هل تتغير خريطة مهرجانات السينما العربية في 2024؟
هل تتغير خريطة، وطبيعة، المهرجانات السينمائية العربية خلال العام 2024؟ سؤال يطرحه البعض هذه الأيام، من المتابعين والعاملين في المهرجانات التي تقام في المنطقة العربية، بعد تجمع عدة عوامل ومظاهر تشير إلى بدايات تغير ما في هذه الخريطة، والطبيعة. جزء من هذا التغير اقتصادي، سياسي، وجزء منه ثقافي، وفني. تاريخ “متواضع” لعقود طويلة لم يكن للمهرجانات السينمائية حضورا يذكر في معظم البلاد العربية، باستثناءات قليلة منها مهرجان “القاهرة الدولي” ومهرجان “قرطاج” المخصص للسينما الإفريقية والعربية، ومهرجان الإسماعيلية المخصص للأفلام الوثائقية والقصيرة. ولكن منذ عشرين عاماً تقريباً بدأت في الظهور مهرجانات كثيرة لعل أشهرها مهرجان “مراكش” في المغرب، ثم “دبي” و”أبو ظبي” في الإمارات، وحتى “الجونة” في مصر، و”البحر الأحمر” في السعودية، بجانب مهرجانات عديدة أخرى أقل حجماً وتأثيراً. هذه المهرجانات تلعب (أو يفترض أنها تلعب) أدوارا متنوعة ثقافية وسياحية وسياسية لا غنى عنها، بل تحتاج إلى مزيد من الانتباه والدعم من قبل الحكومات والمؤسسات الاجتماعية والاقتصادية الأهلية. مع ذلك، فقد كشفت الأحداث الدامية في فلسطين، عقب السابع من أكتوبر 2023، أن وجهة النظر السائدة في أهمية هذه المهرجانات لم يزل يشوبها كثير من القصور وضيق الأفق. أحد مظاهر هذا القصور كان إلغاء دورة مهرجان القاهرة، التي كان مقرراً لها أن تعقد في نوفمبر الماضي، بسبب الحرب في غزة، وتأجيل الدورة السادسة من مهرجان “الجونة” التي كان يفترض أن تعرض في نهاية أكتوبر لأكثر من مرة، إلى أن عُقِدَت في منتصف ديسمبر بعد إضافة برنامج للسينما الفلسطينية وتقليص المظاهر الاحتفالية، وغلبة جو من الحداد على المهرجان، الذي كان الأكثر صخباً وإثارة للجدل في العالم العربي. ما حدث في “الجونة” مشابه لما حدث، بدرجات مختلفة، في تونس والمغرب وأماكن أخرى، حيث أقيم مهرجان “قرطاج” في موعده في نوفمبر، ولكن بعد تغيير ملصق المهرجان ليحمل علم فلسطين، بالإضافة إلى تعديل برامج المهرجان وغلبة الطابع السياسي التضامني مع أهل غزة، وبعده عقد مهرجان “مراكش” في نهاية نوفمبر بعد تعديل بعض برامجه وسط جو هادئ، متجهم. بعد “مراكش” عقدت الدورة الثالثة من مهرجان البحر الأحمر في جدة، ورغم محاولة منظمي المهرجان لجعله (طبيعياً) بقدر الإمكان، لكن ما يحدث في فلسطين ألقى بظلاله على الفعاليات والجوائز. بين التشكيك والتأييد في كل الأحوال، سواء عقد المهرجان، أم لم يعقد، كان السؤال يثار دائماً: هل ينبغي أن نقيم هذه الفعاليات الفنية أم أن الأفضل إلغاؤها أو تأجيلها مراعاة للظروف السياسية، وهو سؤال يعني ضمنيا التشكك في مدى “جدية” و”أهمية” هذه الفعاليات الفنية. مصدر وسبب هذا “الشك” يرجع، غالبا، لعدة أسباب منها النظرة العامة السائدة للفنون، خاصة السينما، باعتبارها ترفيهاً محضاً، وفي نظر البعض “حرام” أو “لهو”، والحقيقة أن كثير من هذه الاتهامات هو لهو ولغو. ومن هذه الأسباب أن المهرجانات السينمائية تحمل وجها احتفالياً صاخباً فاخراً، يثير حنق البعض أحياناً، ويعتقد البعض الآخر أنه الوجه الوحيد للمهرجانات. المدهش هنا أن المهرجانات، رغم وجهها الاحتفالي، هي أكثر الفعاليات السينمائية جدية بما تضمه من أفلام مختارة بعناية، ومن ندوات ومحاضرات وورش عمل وصناديق دعم، كما أنها “منصة” للتعارف والتبادل الثقافي وسوقاً للتوزيع، وفوق ذلك وسيلة للدعاية السياحية والسياسي لا مثيل لها بين الفعاليات الأخرى الفنية وغير الفنية. للمهرجانات وجوهها وأدوارها المتعددة، وقد تغيرت طبيعة المهرجانات السينمائية بشكل عام على مستوى العالم خلال العقدين الأخيرين، وأصبح لها أدوار ووجوها أخرى. مهرجانات عتيقة وحديثة في العالم العربي هناك المهرجانات “التقليدية” القديمة مثل “القاهرة” و”قرطاج” و”دمشق”، هذه المهرجانات كانت تركز منذ نصف قرن على الوجه السياسي والثقافي، وعلى عرض الأفلام، خاصة أن فرص مشاهدة الأفلام العالمية كانت محدودة في العالم العربي؛ نظراً لضيق سوق التوزيع، ولم يكن هناك سوى المراكز الثقافية الأجنبية أو المهرجانات الدولية للاطلاع على الإنتاج العالمي. ولكن مع اتساع الفضاء الرقمي وإمكانية مشاهدة معظم الأفلام العالمية الحديثة والقديمة عبر الوسائط الحديثة، كان يجب أن تتغير طبيعة المهرجانات وألا يقتصر دورها على عرض الأفلام. وبالتالي، بدأت المهرجانات تهتم بالجانب الاقتصادي المتمثل في توفير سوق للبيع والشراء وببرامج الدعم للسينمائيين، حتى أصبحت بعض المهرجانات ممولاً ومنتجاً رئيسي لكثير من الأفلام الفنية الصغيرة، وهذا الدور تحديدا اهتمت به دول الخليج في دبي وأبو ظبي قبل توقفهما، ثم الجونة والبحر الأحمر لاحقاً. وبالتالي أصبحت هذه المهرجانات تلعب دوراً كبيراً في دعم وتنشيط صناعة السينما في البلاد العربية عامة، كذلك أصبحت بعض المهرجانات وسيلة جذب لشركات الإنتاج والفنانين العالميين، وقد ظهر هذا بشكل واضح في مهرجان مراكش الذي يستقطب كبار العاملين في السينما الأمريكية والأوروبية لتصوير أفلامهم في المغرب، وهو ما حدث في دبي وأبو ظبي، ويحدث حاليا في البحر الأحمر. ومن ثم تلعب المهرجانات دوراً اقتصادياً، سياحياً، سياسياً، شديد الأهمية، اعتماداً على حجم هذه المهرجانات والأموال المستثمرة فيها (أحيانا لا ترى العين الخارجية سوى ما ينفق على هذه المهرجانات، ولا ترى العائد الضخم الذي تدره مادياً ومعنوياً). الدور الثقافي.. الأهم من ناحية ثانية يظل للمهرجانات دورها الثقافي والفني الذي لا تضاهيه أي نشاطات فنية أخرى، فالمهرجان (الجيد) لا يكتفي بعرض الأفلام الجيدة، ولكنه يوفر فرصة لصناع ومحبي السينما المحليين بلقاء أصحاب الأفلام والحوار معهم (وأحيانا التعاون معهم في أعمال مستقبلية)، كما أن ورش العمل والمحاضرات والـ Masterclasses، هي بمثابة فرصة لا مثيل لها للتعلم والتحدث مع كبار السينمائيين والمعلمين، وبالتالي تعود بالفائدة العظمى على صناع ومحبي الأفلام المحليين، وبالطبع هناك الدور الكبير الذي تلعبه هذه المهرجانات في رفع مستوى الذوق العام والتحضر والتقريب بين البشر، محلياً، وعالمياً. وفيما يخص عالمنا العربي، فلعل أهم دور تلعبه المهرجانات السينمائية هو توفير فرص التعرف على الأفلام العربية، فكما نعلم لا يوجد سوق توزيع “عربي” في البلاد العربية (باستثناء السينما المصرية الشعبية)، ومن دون المهرجانات لن يعلم المغربي ما ينتج في الخليج ولا الخليجي ما ينتج في السودان، وهلم جراً. وقد ظهر ذلك بوضوح فيما يتعلق بالسينما الفلسطينية خلال الشهور الأخيرة، فمن خلال المهرجانات التي عقدت عقب الحرب (قرطاج والبحر الأحمر والجونة) عرض الكثير من الأفلام الفلسطينية الحديثة والقديمة، ما مثل نافذة مهمة للمعرفة والفهم والتعاطف. مستقبل واعد المهرجانات السينمائية مهمة للعالم العربي الآن أكثر من أي وقت مضى، فهي وسيلة لا مثيل لها للتعريف بقضايانا وثقافتنا ولغتنا، كما أنها سلاح ثقافي وسياسي فعال، بل ربما الأكثر فعالية (بعد السوشيال ميديا) في توجيه الرأي العام والحرب المعنوية وتصحيح المغالطات والأكاذيب. في 2024 نأمل أن تتسع خريطة المهرجانات العربية، وهناك أخبار جيدة بقرب عودة مهرجاني دبي وأبو ظبي أو إقامة مهرجانات بديلة لهما، وهناك أخبار تتعلق بإقامة مهرجانات جديدة في أكثر من مدينة عربية. نأمل أيضاً أن يزداد اهتمام الحكومات، خاصة وزارات الثقافة والسياحة والخارجية، بالمهرجانات، وأن يدرك رجال الأعمال والشركات الاقتصادية الكبرى والمحطات والمواقع الإعلامية أن الاستثمار في هذه المهرجانات سيعود عليهم بالفائدة على المدى البعيد. هناك ميل عالمي متزايد نحو المهرجانات المتخصصة، التي ترتبط بالقضايا الإنسانية الكبرى، مثل البيئة والهجرة والفقر وذوي الهمم وقيم التسامح والسلام والصحة والرياضة، إلى آخره، ونأمل أن يزداد اهتمام المؤسسات العربية خلال الفترة القادمة بهذه القضايا، من خلال دعم المهرجانات القائمة أو مهرجانات جديدة متخصصة، وهناك أخبار حول إقامة مهرجان متخصص في قضايا البيئة في محافظة الفيوم بمصر، بجانب مهرجان آخر حديث متخصص في البيئة في المغرب. * ناقد فني
#هل #تتغير #خريطة #مهرجانات #السينما #العربية #في
تابعوا Tunisactus على Google News