الخصاونة لـ”الغد”: الموهبة خميرة الفنان التي تتطلب التنمية والتهذيب
أحمد الشوابكة – يستطيع المتلقي التمييز بأن فضاء اللوحة عند الفنانة التشكيلية سيرين الخصاونة مليئا ومشبعا بالعناصر اللونية، وليس هناك فراغات، ما يسهل عليها أن تخلق للوحة إيقاعية متجانسة بين جميع زواياها، وكأنها منسوجة نسجا متكاملا يمكن أن تمتد إلى اللانهاية، معتبرة ذلك إيقاع رتم متكررا للوحتها وليست جملة لحنية واحدة، بحسب وصفها: “أرى العالم المتشكل في فضاء اللوحة لا ينتهي عند إطار اللوحة بل يمكن للمشاهد أن يكمل هذا العالم في مخيلته منطلقا مما شاهده في اللوحة”.
الخصاونة.. رؤى بصرية تميز لوحاتها
موهبة الخصاونة وحسها الفني وذائقتها البصرية الجمالية المستلهمة من جماليات الأردن وثراء بيئتها، شكلت مفتاحا أساسياً من مفاتيح إبداعها الفني، إذ استطاعت أن ترسم عشرات اللوحات الملونة، وأن تنتشل من ماضيها ذاكرة الدفء والبهجة وطقوس الحياة والبيوت ونوافذها العتيقة في لوحات تشكيلية بانورامية تبهر مشاهديها.
رغم أن الخصاونة لا تنتمي لأي مدرسة بعينها من مدارس الفنون التشكيلية، كونها ترغب أن يكون لها طابع خاص ولمسة فنية تتميز بها، لكنها تفضل المدرسة الواقعية، محاولة في تجربتها التشكيلية نشر التراث الأردني من خلال عشقها لإبراز البيوت القديمة، لما فيها من إبداع في التصميم والزخرفة، مؤكدة: “كل فنان يرسم ويجسد العمل بإحساس راق ومرهف يوصل للمشاهد فكرته وهو قدوة في إرسال رسالته عبر الفن التشكيلي الذي هو لغة جامعة للشعوب”.
فبحسب ما قالت الخصاونة، إن الموهبة في حياة الفنان هي الفاعل الأول في تكوين الفنان، لأن الموهبة هي خميرة الفنان، ولا خبز صحي وجيد دون خميرة، أما الدراسة فهي تربية الفنان، وتهذيب موهبته، لا شك أن الدراسة مهمة جدا، لا يمكننا أن نفصل في يومنا هذا بين الجهتين، لأن الدراسة تعطي للفنان ثقافة عامة ومختلفة، ولا يمكن أن تصل لهذه الموهبة دون تهذيبها في هذه الأيام، لكن الدراسة لوحدها أيضا لا تعطينا فنانين جيدين دون العمل والموهبة.
هناك كثير من الذين يحصلون على الشهادة لكن لا توجد لديهم موهبة، إذا في الأخير يغادرون الفن، ومن خلال التاريخ عرفنا الكثير من الفنانين الكبار وظهروا بعظمة عالية دون أي دراسة.
وترى الخصاونة، أن لكل فنان إحساسا ومفاهيم في الحياة بأسلوب فلسفي خاص؛ فالفنان يرسم إحساسه وشعوره، ويعبر عنه ضمن أنغام مختلفة، الفنان يدافع عن الجمال وليس بدافع الاضطهاد، فاللوحة تحكي عن الجمال والرومانسية، فهي لغة الحب، وبالتالي هي لغة الإبداع الذي يشير له الناس، وليس الذي يشير له الفنان ويحكي عن نفسه كفنان، والفن هو الفن.. هو الشفاء ولو كان يحكي عن الألم.
وتتصور أن الفن التشكيلي لم يعد سيناريو يزاوله الفنان على اللوحة فحسب، بل أصبح فضاء بعيد المدى لحل قضايا مجتمعية، ما جعلها تخرج بلوحات فنية متميزة تحاكي الطبيعة والتراث العتيق، مستندة على عناصر تنفذها على سطح اللوحة، ما أدى إلى استقطاب المشاهد لرؤية اللوحة ومتابعة كل الاتجاهات إلى اللانهاية بالعناصر والإيقاع، كونها تمتلك رؤية خاصة حول إطار اللوحة بعيداً عن التعقيدات والتقييدات ما يخلق إحساسا ينعم بالحرية في جل لوحاتها وتأطيرها في أبعادها الأساسية.
ولا ترى الخصاونة أن ثمة فروقات بين فنان وآخر، فكل فنان له تكنيك في رسم لوحته التي تنتج عن إبداع عن ما ينبثق من داخله وبنات أفكاره ليخرج منه طاقات إيجابية أو سلبية، لتجسيدها على أرض الواقع حسب خبراته وثقافته الفنية ودرايته وتشكيل الألوان بالفرشاة؛ فالكل يبدع في إظهار العمل بطريقته الخاصة وخبراته وأحاسيسه التي يترجمها في اللوحة، لكي يظهر العمل في أبهى صورة.
وتعيد الخصاونة التأكيد أنها تستمد لوحاتها روح الثقافة برؤية تغلب خيارات ومزاج الرسام في متخيل التجربة وتواكبها، وما تقترحه إبداعاتها كفن سمته اللون، والرؤية التي تنطوي على مهارات ومعرفة، بخفة التجريب وانسيابات الظل والضوء، ما يعكس قدرتها على استخدام تقنيات أسلوب تحفز المتلقي على التعمق في محتوى اللوحة وتفكيك رموزها برؤية بصرية مذهلة.
وتعمل الخصاونة الحاصلة على درجة البكالوريوس في الفنون الجميلة من جامعة اليرموك، رئيس قسم الفن التشكيلي ومدربة في معهد الفنون الجميلة التابع لوزارة الثقافة الذي عزز تجربتها باستلهامات كجزء من رسالة فنها الإنسانية، مشيرة إلى أن تزايد إقبال الشباب على ممارسة الفنون التشكيلية، وما يمتلكونه من طموح وطاقات، لمس اهتماماً كبيراً من معهد الفنون الجميلة بهؤلاء الفنانين الذين يقدمون أعمالا فنية لافتة، وهو الأمر الذي يبشر بمستقبل واعد للحركة التشكيلية الأردنية.
وتبين أن الأردن يتميز بمجموعة رائعة من الفنانين التشكيليين والرواد من أصحاب الرؤى والأساليب الفنية الخاصة، الذين نفخر بهم، وبمدارسهم الفنية الخاصة، التي نتعلم منها، والذين أوصلوا تراث وثقافة المملكة للمحافل الدولية بأعمالهم الفنية المتفردة.
ولا تحبذ الخصاونة أن تكون شخصية الفنان معقدة، بحسبها: “عادة الفنان التشكيلي يكون لديه مشاكل كثيرة وأمور صعبة في حياته، تسبب له الألم وتصحبها تجارب قاسية، ولكن يظل هذا الألم هو من يصنع الإبداع، ولكن شخصية الفنان التشكيلي لا تكون معقدة من الحياة إطلاقاً”.
وتشير إلى أن الفنان دائما متأمل بطبعه، ويرصد أمورا مختلفة، وتفاصيل صغيرة ودقيقة جداً، يستحيل على الإنسان العادي فهمها، أو رصدها مثل الفنان، وعندما يرسم الفنان لوحاته ومن فرط إحساسه أقل كلمة قادرة على أن تجرحه في أضعف المواقف، ولا ينسى، ويكتم في نفسه ويخزن داخلها شعوره المحمل بالطاقة السلبية، ويخرجها في لوحاته، فتكون أكثر إبداعاً، لأنه أخرج كل إحساسه في لوحة.
وتترك الخصاونة بصمة حضور في عالم الفن التشكيلي في الجانبين العملي والأكاديمي طيلة مسيرتها الفنية التي أثرت تجربتها الفنية من خلال توظيف طاقاتها ومكنونها الإبداعي في خدمة هذا الشق من الفنون، فابتكرت لنفسها مدرسة خاصة برؤية جديدة نابعة من خبراتها المتراكمة وتجاربها ومخزون ذاكرتها الشخصية، لتسجل إرثا ثقافيا وحضاريا، ومشاركة في المعارض الجماعية والفردية.
وحول مفرداتها التشكيلية ومواضيع لوحاتها الفنية، قالت الخصاونة، إن مواضيع أعمالها متنوعة، لكن أكثر ما يميزها هو ميلها لتناول التراث وكل مفردات الوطن وبيئته ومعالم تاريخه، وملامح وصور نهضته، مشيرة إلى أن قيامها برسم لوحات تتناول وطنها ومفردات تراثه وتاريخه ومظاهر حاضره، تعبير عن الامتنان لذلك الوطن، وعن الفخر بالانتماء له قيادة وأرضا وشعبا وتاريخاً وحاضراً.
وقالت إن الفنان التشكيلي يقوم بأخذ أفكار من الواقع الذي يعيش فيه ثم ينقلها بطريقة رؤيته للأمور ثم يصيغها بشكل جميل تجعله مميزا عن غيره، مؤكدة أن الفن التشكيلي لطبقة معينة، فهو أعد للناس الذين يمتلكون ثقافة فنية عالية، ومتذوقون للفن ويقدرون ريشة الفنان، واسمه وقيمة أعماله الفنية.
وتؤكد، في السياق ذاته، أن الفنان الموهوب بطبيعته يكون مختلفا عن بقية الناس، الذين لا يمتلكون الموهبة، ولكن هذا الفنان يمتلك حساسية شديدة مفرطة في الكثير من الأحيان، يكون رقيقا جدا، أمام نفسه ومشاعره وأمام الناس، ينظر للدنيا بصورة مختلفة، ويتطلع إلى الناس بطرق مختلفة، لأن الإنسان العادي لا يركز في التفاصيل على عكس الفنان.
وتوضح، أنا شخصيا عندما أجلس مع أحد أنظر إلى ملامح وجهه، وأتطلع إليها وأدقق في تفاصيلها، حتى أرصد النسب، وكيف العين تُرسم، ونوعية الشعر وماهية التشريح وأمور أخرى لا أحد يقدر أن يرصدها أو يفهمها أو يتفهمها سوى الفنان.
وتختتم حديثها لـ”الغد” بالقول، أن المشهد التشكيلي في الأردن في حالة من الازدهار والتطور والتقدم، وأن الفنون التشكيلية صارت جزءاً من المجتمعات العربية وجزءاً من محافل تلك المجتمعات، وذلك بفضل انتشار الثقافة والفنون البصرية، وتزايد أعداد الفنانين الشباب، الذين يتمتعون بطموح فني لا محدود.
اقرأ أيضاً:
لوحات الخصاونة تزهو في بيت عرار
#الخصاونة #لـالغد #الموهبة #خميرة #الفنان #التي #تتطلب #التنمية #والتهذيب
تابعوا Tunisactus على Google News