النواب يرفضون مشروع قانون المالية التعديلي لسنة 2020 في صيغته الحالية
عقدت لجنة المالية والتخطيط والتنمية جلسة صباحية يوم الأربعاء 28 أكتوبر 2020 خصصتها للاستماع إلى محافظ البنك المركزي التونسي حول مشروع قانون المالية التعديلي لسنة 2020 وجلسة مسائية استمعت خلالها إلى كاتب الدولة المكلف بالمالية العمومية والجباية وثلة من إطارات الوزارة حول نفس المشروع.
وفي مستهل الجلسة، قدّم المحافظ عرضا حول أهم المؤشرات المرتبطة بالسياسة النقدية للبلاد وأهم الاستنتاجات والقرارات حول مشروع قانون المالية التكميلي حيث بيّن أن البنك المركزي التونسي انتهج سياسة نقدية نشطة واستباقية مكنته من تجنب انزلاق التضخم وأدت إلى خفض التضخم من ذروة بلغت 7,7٪ في جوان 2018 إلى 5,8٪ في فيفري 2020.
وأضاف أن استمرار المسار التنازلي للتضخم المسجل في الأشهر الأخيرة شجع البنك المركزي على تخفيف سياسته النقدية بالتخفيض بـ100 نقطة أساسية في مارس 2020، تلاه تخفيض ثانٍ قدره 50 نقطة أساسية في أسعار الفائدة الرئيسية في نهاية سبتمبر 2020، لتتراجع هذه الأخيرة إلى 6,25٪ كما تم تقليص عجز الميزان الجاري (8,5٪ من إجمالي الناتج المحلي في 2019 مقابل 11,2٪ في 2018).
وأفاد أن توازنات المالية العمومية تأثرت بشدة من تداعيات الأزمة الصحية كوفيد-19 مع تسجيل عجز يفوق 13٪ مقدر ضمن مشروع قانون المالية التعديلي لسنة 2020، مما يرفع الدين العمومي إلى مستويات غير مسبوقة من شأنها أن تعرض استدامته للخطر.
وبيّن أن الوضعية المستقبلية ستشهد انخفاضا هاما في الموارد الذاتية للدولة وزيادة غير متوقعة في حجم التدخلات المبرمجة في الميزانية على الرغم من الاقتصاد في نفقات المحروقات بالعلاقة مع تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية وتحسن سعر صرف الدينار أمام الدولار الامريكي، كما ستشهد مراجعة نحو الارتفاع لنفقات التأجير في القطاع العام مما رفع كتلة الأجور إلى 19247 مليون دينار أو ما يفوق 17٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
وأكّد أن الحكومة مدعوة لمراجعة مشروع الميزانية التعديلية في اتجاه تخفيض النفقات (تأجيل بعض النفقات غير الضرورية) أو تكثيف عملية استرداد المبالغ المستحقة لفائدة الدولة.
وذكّر أن الإطار القانوني الحالي للبنك المركزي يمنع التمويل النقدي للعجز المعروض على مستوى قانون المالية التعديلي 2020، حيث يتطلب ذلك ترخيصا استثنائيا من مجلس نواب الشعب، يكون مقترنا بالتزام الدولة بالمضي قدما في طريق الإصلاحات الهيكلية الكفيلة باستعادة توازنات المالية العمومية.
وأضاف أن البنك المركزي التونسي لا يمكنه تقديم الدعم إلا من خلال السوق الثانوية ووفقا لشروط السوق مشيرا إلى أنه يجب حصر التمويل الإضافي من حيث المدة ووفقا لجدول زمني محدد مسبقا ويكون معظم التمويل قصير الأجل بهدف احتواء آثاره التضخمية وتداعياته السلبية على تمويل الاقتصاد.
ودار نقاش استنكر من خلاله النواب عدم الانسجام والتناسق بين وزارة الاقتصاد ودعم الاستثمار والبنك المركزي التونسي فيما يتعلق بكيفية تعبئة الحاجيات الإضافية للتمويل في ميزانية 2020 والمقدرة بحوالي 10 مليار دينار، مشيرين إلى أهمية دور اللجنة التحكيمي والمحوري لايجاد حلول في كيفية تعبئة الموارد الإضافية للدولة لسنة 2020.
واعتبر النواب أنّ ما صرح به المحافظ بخصوص تحسن المؤشرات الاقتصادية على غرار انخفاض نسبة التضخم واستقرار سعر صرف الدينار غير ملموس في الواقع الاقتصادي الحالي.
كما اعتبروا أنّ حجم الميزانية المحين لسنة 2020 من شأنه أن يضاعف في نسبة التضخم مما يمكن أن يؤدي إلى مزيد الترفيع في نسبة الفائدة المديرية واقترحوا اللجوء إلى السوق المالية العالمية وتجنب الالتجاء إلى الاقتراض الداخلي.
كما أكدوا على ضرورة التفكير في حلول أخرى على غرار ضرورة العمل على إدماج الاقتصاد الموازي في الاقتصاد المنظم من خلال إيجاد حلول ملموسة على غرار تغيير الأوراق النقدية المتداولة مما يساهم في ارتفاع نسبة السيولة والتقليص من حجم الأموال المتداولة في القطاع الموازي الذي تسبب في انخرام الاقتصاد.
ودعا بعض النواب إلى إعادة جدولة الديون التي سيتم تسديدها والمنصوص عليها في الميزانية التعديلية مما يساهم في التقليص من حجم النفقات خاصة في هذا الوضع الاقتصادي الصعب التي تمر به البلاد.
واعتبر البعض الآخر أنّ توجه الحكومة إلى تسديد ديون بعض المؤسسات العمومية توجه خاطئ في هذا الظرف الاستثنائي، بالإضافة إلى أنّ جل المؤسسات العمومية تتطلب إعادة الهيكلة لكي تكون قاطرة للنمو الاقتصادي ومساندة للدولة عوض تكبيلها بالنفقات الإضافية.
وأضافوا أنّ عدم التوجه نحو الإصلاحات الهيكلية وحوكمة المالية العمومية سيؤدي إلى تعميق الأزمة والتسريع في إفلاس البلاد.
وفي تفاعله مع تدخلات النواب، أفاد محافظ البنك المركزي أنّ استبدال العملة المتداولة لغاية ادماج القطاع الموازي في القطاع المنظم توجه صائب ولكن أغلب الدراسات في هذا المجال تؤكد على أنّ هذا التمشي لا يتلاءم مع الوضع الاقتصادي الحالي.
وأفاد أنّ الدولة تشكو من نقص في السيولة الذي تضاعف من جراء الجائحة، هذا بالإضافة إلى تقلص حجم الاستثمارات والذي ليس له أي ارتباط بارتفاع نسبة الفائدة المديرية بل هو مرتبط أساسا بعدم الاستقرار السياسي وأن البنك في عمل متواصل مع هذه الوكالة لتحسين الترقيم السيادي للبلاد.
وأكد المحافظ على أنّ هناك تنسيق متواصل ودوري مع وزارة الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار بخصوص السياسة النقدية وله علم بكل تفاصيل موارد الخزينة.
وبخصوص هيكلة المؤسسات العمومية، اعتبر أّنّ إعادة هيكلة البنوك العمومية ورسملتها ساهمت في تحسين وضعيتها المالية وبالتالي انقاذ العديد من المؤسسات العمومية.
وبالنسبة للخروج على السوق المالية العالمية، أفاد المحافظ أن عدم الاستقرار السياسي لن يمّكن من توفير قرض رقاعي بنسب تفاضلية. وأكد على ضرورة تحديد الأولويات بطريقة تشاركية في ما يتعلق باتخاذ القرارات لإنقاذ الوضعية المالية الحرجة للبلاد وذلك من خلال الاستئناس بالتجارب المقارنة.
وشدّد المحافظ على عدم المس من قانون البنك المركزي لما يمكن أن يتسببه من انعكاسات سلبية على الترقيم السيادي مع إمكانية الاقتصار على ترخيص استثنائي ولكن بعد مراجعة بعض النفقات مؤكدا على أهمية اعتماد خطة استراتيجية واستشرافية تتأسس على ضمان الاستقرار السياسي والاقتصادي والجبائي.
ثم واصلت اللجنة خلال جلستها المسائية دراسة مشروع القانون حيث استمعت إلى كاتب الدولة المكلف بالمالية العمومية والجباية الذي شدد على أن الحقيقة تبين أن هناك انخراما كبيرا في التوازنات رغم أن الأرقام المقدمة في المشروع حقيقية وتعكس الوضعية الصعبة والحرجة للمالية العمومية.
وقدّم عددا من التعديلات التي تقوم على التقليص في عدد من النفقات مكّنت من التقليص في حجم عجز ميزانية الدولة من 13.4% من الناتج الداخلي الخام إلى 12.1%.
واعتبر أعضاء اللجنة أن الحلول المقترحة من قبل الحكومة غير كافية ولم تمكن من التقليص في عجز الميزانية إلى حدود تخول إمكانية اللجوء إلى التداين الداخلي دون الخشية من عدم توفر السيولة الكافية لذلك وذلك في ظل ما قدمه محافظ البنك المركزي من أرقام حول مقبولية اللجوء للاقتراض الداخلي.
كما جدّدوا تأكيدهم حول عدد من النقاط التي تهم دواعي ارتفاع المديونية وارتفاع النفقات بشكل كبير وعدم التفكير في إيجاد حلول تقوم على الترفيع في الموارد الذاتية للدولة على غرار سن قانون يمكّن من خلاص مستحقات الدولة بالتخلي عن الفوائض التعاقدية وفوائض التأخير.
واعتبر بعض النواب أن جزء من الحل يكون عبر الاقتراض من البنك المركزي التونسي أمام محدودية السوق المالية الداخلية.
وأكد النواب أن الحكومة مدعوة إلى مراجعة مشروع الميزانية في اتجاه تخفيض النفقات وتأجيل بعض النفقات غير الضرورية أو تكثيف عملية استرداد المبالغ المستحقة لفائدة الدولة مؤكدين على أن التخفيض من النفقات لا يمكن أن يمس من المقدرة الشرائية للمواطن ومن أجره
و تبعا لذلك أجمع النواب على عدم قبولهم لمشروع قانون المالية التعديلي لسنة 2020 في صيغته الحالية وطالبوا الحكومة بسحبه وإعادة صياغته وتعديله وإحالته مجددا على أنظار مجلس نواب الشعب باعتبار أن الآجال القانونية لازالت تسمح بذلك.