتصادية.
ولم يدعم أردوغان العقوبات الغربية على روسيا ولا زال يشتري النفط الروسي، وعلى خلاف الدول الغربية الأخرى أبقى على المجال الجوي التركي مفتوحا للطيران المدني الروسي. وربما كانت الإستراتيجية من وجهين مقبولة لروسيا في الوقت الحالي، ومن غير المحتمل قيام بوتين بفتح جبهة مع تركيا في الوقت الحالي. وبخاصة أنه يمنح الأثرياء الروس شريان حياة. ولو طال أمد الحرب واستمرت “تي بي2” بإسقاط أرصدة روسية مهمة مثل موسكوفا ومنع تركيا للسفن الحربية الروسية من عبور المضائق التركية، فهذا سيضع أنقرة وموسكو أمام مواجهة مباشرة.
ومع زيادة الضغوط على حكومة أردوغان لبناء علاقات مع التحالف الغربي، فإن تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة تحد كبير، فلم يتبن جو بايدن العلاقة مع أردوغان، ولا تزال العلاقة بينهما باردة.
#هكذا #ساهمت #بيرقدار #في #رسم #سياسة #تركيا #الخارجية
تابعوا Tunisactus على Google News